el bassaire

lundi 30 mai 2016

بابُ الحيضِ

بابُ الحيضِ
شرحُ عُمدةِ الأحكامِ
للشّيخِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُحسنِ التّويجريّ

http://al-bassair.blogspot.com

- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ قَالَ: لا، إنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي».([1])
وَفِي رِوَايَةٍ: «وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ: فَاتْرُكِي الصَّلاةَ فِيهَا، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي».([2])
41- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ».([3])
...........................................
هذان الحديثان يتعلقان بأمر الحيض والاستحاضة، والحيض هو دم يخرج من قعر الرحم، مرة كل شهر غالبا ويكون ستة أيام إلى سبعة أيام في الغالب، وبعض النساء تكون أقل وبعضها أكثر، وهو أمر كتبه الله سبحانه وتعالى على بنات آدم ولعل فيه تطهير وتنظيف لجسد المرأة لأن هذا النوع من الدم فيه نتن وفيه رائحة، فهو ليس كبقية الدماء غالبا، فهذا هو الحيض المعتاد، فإن زاد عن القدر المعتاد سُمِّيَ استحاضة وهو استفعال من الحيض، والاستفعال زيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى وهو أن يستمر الدم بالمرأة أكثر من أيام حيضها، وهو دم فساد وهو نوع من النزيف، والنساء مع الحيض والاستحاضة على أربعة أحوال:
فمنهن المبتدئة: وهي التي لتوها ابتدأ بها الحيض لأول مرة لأنه قد يقع عندها مشكلة فيستمر خروج الدم، ومنهن المعتادة التي عرفت وقت نزول هذا الدم وعدد الأيام التي ينزل فيها، ومنهن المتحرية: التي مرة يزيد ومرة ينقص ومرة يتقدم ومرة يتأخر، ومنهن الآيسة التي بلغت سن الإياس، ولست في الحقيقة بصدد التفصيل لأن هذا ليس موضعه، المقام الآن يتعلق بالحيض والاستحاضة، فالحائض تجلس أيام حيضها لا تصلي ولا تصوم والحيض حدث أكبر ولا يجوز لها الجماع فيه، فإذا انتهت أيام هذا الحيض ورأت الطهر واضحا وجب عليها الاغتسال وقضاء الصوم دون الصلاة، وبالطبع النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر علامات الطُّهر، أما لو استمر الدم فإنه يكون دم استحاضة، طيب متى نعتبر الدم دم استحاضة؟ إذا تجاوز الحد الأقصى لدم الحيض، قالوا : والحد الأقصى لدم الحيض هو خمسة عشر يوما فإذا زاد عليها فإنه يعتبر دم استحاضة، وفي الحقيقة مع هذا التطور الذي حصل في مجال الطب فينبغي لمن تكرر معها مثل هذه الاحوال أن تراجع أهل الاختصاص طبيبة نساء وولادة لتُعَرِّفَهَا بدم الحيض ودم الاستحاضة الذي هو نوع من النزيف، لأن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن دم الحيض دم أسود يُعْرِف»([4]) وفي بعض الروايات (يُعْرَف)، ذكر له النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر من علامة، فهو أسود ليس كالدماء المعتادة، و(يُعْرِف) بكسر الراء يعني له عَرْف له رائحة، وبفتح الراء (يُعْرَف) أي تعرفه النساء؛ تستطيع أن تميز بين دم الحيض وغيره، فإن أشكل عليها وتكرر هذا الإشكال فالذي ينبغي أن تراجع طبيبة نساء وولادة حتى تُعَرِّفَهَا بحالتها هل هو دم حيض يجب عليها أن تترك الصوم والصلاة والجماع أو هو دم استحاضة لا يمنعها من ذلك، دم الاستحاضة هذا ناقض كبقية النواقض مثل البول والمذي يجب لأجله الوضوء أما فعل الصحابية التي هي هنا أم حبيبة أنه أمرها أن تغتسل لا على سبيل الوجوب فكانت تغتسل لكل صلاة، قالوا: هذا على سبيل الاستحباب وإلا فالواجب في حقها هو الوضوء فقط ولا يجب عليها الغسل بالنسبة لدم الاستحاضة بخلاف دم الحيض.
42- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ - كِلانا جُنُبٌ - وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ. وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إلَيَّ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ».([5])
43- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَنَا حَائِضٌ».([6])
...........................................
هنا أحكام تتعلق بالحائض وغيرها، فأول هذه الأحكام أن بَدَنَ الحائض ليس بنجس - كما أسلفت - كما أن بَدَنَ الجنب ليس بنجس، ولذا كان النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخرج رأسه وهو معتكف تقول: فأغسله وأنا حائض، فمباشرتها بيدها لبدن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ورأسه لا يؤثر عليه، بل إنها قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتكئ في حجري ويقرأ القرآن وأنا حائض» لكن في حديثها الأول مسألتان إضافيتان:
الأولى: قال: كنت أغتسل أنا والنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من إناء واحد - كلانا جنب - ففيه دلالة على جواز أن يتعرى الزوجان أمام كل منهما، فهما في حالة الاغتسال ليس هناك لباس، فكانا يغتسلان في مكان واحد ومن إناء واحد خلافا لما يظنه بعض الجهال أن هذا لا يسوغ أو لا يليق حتى بالمروءة، فهذا النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكمل الناس مروءة وأكمل الناس دينا يغتسل هو وعائشة رضي الله عنها في مكان واحد ومن إناء واحد.
أما المسالة الثانية: فقولها «من إناء واحد» فيه دلالة على جواز الاغتسال بفضل وضوء المرأة وفضل الماء الذي تتطهر به المرأة، وأما ما ورد من النهي عن الاغتسال أو الوضوء بفضل اغتسال أو وضوء المرأة فحمله العلماء على ما إذا خلت به المرأة فإنه لا يتوضأ به أو لا يغتسل به، أما إذا لم تخل به المرأة كحال عائشة رضي الله عنها مع النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهذا جائز ولا إشكال فيه.
أما المسألة الأخيرة وهي قولها «وكان يأمرني أن ائتزر ويباشرني وأنا حائض» إذًا يجوز للزوج أن يستمتع وأن يباشر زوجته فيما دون الفرج، لا يلزم أن يكون هناك إزار بل حتى لو أزال الإزار لكنه يكون فيما دون الفرج.
44- عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَلتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ؛ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ".([7])
...........................................
هذه مسألة تتعلق بعض الأحكام التي تتعلق بالحائض، فالحائض تترك ضمن ما تترك فريضتان: الصوم والصلاة، حكمة تعبدية لأجلها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، قول عائشة لمعاذة رضي الله عنها (أحرورية) هذه نسبة إلى بلد يقال لها حروراء إليها ينسب الخوارج لأنهم أول ما خرجوا خرجوا من حروراء؛ يعني كأنها تقول لها أنت من الخوارج أو على مذهب الخوارج الذين يرون هذا الرأي؟ قالت: لا، ولكني أسأل عن العلة؛ عن الحكمة، فانظر إلى جواب عائشة رضي الله عنها: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، خلاص المسألة تعبدية، والشرع توقيفي ليس بالضرورة أن نفقه العلة والحكمة - كما يظن من يريد أن يعرض الدين على عقله - هناك أشياء قد لا يدركها العقل البشري لكن مادامت أنها من الدين يجب أن نُسَلِّم لها، أهم شيء نتأكد أنها ثبتت أنها من الشرع، التمس بعض أهل العلم سببا أو علة لقضاء الحائض الصوم دون الصلاة لأنه يسير فهي قد تفطر خمسة أيام أو ستة أو سبعة؛ تصور كم فيها من الصلاة؟ ثلاثون صلاة وخمسة وثلاثون صلاة، يعني فيها مشقة قضاء مثل هذه الصلوات، وعلى كل حال الجواب الأقرب جواب عائشة رضي الله عنها ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾([8]) لا يلزم أن نعرف العلم أو الحكمة لأن الله سبحانه وتعالى أخفاها لسبب، لماذا صلاة المغرب ثلاث وصلاة الفجر اثنتين وصلاة الظهر أربع وصلاة العصر أربع؟ الله أعلم، حتى لو حاولنا أن نلتمس حكم فهي مجرد اجتهادات والتماسات ولا يتوقف عليها التسليم والانقياد ولذا عائشة رضي الله عنها أرادت أن تضع قاعدة؛ مادام أنه قد ثبت في الشرع فعليك الانقياد والتسليم، فكنا نؤمر ولا نؤمر وانتهى الأمر.



([1]) صحيح البخاري (325).
([2]) صحيح البخاري (306).
([3]) صحيح البخاري (327).
([4]) صحيح. النسائي (215). الإرواء (204).
([5]) صحيح البخاري (301).
([6]) صحيح البخاري (297).
([7]) صحيح مسلم (335).
([8]) آل عمران: 7.

بابُ التَّيَمُّمِ

بابُ التَّيَمُّمِ
شرحُ عُمدةِ الأحكامِ
للشّيخِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُحسنِ التّويجريّ

http://al-bassair.blogspot.com

37- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه؛ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم رَأَى رَجُلاً مُعْتَزلاً، لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا فُلانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلا مَاءَ، فَقَالَ: عَلَيْك بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ».([1])
38- عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ - كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ - ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إنَّمَا كان يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا؛ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ».([2])
39- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً».([3])
...........................................
التيمم هو من وجوه اليسر في هذا الدين ولذا قال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث جابر وغيره «أعطيت خمسا لم يعطن أحد من قبلي» وذكر منها أنه جعلت له الأرض مسجدا وطهورا، فكان من قبلنا عليهم أغلال وآصار وكانوا لا يستطيعون الصلاة إلا في معابدهم وكنائسهم أما نحن فكما في الحديث الذي رواه البخاري «إن هذا الدين يسر»([4]) فمن سمات هذا الدين اليسر، فإذا فقد المسلم الماء فالأمر يسير الطهور جاهز وقريب منك الصعيد ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾([5])، فالتيمم مشروع بالكتاب والسُّنَّة وأجمع عليه العلماء، في حديث عمران رضي الله عنه ظن الرجل أن الجنابة لا بد لها من الغسل وربما كان يعرف أن الحدث الأصغر يكفيه التيمم لكن الجنابة لا بد لها من ماء أو يصنع مثل ما صنع عمار رضي الله عنه، فالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبر هذا الرجل أنه إذا أنت فقدت الماء وحضرت الصلاة فيكفي أن تتيمم - وسآتي أنا إلى صفة التيمم إن شاء الله -، أما قوله النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «عليك بالصعيد» وقوله تعالى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾ فقد اختلف في تفسير الصعيد، فقيل: إن الصعيد هو وجه الأرض، أي هو ما يواجهك من وجه الأرض تراب رمل حجارة سباخ أيا كان حتى لو كانت نبات أي الأرض مكسوة بالنبات، وقيل: إن الصعيد هو التراب وزاد بعضهم قيدا أن يكون له غبار يتصاعد ولأجل ذلك سمي صعيدا، والصحيح هو القول الأول أن الصعيد هو وجه الأرض، ولذا فيشرع للمسلم إذا فقد الماء أن يتجه إلى وجه الأرض ويتيمم، بالطبع إن تيسر له التراب فهو أفضل ليخرج من اختلاف أهل العلم؛ لأنهم كلهم متفقون على صحة التيمم بالتراب لكن اختلفوا في غيره.
نأتي إلى حديث عمار رضي الله عنه قال: أجنبت، هو يعرف أن التراب عوض عن الماء لكن في الوضوء، وأشكل عليه في الغسل فاجتهد رضي الله عنه وفي هذا دلالة على صحة الاجتهاد حتى في عهد النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد حصل الاجتهاد من الصحابة وهذا أحدها، ولذا النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم ينكر عليه الاجتهاد ولم يقل له: لماذا تجتهد في فهم النصوص وأنا موجود! لا، الذي أنكره عليه صلّى الله عليه وسلّم هو أنه خالف الشرع وأن المشروع في حقه أن يضرب بكفيه الأرض فبالتيمم رفع الحدث الأكبر والأصغر سواء ليس مثل الاغتسال بالماء يختلف رفع الحدث الأصغر عن الحدث الأكبر، قال: ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه، ظاهر الحديث يفيد أن الضربة واحدة وإلى هذا ذهب الجمهور مالك وغيره، والشافعي رحمه الله قال: لا بد من ضربتين ويحتج بحديث «التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة للكفين»([6]) لكن الحديث فيه ضعف، وعلى كل حال إن ضرب المسلم ضربة أو ضربتان فالفعل له أصل لأن من العلماء من قال: بأنه إذا ضرب ضربتين زال آثار التراب الذي يمكن أن يمسح به وجهه، يعني احتاج إلى ضربة ثانية، لكن الأمر فيه سعة إن شاء الله، لكن المشروع في حقه ضربة واحدة، لكن هل يبدأ بالمسح باليدين قبل الوجه أم العكس الروايات وردت بهذا وهذا ويمكن أن يحمل هذا على التنوع، ولو بدأ بالوجه قبل اليدين - لأن هذا هو الترتيب بالوضوء - فحسن إن شاء الله، أما قول النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث جابر «أعطيت خمساً» فهذه التي يطلق عليها العلماء بالخصائص خصائص النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخصائصه هذه التي ذكرها هنا فيها ما يشاركه بها الأمّة مثل الغنائم، فهذه يشترك فيها النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأمته، لكن «نصرت بالرعب مسيرة شهر» قيل: هذه خاصة بالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقيل يشمل حتى أمته خصوصا من صدق في دين الله سبحانه وتعالى، وأيضا تشترك معه أمته في كون الأرض جعلت مسجدا وطهورا، أما الشفاعة فهي خاصة بالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي الشفاعة العظمى في أهل الموقف التي لا يشاركه فيها أحد لا نبي ولا ملك ولا أحد، هذه تسمى الشفاعة العظمى، يشفع لأهل الموقف أن يبدأ الحساب، وكذلك أيضا خصيصة كونه بعث إلى الناس عامة وكان النَّبيّ يرسل إلى قومه فقط.




([1]) صحيح البخاري (248).
([2]) صحيح مسلم (368).
([3]) صحيح البخاري (335).
([4]) صحيح البخاري (39).
([5]) النساء: 43.
([6]) ضعيف. الطبراني في الكبير (367/12). الضعيفة (3427).

بابُ السواكِ

بابُ السواكِ
شرحُ عُمدةِ الأحكامِ
للشّيخِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُحسنِ التّويجريّ

http://al-bassair.blogspot.com


17- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ».([1])
18- عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنهما؛ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ".([2])
19- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه؛ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم بَصَرَهُ. فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَضَمْتُهُ، ونَفَضْتُهُ، فَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَاسْتَنَّ بِهِ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم اسْتَنَّ اسْتِنَانًا أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: رَفَعَ يَدَهُ - أَوْ إصْبَعَهُ - ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى - ثَلاثاً - ثُمَّ قَضَى. وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي".([3])
وَفِي لَفْظٍ " فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: أَنْ نَعَمْ" هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ([4]).
20- عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه؛ قَالَ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَسْتَاكُ بِسِوَاكٍ رَطْبٍ، قَالَ: وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أُعْ، أُعْ، وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ، كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ".([5])
...........................................
بالنسبة للسواك هذا وصف للفعل ولكن غلب على هذا العود الذي يُستخدم في دلك الأسنان وتنظيفها، وإلا فالسواك هو الفعل، ولكن نظرا لكثرة استخدام هذا العود غلب عليه هذا الوصف، والسواك سُنَّة مؤكدة، ويستحب بعود الأراك وغيره مما يحصل معه تنظيف الأسنان، فالاستحباب متعلق بالفعل وليس بهذا النوع من الأعواد، ولكن نظرا لما يتميز به هذا العود فيفضل للمسلم أن يستخدمه لأن فيه موادا تساعد على نظافة الأسنان، بالطبع - كما ذكرت قبل قليل أن السواك سُنَّة مؤكدة وهناك مواضع يتأكد فيها، منها ما ذكر النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هنا «عند كل صلاة»، وفي بعض الألفاظ «وعند كل وضوء»([6])، ومن المواضع أيضا إذا استيقظ من الليل كما في حديث حذيفة رضي الله عنه، وثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يستاك إذا أراد أن يدخل المنزل([7]) وكذا أذا قام من الليل يريد أن يصلي، وأيضا إذا أراد ان يتلو القرآن أو يذكر الله سبحانه وتعالى، لأن السواك كما قال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مطهرة للفم مرضاة للرب»([8])، قالوا: أيضا ومن المواضع التي يستحب السواك فيها؛ عند تَغَيُّرِ رائحة الفم مثل عند الاستيقاظ من النوم أو إذا أكل الإنسان أكلا ذي رائحة ليست طيبة.
أما حديث عائشة رضي الله عنها والتي ذكرت فيها اللحظات الاخيرة لوفاة النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحرصه على العناية بهذه السُّنَّة حتى في هذه اللحظات الاخيرة، وكأنه يستعد بفم طيب مطيب للقاء ربه، وفي حديث أبي موسى الذي رأى النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يستاك بسواك رطب قال: (وطرف السواك على لسانه) أخذَ من هذا العلماء أن السواك يشرع للسان؛ لأن اللسان يبقى فيه بقايا طعام، حتى إن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبالغ في إدخال السواك إلى أعلى اللسان مما يجعله يتهوع، فتنظيف الأسنان وتنظيف الفم بالسواك - بعود الأراك أو بغيره - من الوسائل سُنَّة مؤكدة وأمر مشروع.




([1]) صحيح مسلم (252).
([2]) صحيح البخاري (245).
([3]) صحيح البخاري (4438).
([4]) صحيح البخاري (4449).
([5]) صحيح البخاري (244).
([6]) صحيح. الموطأ (115). صحيح الجامع (5317).
([7]) صحيح مسلم (253).
([8]) صحيح. النسائي (5). الصحيحة (2517).

دخول الخلاء


دخول الخلاء
شرحُ عُمدةِ الأحكامِ
للشّيخِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُحسنِ التّويجريّ

http://al-bassair.blogspot.com


 أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ».([1])
الخبث: بضم الخاء جمع خبيث والخبائث: جمع خبيثة، استعاذ
من ذكران الجن واناثهم.
...........................................
أولًا قوله باب الاستطابة هي مأخوذة من مادة طَيَبَ: يعني استطاب، أي طيَّب المكان بالاستنجاء أو الاستجمار بعد خروج النجاسة منه، وهو مأخوذ من قوله صلّى الله عليه وسلّم «لا يستطب أحدكم بيمينه»([2]) فالاستطابة هي تطييب المحل من النجاسة بعد خروجها منه، وإعادته طيبا كما كان، هذا الذكر مشروع إذا أراد المسلم أن يدخل الخلاء.
والخلاء على نوعين: الخلاء الذي يكون في الصحراء؛ والخلاء الذي يكون في البنيان، وقديما لم يكن الناس يضعون أماكن لقضاء الحاجة وإنما كانوا يخرجون إلى خارج البنيان، فمثلا في المدينة كانوا يخرجون إلى البقيع ولم يكونوا اتخذوا الكنف - التي هي مكان قضاء الحاجة - إلا بعد ذلك، إذًا عندنا خلاء خارج البنيان في الصحراء، وعندنا خلاء داخل البنيان - وهو ما يخصص لقضاء الحاجة - وكلا النوعين يطلق عليه خلاء؛ لأن الإنسان يخلو بنفسه لقضاء حاجته، وحينها يتيسر له كشف عورته دون أن يتعرض للمحظور من النهي عن كشف العورة، ويشرع له هذا الذكر سواء كان في الخلاء الذي خارج البنيان أو داخل البنيان، والفرق بينهما هو قضية الدخول لأنه في البنيان متصور الدخول أما في الصحراء فغير متصور، ولذا حمله العلماء حملوا هذا النص - أنه إذا أراد الدخول وليس بعد الدخول أو أثناء الدخول فإذا أراد أن يجلس لقضاء حاجته في الخلاء الذي في الصحراء قال هذا الدعاء، وإذا أراد أن يدخل المكان المخصص لقضاء الحاجة في البنيان قال هذا الدعاء، ويُنْهى أن يقوله داخل الخلاء؛ لأنه مكان للشياطين وقضاء الحاجات ولذا استعاذ النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من ذكران الشياطين وإناثهم، والمسلم على خطر من أن يصاب بضرر من هؤلاء، فإذا استعاذ بالله من هؤلاء أعاذه الله وحماه.
12- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ، فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا»([3]).
قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: "فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ".
الغائط: الموضع المطمئن من الأرض؛ كانوا ينتابونه للحاجة فكنّوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره بخاص اسمه، والمراحيض: جمع مرحاض وهو المغتسل وهو أيضا كناية عن موضع التخلي.
13- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما قَالَ: "رَقِيْتُ يَوْماً عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامَ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ".([4])
وَفِي رِوَايَةٍ "مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ".([5])
...........................................
هذان الحديثان فيهما حكم استقبال القبلة واستدبارها أثناء قضاء الحاجة، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فمنهم من ذهب إلى النهي في كلا الأمرين - الاستقبال والاستدبار - ومنهم من ذهب إلى الجواز واعتبر هذا الحكم منسوخ حيث رُئِي النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قبل وفاته بشهر مستدبر الكعبة، ومنهم من فرَّق بين الاستقبال والاستدبار، فحرم الاستقبال وأجاز الاستدبار، ومنهم من فصَّل فمنعه في الخلاء أو في الصحراء وأجازه في البُينان وهذا هو القول الراجح الذي تجتمع به الأدلة، والحكمة في النهي هو التكريم وتشريف قبلة الله سبحانه وتعالى، أما قول النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا» فهذا في حق أهل المدينة ومن كان على مثل حالهم ممن يكون الشرق والغرب ليس في اتجاه القبلة، لأن المدينة تقع شمال مكة، فإذا اتجه إلى جهة الشرق أو الغرب فإنه حينئذ يكون انحرف عن جهة القبلة، فِعْلُ أبي أيوب رضي الله عنه لما قال: وجدنا مراحيض في الشام قال: فننحرف ونستغفر الله؛ هذا فيه دلالة على أنه يرى أن النهي عام حتى في البنيان ولذا ينحرف عن جهة القبلة ويستغفر الله لما قد يحصل بسبب ذهولهم أو نسيانهم فيقع في هذا الأمر المنهي عنه، واختلف فقيل النهي للتحريم وقيل إن النهي للكراهة، والله أعلم بالصواب.
14- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَدْخُلُ الْخَلاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ".([6])
العَنَزَة: الحرْبة الصغيرة، والاداوة: إناءٌ صغير من جلد.
...........................................
هذا فيه دلالة على جواز استعانة المسلم بغيره على ما يتعلق بطهارته ووضوئه خصوصا إذا كان الدافع إلى ذلك الحاجة وليس إهانة الآخرين أو التكبر عليهم أو تعاظم نفس، وكونهم يحملون هذه العنزة التي يطرح عليها ثوبا يستتر به؛ قالوا: هذا إذا كان قضاء الحاجة في مكان بارز كالصحراء أو خارج البنيان، وإلا فلا يحتاج إلى هذه العنزة أثناء وجوده في الخلاء الذي داخل البنيان.
15- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَلا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ».([7])
...........................................
بالطبع هنا عدة أحكام في هذا الحديث، الحكم الأول هو إمساك الذَّكَر؛ ويفهم من هذا مسّ الفرج عموما - سواء كان قبلا أم دبرا - أن يمسّه بيمينه، والعلة في ذلك تكريم اليمين، لأن اليمين جعلها الله سبحانه وتعالى للأشياء الكريمة، وقد اختلف أهلُ العلم؛ فمنهم من ذهب إلى تحريم ذلك، والجمهور يرون أنه للكراهة لأن هذه من باب الآداب، خصوصا وأن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ عن مسّ الفرج فقال: «إنما هو بضعة منك»([8])، يعني هو كقطعة لحم كبقية أجزاء الجسد، ومنهم من خصصه بالمس بعد البول وجعل القيد الذي في الحديث معتبرا لأنه وردت رواية مطلقة «لا يمس ذكره بيمينه» لكن هنا قيده بالبول أو أثناء قضاء الحاجة، قال: ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، يعني لا يستنجي ولا يستجمر باليمين - تكريما لها - ولا يتنفس في الإناء، قالوا: والعلة في ذلك أنه قد يظهر مع هذا النَّفَسِ شيءٌ يُقَذِّرُهُ على نفسه أو على غيره، والإنسان قد يحتاج إلى التَّنَفّس لأنه قد تطول مدة الشرب لذلك هدي النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يشرب في ثلاثة أنفاس، يعني يُبِيْنُ القدحَ عن فمه ثلاث مرات ويتنفس ثم يشرب، وهذا هو السُّنَّة التي ينبغي العناية بها والاقتداء بالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها.
16- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، فَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا».([9])
...........................................
هذا الحديث يتعلق بالتَّنَزُّهِ من البول، أورده المؤلف للتَّنبيه على خطورة الاستهانة بالبول أو بالنجاسة وعدم التنزه منها، فالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرَّ بقبرين فقال: «إنهما ليعذَّبان - وما يعذبان في كبير» جاء في بعض الروايات أنه استدرك «بلى إنه كبير»([10]) قال أهل العلم: المقصود أنهما ما يعذبان في كبير في نظرهما، أنهما يستهينان بهذا الذنب أو هذا الأمر ثم استدرك النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بلى إنه كبير» والدليل على أنه كبير أنهما يعذبان في القبر بسببه، فذكر أن أحدهما كان يمشي بالنميمة وهي الوشاية وهي الكلام بين الناس على جهة الإفساد، وهذا مع الأسف يستهين به بعض الصالحين ويجد لنفسه مسوغات يسوغ لنفسه هذا الفعل، والأمر خطير جدا ولا يقتصر الأمر على كونه يعذب في القبر لأجل هذا الذنب الذي استهان به، فالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبر انه لا يدخل الجنة نمَّام([11])، إذا هناك عذاب في القبر وهناك حرمان من دخول الجنة، ولذا يجب على المسلم أن يتنبَّه ويحتاط لهذا المرض الخطير الذي بيَّن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن النفوس قد تستهين به ثم قال: «أما أحدهما فكان لا يستتر من البول واما الآخر فكان يمشي بالنميمة» فالاستتار من البول قالوا: له أحد احتمالين، الأول: أنه كان لا يبالي بكشف عورته أثناء قضاء الحاجة أو أثناء البول، ولكن الأقرب أنه كان لا يتنزه من البول يعني من إصابة النحاسة له لبدنه أو لثوبه لا يبالي، فأخبر النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن هذين الذنبين وهاتين المخالفتين وإن كانتا صغيرتين في أعينهما فهما ذنبان عظيمان استحقا عليه هذه العقوبة، ما هي هذه العقوبة؟ أنهما يعذبان في القبر قبل أن يأتي يوم القيامة، وهناك عذاب آخر، وأخذ من هذا الحديث الدلالة على عذاب القبر وهذا من عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة؛ لأن هناك من يخالف ويشكك ويُلبِّس على الناس، وله في ذلك حجج عقلية يظن أنها تغني من الحق شيئا، فيقول: افتحوا القبور؛ تجد الميت لا يعذب، أين العذاب الذي تتحدثون عنه؟ أولا: إن عذاب القبر من الغيب؛ والله سبحانه وتعالى أمرنا بالإيمان بالغيب، وهو أعلم سبحانه بكيفية هذا العذاب، لكن عندنا نحن مثال واقعي، ألا ترى النائم يرى في منامه أحوالا مزعجة ويتعذب وربما بكى في أثناء النوم إما أَلَمٌ أو خوف أو حزن مع أن الوضع حوله طبيعي وهو ساكن هو، وبعضهم يستيقظ من نومه متعب ومرهق، فأين ذلك؟ هو كان يتعذب والناس حوله لا يشعرون، هذه صورة مبسطة فكيف بعالم الغيب وما تحويه القبور، ولذا فالواجب على المسلم مادام أنه ثبت مثل هذا في الكتاب والسُّنَّة أن يقول: سمعنا وأطعنا ويُسَلَّم وينقاد، وهذه ميزة المؤمن عن غيره أنه يُصَدِّق ويؤمن ويتيقن ولا يجعل العقل والوساوس هي التي تحكم على الشرع كحال الذين يريدون أن يعرضوا سُنَّة النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وما جاءت به على عقولهم؛ فإن وافقت قَبِلُوْه وإن خالفت عقولهم رَدُّوه، وهذه مرحلة وبعدها سينتقلون إلى آيات القرآن فالذي لا يوافق عقولهم مما جاء في القرآن سيرُدُّوْنَه؛ لأن العقل عندهم هو الأصل والشرع هو الفرع، وهذا باب الإلحاد والزندقة في دين الله سبحانه وتعالى، وهذه جادة الانحراف تبدأ لكن تنحدر بصاحبها إلى ما لا نهاية، ونظرا لسهولة التواصل ووجود مثل هؤلاء الزائغين عن الحق مجالا عبر وسائل الاتصال من القنوات الفضائية وشبكة المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي وجدوا مساحة يتحركون فيها بكل حرية؛ يجب على المسلم أن يحتاط وأن يتحفظ لدينه وعقيدته ولا يقول: أنا على علم لأنه قد يزيغ قلبه وقد تزل قدم بعد ثبوتها، وقد ألحد في دين الله من كان على صلة بالعلم الشرعي ولديه حصيلة طيبة من العلم الشرعي ولكن لما وَلَجَ هذا الباب زاغ قلبه وانحرف وغلبته الشبهات فعلى المسلم أن يتنبَّه وأن يحتاط.
هناك أيضا قضية أخرى تتعلق بهذا الحديث وهو وأن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذ جريدة نخل وشقها نصفين وغرز على كل قبر جزء وقال: «لعله أن يُخفف عنهما ما لم ييبسا»، بعض الضالين احتج بهذا على زراعة القبور ووضع النباتات عليها، وهذا انحراف لسببيين:
السبب الأول: أين غاب ذلك عن أصحاب النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وسلف الأمة، فلو كان هذا سائغ جائز وفيه مصلحة كانوا وضعوا النباتات على قبور آبائهم وأحبابهم وهم أعرف الناس بسُنَّة النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
السبب الثاني: النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أُعلم بالوحي أنهما يعذبان، أنت ما الذي أدراك؟ يأتيك وحي أو تعرف ما في القبور! حتى لو افترضنا أن في ذلك دلالة على وضع النباتات وزراعتها للتخفيف عن أصحابها، فما الذي أدراك أنهم يُعذبون؟ وعلى كل حال يكفي في ذلك ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وسلف هذه الامة




([1]) صحيح البخاري (142).
([2]) صحيح. أبو داود (8). صحيح الجامع (2346).
([3]) صحيح البخاري (394).
([4]) صحيح البخاري (148).
([5]) صحيح البخاري (149).
([6]) صحيح البخاري (152).
([7]) صحيح مسلم (267).
([8]) صحيح. الترمذي (85). صحيح وضعيف سنن الترمذي (85).
([9]) صحيح البخاري (218).
([10]) صحيح البخاري (218).
([11]) صحيح مسلم (105).