el bassaire

mercredi 9 janvier 2013

من أي شيء يكون الاستغفار؟




إن الاستغفار يكون من ترك الواجبات، ومن الوقوع في المحرمات، لا كما يظن البعض أن الاستغفار يكون من فعل الذنب فقط.
وأنقل هنا كلامًا ماتعًا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يُقرِّر فيه أنَّ الاستغفار كما أنه واجب على من وقع في المحرمات، كذلك هو واجب على من ترك الواجبات فيقول: " التوبة والاستغفار يكون من ترك الواجبات وفعل المحرمات، والأول يخفى على كثير من الناس. قال تعالى: }فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ{ [غافر: 55]، وقال تعالى: }فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ{ [محمد: 19] وقـال تعالى:  }لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ{ [الفتح: 2]، قال: }أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى{ [هود: 2، 3]. ومثل هذا في القرآن كثير.
فنقول: التوبة والاستغفار يكون من ترك مأمور ومن فعل محظور، فإنَّ كلاهما من السيئات والخطايا والذنوب، وترك الإيمان والتوحيد والفرائض التي فرضها الله تعالى على القلب والبدن من الذنوب بلا ريب عند كلِّ أحد، بل هي أعظم الصنفين؛ فإنَّ جنس ترك الواجبات أعظم من جنس فعل المحرمات، إذ قد يدخل في ذلك ترك الإيمان والتوحيد، ومن أتى بالإيمان والتوحيد لم يخلد في النار ولو فعل ما فعل، ومن لم يأت بالإيمان والتوحيد كان مخلدًا، ولو كانت ذنوبه من جهة الأفعال قليلة: كالزهَّاد والعُبَّاد من المشركين وأهل الكتاب، كعباد مشركي الهند وعُباد النصارى وغيرهم، فإنهم لا يقتلون ولا يزنون ولا يظلمون الناس، لكنَّ نفس الإيمان والتوحيد الواجب تركوه.
ولكن يقال: ترك الإيمان والتوحيد الواجب إنما يكون مع الاشتغال بضدِّه، وضده إذا كان كفرًا فهم يُعاقبون على الكفر، وهو من باب المنهيِّ عنه، وإن كان ضده من جنس المباحات كالاشتغال بأهواء النفس ولذاتها من الأكل والشرب والرئاسة وغير ذلك عن الإيمان الواجب، فالعقوبة هنا لأجل ترك الإيمان، لا لأجل ترك هذا الجنس.
وقد يقـال: كلُّ من ترك الإيمان والتوحيد فلا يتركه إلاَّ إلى كفرٍ وشك، فإنَّ النفس لا بدَّ لها من إله تعبده، فمن لم يعبد الرحمن عبد الشيطان. فيقال: عباد الشيطان جنس عام، وهذا إذا أمره أن يشتغل بما هو مانع له من الإيمان والتوحيد يقال عَبَدَه، كما أنَّ من أطاع الشيطان فقد عبدَه ولكن عبادة دون عبادة.
والناس نوعان: طلاب دين، وطلاب دنيا.
فهو يأمر طلاب الدين بالشرك والبدعة، كعباد المشركين وأهل الكتاب، ويأمر طلاب الدنيا بالشهوات البدنية.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغيِّ في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن» ب[1].
ولهذا قال الحسن البصري لما ذكر الحديث: «لكل عامل شرة، ولكل شرة فترة، فإنَّ صاحبها سدَّد وقارب فارجوه، وإن أُشير إليه بالأصابع فلا تعدوه»[2].
فقالوا: أنت إذا مررت في السوق أشار إليك الناس
فقال: إنه لم يعنِ هذا، وإنما أراد المبتدع في دينه والفاجر في دنياه؛ فإنَّ ترك الواجب وفعل المحرَّم متلازمان، ولهذا كان من فعل ما نهى عنه يقال: إنه عصى الأمر، ولو قال لها: "إن عصيتِ أمري فأنت طالق"، فنهاها، فعصته، ففيه وجهان: أصحًّهما أنها تُطلَّق، وبعض الفقهاء يُعلِّل ذلك بأنَّ هذا يُعدُّ في العرف عاصيًا، ويجعلون هذا في الأصل نوعين، والتحقيق: أنَّ كلَّ نهي ففيه طلب واستدعاء لِما يقصـده الناهي، فهو أمر، فالأمر يتناول هذا وهذا، ومنه: قول الخضر لموسى: }إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا{ [الكهف: 67 – 69]. وقـال لـه: }فَإِنِ اتَّبَعْتَنِـي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا{ [الكهف: 70]، فقوله: }فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا{ قد تناوله قوله: }وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا{، ومنه قول موسى لأخيه: }مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي{ [طه: 92، 93]، وموسى قال له: }اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ{ [الأعراف: 142]. نهي: وهو لامه على أنه لم يتبعه، وقال: أفعصيت أمري؟ وعباد العجل كانوا مفسدين، وقد جعل هذا كلّه أمرًا، وكذلك قوله: }عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{ [التحريم: 6] فهم لا يعصونه إذا نهاهم. وقوله عن الرسول صلى الله عليه وسلم: }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [النور: 63]، فمن ركب ما نهى عنه فقد خالف أمره، وقال تعالى: }وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى{ [طه: 121] وإنما كان فعلاً منهيًا عنه، وقوله: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ{ [الأحزاب: 36]، هو يتناول ما نُهي عنه، أقوى مما يتناول ما أُمر به، فإنه قال في الحديث الصحيح: «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» [3]، وقوله: }يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ{ [النساء: 42]  فالمعصية: مخالفة الأمر، ومخالف النهي عاص، فإنَّ مخالف الأمر وفاعل المحظور، قد يكون أظهر معصية من تارك المأمور، وبالجملة فهما متلازمان. كل من أمر بشيء فقد نهى عن فعل ضده، ومن نهى عن فعل أمر بفعل ضده، كما بسط في موضعه، ولكن لفظ الأمر يعمُّ النوعين، واللفظ العام قد يخصُّ أحد نوعيه باسم، ويبقى الاسم العام للنوع الآخر، فلفظ الأمر عام، لكن خصُّوا أحد النوعين بلفظ النهي، فإذا قرن النهي بالأمر كان المراد به أحد النوعين لا العموم [4]. ا هـ. باختصار.
وأما الاستغفار من المحرَّمات فهو واجب أيضًا، وهو المتبادر عند إطلاق الاستغفار، أنه يكون مِن فعل المحرم، والنصوص الآمرة بالاستغفار من فعل المحرمات أكثر من أن تُحصَى في الكتاب والسنة، من ذلك.
يقول الله تعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا{ [النساء: 110].
ويقول تعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ [آل عمران: 135].

1رواه أحمد بسند صحيح.
2  رواه الترمذي وابن حبان من حديث أبي هريرة، ورواه أحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن عمرو بن  العاص بسند حسن.
3 أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.  
4 مجموع الفتاوى (11/670-675)، وقد أوردت غالب النص لما يشتمل عليه من قواعد وفوائد.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire