باب في بيان أحكام
الإمامة
https://twitter.com/hadithecharif
http://almobine.blogspot.com/
هذه الوظيفة الدينية المهمة التي
تولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وتولاها خلفاؤه الراشدون .
وقد جاء في فضل الإمامة أحاديث
كثيرة ; منها : قوله صلى الله عليه وسلم :
ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة وذكر أن منهم رجلا أم قوما وهم به راضون , وفي
الحديث الآخر , أن
له من الأجر مثل أجر من صلى خلفهولهذا ; كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يقول
للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعلني إمام قومي ; لما يعلمون في ذلك من الفضيلة
والأجر .
لكن مع الأسف الشديد ; نرى في
وقتنا هذا كثيرا من طلبة العلم يرغبون عن الإمامة , ويزيدون فيها , ويتخلون عن
القيام بها , إيثارا للكسل وقلة رغبة في الخير , وما هذا إلا تخذيل من الشيطان .
فالذي ينبغي لهم القيام بها بجد
ونشاط واحتساب للأجر عند الله ; فإن طلبة العلم أولى الناس بالقيام بها وبغيرها من
الأعمال الصالحة .
وكلما توافرت مؤهلات الإمامة في
شخص ; كان أولى بالقيام بها ممن هو دونه , بل يتعين عليه القيام بها إذا لم يوجد
غيره :
- فالأولى بالإمامة الأجود قراءة لكتاب الله تعالى , وهو الذي يجيد
قراءة القرآن , بأن يعرف مخارج الحروف , ولا يلحن فيها , ويطبق قواعد القراءة من
غير تكلف ولا تنطع , ويكون مع ذلك يعرف فقه صلاته وما يلزم فيها ; كشروطها
وأركانها وواجباتها ومبطلاتها , لقوله صلى الله عليه وسلم : يؤم
القوم أقرؤهم لكتاب الله وما ورد بمعناه من الأحاديث الصحيحة , مما يدل
على أنه يقدم في الإمامة الأجود قراءة للقرآن الكريم , الذي يعلم فقه الصلاة ; لأن
الأقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يكون أفقه .
- فإذا استووا في القراءة , قدم الأفقه ( أي : الأكثر فقها ) ; لجمعه
بين ميزتين : القراءة والفقه , لقوله صلى الله عليه وسلم :
فإن كانوا في القراءة سواء ; فأعلمهم بالسنة أي : أفقههم في دين الله , ولأن احتياج المصلي
إلى الفقه أكثر من احتياجه إلى القراءة ; لأن ما يجب في الصلاة من القراءة محصور ,
وما يقع فيها من الحوادث غير محصور .
- فإذا استووا في الفقه والقراءة , قدم الأقدم هجرة , والهجرة الانتقال
من بلد الشرك إلى بلد الإسلام .
- فإذا استووا في القراءة والفقه والهجرة ; قدم الأكبر سنا ; لقوله صلى
الله عليه وسلم : وليؤمكم
أكبركم متفق عليه , لأن كبر السن في الإسلام فضيلة ,
ولأنه أقرب إلى الخشوع وإجابة الدعاء .
والدليل على هذا الترتيب الحديث
الذي رواه مسلم عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ;
قال : يؤم
القوم أقرؤهم لكتاب الله , فإن كانوا في القراءة سواء , فأعلمهم بالسنة , فإن
كانوا في السنة سواء ; فأقدمهم هجرة , فإن كانوا في الهجرة سواء ; فأقدمهم سنا
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله : " فقدم النبي صلى الله عليه وسلم بالفضيلة بالعلم بالكتاب والسنة ,
فإن استووا في العلم ; قدم بالسبق إلى العمل الصالح , وقدم السابق باختياره إلى
العمل الصالح ( وهو المهاجر ) على من سبق بخلق الله وهو كبر السن " انتهى .
وهناك اعتبارات يقدم أصحابها في
الإمامة على من حضر ولو كان أفضل منه , وهي :
أولا :
إمام المسجد الراتب إذا كان أهلا للإمامة ; لم يجز أن يتقدم عليه غيره , ولو كان
أفضل منه ; إلا بإذنه .
ثانيا :
صاحب البيت إذا كان يصلح للإمامة ; لم يجز أن يتقدم عليه أحد في الإمامة ; إلا
بإذنه .
ثالثا :
السلطان , وهو الإمام الأعظم أو نائبه , فلا يتقدم عليه أحد في الإمامة , إلا
بإذنه , إذا كان يصلح للإمامة .
والدليل
على تقديم أصحاب هذه الاعتبارات على غيرهم ما رواه أبو داود من قوله صلى الله عليه
وسلم :
لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه وفي " صحيح مسلم " : ولا
يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه إلا بإذنه وسلطانه محل ولايته أو ما يملكه .
قال
الخطابي : " معناه : أن صاحب المنزل أولى بالإمامة في بيته إذا كان من
القراءة أو العلم بمحل يمكنه أن يقيم الصلاة , وإذا كان إمام المسجد قد ولاه
السلطان أو نائبه أو اتفق على تقديمه أهل المسجد ; فهو أحق ; لأنها ولاية خاصة ,
ولأن التقدم عليه يسيء الظن به , وينفر عنه "
مما تقدم يتبين لك شرف الإمامة في الصلاة وفضلها ومكانتها في الإسلام ; لأن الإمام
في الصلاة قدوة , والإمامة مرتبة شريفة ; فهي سبق إلى الخير , وعون على الطاعة
وملازمة الجماعة , وبها تعمر المساجد بالطاعة , وهي داخلة في عموم قوله تعالى فيما
حكاه من دعاء عباد الرحمن : وَالَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ
أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
فالإمامة في الصلاة من الإمامة في الدين , ولا سيما إذا كان الإمام يبذل النصح
والوعظ والتذكير لمن يحضره في المسجد , فإنه بذلك من الدعاة إلى -152- الله ,
الذين يجمعون بين صالح القول والعمل , وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي
مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلا يرغب عن القيام بالإمامة إلا محروم , ولا
حول ولا قوة إلا بالله .