el bassaire

samedi 27 février 2016

اي نساء خير


الشيخ محمد الفخرانى .. عنوانه قواعد الرزق


اليقين لا يزول بالشك/ فقه السنة


اليقين لا يزول بالشك/ فقه  السنة
فالح بن محمد بن فالح الصغير

عن عباد بن تيم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني قال: شُكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم - الرّجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في صلاته، فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)(1).
وعن أم قيس بنت محصن الأسدية أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأجلسه في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله(2).
وفي رواية عن عائشة - رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أُتي بصبي فبال على ثوبه، فدعا بماءٍ، فأتبعه إيّاه، ولمسلم: (فأتبعه بَوله ولم يغسله)(3).
في هذه الأحاديث المهمة عدة وقفات نستعرضها فيما يلي:
الأولى: قوله: (شُكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل)، شُكِيَ: بضم الشين وكسر الكاف مبني للمجهول، والرجل قائم مقام الفاعل، والشاكي هو الراوي عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، كما جاء في الصحيح أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: (يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة): يُخَيَّل بضم أوله وفتح الخاء وتشديد الياء الأخيرة المفتوحة، وأصله من الخيال، والمعنى: يظن، والمراد بالظن هنا خلاف اليقين، وقوله: (يجد الشيء) أي الحدث خارجاً منه.
الثانية: يستنبط من الحديث قاعدة شرعية عظيمة، تبنى عليها كثير من الأحكام العلمية، فيحسن بالمسلم أن يفهمها، ويعي تطبيقها، وهي: أن الأصل بقاء الأشياء المتيقنة على حكمها، فلا يعدل عنها لمجرد الشكوك والظنون، سواء قويت تلك الشكوك أو ضعفت، ما دامت لم تصل إلى درجة اليقين، يقول الإمام النووي - رحمه الله-: (هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على أصولها، حتى بتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها) ا.هـ كلامه - رحمه الله-.
وبناءً على هذه القاعدة: فلو شك متوضئ هل أحدث أم لا؟ فهو على أصل الطهارة حتى يتيقن الحدث.
وكذا من شك في ثوبه الطاهر هل علقت به نجاسة أم لا؟ فالأصل الطهارة، وهكذا.
فهذه القاعدة عظيمة النفع جداً، ولها فوائد مهمة، منها أن يعبد المسلم ربه بوضوح وجلاء، من غير شكوك ولا وساوس، ومنها أنها تطرد الشيطان عن ذهن الإنسان، فإذا علم أن هذه الشكوك لا تؤثر عليه خنس وانتكس.
الثالثة: يستفاد من الحديث أنه لا يجوز الانصراف من الصلاة لغير سبب بيّن واضح متيقن، كما يستفاد أيضاً أن الريح الخارجة من الدبر ناقضة للوضوء؛ لترتيب جواز الانصراف على حصولها.
الرابعة: يستنبط من الحديث أن المراد حصول اليقين، فلو حصل اليقين بنقض الوضوء ولو لم يسمع صوتاً أو يشم ريحاً فينتقض وضوؤه، ما دام حصل له اليقين بذلك.
الخامسة: مما يستفاد من حديث أم قيس بنت محصن الأسدية كريم خلق النبي صلى الله عليه وسلم -، حيث كان الصحابة - رضي الله عنهم- يأتون النبي صلى الله عليه وسلم – بأطفالهم؛ لينالوا بركته، وبركة دعائه، فكان صلى الله عليه وسلم – يستقبلهم، ويلاطفهم بالبشر والسماحة، ويجلسهم في حجره الطاهر، ولا يشمئز مما يحصل منهم، من أذى ونحوه، فعلينا أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم -، وأن نعامل الصغار معاملة خاصة، فلا نتذمر من أفعالهم وتصرفاتهم، وإذا تبين منهم خطأ معين يصحح بطريقة مناسبة اتباعاً للمصطفى صلى الله عليه وسلم -.
السادسة: يؤخذ من الحديث أيضاً أن بول الغلام إذا أصاب ثوباً فإنه ينضح عليه الماء ولا يغسل، وهل يدل ذلك على طهارته أو نجاسته، جمهور أهل العلم على أن بوله – وإن كان الغلام لم يأكل الطعام – نجس، لكنه خفف تطهيره.
هذا كله بالنسبة للغلام؛ أما بالنسبة للجارية فلا بد من الغسل؛ لما روى أبو داود والنسائي عن أبي السمح - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)(4)، صححه الحاكم، فعلم من هذا التفريق بين تطهير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام، وبين بول الجارية أكلت الطعام أم لا؟ والتخفيف لتطهير بول الغلام تيسير وتسهيل من الشارع الحكيم. والله أعلم.

(1)    رواه مسلم في كتاب الحيض، باب 26، 1/276 رقم الحديث 99.
(2)    رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب بول الصبيان 1/93 رقم 223.
(3)    أخرجه مسلم.

(4)    رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب بول الصبي يصيب الثوب 1/102 رقم 376، والنسائي في كتاب الطهارة، باب بول الجارية 1/158.

vendredi 26 février 2016

شرح أحاديث عمدة الأحكام /نجاسة البول

شرح أحاديث عمدة الأحكام /نجاسة البول
فالح بن محمد بن فالح الصغير




عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى بوله، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذنوب من ماء فأهريق عليه)(1).
هذا حديث عظيم، فيه فوائد جليلة نستعرضها فيما يلي:
الوقفة الأولى: قوله: (جاء الأعرابي): الأعرابي نسبة إلى الأعراب، وهم سكان البوادي، سواء كانوا عرباً أو عجماً، واختلف في اسم هذا الأعرابي، فقيل إنه الأقرع بن حابس التميمي، وقيل: إنه ذو الخويصرة اليماني، وقيل: عيينة بن حصن- رضي الله عن الجميع-.
وقوله: (فبال في طائفة المسجد): أي ناحية المسجد، وأصل الطائفة القطعة من الشيء، والمقصود بالمسجد مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: (فزجره الناس): أي نهره الناس، وجاء في رواية للبخاري: (فتناوله الناس)، وفي رواية: (فثار إليه الناس)، وفي رواية أخرى: (فقام إليه الناس ليقعوا به).
وقوله (فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم -) جاء في رواية أخرى: (قال: مه. مه)، وفي رواية أخرى قال: (اتركوه، فتركوه)، وفي رواية قال: (لا تزرموه).
وقوله: (أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذنوب من ماء): الذنوب بفتح الذال المعجمة، وهي هنا الدلو الكبير إذا كانت مُلِئَ، أو قريباً من ذلك، قاله العلامة بن دقيق العيد - رحمه الله0، وجاء في رواية أخرى:(سجلاً) بفتح السين المهملة وسكون الجيم، وهي بمعنى الذنوب.
وقوله: (فأهريق عليه): أصلها: أريق عليه بمعنى صب عليه، ثم أبدلت الهمزة هاءً، ثم زيدت همزة أخرى بعد إبدال الأولى فقيل فأهريق.

الوقفة الثانية: مما يستنبط من الحديث نجاسة بول الآدمي، حيث أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -بصب الماء على بول الأعرابي؛ لتطهير الأرض مما أصابها من النجاسة.
الوقفة الثالثة: استنبط أهل العلم من الحديث أن الأرض إذا تنجست تطهر بالمكاثرة بصب الماء عليها، ولم يظهر من الحديث اعتبار التطهير بعدد معين، وكذا لم يظهر أيضاً حفر الأرض، ونقل التراب، إذ لو كان ذلك واجباً لنقل إلينا، كما أنه لم يذكر رواة الحديث أنه يشترط جفاف الأرض بعد غسلها، ففهم من ذلك أنه يكفي المكاثرة بالماء حتى تزول النجاسة، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم.
وهل يمكن تطهير الأرض إذا أصابتها نجاسة بغير الماء كالريح والشمس إذا لم يبق أثر للنجاسة؟ هذا ما ذهب إليه جمهور العلماء، مستدلين بأن الريح والشمس يحيلان الشيء ويغيرانه، كما يعضد هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (جفاف الأرض طهورها)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (زكاة الأرض يبسها)، وإن كان الحديثان فيهما نظر من جهة الإسناد، كما وجهوا حديث الأعرابي أنه مسارعة إلى تطهير المسجد، وأن ذكر الماء لا يعني نفي غيره.
وعليه فإن جفت الأرض بالريح أو الشمس، ولم يبق أثر للنجاسة، فهي طاهرة، يجوز الصلاة عليها، والتيمم منها.
الوقفة الرابعة: استنبط العلماء من هذا الحديث وجوب المبادرة إلى إنكار المنكر، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أقرّهم على إنكارهم للمنكر، لكنه خالفهم في كيفية الإنكار، يقول العلامة بن دقيق العيد - رحمه الله-: (وزجر الناس له من باب المبادرة إلى إنكار المنكر عند من يعتقده منكراً) ا.هـ، وعليه فينبغي للمسلم عند رؤيته منكراً من المنكرات أن يسارع إلى إنكاره وتغييره، ولكن بالأسلوب المناسب، والعرض الملائم، فلكل مقام مقال.
الوقفة الخامسة: من هذا الحديث يتبين أهمية تزيين المساجد، وأمكنة العبادة، وتطهيرها، واحترامها، وتنظفيها، فهي مخصصة للعبادة، والصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، فقد جاء في إحدى روايات الحديث عند ابن ماجه، وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي بعد ذلك: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما بنيت للصلاة، وقراءة القرآن، والذكر)(2).

الوقفة السادسة: نستفيد من هذا الحديث قواعد أساسية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسلوباً حكيمًا في الدعوة إلى الله - جل وعلا-، أذكر بعضاً منها على سبيل الإيجاز.
أولاً: أهمية الإنكار بالرفق واللين، وعدم العنف والقسوة، ففي إحدى روايات الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)، ويقول الباري - سبحانه وتعالى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(3)، والحكمة وضع الشيء في موضعه، وما صاحب الرفق شيئاً إلا زانه، ويقول سبحانه مخاطباً النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(4).
ثانياً: أهمية البيان عند الإنكار بذكر سبب الإنكار في المسألة المنكر فيها، فالرسول - صلى الله عليه وسلم -في رواية ابن ماجه بيّن للأعرابي (أن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، وإنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن)(5)، أما الإنكار الإجمالي دون بيان فقد لا يؤدي إلى نتائج طيبة مثمرة.
ثالثاً: مراعاة أمر المصالح والمفاسد، فتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، فإن البول في المسجد فيه مفسدة، لكن قطع البول على البائل فيه مفسدة أعظم، فدفع أعظمهما بأيسرهما.
كما يراعى تحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما، فتنزيه البول عن المسجد فيه مصلحة، وترك البائل إلى الفراغ فيه مصلحة أعظم، فحصل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما.

رابعاً: ضرورة التعامل بالخلق الكريم في حال الدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مهما حصل من المفاسد والأضرار، وذلك اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد شهد له رب العالمين بذلك، فلنا فيه قدوة وأسوة.
خامساً: المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع؛ لأن الأعرابي حين فَرَغَ أَمَرَ الرسول - صلى الله عليه وسلم- بصب الماء على بوله لتطهير الأرض.
________________________________________
(1) رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد، الفتح 1/323 رقم 220، ومسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد 1/236 رقم 284.
(2) رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب الأرض يصيبها البول كيف يغسل 1/176 رقم 529.
(3) سورة النحل، الآية: 125.
(4) سورة آل عمران، الآية: 159.
(5) سبق تخريجه.

mardi 23 février 2016

باب في أحكام الحجر



باب في أحكام الحجر
كتاب   البيوع

 

 الملخص الفقهي/  قسم العبادات

تلخيص صالح بن فوزان بن عبدالله آل فوزان


 

باب في أحكام الحجر
* إن الإسلام جاء لحفظ الأموال وحفظ حقوق الناس , ولذلك شرع الحجر على من يستحقه , حفاظا على أموال الناس وحقوقهم .
* والحجر لغة المنع , ومنه سمي الحرام حجرا ; لأنه ممنوع منه , قال تعالى :
وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا أي : حراما محرما , وسمي أيضا العقل حجرا , قال تعالى : هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ أي : عقل , لأن العقل يمنع صاحبه من تعاطي ما يقبح وتضر عاقبته .
* ومعنى الحجر في الشرع : منع إنسان من تصرفه في ماله .
* ودليله من القرآن الكريم : قوله تعالى :
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ إلى قوله تعالى : وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فدلت الآيتان على الحجر على السفيه واليتيم في ماله ; لئلا يفسده ويضيعه , وأنه لا يدفع إليه إلا بعد تحقق رشده فيه . وقد حجر النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الصحابة لأجل قضاء ما عليه من الديون .
* والحجر نوعان :
النوع الأول : حجر على الإنسان لأجل حظ غيره , كالحجر على المفلس لحظ الغرماء , والحجر على المريض بالوصية بما زاد على الثلث لحظ الورثة .
النوع الثاني :  حجر على الإنسان لأجل مصلحته هو ; لئلا يضيع ماله ويفسده , كالحجر على الصغير والسفيه والمجنون ; بدليل قوله تعالى : وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ قيل : المراد الأولاد والنساء , فلا يعطيهم ماله تبذيرا , وقيل : المراد السفهاء والصغار والمجانين , لا يعطون أموالهم ; لئلا يفسدوها ,  وأضافها إلى المخاطبين ; لأنهم الناظرون عليها والحافظون لها .
* النوع الأول : الحجر على الإنسان لحظ غيره والمراد هنا الحجر على المفلس , والمفلس هو من عليه دين حال لا يتسع له ماله الموجود , فيمنع من التصرف في ماله ; لئلا يضر بأصحاب الديون . أما المدين المعسر الذي لا يقدر على وفاء شيء من دينه ; فإنه لا يطالب به , ويجب إنظاره ; لقوله تعالى : وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ
وفي فضل إنظار المعسر يقول النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن يظله الله في ظله , فلييسر على معسر وأفضل من الإنظار إبراء المعسر من دينه , لقوله تعالى : وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ أما من له قدرة على وفاء دينه ; فإنه لا يجوز الحجر عليه , لعدم الحاجة إلى ذلك , لكن يؤمر بوفاء ديونه إذا طالب الغرماء بذلك ; لقوله صلى الله عليه وسلم : مطل الغني ظلم أي : مطل القادر على وفاء دينه ظلم ; لأنه منع أداء ما وجب عليه أداؤه من حقوق الناس , فإن امتنع من تسديد ديونه ; فإنه يسجن . قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله : " ومن كان قادرا على وفاء دينه , وامتنع , أجبر على وفائه بالضرب والحبس , نص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم " , قال : " ولا أعلم فيه نزاعا " انتهى .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته رواه أحمد وأبو داود وغيرهما , وعرضه : شكواه , وعقوبته : حبسه ; فالمماطل بقضاء ما عليه من الحق يستحق العقوبة بالحبس والتعزير , ويكرر عليه ذلك حتى يوفي ما عليه , فإن أصر على المماطلة , فإن الحاكم يتدخل فيبيع ماله ويسدد منه ديونه , لأن الحاكم يقوم مقام الممتنع , ولأجل إزالة الضرر عن الدائنين , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ضرر ولا ضرار
ومما مر يتضح أن المدين له حالتان :
الحالة الأولى : أن يكون الدين مؤجلا عليه ; فهذا لا يطالب بالدين حتى يحل , ولا يلزمه أداؤه قبل حلوله , وإذا كان ما لديه من الحال أقل مما عليه من الدين المؤجل ; فإنه لا يحجر عليه من أجل ذلك , ولا يمنع من التصرف في ماله .
الحالة الثانية : أن يكون الدين حالا

فللمدين حينئذ حالتان :
الأولى: أن يكون ماله أكثر من الدين الذي عليه ; فهذا لا يحجر عليه في ماله , ولكن يؤمر بوفاء الدين إذا طالب بذلك دائنه , فإن امتنع ; حبس وعزر حتى يوفي دينه , فإن صبر على الحبس والتعزير , وامتنع من تسديد الدين , فإن الحاكم يتدخل ويوفي دينه من ماله ويبيع ما يحتاج إلى بيع من أجل ذلك .
والثانية : أن يكون ماله أقل مما عليه من الدين الحالِّ ; فهذا يُحجر عليه التصرف في ماله إذا طالب غرماؤه بذلك ; لئلا يضر بهم ; لحديث كعب بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله رواه الدارقطني والحاكم وصححه , وقال ابن الصلاح : " إنه حديث ثابت " , وإذا حجر عليه في هذه الحالة , فإنه يعلن عنه , ويظهر للناس أنه محجور عليه ; لئلا يغتروا به ويتعاملوا معه , فتضيع أموالهم " .
ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام :
الحكم الأول : أنه يتعلق حق الغرماء بماله الموجود قبل الحجر , وبماله الحادث بعد الحجر ; بإرث أو أرش جناية أو هبة أو وصية أو غير ذلك , فيلحقه الحجر كالموجود قبل الحجر , فلا ينفذ تصرف المحجور عليه في ماله بعد  الحجر بأي نوع من أنواع التصرف , ولا يصح إقراره لأحد على شيء من ماله , لأن حقوق الغرماء متعلقة بأعيانه , فلم يقبل الإقرار عليه , وحتى قبل الحجر عليه يحرم عليه التصرف في ماله تصرفا يضر بغرمائه .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " إذا استغرقت الديون ماله , لم يصح تبرعه بما يضر بأرباب الديون , سواء حجر عليه الحاكم أو لم يحجر عليه , هذا مذهب مالك واختيار شيخنا ( يريد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ) " , قال : " وهو الصحيح , وهو الذي لا يليق بأصول المذهب غيره , بل هو مقتضى أصول الشرع وقواعده , لأن حق الغرماء قد تعلق بماله , ولهذا يحجر عليه الحاكم , ولولا تعلق حق الغرماء بماله , لم يسع الحاكم الحجر عليه , فصار كالمريض مرض الموت , وفي تمكين هذا المدين من التبرع إبطال حقوق الغرماء , والشريعة لا تأتي بمثل هذا ; فإنما جاءت بحفظ حقوق أرباب الحقوق بكل طريق , وسد الطريق المفضية إلى إضاعتها " انتهى كلامه رحمه الله .
الحكم الثاني : أن من وجد عين ماله الذي باعه عليه أو أقرضه إياه أو أجره إياه قبل الحجر عليه ; فله أن يرجع به ويسحبه من عند المفلس
, لقوله صلى الله عليه وسلم : من أدرك متاعه عند إنسان أفلس , فهو أحق به متفق عليه ; وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يشترط لرجوع من وجد ماله عند المفلس المحجور عليه ستة شروط :
الشرط الأول: كون المفلس حيا إلى أن يأخذ ماله منه ; لما رواه أبو داود ; أنه صلى الله عليه وسلم قال : فإن مات ; فصاحب المتاع أسوة الغرماء
الشرط الثاني: بقاء ثمنها كله في ذمة المفلس , فإن قبض صاحب المتاع شيئا من ثمنه , لم يستحق الرجوع به .
الشرط الثالث: بقاء العين كلها في ملك المفلس , فإن وجد بعضها  فقط ; لم يرجع به ; لأنه لم يجد عين ماله , وإنما وجد بعضها .
الشرط الرابع: كون السلعة بحالها , لم يتغير شيء من صفاتها .
الشرط الخامس: كون السلعة لم يتعلق بها حق الغير ; بأن لا يكون المفلس قد رهنها ونحو ذلك .
الشرط السادس: كون السلعة لم تزد زيادة متصلة كالسمن , فإذا توافرت هذه الشروط , جاز لصاحب السلعة أن يسحبها إذا ظهر إفلاس من هي عنده , للحديث السابق .
الحكم الثالث : انقطاع المطالبة عنه بعد الحجر عليه إلى أن ينفك عنه الحجر , فمن باعه أو أقرضه شيئا خلال هذه الفترة , طالبه به بعد فك الحجر عنه .
الحكم الرابع: أن الحاكم يبيع ما له , ويقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه الحالة ; لأن هذا هو المقصود من الحجر عليه , وفي تأخير ذلك مطل وظلم لهم , ويترك الحاكم للمفلس ما يحتاج إليه من مسكن ومؤنة ونحو ذلك , أما الدين المؤجل ; فلا يحل بالإفلاس , ولا يزاحم الديون الحالة , لأن الأجل حق للمفلس ; فلا يسقط ; كسائر حقوقه , ويبقى في ذمة المفلس , ثم بعد توزيع ماله على أصحاب الديون الحالة , فإن سددها ولم يبق منها شيء ; انفك عنه الحجر بلا حكم حاكم ; لزوال موجبه , وإن بقي عليه شيء من ديونه الحالة ; فإنه لا ينفك عنه الحجر ; إلا بحكم الحاكم ; لأنه هو الذي حكم بالحجر عليه , فهو الذي يحكم بفك الحجر عنه .
* النوع الثاني من أنواع الحجر : وهو الحجر على الإنسان لحظ نفسه بحفظ ماله وتوفيره له , لأن هذا الدين دين الرحمة , الذي لم يترك شيئا فيه مصلحة إلا حث على تعاطيه , ولا شيئا فيه  مضرة , إلا حذر منه , ومن ذلك أنه أفسح المجال للإنسان الذي فيه أهلية للتصرف ومزاولة التجارة في حدود المباح والكسب الطيب , لما في ذلك من المصلحة التي تعود على الفرد والجماعة ,
أما إذا كان الإنسان غير مؤهل لطلب الكسب ومزاولة التجارة ; لصغر سنه أو سفهه أو فقدان عقله ; فإن الإسلام يمنعه من التصرف , ويقيم عليه وصيا يحفظ له ماله وينميه , حتى يزول عنه المانع , ثم يسلم ماله موفورا إليه . قال تعالى :
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا إلى قوله تعالى : وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ذلكم هو ما يسمى بالحجر على الإنسان لحظ نفسه , لأن المصلحة في ذلك تعود عليه . وهذا النوع من الحجر يعم الذمة والمال ; فلا يتصرف من انطبق عليه في ماله ببيع ولا تبرع ولا غيرهما , ولا يتحمل في ذمته دينا أو ضمانا أو كفالة ونحوها , لأن ذلك يفضي إلى ضياع أموال الناس . ولا يصح تصرف غير السفهاء معهم , بأن يعطيهم ماله بيعا أو قرضا أو وديعة أو عارية , ومن فعل ذلك , فإنه يسترد ما أعطاهم إن وجده باقيا بعينه , فإن تلف في أيديهم أو أتلفوه , فإنه يذهب هدرا , لا يلزمهم ضمانه ; لأنه فرط بتسليطهم عليه وتقديمه إليهم برضاه واختياره . أما لو تعدى المحجور عليه لصغر ونحوه على نفس أو مال بجناية ; فإنه يضمن , ويتحمل ما ترتب على جنايته من غرامة ; لأن المجني عليه لم يفرط ولم يأذن لهم بذلك , والقاعدة الفقهية تقول : إن ضمان الإتلاف يستوي فيه الأهل وغيره .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " يضمن الصبي والمجنون والنائم ما أتلفوه من الأموال , وهذا من الشرائع العامة التي لا تتم مصالح الأمة إلا بها , فلو لم يضمنوا جنايات أيديهم , لأتلف بعضهم أموال بعض , وادعى الخطأ وعدم القصد " .
* ويزول الحجر عن الصغير بأمرين :
الأمر الأول : بلوغه سن الرشد : ويعرف ذلك بعلامات . الأولى : إنزاله المني يقظة أو مناما , قال تعالى : وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا والحلم هو أن يرى الطفل في منامه ما ينزل به المني الدافق .
الثانية : إنبات الشعر الخشن حول قبله .
الثالثة : بلوغه خمس عشرة سنة , قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني , وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني متفق عليه , ومعنى أجازني , أي : أمضاني للخروج للقتال , فدل على أن بلوغ خمس عشرة سنة من الولادة يكون بلوغا , وفي رواية في تعليل منعه في العرضة الأولى : " قال : ولم يرني بلغت " .
الرابعة : وتزيد الجارية على الذكر علامة رابعة تدل على بلوغها , وهي الحيض ; لقوله صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار رواه الترمذي وحسنه . الأمر الثاني مع البلوغ : الرشد : وهو الصلاح في المال ; لقوله تعالى : وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ  ويعرف رشده بأن يمتحن , فيمنح شيئا من التصرف , فإذا تصرف مرارا , فلم يغبن غبنا فاحشا , ولم يبذل ماله في حرام أو فيما لا فائدة فيه ; فهذا دليل على رشده .
* ويزول الحجر عن المجنون بأمرين
 الأول : زوال الجنون ورجوع العقل إليه
والثاني : أن يكون رشيدا كما سبق في حق الصغير إذا بلغ .
ويزول عن السفيه بزوال السفه واتصافه بالرشد في تصرفاته المالية .
* ويتولى مال كل من هؤلاء الثلاثة - الصبي والمجنون والسفيه - حال الحجر أبوه إذا كان عدلا رشيدا ; لكمال شفقته , ثم من بعد الأب وصيه , لأنه نائبه , فأشبه وكيله في حال الحياة .
* ويجب على من يتولى أموالهم ممن ذكر أن يتصرف لهم بالأحظ لهم ; لقوله تعالى :
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي : لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بما فيه مصلحة وتنمية له , والآية الكريمة وإن كانت نصت على مال اليتيم ; فإنها تتناول مال السفيه والمجنون بالقياس على مال اليتيم.
* وعلى ولي مال اليتيم ونحوه المحافظة عليه , وعدم إهماله والمخاطرة به أو أكله ظلما , قال تعالى :
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا وقد وعظ الله أولياء اليتامى بأن يتذكروا حالة أولادهم لو كانوا تحت ولاية غيرهم ; فكما يحبون أن يحسن إلى أولادهم ; فليحسنوا هم إلى أولاد غيرهم من اليتامى إذا كانوا تحت ولايتهم , قال تعالى : وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ولما كان هؤلاء لا يستطيعون حفظ أموالهم وتصريفها بما ينميها لهم , أقام  الله عليهم أولياء يتولون عنهم ذلك , وينظرون في مصالحهم , وأعطى هؤلاء الأولياء توجيهات يسيرون عليها حال ولايتهم على هؤلاء , فنهى الأولياء عن إعطاء القصار أموالهم وتمكينهم منها , لئلا يفسدوها أو يضيعوها .
قال تعالى :
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : " ينهى الله سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياما ; أي : تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها , ومن هنا يؤخذ الحجر على السفهاء " انتهى .
وكما نهى الله عن تمكين هؤلاء القصار من أموالهم , وجعلها تحت ولاية أهل النظر والإصلاح ; فإنه سبحانه وتعالى يحذر هؤلاء الأولياء من التصرف فيها ; إلا بما يصلحها وينميها , فيقول سبحانه وتعالى : وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ أي : لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بما فيه غبطة ومصلحة لليتيم .
عن ابن عباس رضي الله عنهما ; قال : " لما أنزل الله تعالى قوله : وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقوله : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا انطلق من كان عنده يتيم , فعزل طعامه عن طعامه , وشرابه من شرابه , فجعل يفضل الشيء , فيحبس له حتى يأكله أو يفسد , فاشتد ذلك عليهم , فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ قال : " فخلطوا طعامهم بطعامهم , وشرابهم بشرابهم " .
* ومن الإحسان في أموال اليتامى إشغالها في الاتجار طلبا للربح والنمو , فلوليه الاتجار به , وله دفعه لمن يتجر به مضاربة , لأن عائشة رضي الله عنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم , وقال عمر رضي الله عنه : " اتجروا بأموال اليتامى ; كيلا تأكلها الصدقة "
* كما أن ولي اليتيم ينفق عليه من ماله بالمعروف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ويستحب إكرام اليتيم وإدخال السرور عليه ودفع الإهانة عنه ; فجبر قلبه من أعظم مصالحه " انتهى .
* ولولي اليتيم شراء الأضحية له من ماله إذا كان اليتيم موسرا , لأنه يوم سرور وفرح , ولوليه أيضا تعليمه بالأجرة من ماله ; لأن ذلك من مصالحه .
* وإذا كان ولي اليتيم فقيرا ; فله أن يأكل من مال اليتيم قدر أجرته لقاء ما يقدمه من خدمة لماله , قال تعالى :
وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ أي : ومن كان محتاجا إلى النفقة وهو يحفظ مال اليتيم ويتعاهده , ( فليأكل ) منه ( بالمعروف ) .
قال الإمام ابن كثير : " نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان محتاجا أن يأكل منه " , وعن عائشة قالت : " أنزلت هذه الآية في والي اليتيم :
وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ بقدر قيامه عليه " .
قال الفقهاء : له أن يأخذ أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته , روي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقال : إن عندي يتيما عنده مال وليس لي مال ; أآكل من ماله ؟ ; قال :
كل بالمعروف غير مسرف أما ما زاد عن هذا الحد الذي رخص الله فيه ; فلا يجوز أكله من مال اليتيم ; فقد توعد الله عليه بأشد الوعيد , قال تعالى : وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وقال تعالى : وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا أي : إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه , وقال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا  قال الإمام ابن كثير : " أي : إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب , فإنما يأكلون نارا تتأجج في بطونهم يوم القيامة " .
وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
اجتنبوا السبع الموبقات . قيل : يا رسول الله ! وما هن ؟ قال : الشرك بالله , والسحر , وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق , وأكل الربا , وأكل مال اليتيم , والتولي يوم الزحف , وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات
* ثم إنه سبحانه أمر بدفع أموال اليتامى إليهم عندما يزول عنهم اليتم ويتأهلوا للتصرف فيها على السداد موفرة كاملة , قال تعالى :
وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وقال : إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وقال تعالى : فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا أي : وكفى بالله محاسبا وشاهدا ورقيبا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام وحال تسليمهم لأموالهم هل هي كاملة موفرة أو منقوصة مبخوسة .