el bassaire

mercredi 9 janvier 2013

ثمرات الاستغفار وآثاره



وهذا الأمر هو غاية ما يسعى إليه العبد، ونهاية ما يأمله من استغفاره، فالاستغفار له ثمرات عظيمة ونتائج طيبة وآثار حميدة وعوائد أثيرة في الدنيا والآخرة، منها ما ندركه مما أخبرنا به خالقنا ومولانا، ومنها ما لا ندركه مما يدخره ربنا عزَّ وجلَّ للمستغفرين يوم القيامة:
(1) تكفير الذنوب والخطايا: فالاستغفار يحرق الذنوب والمعاصي كما تحرق النار الحطب، والمقصود الاستغفار الذي بمعنى التوبة، فإنه أرجى أن تُكفَّر به الذنوب إن توافرت فيه شروط التوبة، يقول الله تعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا{ " [النساء: 110]
وقال الله في الحديث القدسي: «يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم»[1]  
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي...» [2]   
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: استغفر الله الذي ى إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفرت ذنوبه وإن كان قد فرَّ من الزحف» [3]
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه قال: «أذنب عبدٌ ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، وقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أنَّ له ربـًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك» [4] . أي: ما دمت تائبًا راجعًا منيبًا مستغفرًا.
وعن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: «إنَّ الله عز وجل قد وهب لكم ذنوبكم عند الاستغفــار، فمن استغفر بنية صادقة غُفر له، ومن قال: لا لإله إلا الله رجح ميزانه» [5] (
(2) الأمــان من العذاب العام والخاص: فبالاستغفار يرفع الله العذاب عن الأمَّة: أفرادها وجماعتها، الذي سببه الذنوب والمعاصي، فإذا استغفروا آمنوا بإذن الله جلَّ وعلا، يقول تعالى: }وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{ [الأنفال: 33]. قال أبو موسى – رضي الله عنه -: كان لنا أمانان وبقي الآخر "[6].  يقصد بالأمان الأول: رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وبالثاني: الاستغفار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الآية: والكلام عليها من وجهين: أحدهما في الاستغفار الدافع للعذاب، والثاني: في العذاب المدفوع بالاستغفار.
أما الأول: فإنَّ العذاب إنما يكون على الذنوب، فالاستغفار يوجب مغفرة الذنوب التي هي سبب العذاب، فيندفع العذاب، كما قال تعال: }الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ{  [هود: 1-3]. فبيَّن سبحانه أنه إذا فعلوا ذلك متِّعوا متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مُسمًّى، ثم إن كان لهم فضل أُوتوا الفضل.
وقال تعالى عن نوح: }قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى{ إلى قوله تعال }اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا{ [نوح: 2-11]
وقال تعالى: }اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ{ [هود: 52].
وذلك أنه قد قال تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ{ [الشورى: 30].
وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا{ [آل عمران: 155].
وقال تعالى: }أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ{ [آل عمران: 165].
وقال تعالى: }وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ{ [الروم: 36].
وقال تعالى: }مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ{ [النساء: 79].
وأما العذاب المدفوع فهو يعم العذاب السماوي، ويعم ما يكون من العباد وذلك أن الجميع قد سماه الله عذابًا، كما قال الله تعالى في النوع الثاني: }وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ{ [البقرة: 49]. وقال تعالى: }قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ{ [التوبة: 14]. وكذلك: }هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا{ [التوبة: 52]، إذ التقدير بعذاب من عندي، أو بعذاب من أيدينا، كما قال تعالى: }قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ{ [التوبة: 14].
وعلى هذا فيكون العذاب بفعل العباد، وقد يقال: التقدير: }وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ{ [التوبة: 52]، أو يصيبكم بأيدينا، لكنَّ الأول هو الأوجه؛ لأنَّ الإصابة بأيدي المؤمنين لا تدل على أنها إصابة بسوء، إذ قد يقال: "أصابه بخير، "أصابه بشر"، قال تعالى: }وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيـبُ بِهِ مَنْ يَشَـاءُ مِنْ عِبَادِهِ{ [يونس: 107]. وقال تعالى: }فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{ [الروم: 48]، وقال تعالى: }وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ{ [يوسف: 56]، ولأنه لو كان لفظ الإصابة يدلُّ على الإصابة بالشرِّ فقط لاكتفى بذلك في قوله: }أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ{ [التوبة: 52]، وقد قال تعالى أيضًا: }وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا{ [النساء: 78]، }مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ{ [النساء: 79]، ومن ذلك قوله تعالى: }الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ{ إلى قوله تعالى }وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ [النور: 2]، وقوله تعالى: }فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ{ [النساء: 25]. ومن ذلك: أنه يقال في بلال ونحوه: «كانوا من المعذَّبين في الله»، ويقال: إن أبا بكر اشترى سبعًا من المعذَّبين في الله، وقال صلى الله عليه وسلم: «السفر قطعة من العذاب» [7]
وإذا كان كذلك فقوله تعالى: }قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ{ [الأنعام: 65]، مع ما قد ثبت في الصحيحين عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما نزل قوله: }قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ{ قال: أعوذ بوجهك }أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ{ قال: أعوذ بوجهك }أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ{ قال: «هاتان أهون»، يقتضي: أنَّ لبسنا شيعًا وإذاقة بعضنا بأس بعض، هو من العذاب الذي يندفع بالاستغفار، كما قال: }وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً{ [الأنفال: 25]، وإنما تُنفَى الفتنة بالاستغفار من الذنوب والعمل الصالح.
وقوله تعالى: }إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ{ [التوبة: 39]. قد يكون العذاب من عنده، وقد يكون بأيدي العباد، فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله، فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة، حتى تقع بينهم الفتنة، كما هو الواقع، فإنَّ الناس إذا اشتغلوا بالجهاد في سبيل الله جمع الله قلوبهم وألَّف بينهم، وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم، وإذا لم ينفروا في سبيل الله بأن يلبسهم شيعًا، ويذيق بعضهم بأس بعض.
وكذلك قوله: }وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ [السجدة: 21]، يدخل في العذاب الأدنى: ما يكون بأيدي العباد، كما قد فُسِّر بواقعة بدر ما وعد الله به المشركين من العذاب[8]
(3) المتاع الحسن: فالله تعالى يوفق المستغفر إلى حياة طيبة نظيفة، ويشيع فيها الأمن والأمان، والطمأنينة والاستقرار، وراحة البال وسكون القلب والخير العميم، يقول تعالى: }وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ{ [هود: 3]، خاصة وأنَّ في الاستغفار اعتراف من العبد للرب بوقوعه في الذنب أو التقصير، والاعتراف بالخطيئة والذنب، هو صفة الأنبياء والمرسلين، وقد مرَّ معنا شيء من هذا مما حكاه الله عنه في كتابه، وأيضًا هي صفة عباد الله المتقين، يقول تعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ{ [آل عمران: 135]، ويقول تعالى: }الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ{ [آل عمران: 16، 17].
وإنما كان سيد الاستغفار الذي مرَّ معنا سيدًا لتضمُّنه الإقرار بالذنب من العبد والاعتراف بالخطيئة مع علمه الجازم بأنه لا يغفر الذنوب إلا الله، وهي مرتبةٌ عظيمةٌ وخلَّةٌ سامية، وقد مرَّ معنا شيء من النصوص في هذا الأمر.
ولو ضربنا مثالاً بما يحسه الناس ويشاهدونه ويعايشونه، أن المخالف للقانون والنظام متى ما أخفى مخالفته، وإن كان يجزم بأن أحدًا لم يطِّلع عليها، فهو مهما عاش فإنه يبقى في شغلٍ شاغلٍ وقلقٍ ساهرٍ وحرجٍ في الصدر دائم، فإذا اعترف شعر بحملٍ ثقيل يُلقيه عن كاهله ويزيحه عن صدره، فكذلك العبد مع ربِّه سبحانه الغفار للذنوب، الذي يعلم السرَّ وأخفى، فاعترافه بذنبه عن طريق الاستغفار مع علمه بأنَّ الله وعد على الاستغفار محو الذنوب وتكفير السيئات، بل وتبديلها إلى حسنات يزيح عنه همًا طالما أسهره، وضيقًا طالما أثقله، وينقله إلى حياة الطمأنينة والراحة.
(4) الاستغفار سبب لنزول الأمطار: فمن أسباب نزول الأمطار كثرة الاستغفار، قال تعالى: }فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا{ [نوح: 10، 11]، وقد ذكرت ما عليه حال السلف من كثرة الاستغفار، رجاء نزول المطر.
(5) الاستغفار سبب في إمداد العبد بالأموال والأولاد:
قال تعالى: }وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ{ [نوح: 12]، والمدد هنا نوعان: إما أن يكون إيجاد بعد عدم، أو وفرة وبركة بعد ضعف.
جاء في الأثر عن الحسن البصري رحمه الله: أنَّ رجلاً شكا إليه الجدب، فقال: أستغفر الله، وشكا إليه آخَر الفقر،  فقال: استغفرِ الله، وشكا إليه آخر جفاف بُستانه، فقال: استغفرِ الله، وشكا إليه آخر عدم الولد، فقال استغفر الله، ثم تلا عليهم قول الله تعالى عن نوح عليه السلام: }فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ....{ [نوح: 10].
(6) الاستغفار سبب في زيادة القوة: فالاستغفار يعطي القلب والبدن قوة عجيبة يتحملان ببركته الشدائد، قال تعال على لسان هود: }وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ{ [هود: 52].
ولقد كان السلف يستعينون بالاستغفار على تجاوز المفاوز والمشاكل، ويمنحهم الله بهذا الاستغفار قوة يتجاوزون بها كلَّ الصعوبات التي يقف عندها الغافلون عن الاستغفار.
(7) الاستغفار سبب في تيسير الطاعات وتعسير المعاصي:
فكما أنَّ السيئة تقول: "أختي.. أختي"، كذلك الحسنة تقول: "أختي.. أختي"، فالذي يلهج لسانه بالاستغفار، لا ريب أنه يقوده إلى ما هو مثله من الأذكار أو غيرها من العبادات، وكلَّما صاحب المرء استغفاره بتذكر ذنوبه، كلما قاده إلى إحسان العمل بإذن الله تعالى.
(8) إغاظة الشيطان: ففي الحديث يقول الشيطان: «أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله وبالاستغفار» ([9].    
وجاء عن بعض السلف قوله: «إنَّ أحدكم لينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره» [10]
(9) تفريج الهموم والغموم وحصول الرزق:
بالاستغفار تنزاح الهموم، وتزول الغموم ويوفق العبد للرزق من حيث لا يحتسب فعـن ابن عباس - رضي الله عنهما – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرج ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب» ([11]
(10) في الاستغفار أمان من النار ودخول الجنة بإذن الله تعالى:
فعن شداد بن أوس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سيد الاستغفار: أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرِّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها من النهار موقنًا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي» ([12]
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء، تصدقن وأكثرن من الاستغفار، فإني رأيتكنَّ أكثر أهل النار...» [13]. فإرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم لهنَّ بالتصدُّق والاستغفار لغرض نجاتهن من النار، وأنَّ بالاستغفار ينجو العبد من المهالك في الدنيا والآخرة.
وعن الزبير بن العوام – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أحب أن تسرُّه صحيفته فليكثر من الاستغفار»[14]
وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز: رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في حديقة، فدفع إلي تفَّاحات فأوَّلتهنَّ الولد، فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ فقال: «الاستغفار أي بني » [15]
(11) أن المستغفرين أخفُّ الناس أوزارًا:
فعن عبد الله بن بسر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا» [16]
قال بكر بن عبد الله: «إنَّ أكثر الناس ذنوبًا أقلَّهم استغفارًا، وأكثرهم استغفارًا أقلّهم ذنوبًا».
وقيل لبعض السلف: كيف أنت في دينك؟ قال: أمزقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار.
يقول ابن القيم: سألت شيخ الإسلام ابن تيمية فقلت:
يسأل بعض الناس أيما أنفع للعبد: التسبيح أم للاستغفار؟
فقال: «إذا كان الثوب نقيًا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دَنسًا فالصابون والماء أنفع له» [17].
أسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وصلِّ الله على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

1/ أخرجه مسلم.  
2/ سبق تخريجه.  
3/ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي.   
4/ أخرجه البخاري ومسلم.
5/ أخرجه ابن أبي الدنيا.
6/ أخرجه أحمد
7/أخرجه البخاري.
8/ مجموعة الفتاوى (15/41) وما بعدها.
9/ أخرجه أحمد وغيره.
10/ذكره ابن القيم في " مفتاح دار السعادة " (1/295).
11/ أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: صحيح الإسناد، قلت: وفي سنده مقال
12/ أخرجه البخاري.
13/ أخرجه مسلم.
14/ أخرجه البيهقي والمنذري بإسناد لا بأس به .
15/ ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/22).
16/ أخرجه ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح.
17/ ذكرها ابن القيم في الوابل الصيب ص (124).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire