الاستغفار
عبادة مشروعة، ومن أحكامها جواز استغفار الأعلى للأدنى والأدنى للأعلى، والحي
للميت، والشريف للوضيع، والوضيع للشريف، وهكذا .. والدليـل على ذلك قول الله
تعالى: }وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ{
[محمد: 19].
فأمر
الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار له أولاً وللمؤمنين والمؤمنات ثانيًا.
وقال
تعالى: }وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا
اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا{
[النساء: 64].
ومن
ذلك الاستغفار للأموات، فالاستغفار عبادة قولية يصحُّ فعلها للحيِّ والميت.
أما
الأحياء: فقد جاءت نصوص كثيرة غير ما سبق تدلُّ على مشروعية الاستغفار من الناس
لبعضهم البعض، وأن يطلبـوا ذلك فيما بينهم، سواء كان بسبب أو بغير سبب، من ذلك
يقول تعالى: }فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ{
[آل عمران: 159]. وقولــه تعالى: }شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا{
]الفتح: 11]. وقـــال تعالى: }فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ{
[النور: 62]. وقال تعالى: }فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ{
[الممتحنة: 12]، وقال تعالى: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ
لَوَّوْا رُءُوسَهُــمْ{ [المنافقون: 5]. وقال تعالى عن الملائكة: }وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا{ [غافر:7]
وقال
تعالى: }وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ
لِمَنْ فِي الْأَرْضِ{ [الشورى: 5].
وقد
أرشد النبي صلى الله عليه وسلَّم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إلى أن يحرص على
مقابلة رجل من أهل اليمن، اسمه: أويس القرني، وأن يطلب منه أن يستغفر له فقال:
«... له والدة بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك
فافعل»... فأتى أويسًا فقال: " استغفر لي.. فاستغفر له " [1]
وأرشد
النبي صلى الله عليه وسلم المسلم إذا أكل من طعام أخيه أن يستغفر ويدعو له، فعن عبد
الله بن بسر – رضي الله عنه – قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي،
قال: فقرَّبنا إليه طعامًا ووطبةً فأكل منها.. فقال أبي، وأخذ بلجام دابته: ادعُ
الله لنا، فقال: «اللهم بارك لهم فيما
رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم» [2]
وعن
محمد بن سيرين قال: كنا عند أبي هريرة ليلة، فقال: اللهم اغفر لأبي هريرة ولأمي،
ولمن استغفر لهما، قال محمد بن سيرين: «فنحن نستغفر لهما حتى ندخل في دعوة أبي
هريرة» [3]
قال
بكر بن عبد الله: "لو كان رجل يطوف على الأبواب كما يطوف المسكين يقول:
استغفروا لي، لكان توله أن يفعل. ومن كثرت ذنوبه وسيئاته حتى فاتت العدد والإحصاء
فليستغفر الله مما علم الله، فإن الله قد علم كل شيء وأحصاه. كما قال تعالى: }يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا
أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ{[4]
[المجادلة: 6].
وأما
الأموات: فقد ثبت في السنة مشروعية الاستغفار لهم في حالات، منها:
عن
أم سلمة رضي الله عنها قالت:... فلما مات أبو سلمة أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم
فقلت: إنَّ أبا سلمة قد مات، قال: «قولي:
اللهم اغفر لي وله»
[5]
وفي
صلاة الجنازة ورد الاستغفار للميت في أحاديث كثيرة منها: عن عبد الرحمن بن عوف بن
مالك قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظت من دعائه، وهو يقول: «اللهم اغفر له وارحمه...»
وعن
أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة
فقال: «اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا...»
[7].
وعن
واثلة بن الأسقع – رضي الله عنه – قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على
رجل من المسلمين، فسمعته يقول: «... اللهم
فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم» [8]).
ويندب
عقب دفن الميت المسلم أن يقف جماعة يستغفرون الله له، فعن عثمان بن عفان رضي الله
عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل»
[9]
وعن
أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: تُرفع للميت بعد موته درجته، فيقول، أي رب، أي
شيء هذه؟ فيقال: ولدك استغفر لك{[10]
1/
أخرجه مسلم من حديث أسير بن عمرو.
2/
أخرجه مسلم.
3/أخرجه
البخاري في " الأدب المفرد " بسند حسن.
4/
جامع العلوم والحكم لابن رجب (2/416).
5/
أخرجه مسلم.
6/
أخرجه مسلم.
7/رواه
الترمذي.
8/
أخرجه أبو داود وابن ماجة.
9/
أخرجه أبو داود والنسائي.
10
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " بسند حسن.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire