el bassaire

mercredi 9 janvier 2013

فضل الاستغفار



ورد في فضل الاستغفار نصوص في الكتاب والسنة، كلها تشير إلى أهمية الاستغفار وفضله، وكثرة خيره وبركته، وكبير عوائده وفوائده، على المستغفِر والمستغفَر له، وقد تنوَّعت دلالات نصوص القرآن والسنة في ذلك ما بين أمرٌ به وإرشادٌ إليه، وحكاية ما عليه حال الأنبياء - عليهم السلام - من التمسُّك به، كلُّ ذلك لبيان فضله، ولكونه عبادة محبَّبة إلى الله تعالى.
فممَّا يدلُّ على فضل الاستغفار :
أولاً- ثناء الله تعالى على المستغفرين:
يقول تعالى: }وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ{ [الذاريات: 18].
والأسحار: جمع «سَحَر»، وهو من ثُلث الليل الأخير، وتخصيص السحر بالاستغفار لأنَّ الدعاء فيه أقرب إلى الإجابة، إذ العبادة حينئذ أشـقُّ والنفس أصفى، والربُّ تعالى ينزل نزولاً يليق بجلاله وعظمته إلى سماء الدنيا، ويقول: «هل من مستغفر فاغفر له؟»  (1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والناس في آخر الليل يكون في قلوبهم من التوجه والتقرُّب والرقَّة ما لا يوجد في غير ذلك الوقت، وهذا مناسب لنزوله إلى سماء الدنيا وقوله: «هل من داع؟ هل من سائل؟ هل من تائب»" (2)
ولذلك لَمَّا طلب أبناء يعقوب عليه السلام من أبيهم أن يستغفر لهم، أجَّلهم إلى السَّحر، وقال: «سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي» [يوسف: 98]. قاله ابن مسعود والنخعي وعمر بن قيس وابن جريج وغيرهم (3)
وهكذا قال إبراهيم لأبيه: }سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا{ [مريم: 47]. قيل: إنه أخَّر الاستغفار له إلى السحر
ثانيًا- ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم للاستغفار.
ومما يدلُّ على فضله وكثرة خيره وبركته ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم له، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلاَّ الأفضل من العمل، فضلاً عن الملازمة التامة له، فقد ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الاستغفار، حتى كان شعارًا ظاهرًا له، وقد جاءت نصوص كثيرة بهذا، فمن ذلك.
• عـن الأغر المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليُغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرَّة» (4)    
• وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من مائة مرة»  (5).
• وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " كنا نعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة قول: «ربِّ اغفر لي وتبْ عليَّ إنك أنت التواب الرحيم»" (6)
ثالثًا: أن الاستغفار هو شعار الأنبياء جميعًا. عليهم الصلاة والسلام:
فما من نبيٍّ إلا استغفر ودعا أمته إلى الاستغفار، قال تعالى على لسان آدم وحواء عليهما السلام وهما يستغفران الله من الخطيئة: }رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ " [الأعراف: 23].
وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام: }قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [القصص: 16]، وقال تعالى عن داود عليه السلام: }وَظَـنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ{ [ص: 24]. وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام وهو يعظ قومه: }اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا{ [نوح: 10، 11]، وقال تعالى على لسان صالح عليه السلام وهو يعظ ثمودًا: }لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ " [النمل: 46]. وفي آية أخرى: }هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ{ [هود: 61]
وقال تعالى على لسان هود عليه السلام وهو يعظ قومه: }اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا{، [هود: 52]، وقال تعالى على لسـان شعيب عليه السلام: }وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ{ [هود: 90].
والنصوص في هذا الأمر كثيرة جدًا مما يدل على عظيم مقام الاستغفار.
رابعًا- أنَّ الاستغفار أساس العبودية ورُوحها؛ لأنَّ المستغفِر إنما يُظهر كمال ذُلِّه وافتقاره وخضوعه بين يدي مولاه، لعلمه أنه وحده الخالق المتفرد والمستحق للعبادة، وأنه بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وأنه لا يغفر الذنوب إلا هو، ولا يقبل العثرات، ويغفر الزلات ويتجاوز عن الخطيئات إلا هو، فهنا لا يتوكل العبد إلا عليه، ولا يرجو أحدًا سواه، ولا يسأل غيره ولا يستعين إلا به، فهاجسه الذي يُقلقه على الدوام: طلب رضا الله وعفوه، فهو في كلِّ لحظة يستشعر افتقاره إلى ربه وحاجته إليه، ومن يحمل مثل هذا الأمر يكون قد نجا بإذن الله تعالى من الأمن من مكر الله، ومن القنوط من رحمته، لأنَّ غير المستغفر أحد رجلين: إما أنه آمن من مكر الله، }فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{ [الأعراف: 99]. وإما أنه قانط من رحمة الله }وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ{ [الحجر: 56].
قال ابن القيم: "أساس كلِّ خير أن تعلم أنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ فتيقن حينئذ أنَّ الحسنات من نعمه فتشكره عليها وتتضرع إليه ألاَّ يقطعها عنك، وأنَّ السيئات من خذلانه وعقوبته فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها، ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك، وقد أجمع العارفون على أنَّ كلِّ خير فأصله بتوفيق الله للعبد، وكل شرٍّ فأصله خذلانه لعبده، وأجمعـوا أنَّ التوفيق: ألاَّ يكلك الله إلى نفسك، وأنَّ الخذلان هو أن يُخلي بينك وبين نفسك، فإذا كان كل خير، فأصلـه التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحه الدعـاء، والافتقار وصدق اللجوء والرغبة والرهبة إليه، فمتى أَعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يُفتح له، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجًّا دونه".
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: "إني لا أحمل همَّ الإجابة ولكن همَّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء فإنَّ الإجابة معه".
وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده، ورغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه وإعانته، فالمعونة من الله على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك، فالله سبحانه أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين، يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به والخذلان في مواضعه اللائقة به، هو العليم الحكيم، وما أُتي من أُتي إلاَّ من قِبل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلاَّ بقيامه بالشكر، وصدق الافتقار والدعاء... "
خامسًا- أن في الاستغفار مصالح لا يدركها العبد.
قال ابن القيــم وهو يتحدَّث عن فوائد التضرُّع إلى الله تعالى، ومشاهدة الذنب: "ومنها أنَّ الله سبحانه إذا أراد بعبده خيرًا أنساه رؤية طاعاته، ورفعها من قلبه ولسانه، فإذا ابتُلِي بالذنب جعله نصب عينيه، ونسي طاعاته، وجعل همَّه كلَّه بذنبه، فلا يزال ذنبه أمامــه، إن قام أو قعد أو غدا أو راح، فيكون هذا عين الرحمة في حقِّه، كما قال بعض السلف: «إنَّ العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار»، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: «يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه كلما ذكرها بكى وندم وتاب واستغفر وتضرَّع وأناب إلى الله وذلَّ لـه وانكسر وعمل لها أعمالاً، فتكون سبب الرحمة في حقِّه، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يمنُّ بها ويراها ويعتدُّ بها على ربه وعلى الخلق ويتكبر بها ويتعجب من الناس كيف لا يعظمونه ويكرمونه، ويجلونه عليها، فلا تزال هذه الأمور به حتى تقوى عليه آثارها فتدخله النار».
فعلامة السعادة: أن تكون حسنات العبد خلف ظهره، وسيئاته نصب عينيه، وعلامة الشقاوة: أن يجعل حسناته نصب عينيه،  وسيئاته خلف ظهره، والله المستعان.
ومنها: أن شهود العبد ذنوبه وخطاياه موجب له ألا يرى لنفسه على أحد فضلاً، ولا له على أحد حقَّا، فإنه يشهد عيوب نفسه وذنوبه، فلا يظنُّ أنه خيرٌ من مسلم يؤمن بالله ورسوله، ويُحرِّم ما حرم الله ورسوله، وإذا شهد ذلك من نفسه، لم يرَ لها على الناس حقوقًا من الإكرام يتقاضاهم إيَّاها، ويذمُّهم على ترك القيام بها، فإنها عنده أخسُّ قدرًا وأقلُّ قيمةً من أن يكون له بها على عباد الله حقوق، يجب عليهم مراعاتها، أو له عليهم فضل يستحق أن يكرم ويعظم ويقدَّم لأجلها، فيرى أن من سلَّـــم عليه أو لقيــه بوجه منبسط فقد أحسن إليه، وبذل له ما لا يستحقه، فاستراح هذا في نفسه، وأراح الناس من شكايته وغضبه على الوجود وأهله، فما طاب عيشه وما أنعم باله وما أقرَّ عينه، وأين هذا ممن لا يزال عاتبًا على الخلق شاكيًا ترك قيامهم بحقه، ساخطًا عليهم وهم عليه أسخط؟!
ومنها: أنه يوجب له الإمساك عن عيوب الناس والفكر فيها، فإنه في شغل بعيب نفسه، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس، هذا من علامة الشقاوة، كما الأول من أمارات السعادة.
ومنها: أنه إذا وقع في الذنب شهد نفسه مثل إخوانه الخطائين، وشهد أنَّ المصيبة واحدة، والجميع مشتركون في الحاجة، بل في الضرورة إلى مغفرة الله وعفوه ورحمته، فكما يحب أن يستغفر لأخيه المسلم، فيصبر هجيراه: ربِّ اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات، وللمؤمنين والمؤمنات.
فإذا شهد العبد أنَّ إخوانه مصابون بمثل ما أصيب به، محتاجون إلى ما هو محتاج إليه، لم يمتنع من مساعدتهم، إلا لفرط جهلٍ بمغفرة الله وفضله، وحقيقٌ بهذا ألاَّ يساعد؛ فإنَّ الجزاء من جنس العمل، وقد قال بعض السلف: إنَّ الله لَما عتب على الملائكة بسبب قولهم }أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ{ [البقرة: 30]
وامتحن هاروت وماروت بما امتحنهما به، جعلت الملائكة بعد ذلك تستغفر لبني آدم، وتدعو الله لهم "

  1-حديث قدسي أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة.  
2 مجموع الفتاوى (5/130-131).  
  3تفسير ابن كثير (4/515).  
4  أخرجه أحمد ومسلم.
 5 أخرجه البخاري.
6  أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث صحيح.  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire