باب
في بيان نواقض الوضوء
https://twitter.com/hadithecharif
عرفت مما سبق كيف يتم الوضوء
بشروطه وفروضه وسننه كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم ; فكنت بحاجة إلى معرفة ما
يفسد هذا الوضوء وينقضه ; لئلا تستمر على وضوء قد بطل مفعوله , فتؤدي به عبادة لا
تصح منك .
فاعلم أيها المسلم : أن للوضوء
مفسدات لا يبقى مع واحد منها له تأثير , فيحتاج إلى استئنافه من جديد عند إرادته
مزاولة عمل من الأعمال التي يشرع لها الوضوء , وهذه المفسدات تسمى نواقض وتسمى
مبطلات , والمعنى واحد , وهذه المفسدات أو النواقض أو المبطلات أمور عينها الشارع
, وفي علل تؤثر في إخراج الوضوء عما هو المطلوب منه , وهي إما أحداث تنقض الوضوء
بنفسها - كالبول والغائط وسائر الخارج من السبيلين - , وأما أسباب للأحداث ; بحيث
إذا وقعت ; تكون مظنة لحصول الأحداث ; كزوال العقل , أو تغطيته بالنوم والإغماء
والجنون ; فإن زائل العقل لا يحس بما يحصل منه , فأقيمت المظنة مقام الحدث . ..
وإليك بيان ذلك بالتفصيل :
1-
الخارج من سبيل , أي : من مخرج البول والغائط , والخارج من السبيل إما أن يكون بولا أو منيا أو مذيا أو دم استحاضة أو غائطا أو ريحا .
فإن كان الخارج بولا أو غائطا , فهو ناقض للوضوء بالنص والإجماع , قال تعالى في موجبات الوضوء : أَوْ جَاءَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ
مِنَ الْغَائِطِ وإن كان منيا أو مذيا , فهو ينقض الوضوء بدلالة الأحاديث الصحيحة , وهى الإجماع على ذلك ابن المنذر وغيره . وكذا ينقض خروج دم الاستحاضة , وهو دم فساد , لا دم حيض ; لحديث فاطمة بنت أبي حبيش ; أنها كانت تستحاض , فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : فتوضئي وصلي
, فإنما هو دم عرق رواه أبو داود والدارقطني , وقال : إسناده كلهم ثقات .
وكذا ينقض الوضوء خروج الريح بدلالة الأحاديث الصحيحة وبالإجماع , قال صلى الله عليه وسلم : ولا يقبل
الله صلاة
أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ وقال صلى الله عليه وسلم فيمن شك هل خرج منه ريح أولا : فلا ينصرف
حتى يسمع
صوتا أو يجد ريحا
وأما
الخارج من البدن من غير السبيلين كالدم والقيء والرعاف ; فموضع خلاف بين أهل العلم
, هل ينقض الوضوء أو لا ينقضه ؟ على قولين , والراجح أنه لا ينقض , لكن لو توضأ
خروجا من الخلاف ; لكان أحسن .
2- من
النواقض زوال العقل أو تغطيته , وزوال العقل يكون بالجنون ونحوه ; وتغطيته تكون
بالنوم أو الإغماء ونحوهما , فمن زال عقله أو غطي بنوم ونحوه ; انتقضت وضوؤه ; لأن
ذلك مظنة خروج الحدث , وهو لا يحس به , إلا يسير النوم , فإنه لا ينقض الوضوء ,
لأن الصحابة رضي الله عنهم كان يصيبهم النعاس وهم ينتظرون الصلاة , وإنما ينقضه
النوم المستغرق ; جمعا بين الأدلة .
3- من
نواقض الوضوء أكل لحم الإبل سواء كان قليلا أو كثيرا , لصحة
الحديث فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصراحته . قال الإمام أحمد رحمه الله
: فيه حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما أكل
اللحم من غير الإبل فلا ينقض الوضوء .
وهناك أشياء قد اختلف العلماء فيها
; هل تنقض الوضوء أو لا ؟ وهي : مس الذكر , ومس المرأة بشهوة , وتغسيل الميت ,
والردة عن الإسلام , فإن العلماء من قال : إن كل واحد من هذه الأشياء ينقض الوضوء
ومنهم من قال : لا ينقض , والمسألة محل نظر واجتهاد , لكن لو توضأ من هذه الأشياء
خروجا من الخلاف ; لكان أحسن .
هذا , وقد بقيت مسألة مهمة تتعلق
بهذا الموضوع , وهي : من تيقن الطهارة , ثم شك في
حصول ناقض من نواقضها ماذا يفعل ؟
لقد ثبت عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ; أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا , فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا
; فلا يخرج من المسجد , حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا فدل هذا الحديث الشريف
وما جاء بمعناه على أن المسلم إذا تيقن الطهارة وشك في انتقاضها ; أنه يبقى على
الطهارة ; لأنها الأصل , ولأنها متيقنة , وحصول الناقض مشكوك فيه , واليقين لا
يزول بالشك .
وهذه قاعدة عظيمة عامة في جميع
الأشياء ; أنها تبقى على أصولها حتى يتيقن خلافها , وكذلك العكس , فإذا تيقن الحدث
وشك في الطهارة ; فإنه يتوضأ ; لأن الأصل بقاء الحدث ; فلا يرتفع بالشك .
أخي المسلم ! عليك بالمحافظة على الطهارة للصلاة والاهتمام بها ; لأنها لا تصح صلاة بدون طهور , كما يجب عليك أن تحذر من الوسواس وتسلط الشيطان عليك ; بحيث يخيل إليك انتقاض طهارتك ويلبس عليك ; فاستعذ بالله من شره , ولا تلتفت إلى وساوسه , واسأل أهل العلم عما أشكل عليك من أمور الطهارة , لتكون على بصيرة من أمرك , واهتم أيضا بطهارة ثيابك من النجاسة ; لتكون صلاتك صحيحة وعبادتك مستقيمة ; فإن الله سبحانه وتعالى : يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ وفقنا الله جميعا للعلم النافع والعمل الصالح .
الملخص الفقهي/ قسم العبادات
تلخيص صالح بن
فوزان بن عبدالله
آل فوزان