el bassaire

vendredi 29 novembre 2013

أدلّة المذاهب مع الترجيح



أدلّة المذاهب مع الترجيح
أوّلاً - أدلّة المذهب الأول :
    اسْتَدَلّ الجمهور ـ القائلون بحُجِّيّة سَدّ الذّرائع ووجوب قَطْع الذريعة المُوصلة إلى الحرام ـ بأدلّة مِن الكتاب ومِن السُّنَّة ومِن عمل الصحابة ، أَذْكُر منها ما يلي :
الدليل الأول : قوْله تعالى { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوَا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِـّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِـّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون } (1) ..
    وجْه الدلالة : أنّ الله تعالى نَهَى عن سَبّ الآلهة التي تُعْبَد مِن دُونه حتّى لا يَكون دافعاً أو وسيلةً لِسَبّ الله ، وحيث إنّ سَبّ الله تعالى مُحَرَّم وممنوع فما كان سبباً له أو وسيلةً إليه كان مُحَرَّماً كذلك ، وإذا كانت ذريعة الحرام مُحَرَّمةً فدَلّ ذلك على وجوب سدّها ، وهو المطلوب (2) .


 
(1) سورة الأنعام الآية 108
(2) يُرَاجَع : أعلام الموقِّعين 3/137  وتفسير القرطبي 2/58  وتفسير الطبري 7/309
الدليل الثاني : قوْله تعالى { يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَقُولُوا رَعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَـفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيم } (1) ..
    سبب نزول الآية : أنّ الصحابة كانوا يقولون لِلنَّبِيّ صلى الله عليه و سلم :   " رَاعِنَا " على جهة الطلب والرغبة مِن المراعاة ، أي : الْتَفِتْ إلينا وكان هذا بلسان اليهود سَبّاً ، أي : اسْمَعْ لا سَمِعْتَ ، فاغْتَنَموها وقالوا :" كُنَّا نَسُبّه سِرّاً ، فالآن نَسُبّه جهراً " ، فكانوا يخاطبون بها النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم ويَضحكون فيما بَيْنهم ، فسَمِعها سَعْد بن معاذ  ـ وكان يَعرف لُغَتَهم ـ فقال لِليهود :" عَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ .. لَئِنْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ يَقُولُهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم لأَضْرِبَنَّ عُنُقَه " ، فقالوا :" أَوَلَسْتُمْ تقولونها ؟! " ، فنزلَت الآية ونُهُوا عنها لِئَلاّ تَقْتَدِي بها اليهود في اللفظ وتَقصد المَعْنَى الفاسد فيه .
    وجْه الدلالة : أنّ سَبّ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم مُحَرَّم وممنوع ، فكذلك ما كان وسيلةً إليه أو سبباً له ، وحيث إنّ قوْل الصحابة  لِلنَّبِيّ صلى الله عليه و سلم :" رَاعِنَا " ذريعة لِقوْل اليهود لها ـ     وهي بِلُغَتِهم سَبّ  ـ فإنّ سَدّها

(1) سورة البقرة
يُصْبِح واجباً ، ولِذا حرم على الصحابة  هذا القول ؛ سدّاً لِذريعة سَبّ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم بِلُغَة اليهود  .
الدليل الثالث : قوْله تعالى { وسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ إِذ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون }  ..
    وجْه الدلالة : أنّ الله تعالى حَرَّم على اليهود صَيْد السمك يَوْم السبت ، فكانت الحيتان تأتيهم يَوْم السبت شُرَّعاً ، فسَدّوا عليها وحَبَسوها ، فكُلّما كان يَوْم الأحد اصطادوها وأَكَلوها ، وبَرَّروا فِعْلهم بأنّهم لم يَرتكِبوا محظوراً ؛ حيث إنّهم لم يصطادوها يَوْم السبت ، ولكنّهم حَبَسوها في هذا اليوم واصطادوها بَعْده ..
    ولِذا كان حَبْسهم لِلحيتان يَوْم السبت وسيلةً أو ذريعةً لِلحرام ، فدَلّ ذلك على أنّ الذريعة مُعْتَبَرة وواجب قَطْعها ؛ وإلا لَمَا كانوا أهلاً لِلعذاب والعِقاب  .
الدليل الرابع : قوْله صلى الله عليه و سلم { إِنَّ مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمَ الرَّجُلِ وَالِدَيْه } قالوا : " يَا رَسُولَ اللَّهِ .. وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْه ؟! " قال {       نَعَمْ ؛ يَسُــبُّ

(1) يُرَاجَع : تفسير القرطبي 2/58  وإحكام الفصول /690  وأعلام
    وَجْه الدلالة : أنّ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم جَرَّم شَتْم الوالديْن وأبان أنَّه مِن الكبائر ، فيَكون مُحَرَّماً ، وكذلك الحُكْم فيمَن تَسَبَّب في ذلك بسَبّ والدَي الغَيْر ، ولِذا كان سَبّ الوالديْن مُحَرَّماً ، وسَبّ والدَي الغَيْر ذريعة ووسيلة إلى ذلك ، فحُرِّم سَبّ والدَي الغَيْر سدّاً لِذريعة    سَبّ الوالديْن  .
الدليل الخامس : قوْله صلى الله عليه و سلم لِلسيدة عائشة رضي الله عنها { لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثِي عَهْدِهِمْ بِكُفْرٍ لأَسَّسْتُ الْبَيْتَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيم } (4) ..
    وجْه الدلالة : أنّ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم أراد أنْ يَهْدِم الكعبة ويبنيها على قواعد إبراهيم  ، ولكنّه خَشِي ارتداد أهْل مكة فامْتَنَع لِذلك ،
(1) أَخْرَجه البخاري في كتاب الأدب : باب لا يَسُبّ الرَّجُل والديْه برقم ( 5516 ) ومُسْلِم في كتاب الإيمان : باب بيان الكبائر وأَكْبَرها برقم ( 130 ) وأحمد في مُسْنَد المُكْثِرين مِن الصحابة برقم ( 6243 ) ، كُلّهم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
(2) يُرَاجَع : ولِذا كان ارتداد أهْل مكة مَفْسَدَةً ومُحَرَّماً ، وإعادة بناء البيت ذريعة ووسيلة لِذلك ، فدَلّ ذلك على العمل بسَدّ الذّرائع ؛ وإلا لَمَا امْتَنَع النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم عن تأسيس البيت على قواعد إبراهيم
الدليل السادس : قوْله صلى الله عليه و سلم { الْحَلاَلُ بَيِّنٌ ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً ، وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُه } (2) ..
    وجْه الدلالة : أنّ الوقوع في الحرام محظور وممنوع ، وإتيان الأمور المشتبهات وسيلة وذريعة إلى الوقوع في الحرام ، ولِذا مُنِع الإقدام عليها سَدّاً لِلذريعة ومخافةَ الوقوع في الحرام (3) .
مُنَاقَشَة هذا الدليل :
    ناقَش ابن حَزْم ـ رحمه الله تعالى ـ هذا الدليل : بأنّ الحديث حَضٌّ منه صلى الله عليه و سلم على الورَع ونصّ جَلِيّ على أنّ ما حَوْل الحِمَى ليس مِن الحِمَى ، وأنّ تلك المشتبهات ليست بيقين مِن الحرام ، وإذا لم تَكُنْ مِمَّا فُصِّل مِن الحرام فهي على حُكْم الحلال ، ولِذا فلا يجوز تحريمها سدّاً لِذريعة الوقوع في الحرام.
الجواب عن هذه المُنَاقَشَة :
    وأَرَى أنّ هذه المُنَاقَشَة مردودة : بأنّا سَلَّمْنَا بأنّ هذه المشتبهات ( أي الذريعة أو الوسيلة ) ليست بيقين مِن الحرام ، لكنّها تُوصل إلى الحرام قَطْعاً أو بيقين ، وما أَوْصَل إلى الحرام بيقين كان  حراماً .
الدليل السابع : قَتْل الجماعة بالواحد ..
    اتَّفَق الصحابة رضي الله عنهم على أنّ الجماعة تُقْتَل بالواحد ، وهو مُخالِف لِمَعْنَى القصاص وهو المساواة ، ولكنّهم أرادوا حَقْن دماء المُسْلِمين التي يحرم سَفْكها ، واعْتَبَروا اتِّفَاق الجماعة على القتل ذريعةً ووسيلةً إلى ذلك ، فأَوْجَبوا القصاص مِن الجماعة ؛ حتّى لا يَكون عدمه ذريعةً إلى قَتْل الواحد بالجماعة .
الدليل الثامن : توريث المُطَلَّقَة في مَرَض الموت قَضَى عثمان t  بتوريث المُطَلَّقة طلاقاً بائناً في مَرَ (1) الإحكام لابن حَزْم 6/180 بتصرف 2) سيدنا عثمان : هو الصّحابيّ الجليل ذو النّوريْن عثمان بن عفّان بن أبي العاص    ابن أُمَيَّة القرشي الأموي t ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وُلِد بَعْد عام الفيلالموت خشيةَ أنْ تَرِث مِن زَوْجها ، وحيث إنّ مَنْع الزوجة مِن ميراث زَوْجها مُحَرَّم وممنوع وطلاقها في مَرَض الموت ذريعة ووسيلة إلى ذلك ؛ فكان هذا الطلاق غَيْر مُعْتَبَر وسدّاً لِذريعة الوقوع في الحرام و مَن أراد مَزِيداً مِن الأدلّة على حُجِّيَّة سَدّ الذّرائع فلْيُراجِعْ " أعلام الموقِّعين " الذي يُعَدّ ـ فيما وَقَفْتُ عليه ـ أَكْثَر المَراجع الأصوليّة جَمْعاً لها حينما حَصَرَها في تسعة وتسعين دليلاً.

ثانياً - أدلّة المذهب الثاني :
    اسْتَدَلّ ابن حَزْم ـ رحمه الله تعالى ـ على عدم حُجِّيَّة سَدّ الذّرائع بأدلّة أَذْكُر منها ما يلي :
الدليل الأول : قوْله تعالى { وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِين } (3) ..
    وجْه الدلالة : أنّ الله تَبَارَك وتعالى فَصَّل لنا ما حَرَّم علينا
= مِن السابقين في الإسلام ، تَزَوَّج بِنْتَا رسول
وأَوْجَب علينا اجتنابه ، والذّرائع في الأصل حلال وليست بيقين  مِن الحرام ، ولِذا كانت على حُكْم الحلال ؛ لأنّها ليست مِمَّا فُصِّل مِن الحرام (1) .
مُنَاقَشَة هذا الدليل :
    ويُمْكِن مُنَاقَشَة هذا الدليل : بأنّا سَلَّمْنَا بأنّ الذّرائع في الأصل حلال وليست بيقين مِن الحرام ؛ لكنْ لا نُسَلِّم أنّها ليست مِمَّا فُصِّل مِن الحرام ؛ فسَبّ الآلهة التي تُعْبَد مِن دُون الله مباح وجائز ، لكنّ الشَّرْع حَرَّمه حتّى لا يَكون ذريعةً لِسَبّ الله تعالى ، كما أنّ النصوص الشَّرْعيَّة ذَكَرَتْ أصول الأحكام ونَصَّتْ على بعضها ، والبعض الآخَر لم يُنَصّ عليه لكنْ يُسْتَخْرَج على ضَوْئها .
الدليل الثاني : قوْله تَبارَك وتعالى { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِى مِنَ الْحَقّ شَيْئا } (2) ، وقوْله صلى الله عليه و سلم { الظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيث }..
    وجْه الدلالة : أنّ الله تَبَارَك وتعالى بَيَّن لنا أنّ الظَّنّ لا يُغْنِي 
(1) يُرَاجَع الإحكام لابن حَمِن الحقّ شيئاً ، وسَدّ الذّرائع عملٌ باحتياط لم يُسْتَيْقَنْ أمْره أو بشيء خوْفَ ذريعةٍ إلى ما  لم يَكُنْ بَعْدُ ، وهذا حُكْم بالظَّنّ ، وإذا حكم بالظَّنّ فقَدْ حكم بالكذب والباطل ، فدَلّ ذلك على أنّ قَطْع الذّرائع حرام ولا يجوز  .

مُنَاقَشَة هذا الدليل :
    وأَرَى مُنَاقَشَة هذا الدليل مِن وجْهيْن :
الوجه الأول : أنّ الظَّنّ المَنْهِيّ عنه : ما كان عن هوىً وإثْم أو في العقيدة ولا نُسَلِّم أنّ كُلّ ظنّ حرام ومَنْهِيّ عنه ؛ لأنّ الأحكام الشَّرْعيَّة غالِبها مَبْنِيّ على الظَّنّ ، ومنها سَدّ الذّرائع .
الوجه الثاني : لا نُسَلِّم أنّ العمل بسَدّ الذّرائع عملٌ باحتياط لم يُسْتَيْقَنْ أمْره بلْ هو سَدّ لِوسيلة تُوصل إلى الحرام قَطْعاً أو غالباً .
الدليل الثالث : أنّ سَدّ الذّرائع فيه تحريم لِلمباح ، وحينئذٍ يَكون المباح محظوراً ، وهذا فاسِد لا يقوله إلا جاهِل أو كافِر ؛ لأنّه يَنْسِب إلى النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم إباحة الشيء لِلناس ونَهْيهم عنه في وقْت واحد ، وهذا مُحَال لا يَقْدِر عليه أحد ، فدَلّ ذلك على أنّ الذّرائع لا تُسَدّ.

(1) الإحكام لابن حَزْم
مُنَاقَشَة هذا الدليل :
    وأَرَى مُنَاقَشَة هذا الدليل مِن وجْهيْن :
الوجه الأول : أنّ سَدّ الذّرائع لا يَترتب عليها تحريم أيّ مباح حتّى يَكون المباح محظوراً ، وإنّما تحريم المباح المُوصل إلى الحرام قَطْعاً أو غالباً .
الوجه الثاني : أنّ المُحَال هو اجتماع الإباحة والتحريم في وقْت واحد ، وهو غَيْر مُتَحَقِّق في سَدّ الذّرائع ؛ لأنّ تحريم الوسيلة لم يَصْدُرْ وقْت الإباحة ، وإنّما في حالة توصلها إلى الحرام قَطْعاً  أو غالباً ، فكأنّها إباحة مُقَيَّدة بعدم التوصل إلى الحرام .
الدليل الرابع : أنّ الشريعة كما حَسَمَت المَضَارّ أَثْبَتَتْ جواز التوصل إلى الأغراض وإسقاط العقوبات بالشبهات ، ولم تَحْمِلْنَا على القتل لِمَن قَتَل بالعصا الصغيرة إذا قامت بقتله بَيِّنَة هي شاهِد وامرأتان ، وغَيْر ذلك مِن الأسباب التي تُسْقِط الاستيفاء ، ولو كان القصدُ الاحتياطَ لَمَا بَنَاه الشَّرْع على الدرء والإسقاط ؛ لأنّهما ضدّان وحيث إنّ الذريعة مبنيّة على الاحتياط وهو غَيْر مُعْتَبَر فدَلّ ذلك على أنّها غَيْر مُعْتبَرَة شرعاً .
مُنَاقَشَة هذا الدليل :
    وهذا الدليل مردود عندي : بأنّ الذريعة المُتَيَقَّن توصلها إلى (1) الواضح 2/76 بتصرف .
الحرام أَخَذَتْ حُكْمه ، ولِذا يُصْبِح تَرْكها واجباً وليس احتياطاً ، وتَرْك الذريعة يَكون احتياطاً إنْ كان توصلها إلى الحرام ليس غالباً وهذه عَدّها البعض  غُلُوّاً في سَدّ الذّرائع .
تعقيب وترجيح :
    بَعْد الوقوف على أدلّة مذاهب الأصوليّين في حُجِّيَّة سَدّ الذّرائع أَرَى أنَّه يُمْكِن التوصل إلى ما يلي :
1- أنّ أدلّة المذهب الأول القائل بحُجِّيَّة سَدّ الذّرائع جاءت صريحةً ومباشِرةً في تحريم الوسائل التي تُفْضِي إلى الحرام : كالنهي عن سَبّ آلهة المُشْرِكين منعاً لِسَبّ الذّات العليّة .
2- أنّ أدلّة المذهب الثاني التي انْفَرَد بها ابن حَزْم ـ رحمه الله تعالى ـ في عدم الأخذ بسَدّ الذّرائع وأنّها ليست حُجَّةً جاءت بعيدةً عن محلّ الاستدلال وغَيْر مباشرة .
    وإنّي لأَعْجَب كيْف يطالِبنا ابن حَزْم ـ رحمه الله تعالى ـ بنَصّ أو إجماع على حُجِّيَّة سَدّ الذّرائع ـ ولِذا فإنّه لم يَعْتَرِفْ بأدلّة الجمهور وعارَضها ـ ثُمّ يأتي بأدلّة ليس فيها نَصّ ولا إجماع يشير مِن قريب أو بعيد إلى عدم حُجِّيَّة سَدّ الذّرائع !
3- أنّ أدلّة المذهب الأول قَدْ سَلِمَتْ جميعها مِن المُنَاقَشَة (1) يُرَاجَع البحر المحو الاعتراض ، ولم تَسْلَمْ أدلّة المذهب الثاني مِن ذلك .
4- ومِمَّا تَقَدَّم يَكون الراجح عندي : ما عليه الجمهور أصحاب المذهب الأول القائلون بأنّ الذّرائع حُجَّة وأنَّه يجب قَطْعها فيما يُوصل إلى الحرام .
5- أنّي أُرَجِّح عدم اعتبار سَدّ الذّرائع دليلاً مستقِلاًّ كما ذَهَب الشافعية والحنفية ؛ لأنّها تابعة في ذلك لِمقدِّمة المحظور والحرام ، فتُسَدّ وتُحَرَّم قياساً على مقدِّمة الواجب ، حيث لم يَقُلْ أحد أنّها   دليل .
6- كما أُرَجِّح وجوب سَدّ الذّرائع في كُلّ ذريعة تُفْضِي إلى الحرام قَطْعاً ، أمَّا إذا لم تَكُنْ كذلك فيَخْتَلِف حُكْم كُلّ حالة بحسب نسبة إفضائها إلى الحرام : فإنْ غلب الظَّنّ على أنّها تُوصل إلى الحرام كان سَدّها وقَطْعها هو الأَوْلى ، وإنْ غلب الظَّنّ على أنّها لا تُوصل إلى الحرام كان عدم قَطْعها وسَدّها هو الأَوْلى .
7- كما أُرَجِّح ـ أيضاً ـ عدم التوسع في سَدّ الذّرائع ؛ حتّى لا نُضَيِّق واسعاً ولا نُغْلِق أبواباً كثيرةً مِن الحلال .
    وفي ذلك يقول أبو زهرة رحمه الله تعالى :" وإنّ الأخذ بالذّرائع لا تَصِحّ المبالَغة فيه ؛ فإنّ المُغْرِق فيه قَدْ يَمْتَنِع عن أمْر مباح أو مندوب أو واجب خشيةَ الوقوع في ظُلْم : كامتناع بعض
العادلين عن تَوَلِّي أموال اليتامى أو أموال الأوقاف خشيةَ التهمة  مِن الناس أو خشيةً على أنْفُسهم مِن أنْ يَقَعوا في ظُلْم ، ولأنّه   لُوحِظ أنّ بعض الناس قَدْ يَمْتَنِع عن أمور كثيرة خشيةَ الوقوع في الحرام "  ا.هـ .
فَتْح الذّرائع

    اتَّفَق العلماء على أنّ الذريعة التي تُفْضِي إلى الحرام قَطْعاً مُحَرَّمة ويجب سدّها ، ولكن هناك حالات تَكون وسيلةً لِلمُحَرَّم  لكنّها غَيْر مُحَرَّمة ، وهو ما يُسَمَّى بـ" فَتْح الذّرائع " ..
    وشَرْط هذا الاستثناء : أنْ تُفْضِي هذه الوسيلة إلى مَصْلَحَة راجحة ..
    ومِن هذه الحالات ما يلي :
الحالة الأولى : دَفْع مالٍ لافتداء أَسْرَى المُسْلِمين مِن عَدُوّهم ؛ فأصْل دَفْع مالٍ لِلمحارب حرام ؛ لأنّه تَقْويَة لهم وإضعاف لِلْمُسْلِمين لكنْ في دَفْعه مصلحة تَلْحَق المُسْلِمين في إطلاق سراح الأسرى وتقوية لِشَوْكة المُسْلِمين وقُوّتهم ، وهذا مِن قَبِيل فَتْح الذّرائع لا سَدّها .
الحالة الثانية : دَفْع مالٍ لِدولة محاربة حتّى نأمَن شَرّها وأذاها عندما لم يَكُنْ لِلمُسْلِمين قوّة يَرُدّون بها كيْدها .
الحالة الثالثة : دَفْع مالٍ لِدَفْع الظالم أو مَن يَقْطَعون الطريق
ويَمْنَعون الوصول إلى البيت الحرام ؛ فقَدْ أجاز ذلك بعض المالكية وبعض الحنابلة