el bassaire

jeudi 14 novembre 2013

باب دخول مكة



باب دخول مكة

أي باب بيان حكم دخول مكة المشرفة وما يتعلق به. من الطواف والسعي وغير ذلك. ومكة علم على جميع البلدة وهي البلدة المعروفة المعظمة المحجوجة غير مصروفة. سميت مكة لأنها كانت تمك من ظلم فيها أي تهلكه. وقيل مائها وقيل لأنها تمك المخ من العظم مأخوذ من قولهم مك الفصيل ضرع أمه وتسمى بكة من البك وهو الازدحام ودق الأعناق لأنها تدق أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها.

وهي البلد الأمين الذي أقسم الله به في كتابه. وأم القرى ولها أسماء أخر. قال تعالى: }لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ{ أي ليحضروا منافع الدينا والآخرة. وأما منافع الآخرة فالعفو والعافية ورضوان الله وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات. وهذه الآية كقوله: }لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ{ وهو جواب الأمر في قوله لخليله: }وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ{ إلى قوله: }وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ{.

وقال تعالى: }وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ{ يعنى الكعبة المعظمة. ويدخل فيه الحرم كله. فإن الله وصفه بكونه آمنا. هذا صفة جميع الحرم }مَثَابَةً{ مرجعا }للنَّاسِ{ من كل جانب يحجونه لا يقضون منه وطرا. يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه قال الشاعر:
جعل البيت مثابا لهم


ليس منه الدهر يقضون الوطر
قال ابن كثير وغيره بذكر تعالي شرف البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مثابة للناس. أي جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه. ولا يقضي منه وطرا. ولو ترددت إليه كل عام استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم في قوله: }فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ{ }وَأَمْنًا{ يأمنون فيه حتى لو فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا.

}وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى{ المقام هو الحجر الذي في المسجد يصلى إليه الأئمة. كان الخليل يقوم عليه لبناء الكعبة وكان كلما كمل ناحية انتقل إلى الناحية التي تليها وهكذا. حتى تم جدار الكعبة. وفيه أثره وهو نحو ذراع وأقل طولا وعرضا كان عن يمين باب البيت. ثم حوله عمر إلى موضعه الآن. وأقره المسلمون. فيستحب أن يصلي ركعتي الطواف خلفه. لفعله صلى الله عليه و سلم متفق عليه. وما وحوله يطلق عليه اسم المقام عرفا ثم ما قرب من البيت ويجوز بدون سترة.

قال الشيخ ولو صلى المصلى في المسجد والناس يطوفون أمامه لم يكره. سواء مر أمامه رجل أو امرأة هذا من خصائص مكة ويجزئ فعلها في غير إجماعا. فإن عمر ركعهما بذي طوى رواه البخاري. ويطلق المقام على الحرم وعلى المشاعر.

 (وعن عائشة) رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما جاء مكة) شرفها الله (دخل من أعلاها) من الثنية التي ينزل منها إلى المعلي ثنية كداء. بفتح الكاف والدال ممدود وكل عقبة في جبل أو طريق فيه يسمى ثنية. وفي رواية دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة. وهو طريق بين جبلين يقال له "الحجون" المشرف على مقبرة أهل مكة. وكانت صعبة المرتقى. فسهلها معاوية. ثم من بعده والدخول معها سنة باتفاق أهل العلم. سواء كان حاجا أو معتمرا للإتيان من وجهة البلد والكعبة. ويستقبلها استقبالا من غير انحراف. وهذا إذا كان أيسر عليه.

ولهما عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العلياء التي بالبطحاء". ولهما عنه يبيت بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ويدخل مكة واتفقوا على استحباب الغسل لدخول مكة.

قال الشيخ: وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغتسل لدخول مكة كما كان يبيت بذي طوى. وهو عند الأبار التي يقال لها آبار الزاهر. فمن تيسر له المبيت بها والأعتسال ودخول مكة نهارا وإلا فليس عليه شئ من ذلك. وقال الترمذي الصحيح ما روى نافع عن ابن عمر أنه صلى الله عليه و سلم اغتسل لدخول مكة. ولا بأس بدخولها ليلا فإنه صلى الله عليه و سلم دخلها في عمرة الجعرانة ليلا.

 (وخرج من أسفلها متفق عليه) ولهما عن ابن عمر "وإذا خرج خرج من الثنية السفلى" من كدي بضم الكاف والتنوين. المعروف الآن بباب الشبيكة بقرب شعب الشافعيين وشعب ابن الزبير. عند قيعقعان. وكان ابن عمر إذا نفر منها مر بذي طوى وبات بها حتى يصبح. ويذكر "أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك" ففيه استحباب الخروج من السفلى حاجا كان أو معتمرا.

 (ولمسلم عن جابر: أناخ راحلته) يعنى رسول الله صلى الله عليه و سلم (عند باب بني شيبة) وهو المعلم عليه بالكمر يدخل معه بين المقام وزمزم وهو باب السلام (ثم دخل المسجد) وهو مرصوف بالرخام عليه صف من الأعمدة المصنوعة من نحاس محيطة به تعلق فيها المصابيح كان أهبط مما يليه بنحو درجة. وما سواه مزيد. وتقدم أن الزيادة لها حكم المزيد. فيسن الدخول من باب بني شيبة باتفاق أهل العلم. وإن لم يكن على طريقه لهذا الخبر وغيره أنه صلى الله عليه و سلم دخل منه. والدوران إليه لا يشق.

ومن ثم لم يكن خلاف في سنيته. بخلاف التعريج على ثنية كداء. ولأنه جهة باب الكعبة والبيوت تؤتي من أبوابها ومن ثم كانت جهة باب الكعبة أشرف جهاتها الأربع. وفيه الحجر الأسود. وصح أنه يمين الله في الأرض. نسبة باب البيت إليه كنسبة وجه الإنسان إليه. وأماثل الناس يقصدون من جهة وجوهم. أطبقوا على استحباب الدخول من باب بني شيبة لكل قادم. إذ من قصد ملكا أم بابه. قيل وقيل يمينه. قال شيخ الإسلام إذا أتى مكة جاز أن يدخل مكة. والمسجد من جميع الجوانب. لكن الأفضل أن يأتي من وجه الكعبة. اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم. فإنه دخلها من وجهها من الناحية العليا من ثنية كداء المشرفة على المقبرة. ودخل المسجد من الباب الأعظم الذي يقال له باب بني شيبة. ثم ذهب إلى الحجر الأسود. فإن هذا أقرب الطرق إلى الحجر الأسود لمن دخل من باب المعلاة.

 (وروى سعيد) بن منصور في سننه (والشافعي) في مسنده عن بن جريج مرسلا. وعن عمر موقوفا. وذكره ابن القيم وغيره. وسمعه سعيد بن المسيب من عمر. ورواه البيهقي عنه وغيرهم (أنه صلى الله عليه و سلم كان إذا رأى البيت) وكان يرى قبل علو البناء من ردم عمر (رفع يديه) وفي مراسيل مكحول "كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر" وذكر ابن جرير وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم "إذا رأى البيت رفع يديه وكبر" وليس المراد على هيئة رفعها في الصلاة.

قال الشيخ فمن رأي البيت قبل دخوله المسجد فعل ذلك. وقد استحب ذلك من استحبه من رؤية البيت. والآن لا يرى إلا بعد دخول المسجد في حال سيره إلى البيت. فيستحب إذا وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. قال في المبدع وغيره وهو قول الأكثر (وقال اللهم أنت السلام) فالسلام اسم من أسماء لله تعالى. فهو السالم من كل عيب ونقص (ومنك السلام) اي لمن أكرمته بالسلام أي التحية. ورفع الدرجة. أو السلامة من الآفات (وحينا ربنا بالسلام) أي الأمن مما جنيناه والعفو عما اقترفناه أو بالسلامة من الآفات.

 (اللهم زد هذا البيت) يعنى الكعبة المشرفة (تعظيما) أي تبجيلا (وتشريفا) أي رفعة وعلوا (وتكريما) أي تفضيلا (ومهابة) أي تقديرا وإجلالا (وبرا) بكسر الباء والبر اسم جامعة للخير (وزد من عظمه وشرفه) بزيارته والطواف به. كما وضحه بقوله (ممن حجه واعتمره تكريما وتشريفا وتعظيما ومهابة وبرا) وحكمة تقديم التعظيم على التكريم في البيت. وعكسه في قاصديه أن المقصود بالذات في البيت إظهار عظمته في النفوس. حتى تخضع لشرفه. وتقوم بحقوقه. ثم كرامته بإكرام زائريه بإعطائهم ما طلبوه. وانجازهم ما أملوه.

وفي زائريه وجود كرامته عند الله بإسباغ رضاه عليهم. وعفوه عما جنوه واقترفوه. ثم عظمته بين أبناء جنسه بظهور تقواه وهدايته. ويرشد إليه ختم دعاء البيت بالمهابة الناشئة عن تلك العظمة إذا هي التوقير والإجلال. ودعاء الزائر بالبر الناشئ عن ذلك التكريم. وإن زاد الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا كما هو أهله. وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. والحمد لله الذي بلغني بيته. ورآني لذلك أهلا. والحمد لله على كل حال. اللهم إنك دعوت إلىحج بيتك الحرام. وقد جئتك لذلك. اللهم تقبل منى واعف عني. واصلح لي شأني لا إله إلا أنت فحسن. ذكره إبراهيم الحربي والأثرم وغيرهما.

والمراد إن أمكنه هذا الدعاء. إذا دخل من باب المسجد بعد قول بسم الله أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. اللهم صل على محمد اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. واستحب بعض أهل العلم رفع الصوت بالدعاء لأنه ذكر مشروع. فاستحب رفع الصوت به كالتلتبية. ويمكنه هذا الدعاء إذا دخل باب المسجد. أما إذا وصل إلىالبيت فقال الشيخ وغيره لا يشتغل بدعاء.

 (وعن يعلى بن أمية) بن أبي عبيدة التميمي الحنظلي رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف) يعنى بالبيت من قولهم طاف أي: ألم (مضطبعا) ببرد أخضر رواه الخمسة إلا النسائي و(صححه الترمذي) ولفظ أحمد لما قدم مكة طاف بالبيت وهو مضطبع. والاضطباع افتعال من الضبع وهو العضو.سمي اضطباعا لإبداء الضبعين. ويسمى تأبطا. لأنه يجعل وسط الرداء تحت الإبط. ويبدي ضبعه الأيمن. ويقال هو أن يأخذ الرداء أو البرد ويجعله تحت إبطه الأيمن. ويلقى طرفيه على كتفه الأيسر من جهة صدره وظهره. سواء كان معتمرا أو قارنا أو مفردا على هيئة أرباب الشجاعة إظهارا للجلادة في ميدان تلك العبادة. واقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم.

ولأبي داود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه، "اعتمروا من الجعرانة. فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم. ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى" ليستعينوا بذلك على الرمل. وليرى المشركون قوتهم. ثم صار سنة باتفاق الأئمة. سواء كان معتمرا أو قارنا أو مفردا. ويضطبع في الأشواط السبعة عند الجمهور. فإذا قضى طوافه سوى ثيابه. ولا يضطبع في ركعتى الطواف عند الجمهور. وذلك ما لم يكن حامل معذور بردائه وهو من سنن الطواف قال الشيخ وغيره وإن تركه فلا شئ عليه.

 (ولمسلم من حديث جابر) الطويل وهو حديث جليل مشتمل على جمل ونفائس ومهمات وقواعد. قال: (حتى إذا أتينا البيت استلم الركن) يعني الحجر الأسود. ويسمى الركن الأسود. وهو ركن الكعبة في الباب من جانب الشرق. وارتفاعه من الأرض ذراعان وثلث. استلمه أي مسحه بيده اليمنى. وفي الحديث "أنه نزل من الجنة أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم" صححه الترمذي.
واستلامه سنة باتفاق المسلمين. وفي الحديث "والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق" وللترمذي عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاء لهما ما بين المشرق والمغرب" وأهل اليمن يسمونه المحيا. لأن الناس يحيونه بالسلام. ويأتي إليه مستقبلاً له. محاذيًا له بجميع بدنه. بأن يقف مقابله. حتى يكون مبصرًا لظلعي البيت الذي عن أيمن الحجر وأيسره. احترازًا من أن يقف في ظلع الباب. وأذا حاذاه بجميع بدنه أجزأ بلا نزاع.

قال الشيخ: فيبتدئ من الحجر الأسود يستقبله استقبالا. وذكرأنه هو السنة. قال وليس عليه أن يذهب إلى ما بين الركنين. ولا يمشي عرضا. ثم ينتقل إلى الطواف. بل ولا يستحب ذلك. وفي الخلاف لا يجوز أن يبتدئه غير مستقبل له. ومن قال يستقبل البيت بحيث يصير الحجر عن يمينه فهو خلاف السنة. وما عليه الأئمة. فلا يكون داخلا في الخروج من الخلاف. فإنه صلى الله عليه و سلم لم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني. وابتداء الطواف مما بين الركنين مخالف للإجماع. وفي حديث جابر: ثم مشى على يمينه. فيجب أن يجعل البيت عن يساره. ويأخذ على يمينه. قال الشيخ لكون الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى. فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل اليمنى اهـ.

وأول شئ يبتدئ به المعتمر طواف العمرة. لأن الذي أمرهم النبي صلى الله عليه و سلم بفسخ نسكهم إليها أمرهم أن يطوفوا لها. وأما القارن والمفرد فيطوف للقدوم. وهو الورود. لفعل الصحابة الذين كانوا كذلك.. واتفق الأئمة على أنه سنة من سنن الحج. وشدد فيه مالك. ويبدأ القادم أول شئ بالطواف

لأنه صلى الله عليه و سلم بدأ به أول شئ. كما في الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم حين قدم مكة توضأ ثم طاف. ولأن مقصوده بسفره زيارة البيت. وهو في المسجد الحرام. فلا يشتغل بغيره.

والطواف تحية المسجد الحرام. فالمستحب البداءة به. إلا أن يخاف فوت مكتوبة ونحو ذلك. وقال عطاء: لم يلو على شئ ولم يعرج. ولا بلغنا أنه دخل ولا لهى بشئ. حتى دخل المسجد فبدأ بالبيت فطاف به (فرمل ثلاثا) أي في ثلاثة أشواط من الحجر إلى الحجر. وهو في الصحيحين وغيرهما من غير وجه عن أبي عمر وغيره. ولا يثب وثبا لأن ذلك ليس برمل. فإنه إذا فعله لم يكن آتيا بالرمل المشروع. قال الشيخ وابن القيم وغيرهما: الرمل مثل الهرولة وهو مسارعة المشي مع تقارب الخطأ.

 (ومشى أربعا) أي أربعة أشواط بقية سبعة من غير رمل. ولهما عن ابن عباس أنه صلى الله عليه و سلم " أمرهم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا أربعة" ولهما أيضا عن ابن عمر أنه كان إذا طاف بالبيت رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعة. ويقول: "رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله" والحكمة في ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه مكة فقال المشركون إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب فأمر أصحابه أن يرملوا الثلاثة، ولم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم" وكان هذا أصل الرمل. وسببه إغاظة المشركين. وكان في عمرة القضية. ثم صار سنة. ففعله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع مع زوال سببه كالسعي والرمي. قال ابن عباس رمل في عمره كلها وفي حجة الوداع. وأبو بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم.وقد يكون فعله باعثا علىتذكر سببه. فيذكر نعمة الله على إعزاز الإسلام وأهله. واتفقوا على سنيته. وقال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم. ويختص الرمل بالرجال. لا يسن لحامل معذور. ولا لامرأة إجماعا. ومحرم من مكة أوقربها لعدم وجود المعنى الذي لأجله شرع.وهو إظهار الجلد والقوة لأهل البلد.
ولا رمل في غير طواف القدوم.قال ابن عباس: لم يرمل النبي صلى الله عليه و سلم في السبع الذي أفاض فيه. وهو مذهب جمهور أهل العلم. ولا يقضي إذا فات في الثلاثة الأول من طواف القدوم. لأنه هيئة فات محلها. والأربعة هيئتها السكينة فلا تغير. والرمل أولى من الدنو من البيت. لأن المحافظة على فضيلة تتعلق بذات العبادة من من فضيلة تتعلق بمكانها. قال الشيخ: فإن لم يمكن الرمل للزحمة كان خروجه إلى حاشية المطاف والرمل أفضل من قربه من البيت بدون الرمل. وأما إذا أمكن القرب من البيت مع إكمال السنة فهو أولى. وإن حصل التزاحم في الأثناء فعل ما قدر عليه اهـ.

ولا يصح إلا بإكمال السبعة الأشواط ويبني على اليقين إجماعًا. وإن أحدث في بعض طوافه أو قطعة بفصل طويل عرفا ابتدأه. وإن كان يسيرًا بنى. فلو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى في قول أكثر أهل العلم وبنى. روى عن ابن عمر وغيره. ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم. وقال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خالف فيه إلا الحسن. وقول الجمهور أصح. لأنه فعل مشروع فلم يقطعه كاليسير.

ويجوز أن يطوف من وراء قبة زمزم وما وراءها من السقائف المتصلة بحيطان المسجد ويجوز راكبا لعذر. وهو قول الجمهور. ومحمولا إجماعا. بل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (ثم أتى مقام إبراهيم) وهو بين زمزم والمنبر أمام باب الكعبة. عليه قبة عالية من خشب قائم على أربعة أعمدة دقيقة من حجارة بينها شبابيك من حديد. صنعت في القرن التاسع والمقام في وسطها محيط به قبة أيضا من حديد. وكان قبل عليه قبة من خشب.

(فصلى) ركعتي الطواف نفلا. وثبت نحوه عن ابن عمر وغيره. وقال شيخ الإسلام بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم واتفاق السلف والأئمة. وحكى وجوبهما عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد. واتفقوا على مشروعيتهما. ولما جاء النبي صلى الله عليه و سلم تلا قوله (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) بيانا منه لتفسير القرآن. ومراد الله منه بفعله صلى الله عليه و سلم وإعلاما للأمة بشرفهما. وإحياء لذكر إبراهيم عليه السلام. فالأفضل كونهما خلفه. وهو مذهب جمهور المفسرين والفقهاء المعتبرين. وفيه وجعل المقام بينه وبين البيت.

ثم كونهما فيما حوله مما يطلق عليه اسم المقام عرفا. ثم ما قرب من البيت خصوصا الملتزم. والباب. ثم الحجر. ثم كلما قرب من البيت. وقال غير واحد أجمع أهل العلم على أن الطائف تجزئه ركعتا الطواف حيث شاء. وصلاهما عمر وغيره خارج الحرم كما تقدم. وقال بعض أهل العلم له جمع أسابيع بركعتين ولا تعتبر الموالاة بين الطواف وركعتيه. ولا نزاع في أنه يأتي الملتزم إن شاء متضرعا كما سيأتي. ويشرب من زمزم ويتضلع منه.

(وللبخاري عنه) أي عن جابر رضي الله عنه (رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمه) يعنى الحجر الأسود (ويقبله إعظاما له). ولهما عن ابن عمر نحوه. وعن عمر أنه كان يقبل الحجر ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع. ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك. وذلك أن الناس حديثو عهد بجاهلية. فبين أنه لا يقصد إلا تعظيم الله عز وجل. وأن الحجر لا ينفع ولا يضر بذاته. قال الترمذي والشيخ وغيرهما: العمل عليه عند أهل العلم يستحبون تقبيل الحجر إن أمكنه بلا صوت. ولا يؤذي أحد بالمزاحمة عليه.

وللنسائي من حديث حنظلة بن أبي سفيان رأيت طاووسا يمر بالركن. فإن وجد عليه زحاما مر ولم يزاحم. وإن رآه خاليا قبله ثلاثا.ثم قال: رأيت ابن عباس فعل مثل ذلك. ثم قال ابن عباس: رأيت عمر فعل مثل ذلك. ثم قال عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل مثل ذلك. ولابن ماجه عن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم استقبل الحرج ووضع شفتيه عليه يبكي طويلا. ثم التفت فإذا بعمر بن الخطاب يبكي. فقال " يا عمر ههنا تسكب العبرات" وسجد عليه هووابنه وابن عباس. وقال عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل هكذا. صححه الحاكم. وفيه ويضع جبهته عليه. ويلاحظ جلالة البقعة.

يتلطف بمن يزاحمه ويرحمه. لأن الرحمة ما نزعت إلا من قبل شقي والمزاحمة الشديدة ضررها كبير. وربما أخرجت عن حكم التيامن المجمع عليه ولا يجوز للنساء مزاحمة الرجال عليه. ولا يستحب لهن تقبيله. ولا استلامه إلامع خلو المطاف ليلا كان أو نهارا.

(وعنه) أي عن جابر أيضا رضي الله عنه أنه صلى الله عليه و سلم (استلمه) يعني الحجر الأسود (بيده) أي مسحه بها (وقبل يده) ولهما عن ابن عمر أنه استلمه بيده وقبل يده. وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله. ولمسلم عن أبي الطفيل رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف بالبيت يستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن.

 (ولأبي داود من حديث ابن عمر) رضي الله عنهما (كان) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم (لا يدع أن يستلم الركن اليماني) في طوافه. وللطبراني بسند جيد أنه كان إذا استلم الركن اليماني قال: "بسم الله والله أكبر" كما يقول عند الحجر الأسود (و) كان صلى الله عليه و سلم لا يدع أن يستلم (الحجر يعني الأسود (في طوافه) قال نافع: وكان ابن عمر يفعله. وروي عنه مرفوعا "إن مسح الركن اليماني والحجر الأسود يحط الخطايا" وقال سمعته يقول "إن مسحهما كفارة للخطايا" ولمسلم عنه ما تركت استلام هذين الركنين منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمهما.

ولأنهما بنيا على قواعد إبراهيم بخلاف الشاميين فلا يستلمهما ولا يقبلهما ولا يشير إليهما. لأنه صلى الله عليه و سلم لم يفعل شيئا من ذلك. بل هو بدعة باتفاق الأئمة. قال شيخ الإسلام: ولا يستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين دون الشاميين. فإن النبي صلى الله عليه و سلم إنما استلمهما خاصة. لأنهما بنيا على قواعد إبراهيم. والآخران هما في داخل البيت.

وقال شيخ الإسلام فالركن الأول يستلم ويقبل. اليماني يستلم ولا يقبل. وقال ابن القيم في قوله كان إذا استلم الركن اليماني قبله: المراد به الأسود ولأنه يسمى يمانيا. بدليل حديث عمر في تقبيل الحجر الأسود خاصة. قال الشيخ:وأما سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم وسائر ما في الأرض من المساجد وحيطانها ومقابر الأنبياء والصالحين. كحجرة نبينا صلى الله عليه و سلم. ومغارة إبراهيم. ومقام نبينا صلى الله عليه و سلم الذي كان يصلي فيه. وصخرة بيت المقدس. فلا تستلم ولا تقبل باتفاق الأئمة. وذكر نحو ذلك ابن الملقن وغيره. وزادوا أن التقبيل والاستلام تعظيم. والتعظيم خاص بالله تعالى. ولا يجوز إلا فيما أذن فيه.

(وللبخاري عن ابن عباس طاف) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم (على بعير) يقال للجمل وقد يكون للأنثى (كلما أتى على الركن) يعني الحجر الأسود (أشار إليه) أي إلى الركن (بشيء في يده) ولم يقبله. فدل الحديث على أنه إذا لم يمكنه التقبيل والاستلام أو شق عليه أشار إليه بيده. أو بشيء في يده ولا يقبله. لأنه لا يقبل إلا الحجر أو ما مس الحجر وجزم به الشيخ وغيره فصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم استلام الحجر وتقبيله. وهو أعلاها. واستلامه بيده وتقبيلها. واستلامه بالمحجن وتقبيله. والإشارة إليه بدون تقبيل.

ودل الحديث على اختصاص الحجر بالإشارة دون اليماني. فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يشير إليه ولو فعله لنقل كما نقلت الإشارة إلى الحجر الأسود. وترك ما ترك صلى الله عليه و سلم هو السنة. كما أن السنة فعل ما فعل صلوات الله وسلامه عليه (وكبر) أي كلما أتى الحجر الأسود قال الله أكبر. (وله عنه) أي و للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم (إذا استلم الركن) يعني الحجر الأسود (قال بسم الله والله أكبر) أي بسم الله أطوف. والله أكبر من كل شيء. وجزم به شيخ الإسلام وغيره. وقال استقباله بوجهه هو السنة. ولأحمد من حديث عمر "إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر" ولا يرفع يديه كما يكبر للصلاة كما يفعله من لا علم عنده. بل هو من البدع جزم به ابن القيم وغيره.

(وروي عن ابن السائب) عبد الله بن السائب بن يزيد ابن تمامة بن الأسود الكندي حليف بني عبد شمس. من طريق ناجية بسند ضعيف. ونحوه للشافعي عن ابن أبي نجيح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "بسم الله والله أكبر" (وقال اللهم إيمانا بك) أي أفعل ذلك إيمانا بك (وتصديقا بكتابك) حيث قال: }وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ{ (ووفاء بعهدك) في قوله تعالى: }وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ{. }وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ{ فأجابه كل من كتب أن يحج (واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه و سلم) في طوافه بالبيت. وأمره به. وروى العقيلي نحوه من حديث ابن عمر والطبراني البيهقي نحوه أيضا. وهو قول أكثر الفقهاء. وقال الشيخ وغيره إن شاء قال ذلك.

(ولأبي داود) عن عبد الله بن السائب (سمعته) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم (يقول بين الركنين) اليمانيين (رَبَّنَا آتِنَا) أي أعطنا (فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) أي العلم والعمل والعفو والعافية والرزق الحسن أو حياة طيبة (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) أي المغفرة والجنة والدرجات العالية. أو مرافقة الأنبياء. أو الرضى.أو الرؤية (وَقِنَا) أي احفظنا واكفنا (عَذَابَ النَّارِ) أي شدائد جهنم وحرها وزمهريرها وسمومها. ولأحمد عن أبي هريرة مرفوعا "إن الله وكل بالركن اليماني سبعين ألف ملك.فمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قالوا آمين قال شيخ الإسلام: وكان صلى الله عليه و سلم يختم طوافه بذلك. كما كان يختم سائر دعائه بذلك اهـ.
ولم يصح عنه صلى الله عليه و سلم في الطواف غيره. وينبغي أن يقول في بقية طوافه: اللهم اجعله حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا. رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم. وإن قال قبل ذلك اللهم إن هذا البيت بيتك والحرم حرمك والأمن أمنك. وهذا مقام العائذ بك من النار. اللهم اعذني من النار ومن الشيطان الرجيم. ومن أهوال يوم القيامة واكفني مؤونة الدنيا والآخرة. أو قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ولا حول ولا قوة إلا بالله. ونحوه كما رواه ابن ماجه. أو قرأ من القرآن فحسن.

قال شيخ الإسلام: ويستحب له في الطواف أن يذكر الله ويدعوه بما شرع. وليس فيه ذكر محدود قد استحبه صلى الله عليه و سلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه. بل يدعو فيه سائر الأدعية الشرعية. وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذك فلا اصل له. وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة. وقال ابن القيم لم يدع عند الباب بدعاء ولا تحت الميزاب. ولا عند ظهر الكعبة. ولا أركانها. ولا وقت للطواف ذكرا معينا. لا بفعله ولا بتعليمه.

والذكر هو المتوارث عن السلف والمجمع عليه. فكان أولى من جنس القراءة فيه. ومأثور الدعاء أفضل. لأن القراءة لم تحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم فيه. وحفظ غيرها. فدل على أنه ليس محلها بطريق الأصالة. والقراءة أفضل من دعاء غير مأثور. فإن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه.قال الشيخ: وإن قرأ سرا فلا بأس به.

ويستحب للطائف ترك الكلام. وكل عمل ينافي الخشوع كالإلتفات والتخصر. ويصون نظره عن كل ما يشغله. ويتأكد عما لا يحل.وينزه طوافه عما لا يرتضيه الشرع. قال الترمذي: أكثر أهل العلم يستحبون ألا يتكلم في الطواف إلا لحاجة. أو يذكر الله أو من العلم.

(وعن عائشة مرفوعا إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة) يعني السعي بينهما (لإقامة ذكر الله) أي إنما جعل ذلك لإقامة شعار النسك المشروع. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما و(صححه الترمذي) وغيره فدل الحديث وغيره على مشروعية الذكر عند تلك المشاعر العظام. قال تعالى: }لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ{ وقال: }وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ{ وخصصت هذه الأفعال بالذكر مع أنه المقصود من جميع العبادات. لأنها لا تظهر فيها العبادة. فشرع فيها ليكون شعارا لها.

(وعن جابر) في حديثه الطويل (ثم صلى) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم (رعتين) أي ركعتي الطواف خلف المقام كما تقدم. وهذا لا نزاع في ندبيته (فقرأ) يعني في الركعة الأولى (فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون) أي سورة قل يا أيها الكافرون (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وهي سورة الإخلاص. يعني في الركعة الثانية بعد الفاتحة. لما اشتملتا عليه من نوعي التوحيد. واستحباب قراءتهما في ركعتي الطواف إجماع.وإن قرأ غيرهما جاز. وعن أحمد تجزئ مكتوبة عنهما. وعنه لا تجزئ وفاقا. كما لا تجزئ عن منذورة. وحكي وجوبهما ويصح السعي قبلهما إجماعا. وفي أسباب الهداية يأتي الملتزم قبل الركعتين.

وينبغي الإكثار من الطواف كل وقت. لأنه يشبه الصلاة والصلاة خير موضوع.وطواف التطوع للغرباء أفضل من صلاة التطوع اتفاقا. لأنهم لا يمكنهم الطواف. فكان الاشتغال به أولى. وقال ابن عمر: من طاف بهذا البيت أسبوعا كان كعتق رقبة. وقال لا يضع قدمًا ولا يرفع أخرى إلا حط الله بها عنه خطيئة. وكتب له بها حسنة. وهو حديث حسن.

(ثم عاد إلى الركن فاستلمه) يعني الحجر الأسود فيسن في كل طواف بعده سعي أن يعود إلى الحجر فيستلمه. لأن الطواف لما كان يفتتح بالاستلام فكذا السعي (ثم خرج من الباب إلى الصفا) أي خرج من باب بني مخزوم. وهو الذي يسمى باب الصفا. لأنه أقرب الأبواب إليه. فكان اتفاقا. ويخرج إليه من أي باب شاء. لحصول المقصود (فلما دنا من الصفا) بالقصر وهو الحجارة الصلبة. والمراد به هنا المكان المعروف عند المسجد في طرف المسعى الجنوبي.أسفل جبل أبي قبيس.

قرأ: }إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ{ الشعائر أعمال الحج. وكل ما جعل علما لطاعة الله. قاله صلى الله عليه و سلم بيان لمراد الله.وتقريرا: (ابدأ بما بدأ الله به) أي بالصفا حيث بدأ الله بها بالذكر. وعن ابن عباس أنه صلى الله عليه و سلم قرأ الآية. وقال "نبدأ بالصفا اتبعوا القرآن فما بدأ به القرآن فابدءوا به" ورواية مسلم بصيغة الخبر. ورواه غير واحد بالنون. قال الحافظ وهم أحفظ. وهو عند النسائي بلفظ الأمر. أي ابدءوا في السعي بما بدأ الله به. وصححه النووي وغيره.

وذهب الجمهور إلى أن البداءة بالصفا والختم بالمروة شرط للخبر وصححه الترمذي وقال العمل عليه عند أهل العلم أنه يبدأ بالصفا قبل المروة. فإن بدأ بالمروة قبل الصفا لم يجزئه وبدأ بالصفا (فرقى الصفا) أي علا على الصفا المعروف هناك. فيستحب صعوده. قال الشيخ : وكان النبي صلى الله عليه و سلم يرقىعلىالصفا والمروة. وهما في جانبي جبلي مكة. واليوم قد بني فوقهما دكتان. فمن وصل إلى اسفل النباء أجزأه السعي وإن لم يصعد فوق البناء ا هـ.

ولعل المراد باعتبار ذلك الزمن. وأما الآن فالبيت يرى من باب الصفا قبل رقيه. لما حدث من ارتفاع الأرض. حتى اندفن أكثر الدرج. ومن وقف على أول درجة من درجاته أمكنه أن يرى البيت. وقد ذكر الأزرقي وغيره أنه اثنا عشر درجة. وقال ابن بطوطة وللصفا أربع عشرة درجة علياهن كأنها مصطب. ومن تأمل علوالوداي اليوم تيقن كثرة المدفون من الصفا.

قال جابر: فرقى الصفا (حتى رأى البيت فاستقبله) فيستحب أن يستقبله وليس بواجب لأنه لو ترك صعوده فلا شيء عليه إجماعا. فلا يجب الاستقبال. ولا نزاع في استحباب صعودهما واستقبال القبلة (فوحد الله كبره) فيستحب حينئذ توحيد الله وتكبيره. وفي لفظ كبر ثلاثا. واستحب بعضهم أن يقول الحمد لله على ما هدانا.ثم بين توحيد الله وتكبيره بقوله (وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له) في ربوبيته ولا في آلهيته. ولا في أسمائه وصفاته (له الملك) المطلق (وله الحمد) الكامل (وهو على كل شيء قدير) ولابن عمر من رواية إسماعيل عن أيوب عن نافع: لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

(لا إله إلا الله وحده) إعادة كلمة التوحيد لشرفها. ولما من الله به تعالى على نبيه حيث (أنجز وعده) أي وفي بما وعد به محمدا صلى الله عليه و سلم من الفتح والنصر (ونصر عبده) محمدا صلى الله عليه و سلم على عدوه وأيده بالمعجزات (وهزم الأحزاب) يوم الخندق (وحده) هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا سبب من جهتهم.

والمراد بالأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الخندق في شوال سنة أربع من الهجرة. قال تعالى: }فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا{.

(ثم دعا بين ذلك) وفي لفظ أنه "قاله ثلاث مرات" وفي لفظ "دعا بما شاء". وفي لفظ "يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو" قال أحمد وغيره يدعو بدعاء ابن عمر. وهو اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك. اللهم جنبني حدودك. اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وأولياءك وعبادك الصالحين.اللهم يسر لي اليسرى وجنبني العسرى. واغفر لي في الآخرة والأولى. واجعلني من أئمة المتقين. واجعلني من ورثة جنة النعيم. واغفر لي خطيئتي يوم الدين.

اللهم إنك قلت (ادعوني أستحب لكم). وإنك لا تخلف الميعاد. اللهم إذ هديتنا للإسلام فلا تنزعه مني ولا تنزعني منه حتى توفاني وأنا على الإسلام. اللهم لا تقدمني للعذاب ولا تؤخرني لسوء الفتن. ويدعو بما أحب. ولمسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم "لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه. وجعل يحمد الله ويدعو بما شاء".ولأنه موضع ترجى فيه الإجابة.

(ثم نزل إلى المروة) وفي لفظ نزل من الصفا أي منتهيًا إلى المروة ماشيًا على قدميه الشريفتين صلوات الله وسلامه عليه (حتى انصبت) أي انحدرت (قدماه في بطن الوادي) وهو ما بين العلمين (سعى) أي أسرع في سيره بين العلمين في السبعة الأشواط. وعن ابن عباس إنما سعى بين الصفا والمروة ليرى المشركين جلده وقوته. صححه الترمذي. وقال وهو الذي يستحبه أهل العلم. وإن مشى وسعى رأوه جائزًا.

وقال الشيخ: وإن لم يسع في بطن الوادي بل مشى على هينته جميع ما بين الصفا والمروة أجزأ باتفاق العلماء ولا شيء عليه ا هـ. وسبب مشروعيته السعي أن إبراهيم لما ترك هاجر وإسماعيل هناك عطش. فصعدت الصفا تنظر هل بالموضع ماء فلم تر شيئا فنزلت تسعى في بطن الوادي حتى خرجت منه إلى جهة المروة. لأنها توارت بالوادي عن ولدها. فسعت شفقة عليه. فجعل ذلك نسكا. إظهارا لشرفها. وتفخيما لأمرها وقال المطرزي وغيره: الميلان علامتان بموضع الهرولة في ممر بطن الوادي.

وقال ابن القيم وغيره بطن الوادي هو ما بينهما لم يتغير. واستمر عمل المسلمين عليه. خلفا عن سلف ا هـ. والسعي بينهما وإن لم يكن اليوم هو نفس بطن الوادي هو السنة باعتبار ما كان سابقا. فإن ما بينهما كان منخفضًا. وطرفاه من جهة الصفا والمروة مرتفعان. والسعي الشديد مشروط بأن لا يؤذي.وخرج الراكب وحامل المعذور والمرأة إجماعا. لأن المطلوب منها التستر. وجوز الجمهور السعي راكبا لعذر. وقيل لغيره.

(حتى إذا صعدتا) يعني قدميه الشريفتين أخذتا في الصعود من بطن الوادي إلى المكان العالي (مشى إلى المروة) قال أحمد وكان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال: رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم. ويستحب الإكثار من الذكر والدعاء في سعيه. لما تقدم من قوله صلى الله عليه و سلم: "إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله عز وجل (ففعل على المروة كما فعل على الصفا) من التوحيد والتكبير والدعاء واستقبال القبلة إجماعا. والمروة هي الحجارة البيضاء البراقة. أو الرخوة سمي بها المكان الذي في طرف المسعى الشمالي.

واتفقوا على أن العقد الكبير المشرف الذي بوجهها هو حدها. علامة على أولها. قال المحب الطبري وغيره: في وجهها عقد كبير مشرف قد تواتر كونه حدا بنقل الخلف عن السلف. وكذا في مسالك الأبصار. وذكره الأزرقي وغيره. أن على المروة خمس عشرة درجةكحلت بالنورة في خلافة المأمون.وذلك قبل أن يعلوا الوادي. فأدنى المروة تحت العقد المشرف عليها وفيه أول الدرج. ويحصل استقبال القبلة بأن يميل إلى يمينه أدنى ميل.

وفيه " حتى إذا كان آخر طوافه على المروة" واتفق رواة نسكه صلى الله عليه و سلم أنه طاف بينهما سبعة أشواط ذهاب سعية ورجوعه سعية يفتتح بالصفا ويختم بالمروة. وهذا باتفاق أهل العلم. وغلطوا الطحاوي وغيره ممن قال الذهاب والرجوع سعية. وقال ابن القيم لم ينقله أحد. ولا قاله أحد ممن اشتهرت أقوالهم.فلا خلاف أنه بدأ بالصفا وختم بالمروة. وحكى الوزير وغيره اتفاق الأئمة على الاحتساب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية. ويجب استيعاب ما بينهما في كل مرة.
ويشترط كون السعي بعد طواف نسك. ولومسنونا. لأنه الوارد عنه صلى الله عليه و سلم. وحكي فيه الإجماع. فلا يجوز بعد طواف نفل. ويشترط فيه النيةإجماعا. كسائر العبادات. واختار الأكثر اشتراط الموالاة. ولا يضر فصل يسير. كأن أقيمت مكتوبة. أو حرت جنازة. فيصلي ويبني. وتسن الموالاة بينه وبين الطواف. كذا الطهارة والستارة ولا يجبان. فلو فصل بين الطواف والسعي بطواف أو غيره أجزأ. وإذا لم تشترط الطهارة مع آكديتها فغيرها أولى.

(ثم قال لهم) أي لأصحابه غير من ساق الهدي (أحلوا من إحرامكم) أي اجعلوا حجكم عمرة وتحللوا بالطواف والسعي. وفي لفظ "فنادى وهو على المروة والناس تحته فقال. لوأني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة" (وقصروا) أي من شعر الرأس من مجموعه لا من جميعه فلم يأمرهم بالحلق ليبقى لهم شعر يحلقونه في الحج فإن الحلق في تحلل الحج أفضل منه في تحلل العمرة لأنه أكمل (رواه مسلم).

قال الشيخ: ويستحب له أن يقصر من شعره ليدع الحلاق للحج. وكذلك أمرهم النبي صلى الله عليه و سلم. وإذا حلوا حل لهم ما حرم عليهم بالإحرام. ويذبح هدي العمرة عندها ولا يتحلل المعتمر إلا بالطواف والسعي والتقصير أوالحلق للخبر. وقال ابن رشد: اتفقوا علىأن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة. وإن لم يكن حلق ولا قصر لثبوت الآثار في ذلك إلا خلاف شاذ اهـ. وأركان العمرة ثلاثة إحرام وطواف وسعي قال الوزير أجمعوا أنها أركان لها وفي الفصول السعي فيها ركن بخلاف الحج.

(ولهما) يعني البخاري ومسلم وغيرهما من غير وجه (أنه أمرهم) صلى الله عليه و سلم (لما طافوا) طواف العمرة (وسعوا) وقصروا (أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة) أي يجعلوا ا لحجة عمرة ويصيروا حلالا بعد فراغهم من أفعال العمرة. وقد أبيح لهم ما حرم عليهم بسبب الإحرام حتى يستأنفوا الإحرام للحج (إلا من ساق) معه (الهدي) فيبقى على إحرامه حتى يكمل حجه وينحر هديه.

وللبخاري عن عائشة "من أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى ينحر) وفي لفظ فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال "افعلوا ما أمرتكم به" ففعلوا. وفي لفظ نزل عليه القضاء بين الصفا والمروة. ولما توقوفا قال "انظروا ما آمركم به فافعلوه" قال الشيخ وغيره وهذا مذهب أهل الحديث. وإمامهم أحمد بن حنبل وأهل الظاهر. لبضعة عشر حديثا صحاحا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم.منها "من تطوف بالبيت وسعى ولم يكن معه هدي حل" ومنها لما راجعوه قال "انظروا ما آمركم به فافعلوا" فردوا عليه فغضب وأقسم طائفة من أصحابه رضي الله عنهم أنه ما نسخ ولا صح حرف واحد يعارضه. وأنهم لم يخصوا به.

بل أجرى الله على لسان سراقة (فقال راقة: ألعامنا هذا) أي جواز فسخ الحج إلى العمرة وفي لفظ أرأيت متعتنا هذه أي أخبرنا عن فسخنا الحج إلى عمرتنا هذه التي تمتعنا فيها. بالجماع والطيب واللبس ألعامنا هذا مخصوصة به لا تجوز في غيره (أم للأبد)؟ فقال "بل للأبد" أي لآخر الدهر وجميع الأعصار. فلا يكون وقت العمرة في عامنا هذا فقط. وفي لفظ بل "لأبد الأبد" وفيه "فشبك بين أصابعه" وفي رواية ألعامنا هذا أم للأبد"؟ فشبك بين أصابعه واحدة في الأخرى و(قال دخلت العمرة في الحج) إلى يوم القيامة مرتين" أي دخلت نية العمرة في نية الحج بحيث من نوى الحج صح الفراغ عنه بالعمرة.

فدل على جواز فسخ الحج إلى العمرة لاقتضاء سياق السؤال (لا) أي ليس خاصا بنا (بل لأبد الأبد) أضيف للمبالغة. أو تأكيد الدوام إلى قيام الساعة. وهذا صريح في أن العمرة التي فسخوا حجهم إليها لم تكن مختصة بهم. وأنها من مشروعة للأمة إلى يوم القيامة. وقوله "دخلت العمرة في الحج" تصريح أيضا بأن هذا الحكم ثابت أدبا لا ينسخ إلى يوم القيامة. قال ابن القيم وهذا الفسخ قد رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم بضعة عشر صاحبا. ورواه عنهم أكثر. فصار نقل كافة عن كافة يوجب العلم.

وتواتر عن حبر الأمة عبدالله بن عباس ما طاف بالبيت حاج ولا غيرحاج إلا حل.أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم. فإنه صلى الله عليه و سلم لما تم سعيه أمر كل من لا هدي معه أن يحل الحل كله. من وطءوطيب ولبس وأن يبقوا إلى يوم التروية. وقال رجل لابن عباس ما هذه الفتيا! فقال سنة رسولا لله صلى الله عليه و سلم وإن زعمتم. قال ابن القيم وصدق ابن عباس كل من طاف بالبيت وسعى ممن لا هدي معه من مفرد أو قارن أو متمتع فقد حل. إما وجوبا وإما حكما. هذه هي السنة التي لا راد لها ولا مدفع.

وقال أحمد لمسلمة عندي أحد عشر حديثا صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتركها لقولك؟ وأيضا إذا كان النبي صلى الله عليه و سلم قصد مخالفة المشركين تعين مشروعيته إما وجوبا وإما استحبابا. وقال ابن القيم لما ذكر غضبه صلى الله عليه و سلم لما لم يفعلوا. ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحج رأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة.تفاديا من غضبه صلى الله عليه و سلم. واتباعا لأمره. فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده. ولا صح حرف واحد يعارضه. ولا خصص به أصحابه دون من بعدهم بل أجرى الله على لسان سراقة أن سأله هل ذلك مختص بهم. فأجابه بأن ذلك كائن لأبد الأبد فما تقدم على هذه الأحاديث: وهذه الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه و سلم على من خالفه.

(وعن ابن عباس مرفوعا كان) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم (يمسك) أي يمتنع ويكف (عن التلبية في العمرة) مفردا لها أو متمتعا بها إلى الحج (إذا استلم الحجر) الأسود للطواف رواه أبو داود وغيره و(صححه الترمذي) وقال العمل عليه عند أكثر أهل العلم. قالوا لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الحجر. وقال بعضهم إذا انتهى إلى البيوت. والعمل على حديث النبي صلى الله عليه و سلم. والتلبية إجابة إلى العبادة وشعار الإقامة عليها. والأخذ في التحلل مناف. وهو يحصل بالطواف والسعي. فإذا شرع في الطواف فقد أخذ في التحلل فيقطعها كما يقطع الحاج التلبية إذا شرع في رمي جمرة العقبة. لحصول التحلل به.

وقال النووي الصحيح أنه لا يلبي في الطواف لا في السعي. لأن لها أذكارا مخصوصة. ومن أجازها كره الجهر بها لئلا يخلط على الطائفين.

(وله عنه) مرفوعا وموقوفا.قال النووي وغيره رفعه ضعيف. والصحيح أنه موقوف. وقال الشيخ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم ولكن هو ثابت عن ابن عباس. وقد روي مرفوعًا (الطواف بالبيت صلاة) قال ولا ريب أنه يشبه الصلاة من بعض الوجوه. ليس المراد أنه نوع من الصلاة التي يشترط لها الطهارة. وهذا كقوله "إن العبد في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه" "وما دام ينتظر الصلاة" و"إذا أتى المسجد فلا يشبك بين أصابعه. فإنه في صلاة" ونحو ذلك "إلا أنكم تتكلمون فيه"وقال "الطواف بالبيت كالصلاةإلا أن الله أباح فيه الكلام فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير".

ولهذا يؤمر الطائف أن يكون متطهرا الطهارة الصغرى والكبرى. مستور العورة. مجتنبا النجاسة التي يجتنبها المصلي إجماعا. وفي وجوب الطهارة في الطواف نزاع بين العلماء. فإنه لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر بالطهارة للطواف ولا نهي المحدث أن يطوف ولكنه طاف طاهرا. لكن ثبت عنه أنه نهى الحائض عن الطواف.

(وعن عائشة) رضي الله عنها (أنه) يعني النبي صلى الله عليه و سلم (قال لها) وكانت طمثت بسرف فدخل عليها هي تبكي فقال لها (افعلي) يعني من مناسك الحج (ما يفعل الحاج) ولمسلم فاقضي ما يقضي الحاج. وهو إجماع (غير أن لا تطوفي بالبيت) أي حال كونك طامثا (حتى تطهري) بتشديد الهاء. وأصله تتطهري. والمراد بالطهارة الغسل من الحيض (متفق عليه) ولمالك نحوه عن ابن عمر.

والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع حيضها وتغتسل. وفي أثر ابن عمر ولا بين الصفا والمروة لأن السعي يتوقف على تقدم طواف قبله. وهو مذهب جمهور أهل العلم. وتحريم الطواف على الحائض مجمع عليه.سواء كان فرضا أو نفلا.وعن أحمد يجزئ وتجبره بدم. وهو قول أبي حنيفة.

وقال شيخ الإسلام ما يعجز عنه من واجبات الطواف مثل من كان به نجاسة لا يمكنه إزالتها. كالمستحاضة ومن به سلس بول. فإنه يطوف ولا شيء عليه باتفاق الأئمة وكذا لو لم يمكنه الطواف إلا عريانا وكذا المرأة الحائض إذا لم يمكنها طواف الفرض إلا حائضا بحيث لا يمكن التأخر بمكة في أحد قولي العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف.

ومن المعلوم أن الشريعة لا تأتي بسوى هذا. فتطوف بالبيت والحالة هذه. وتكون هذه ضرورة مقتضية لدخول المسجد مع الحيض والطواف معه. وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة بل يوافقها. إذ غايته سقوط الواجب أو الشرط بالعجز عنه. ولا واجب في الشريعة مع العجز. ولا حرام مع ضرورة. وتتلجم كما أبيح للمستحاضة دخول المسجد للطواف إذا تلجمت اتفاقا. لأجل الحاجة. وحاجة هذه أولى.
فلا يمتنع الإذن لها في دخول المسجد لهذه الحاجة التي تلتحق بالضرورة. هذا إذا قيل إنها ممنوعة من المسجد. وأما أن عبادة الطواف لا تصح مع الحيض كالصلاة فغايته أن تكون الطهارة شرطا من شروط الطواف. فإذا عجزت عنه سقط كما لو انقطع دمها وتعذر عليها الإغتسال والتيمم فإنها تطوف على حسب حالها. كما تصلي بغير طهور. لقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وهذه قد اتقت الله ما استطاعت. فليس عليها غيره بالنص وقواعد الشريعة.

والأشبه لا يجب عليها دم. لأن الطهارة واجب يؤمر به مع القدرة لا مع العجز. وأحمد يقول لا دم عليها.كما صرح به فيمن طاف جنبا وهو ناس وقال ابن القيم: بل تفعل ما تقدر عليه من مناسك الحج. ويسقط عنها ما تعجز عنه من الشروط والواجبات. ومن المعلوم أن الشريعة لاتأتي بسوى هذا. وقال وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة بل يوافقها. إذ غايته سقوط الواجب أو الشرط بالعجز عنه. وذكر نحوا من كلام الشيخ. وأنه لا يدل على اشتراط الطهارة للطواف نص ولا إجماع. وإذ لم يمكنها إلا على غير طهارة فليس عليها غيره بالنص وقواعد الشريعة اهـ.

وإن حاضت المتمتعة قبل طواف العمرة فخشيت فوات الحج أو خشية غيرها أحرموا بالحج لتعينه. ولقوله صلى الله عليه و سلم "أهلي بالحج"وليس كونها خشيت فوات الحج شرطا لجواز إدخال الحج على العمرة بل لوجوبه. لأن الحج واجب فورا. ولا سبيل إليه إلا ذلك. فتعين. وكالصورة الثانية من القران إدخال الحج على العمرة قبل الشروع في طوافها. وإن لم يخف فوت الحج ويصير بذلك قارنا عند الجمهور. إلا أبا حنيفة: قال ترفض العمرة. ولم يقله غيره.

 وقوله صلى الله عليه و سلم "ارفضي عمرتك" أي دعي أفعال العمرة. ولقوله صلى الله عليه و سلم لها "طوافك وسعيك يكفيك لحجك وعمرتك" وإنما أعمرها من التنعيم تطييبا لنفسها. وحديثها أصل في سقوط طواف القدوم عن الحائض. وكانت متمتعة فصارت من أجل الحيض قارنة. قال ابن القيم: وهو أصح الأقوال. والأحاديث لا تدل على غيره. ويجب دم القران. وتسقط عنه العمرة لاندراجها في الحج للأخبار.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire