el bassaire

vendredi 18 janvier 2013

عقيدة الإثبات و التنزيه ج1




«التصفيف الثلاثون: عقيدة الإثبات والتَّنـزِيه (١٢)»

-تابع-
التاسع والأربعون: توحيد الربوبية:
وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ(١)، وَهُوَ العِلْمُ بِأَنْ لاَ خَالِقَ غَيْرُهُ وَلاَ مُدَبِّرَ لِلْكَوْنِ وَلاَ مُتَصَرِّفَ فِيهِ سِوَاهُ(٢)لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ﴾(٣)، ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾(٤)، ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ﴾(٥)،وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ»(٦).


(١تعرَّض المصنِّف -رحمه الله- فيما سبق إلى أجلِّ أبواب التوحيد وأعظمها قدرًا وهو توحيد الأسماء والصفات لارتباطه بالله عزَّ وجلَّ في ذاته وأسمائه وصفاته، وهو أحد قسمي التوحيد العلمي، حيث بيَّن فيه عقيدة أهل السنَّة القائمةَ على أصلين راسخين: - إثباتٌ بلا تشبيهٍ أوَّلاً، - وتنزيهٌ بلا تعطيلٍ ثانيًا [انظر: مبحث الإيمان بالله وعقيدة الإثبات والتنزيه: التصفيف التاسع عشر].
ثمَّ عرَّج -في هذا الفصل- على القسم الثاني من التوحيد العلمي المتمثِّل في توحيد الربوبية وهو: الإقرار بأنَّ الله تعالى وحده لا شريك له، الخالق لكلِّ المخلوقات العلوية والسفلية والمرئيَّة وغيرها، والاعتراف بأنه سبحانه وحده المتصرِّف بهذا الكون، بيده جميع المقادير من رزقٍ وموتٍ وحياةٍ وما يتعلَّق بكافَّة أمور الخلائق، فهو المحيي المميت، النافع الضارُّ، الموجِد والمُعْدِم، والمتفرِّد بإجابة الدعاء عند الاضطرار، له الأمر كلُّه، بيده الخير كلُّه، لا يخرج شيءٌ عن ربوبيته، وكلُّ من في السماوات والأرض عبدٌ له في قبضته وتحت قهره، ولا يستقلُّ شيءٌ سواه بإحداث أمرٍ من الأمور، بل ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن [انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١٠/ ٣٣١)، «مدارج السالكين» لابن القيِّم (١/ ٣٤)، «تيسير العزيز الحميد» لسليمان بن عبد الله (١٧)].
ويمكن اختصار تعريف توحيد الربوبية بأنه «إفراد الله تعالى بالخلق والحكم»، فكلاهما من خصائص الربوبية ومقتضياتها:
فالخلق يشمل الخلق الأوَّل أي: ابتداء خلق جميع الخلائق والناس، والخلق الثاني: وهو البعث، كما قال تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق: ١٥]، وهذا يندرج في خصائص ربوبيَّته.
- والحكم يشمل: حكم الله القدري والكوني، فهو حكمه سبحانه بالنفع والضرر والرزق والتدبير ونحو ذلك ممَّا يقضي الله به تقديرًا وخلقًا.
- كما يشمل -أيضًا- حكمه الشرعي، وهو ما يقضي الله به شرعًا، فجميع أحكام الله الشرعية من مقتضيات ربوبيَّته.
وذلك مثل قوله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ [الأنعام: ٥٧]، وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾[الأنبياء: ١١٢]، وقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الحُكْمُ» [أخرجه أبو داود في «الأدب» (٥/ ٢٤٠) باب في تغيير الاسم القبيح، والنسائي في «آداب القضاة» (٨/ ٢٢٦) باب: إذا حكَّموا رجلاً فقضى بينهم، من حديث أبي شريحٍ رضي الله عنه، والحديث صحَّحه الألباني في «إرواء الغليل» برقم (٢٦١٥)]، وهذا غير الحكم الشرعيِّ الدينيِّ من جهة امتثال العبد به -عمليا- خالصًا لله تعالى، فإنَّ هذا من توحيد الألوهية والعبادة، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة: ١٠]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة: ١]، وقد يَرِدُ الحكم بالمعنيين معًا: الكونيِّ والشرعيِّ، مثل قوله تعالى: ﴿وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٦]، قال ابن القيِّم -رحمه الله- في «شفاء العليل» (٢/ ٧٦٧): «فما كان من كونيٍّ فهو متعلِّقٌ بربوبيته وخلقه وما كان من الدينيِّ فهو متعلِّقٌ بإلهيته وشرعه، وهو كما أخبر عن نفسه سبحانه ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤]، فالخلق قضاؤه وقدره وفعلُه، والأمر شرعه ودينه، فهو الذي خلق وشرع وأمر، وأحكامه جاريةٌ على خلقه قدرًا وشرعًا، ولا خروج لأحدٍ عن حكمه الكونيِّ القدريِّ».
هذا، وقد يغني ذكر الخلق -في اختصار التعريف- عن الملك، لأنَّ مخلوقات الله هي ملكُه، سواءً في الخلق الأوَّل أو الثاني، لقوله تعالى: ﴿للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٢٠].

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire