باب في أركان الصلاة
وواجباتها وسننها
https://twitter.com/hadithecharif
http://almobine.blogspot.com/
أيها المسلم ! إن الصلاة عبادة
عظيمة , تشتمل على أقوال وأفعال مشروعة تتكون منها صفتها الكاملة ; فهي كما يعرفها
العلماء : أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم .
وهذه الأقوال والأفعال ثلاثة أقسام : أركان , وواجبات , وسنن .
فالأركان : إذا ترك منها شيء ,
بطلت الصلاة , سواء كان تركه عمدا أو سهوا , أو بطلت الركعة التي تركه منها ,
وقامت التي تليها مقامها , كما يأتي بيانه .
والواجبات : إذا ترك منها شيء عمدا
; بطلت الصلاة , وإن كان تركه سهوا ; لم تبطل , ويجبره سجود السهو .
والسنن لا تبطل الصلاة بترك شيء
منها لا عمدا ولا سهوا , لكن تنقص هيئة الصلاة بذلك . والنبي صلى الله عليه وسلم
صلى صلاة كاملة بجميع أركانها وواجباتها وسننها , وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي . ..
فأركان الصلاة أربعة عشر : وهي كما
يلي :
الركن
الأول :
القيـام في صلاة الفريضة : قال تعالى : وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ وفي حديث عمران مرفوعا : صل قائما , فإن لم تستطع , فقاعدا , فإن لم تستطع ; فعلى جنب فدلت الآية والحديث على
وجوب القيام في الصلاة المفروضة مع القدرة عليه . فإن لم يقدر على القيام لمرض ;
صلى على حسب حاله قاعدا أو على جنب , ومثل المريض الخائف والعريان , ومن يحتاج
للجلوس أو الاضطجاع لمداواة تتطلب عدم القيام , وكذلك من كان لا يستطيع القيام
لقصر سقف فوقه , ولا يستطيع الخروج , ويعذر أيضا بترك القيام من يصلي خلف الإمام
الراتب الذي يعجز عن القيام , فإذا صلى قاعدا ; فإن من خلفه يصلون قعودا ; تبعا
لإمامهم ; لأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض ; صلى قاعدا , وأمر من خلفه بالقعود .
وصلاة
النافلة يجوز أن تصلى قياما وقعودا ; فلا يجب القيام فيها ; لثبوت أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يصليها أحيانا جالسا من غير عذر .
الركن
الثاني : تكبيرة الإحرام في أولها : لقوله صلى الله عليه وسلم : ثم استقبل القبلة وكبر وقوله صلى
الله عليه وسلم : تحريمها التكبير ولم ينقل
عنه صلى الله عليه وسلم أنه افتتح الصلاة بغير التكبير , وصيغتها أن يقول : الله
أكبر , لا يجزيه غيرها ; لأن هذا هو الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
الركن الثالث :
قراءة الفاتحة : لحديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب
وقراءتها ركن في كل ركعة , وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان
يقرؤها في كل ركعة , وحينما علم صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته كيف يصلي ;
أمره بقراءة الفاتحة .
وهل هي
واجبة في حق كل مصل , أو يختص وجوبها بالإمام والمنفرد ؟ فيه خلاف بين العلماء ,
والأحوط أن المأموم يحرص على قراءتها في الصلوات التي لا يجهر فيها الإمام , وفي
سكتات الإمام في الصلاة الجهرية .
الركن
الرابع : الركوع في كل ركعة : لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وقد ثبت الركوع في سنة
الرسول صلى الله عليه وسلم ; فهو واجب بالكتاب والسنة والإجماع . وهو في
اللغة الانحناء , والركوع المجزئ من القائم هو أن ينحني حتى تبلغ كفاه ركبتيه إذا
كان وسط الخلقة ; أي : غير طويل اليدين أو قصيرهما , وقدر ذلك من غير وسط الخلقة ,
والمجزئ من الركوع في حق الجالس مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض .
الركن
الخامس والسادس : الرفع من الركوع والاعتدال واقفا كحاله قبله :
لأنه صلى الله عليه وسلم داوم على فعله , وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي
الركن
السابع : السجود : وهو وضع الجبهة على الأرض , ويكون على الأعضاء السبعة , في
كل ركعة مرتين ; لقوله تعالى : وَاسْجُدُوا وللأحاديث الواردة من
أمر النبي صلى الله عليه وسلم به , وفعله له , وقوله : صلوا كما رأيتموني أصلي فالأعضاء
السبعة هي : الجبهة , والأنف , واليدان , والركبتان , وأطراف القدمين ; فلا بد أن
يباشر كل واحد من هذه الأعضاء موضع السجود وحسب الإمكان , والسجود أعظم أركان
الصلاة , وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ; فأفضل الأحوال حال يكون العبد
فيها أقرب إلى الله , وهو السجود .
الركن
الثامن : الرفع من السجود والجلوس بين السجدتين : لقول عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجود ; لم
يسجد حتى يستوي قاعدا رواه مسلم
.
الركن
التاسع : الطمأنينة في كل الأفعال المذكورة : وهي السكون , وإن قل , وقد دل
الكتاب والسنة على أن من لا يطمئن في صلاته ; لا يكون مصليا , ويؤمر بإعادتها .
الركن
العاشر والحادي عشر : التشهد الأخير وجلسته : وهو أن
يقول : ( التحيات . .. " إلخ " اللهم صل على محمد " ; فقد ثبت أنه
صلى الله عليه وسلم لازمه , وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي وقال ابن
مسعود رضي الله عنه : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد ; فقوله : قبل أن يفرض :
دليل على فرضه .
الركن
الثاني عشر : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في
التشهد الأخير : بأن يقول : " اللهم صل على محمد ... " وما زاد على ذلك
; فهو سنة .
الركن
الثالث عشر : الترتيب بين الأركان : لأن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يصليها مرتبة , وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي وقد علمها
للمسيء مرتبة ب ( ثم ) .
الركن
الرابع عشر : التسليم : لقوله صلى الله عليه وسلم : وختامها التسليم وقوله صلى
الله عليه وسلم : وتحليلها التسليم فالتسليم وشرع للتحلل من
الصلاة ; فهو ختامها وعلامة انتهائها .
أيها القارئ الكريم ! من ترك ركنا
من هذه الأركان : فإن كان التحريمة ; لم تنعقد صلاته , وإن كان غير التحريمة , وقد
تركه عمدا ; بطلت صلاته أيضا , وإن كان تركه سهوا - كركوع أو سجود - , فإن ذكره
قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى ; فإنه يعود ليأتي به وبما بعده من الركعة التي تركه
فيها , وإن ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى ; ألغيت الركعة التي تركه منها
وقامت الركعة التي شرع في قراءتها مقامها , ويسجد للسهو , وإن علم الركن المتروك
بعد السلام , فإن كان تشهدا أخيرا أو سلاما ; أتى به , وسجد للسهو وسلم , وإن كان
غيرهما - كركوع أو سجود - ; فإنه يأتي بركعة كاملة بدل الركعة التي تركه
منها , ويسجد للسهو , ما لم يطل الفصل , فمان طال الفصل , أو انتقض وضوؤه ; أعاد
الصلاة كاملة . فما أعظم هذه الصلاة وما تشمل من الأقوال والأفعال الجليلة ! وفق
الله الجميع لإقامتها والمحافظة عليها .
واجبات الصلاة
ثمانية
الأول : جميع التكبيرات التي في الصلاة غير تكبيرة الإحرام واجبة ;
فجميع تكبيرات الانتقال من قبيل الواجب لا من قبيل الركن .
الثاني :
التسميع ; أي قول : " سمع الله لمن حمده " , وإنما يكون واجبا في حق الإمام
والمنفرد , فأما المأموم ; فلا يقوله .
الثالث :
التحميد ; أي قول : " ربنا ولك الحمد " , للإمام والمأموم والمنفرد ;
لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده ; فقولوا : ربنا ولك
الحمد
الرابع :
قول : " سبحان ربي العظيم " , في الركوع , مرة واحدة , ويسن الزيادة إلى
ثلاث هي أوفى الكمال , وإلى عشر وهي أعلاه .
الخامس :
قوله : " سبحان ربي الأعلى " , في السجود , مرة واحدة , وتسن الزيادة
إلى ثلاث .
السادس :
قول : " رب اغفر لي " , بين السجدتين , مرة واحدة , وتسن الزيادة إلى
ثلاث .
السابع :
التشهد الأول , وهو أن يقول : " التحيات لله والصلوات والطيبات , السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته , السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين , أشهد أن
لا إله إلا الله , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " , أو نحو ذلك مما ورد .
الثامن :
الجلوس للتشهد الأول ; لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك , ومداومته عليه , مع قوله
صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي
ومن ترك واجبا من هذه الواجبات
القولية والفعلية الثمانية متعمدا ; بطلت صلاته ; لأنه متلاعب فيها , ومن تركه
سهوا أو جهلا ; فإنه يسجد للسهو ; لأنه ترك واجبا يحرم تركه , فيجبره بسجود السهو
.
سنن الصلاة
والقسم الثالث من أفعال وأقوال
الصلاة غير ما ذكر في القسمين الأولين : سنة , لا تبطل الصلاة بتركه .
وسنن الصلاة نوعان :
النوع الأول : سنن الأقوال , وهي كثيرة ; منها : الاستفتاح , والتعوذ
, والبسملة , والتأمين , والقراءة بعد الفاتحة بما تيسر من القرآن في صلاة الفجر
وصلاة الجمعة والعيد وصلاة الكسوف والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء والظهر
والعصر .
ومن سنن
الأقوال قول : " ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " ; بعد
قوله : " ربنا ولك الحمد " , وما زاد على المرة الواحدة في تسبيح ركوع
وسجود , والزيادة على المرة في قول : " رب اغفر لي " ; بين السجدتين ,
وقوله : " اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم , ومن عذاب القبر , ومن فتنة
المحيا والممات , ومن فتنة المسيح الدجال " , وما زاد على ذلك من الدعاء في
التشهد الأخير .
والنوع الثاني : سنن الأفعال ; كرفع اليدين عند
تكبيرة الإحرام , وعند الهوي إلى الركوع , وعند الرفع منه , ووضع اليد اليمنى على
اليسرى , ووضعهما على صدره أو تحت سرته في حال القيام , والنظر إلى موضع سجوده ,
ووضع اليدين على الركبتين في الركوع , ومجافاة بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه في
السجود , ومد ظهره في الركوع معتدلا , وجعل رأسه حياله ; فلا يخفضه ولا يرفعه ,
وتمكين جبهته وأنفه وبقية الأعضاء من موضع السجود , وغير ذلك من سنن الأقوال
والأفعال مما هو مفصل في كتب الفقه .
وهذه السنن لا يلزم الإتيان بها في
الصلاة , بل من فعلها أو شيئا منها ; فله زيادة أجر , ومن تركها أو بعضها ; فلا
حرج عليه ; شأن سائر السنن .
ومن هنا لا نرى مبررا لما يفعله
بعض الشباب اليوم من التشدد في أمر السنن في الصلاة , حتى ربما أدى بهم هذا إلى
التزيد في تطبيقها بصورة غريبة ; كأن يحني أحدهم رأسه في القيام إلى قريب من
الركوع , ويجمع يديه على ثغرة نحره بدلا من وضعهما على صدره أو تحت سرته ; كما
وردت به السنة , وتشددهم في شأن السترة , حتى إن بعضهم يترك القيام في الصف لأداء
النافلة , ويذهب إلى مكان آخر , يبحث فيه عن سترة , وكذا مد أحدهم رأسه إلى أمام ورجليه
إلى خلف في السجود , حتى يصبح كالقوس أو قريبا من المنبطح , وكذا فحج أحدهم رجليه
في حال القيام حتى يضيق على من بجانبه , وهذه صفات غريبة , ربما تؤدي بهم إلى
الغلو الممقوت . ونسأل الله لنا ولهم التوفيق للحق والعمل به .
الملخص الفقهي/ قسم العبادات
تلخيص صالح بن فوزان بن عبدالله آل فوزان