el bassaire

mercredi 9 janvier 2013

الاستغفار في العبادات



ورد الاستغفار في كثيرٍ من أبوب العبادات، وسأذكرها في هذا الفصل سَيْرًا على أبوب الفقه حسب ما صنَّفه الفقهاء.
(ا) أبواب الطهارة:
(1) الاستغفار عقب الخروج من الخلاء، فيندب للمسلم أن يستغفر الله تعالى بعد الانتهاء من قضاء الحاجة، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك» [1].
ووجه سؤال المغفرة أنَّ الإنسان لَمَّا تَخفَّف من أذيَّة الجسم، ناسب أن يتذكَّر أذيَّة الإثم، فدعا الله أن يُخفِّف عنه أذية الإثم، كما أعانه بتخفيف أذية الجسم، وقيل في مناسبة الاستغفار في هذه الحال: إظهار العجز عن شكر النعمة في تيسير الغذاء، وإيصال منفعته، وإخراج فضلته، وإبقاء قوته في جسد العبد .. والله أعلم.
(2) الاستغفار بعد الوضوء، فيُسَن للمسلم أن يستغفر الله عند إتمام الوضوء، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فقال "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك"، طُبع بطابع ثم رفعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة»[2].
(ب) في أبواب الصلاة:
ورد الاستغفار في أحوال ومواطن كثيرة في الصلاة من ذلك:
(1) الاستغفار عند الدخول والخروج من المسجد: فقد استحبَّ كثيرٌ من أهل العلم للمسلم أن يستغفر الله عند دخول المسجد، وعند الخروج منه، كما هو الوارد في حديث فاطمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: «ربّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك»، وإذا خرج قال: «رب اغفر ذنوبي لي أبواب فضلك»[3]
(2) الاستغفار في أول الصلاة وآخرها وأثنائها، فيُسَن للمصلِّي أن يستغفر الله تعالى في أول الصلاة وفي آخرها وفي أثنائها، ففي أول الصلاة: جاء الاستغفار في بعض الروايات التي وردت في دعاء الافتتاح منها: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في استفتاحه: «اللهم أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كلُّه بيديك، والشرّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك»[4]
وعـن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: الله أكبر عشر مرات، ثم يُسبِّح عشـر مرات، ثم يُحمد عشر مرات، ثم يُهلِّل عشرًا، ثم يستغفر عشرًا، ثم يقول: «اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني، وعافني عشرًا، ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من ضيق المقام يوم القيامة عشرًا»[5]
والذي يظهر: أن هذا النوع من الدعاء كان يقوله صلى الله عليه وسلم في افتتاح قيام الليل، كما ذكر ذلك ابن القيم وغيره [6].
وأما في أثنائها: فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله في ركوعه وسجوده، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلـم يكثـر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي» يتـأول القرآن [7] أي: يحقق قوله تعالى: }فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ{ [النصر: 3].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقَّه وجلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسرَّه» [8]
وفي الجلوس بين السجدتين يُشرع الاستغفار، بل أوجبه بعض أهل العلم، وهو الصحيح، لحديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول بين السجدتين: «رب اغفر لي، رب اغفر لي»[9].
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني، واجبرني، واهدني، وارزقني»[10].
ويُسَن الاستغفار قبل السلام من الصلاة في آخر التحيات، لما جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقـول: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت» [11] .
وعن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»[12].
ويُسَن الاستغفار عُقيب الصلاة ثلاثًا، لِما روى ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته قال: «أستغفر الله» ثلاثًا وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام»، قيل للأوزاعي، وهو أحد رواة الحديث: كيف الاستغفار؟
قال: يقول: «أستغفر الله، أستغفر الله» [13]
(3) ويندب الاستغفار في صلاة الاستسقاء، لقوله تعالى: }فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا{ " [نوح: 10، 11]. فدلَّت الآية على أنَّ الاستغفار وسيلة للسقيا، بدليل قوله تعالى: }يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا)، ولم تزد الآية على الاستغفار، وقد فهم هذا المعنى الصحابة رضوان الله عليهم، فقد ورد عن عمر أنه خرج إلى الاستسقاء، وصعد المنبر، واستغفر الله، ولم يزد عليه، فقالوا: ما استسقيت يا أمير المؤمنين، فقال: لقد استسقيتُ ربي بمجاديح السماء التي يستنزل بها الغيث [14]
(4) ويسن الاستغفار في صلاة الجنازة، فقد ورد الاستغفار في صلاة الجنازة للميت في أحاديث منها:
عن عبد الرحمن بن عوف بن مالك قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه، وهو يقول: «اللهم اغفر له وارحمه...» [15]
(5) الاستغفار في بداية الخطب الدينية وغيرها وهي المسماة: بخطبة الحاجة، فيُستحب للمسلم أن يستفتح خطبه وحديثه بهذه الخطبة، والمتمثلة على الحمد والتعظيم لذي الأسماء الحسنى والصفات العلى واستغفاره، والتعوذ به من الشرور، وسؤاله الهداية، والشهادة له بالتوحيد ولنبيه بالرسالة، وصفتها: " إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله... " [16]
(ج) في باب الصيام:
يُستحب للصائم الاستغفار على الدوام، وفي جميع الأوقات لعمومات الأدلَّة، ويتأكَّد عند نهاية صومه، فإذا أراد الإفطار استُحِبَّ له أن يستغفر الله تعالى، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه كان يقول عند فطره: «اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كلَّ شيء أن تغفر لي» [17]
(د) في باب الحج:
يُسَنُّ الاستغفار للحاج على الدوام، وفي جميع الأوقات وسائر الأماكن، كمِنى وعرفات ومزدلفة، لعمومات الأدلَّة، ويتأكد في ختام أعمال الحج، لقوله تعالـى: }فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ{ إلى قوله: }وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ " [البقرة: 198، 199].
ونلحظ أنَّ غالب العبادات يشرع الاستغفار في أولها وفي آخرها، والحكمة من ذلك، والله أعلم:
• إنَّ العبد لا بدَّ أن يحصل منه نوع تقصير وشرود، فمهما اجتهد فلن يبلغ الكمـال في أداء العبادة، فيأتي الاستغفار ليرفع الخرق، وليجبر الكسر، وليكمل النقص، فعلى هذا تتم الطاعة وتكتمل القربة.   
• إنَّ العبد عندما يستغفر في أول العبادات وعقيبها، إنما يُشعِر نفسه على الدوام بالتقصير في معاملته مع ربِّه، وهذا الأمر يورث العبد السعي للحصول على مرضاة الله والترقِّي في مدارج الكمال. 
• إنَّ أهم شيء يجب أن يتنبه له العبد الحذر من مداخل الشيطان، فقد يؤدِّي العبد عبادة معينة، فيأتيه الشيطان فينفخ في جيبه بالأوهام والغرور والرياء والاستعلاء الذي يهلكه، فيأتي الاستغفار الذي به يستشعر العبد استصغار نفسه، واستقلال عمله، وأنه ضعيف فقير محتاج بجوار الغنى العظيم القوي، فيبدِّد كلَّ ما ينسجه الشيطان مما فيه هلاك المسلم وتردِّيه، فلله الحمد على نعمه الكثيرة.

1/ رواه أحمد والترمذي وأبو داود بسند صحيح.  
2/ أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة بسند صحيح.  
3/ أخرجه أحمد وابن ماجة، وصححه العلامة الألباني في تخريجه لكتاب " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم للإمام إسماعيل بن إسحاق الجهضمي المالكي، وقال: صحيح لشواهده، وأوردها. 
4/ أخرجه مسلم.  
5 أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والطبراني في الأوسط.  
6/ انظر زاد المعاد لابن القيم (1/203).  
7/ متفق عليه.  
8/ أخرجه مسلم.
9/ أخرجه النسائي وابن ماجة.
10/ أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة.  
11/ أخرجه البخاري ومسلم.  
12/ متفق عليه.  
13/ رواه مسلم.  
14/ ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (11/98).  
15/ أخرجه مسلم
16/ أخرجه أحمد وابن ماجة وغيرهما، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.  
17/ أخرجه ابن ماجة، وحسنه الحافظ.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire