el bassaire

vendredi 8 novembre 2013

باب محظورات الإحرام




المحظورات جمع محظور. صفة لموصوف محذوف. أي باب بيان الخصلات المحظورات. أو الفعلات المحظورات. يعني المحرمات أو الممنوع فعلها حال الإحرام شرعا وهي تسعة. وبيان كفاراتها. وهدي التمتع. وما يتعلق بذلك.
قال تعالى: }وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ{ أي تزيلوا شعره بحلق أو نتف أو قلع ونحو ذلك. وعبر بالحق لأنه الغالب وعدي أيضا إلى سائر شعر البدن اتفاقا لأنه في معناه ولحصول الترفه به. بل أولى. لأن الحاجة لا تدعو إليه. وشعر الرأس والبدن واحد عند أحمد وغيره. وعنه لكل منهما حكم يخصه اتفاقا. لأنهما كجنسين. ويحرم فعله لغير عذر من مرض أو قمل أو قروح أو صداع أو شدة حر. لكثرته مما يتضرر بإبقائه إجماعا. إذ حلق الشعر يؤذن بالرفاهية. وهي تنافي الإحرام لكون المحرم أشعث أغبر.

ونص أهل العلم على أن تقليم الأظفار محظور في الإحرام أشبه إزالة الشعر. وحكاه ابن المنذر إجماعا. وقال الموفق وغيره أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره. لكونه مؤذنا بالرفاهية. وهي منافية لحال المحرم. وذكر بعضهم في ظفر وشعرة أو ظفرين أو شعرتين قبضة من طعام. وقال مالك وجماعة لا تجب الفدية إلا فيما يماط به الأذى. ويحصل به الترف. وإزالة الشعث. وأنكر ابن القيم وغيره أنه يستفاد من الآية وجوب الدم على من قطع من جسده أو رأسه ثلاث شعرات أو أربعًا. لأنه لا يدخل في مسمى الحلق لغة ولا عرفا. واستيعاب الرأس بالحلق ليس بمعتبر في وجوب الفدية إجماعًا.

}حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ{ أي مكانه الذي يجب أن يذبح فيه ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة إن كان قارنا أومن فعل أحدهما إن كان مفردا. أو متمتعا. وفي الصحيحين عن حفصه قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر"وهذا حكم القارن. ومن كان معتمرا فمحله حيث يبلغ هديه الحرم.

}فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا{ يحتاج إلى حلق شعر }أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ{ أي فلا تحلقوا رؤوسكم في حال الإحرام إلا أن تضطروا إلى حلقه لمرض أو لاذى في الرأس من هوام أو صداع ويأتي حديث كعب وأنه قال نزلت في خاصة وهي لكم عامة }فَفِدْيَةٌ{ اي فحلق فعليه فدية إجماعا وهي ما يجب فداء بسبب نسك أو إحرام وهي في الاصل افتكاك الأسير. وإطلاقها في محظورات الإحرام إشعار بأن من أتى محظورا فكأنه صار في هلكة يحتاج إلى إنقاذه منها بالفدية التي يعيطها. فاستعير هذا الاسم في محظورات الإحرام إنقاذا لمن تلبس بشيء منها من تلك الهلكة بالفدية التي يعطيها. لعظم شأن الإحرام وتأكد حرمته.

وسببه تعظيم أمر الإحرام بأن محظوراته من المهلكات. ووضح الفدية بقوله }مِنْ صِيَامٍ{ أي ثلاثة أيام }أَوْ صَدَقَةٍ{ أي ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع }أَوْ نُسُكٍ{ واحدتها نسيكهة أي ذبيحة أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة. أيتها شاء ذبح فهذه الفدية على التخيير والتقدير. ويتخير بين أن يذبح أو يصوم أو يتصدق وجمهور العلماء على أن الفدية تنقسم إلى ضربين أحدهما على التخيير. وهو نوعان. فدية الحلق. والحقوا بها فدية التقليم. وتغطية الرأس والطيب لأن تحريمها فيه للترفة. فأشبهت الحلق فيخير بين صيام ثلاثة أيام. أو إطعام ستة مساكين. أو ذبح شاة اتفاقا.

والنوع الثاني جزاء الصيد إن كان له مثل أو تقويمه بدراهم يشتري بها طعاما فيطعم كل مسكين مدا من بر. أو نصف صاع من غيره. أو يصوم عن كل مد أو نصف يوما. وهو اتفاق. كفدية الحلق. ولا يجب التتابع في الصوم. ولا الصوم عن بعض و الإطعام عن بعض اتفاقا.
والضرب الثاني على الترتيب وهو ثلاثة أنواع: دم متعة وقران وطء في فرج. ومن الفدية ما لم يرد فيه ترتيب ولا تخيير كفدية الفوات. وعده بعضهم ضربا ثالثا. وإن فعل محظورا من أجناس بأن حلق وقلم أظفاره ولبس المخيط فدى لكل مرة فديته الواجبة فيه اتفاقا. وإن كرر المحظور من جنس ولم يفد فدى مرة سواء فعله متتابعا أو متفرقا. لأن الله أوجب في حلق الراس فدية واحدة. ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو دفعات.
قال الشيخ وإذا لبس ثم لس مرارا ولم يكن أدى الفدية أجزأته فدية واحدة في أظهر قولي العلماء. بخلاف صيد ففيه بعدده ولو دفعة واحدة باتفاق أهل العلم. ويسقط بنسيان أو جهل أو إكراه فدية لبس وطيب. وتغطية رأس ونحوه. لخبر "عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" دون وطء عند الجمهور. وصيد إجماعًا.
وذكر شيخ الإسلام عدم مؤاخذة الجاهل والناسي. ثم قال وأما الكفارة والفدية فتلك وجبت لأنها بدل المتلف من جنس ما يجب ضمان المتلف بمثله. كما لو أتلفه صبي ضمنه. وجزاء الصيد وجب على الناسي والمخطئ فهو من هذا الباب بمنزلة دية المقتول خطأ. والكفارة الواجبة بقتله خطأ بنص القرآن. وإجماع المسلمين.
وأما سائر المحظورات فليست من هذا الباب. وتقليم الأظفار وقص الشارب والترفه المنافي للتفث كالطيب واللباس. ولو فدى لكانت فدية من جنس فدية المحظورات. ليست بمنزلة الصيد المضمون بالبدل فأظهر الأقوال في الناسي والمخطء إذا فعل محظورا أن لا يضمن من ذك إلا الصيد. وقال ابن القيم الراجح من الأقوال أن الفدية لا تجب في ذلك مع النسيان. بخلاف الصيد فإنه من باب ضمان المتلفات.
قال تعالى: }فَإِذَا أَمِنْتُمْ{ أي من خوفكم. وبرأتم من مرضكم }فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ{ أي فمن كان منكم متمتعا بالعمرة إلى الحج. وهو يشمل من أحرم بهما أو أحرم بالعمرة أولا فلما فرغ منها أحرم بالحج. فإنه يسمى استمتاعا لإحلاله من العمرة حتى يحرم بالحج. توسعة من الله عليه. لما في استمراره محرما من المشقة.
 }فَمَا اسْتَيْسَرَ{ أي فليذبح ما قدر عليه }مِنْ الْهَدْيِ{ ولا خلاف في وجوبه على التمتع. وأقله شاة. وشرطه أن يقدم العمرة على الحج. وأن يحرم بها في أشهره من الميقات. وأن يحج بعد الفراغ منها في سنتها.
}فَمَنْ لَمْ يَجِدْ{ الهدي أو لم يجد ثمنه ولو وجد من يقرضه }فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ{ أي قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة. وإن صام قبلها بعد ما يحرم بالحج جاز. ويجوز أيام التشريق. فإن وقت الوجوب يوم النحر لأنه وقت الهدي.
وإذا لم يجد جاز تقديمه بعد إحرام التمتع بالعمرة. قال الشيخ في أشهر قولي العلماء. وهو الأرجح. فإنه في تلك الحال في الحج. وقيل بعد التحلل من العمرة. فإنه حينئذ شرع في الحج. ولكن دخلت العمرة في الحج كما دخل الوضوء في الغسل. وأما إحرامه بالحج بعد ذلك. فكما يبدأ الجنب بالوضوء. ثم يغتسل بعده. وإن أوجب الصوم وشرع فيه ثم وجد هديا لم يلزمه. وأجزأه الصوم عند جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد. والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة ووجوبه وقت وجوب الهدي. لأنه بدل منه. وإن أخره عن أيام التشريق لغير عذر صامه بعد. ولا دم عليه عند جمهور العلماء مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد.

}وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ{ أي يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله وبلده. وقال عليه الصلاة والسلام "فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله" فلو صامها قبل رجوعه لم يجز عند بعض أهل العلم. وأجازه بعضهم بعد الفراغ من أعمال الحج. وأنه المراد من الرجوع المذكور. ولا يجب التتابع اتفاقا. لإطلاق الأمر. ولا يلزمه التفريق بين الثلاثة والسبعة إذا أخر الثلاثة إليه.

}تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ{ ذكرها تعالى على وجه التأكيد. أو الأمر بإتمامها }ذَلِكَ{ الحكم }لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أهلهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ{ أي أهل الحرم فلا متعة لهم. وقيل من دون مسافة القصر. لأنه لا يعد مسافرا. ومن لا متعة له لا دم عليه.
وقال تعالى }لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ{ جمع إحرام. أي لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون بالحج أو العمرة وقيل المراد وعند الحرم. فهما مرادان بالآية. فلا يجوز قتل الصيد للمحرم ولا في الحرم إجماعا. نزلت في أبي اليسر شد على حمار وحشي فقتله وهو محرم ثم صار هذا الحكم عاما. فلا يجوز قتل الصيد ولا التعرض له. ولا أذاه ما دام المرء محرما. ولا في الحرم. والمراد كل حيوان متوحش مأكول اللحم عند الجمهور. للخبر الآتي. ثم ذكر تعالى جزاءه ويأتي.
إلى قوله }أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ{ ما يصاد منه طربا ما لم يكن في الحرم إجماعا. وطير الماء بري لأنه يبيض ويفرخ في البر. فيحرم على المحرم صيده. وفيه الجزاء في قول عامة أهل العلم. وقال الموفق لا نعلم فيه خلافا. إلا ما روي عن عطاء. (وطعامه) ما يتزودون منه مليحا يابسا. والبحر جميع المياه العذبة والمالحة. }مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ{ تتزودون منه. ولا نزاع في هذا كله.
}وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا{ كرر تعالى تحريم الصيد على المحرم في ثلاثة مواضع من هذه السورة. كل ذلك لتأكيد تحريم قتل الصيد على المحرم. فهذان اثنان. والثالث قوله في أول السورة }غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ{ أي أحلت لكم بهيمة الأنعام كلها إجماعا. لأنها ليست بصيد. إلا ما كان منها وحشيا. فإنه صيد لا يحل لكم في حال الإحرام. والاعتبار في أهلي ووحشي بأصله اتفاقا.
وقال قبل هذه الآية }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ{ الصغير والضعيف في حال إحرامكم (تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) ابتلاهم الله بالصيد يغشى رحالهم ولو شاؤوا تناولوه بأيديهم }لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ{ ليعلم طاعة من يطيع في سره وجهره }فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ{ أي الإعذار والإنذار فصاده }فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ وقال ها هنا }وَاتَّقُوا اللَّهَ{ فلا تستحلوا الصيد في حال الإحرام ولا في الحرم. ثم حذرهم بقوله }الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{ فيجازيكم الله على معصيتكم. ففيها تحريم اصطياده حال الإحرام. وفي الحرم. وذلك بإجماع المسلمين. وعليه الجزاء إجماعا. ويحرم أذاه ولو لم يقتله أو يجرحه. قال الشيخ ولا يصطاد صيدًا بريًا ولا يعين عليه. ولا يذبحه. ولا يصطاد بالحرم صيدا وإن كان من الماء كالسمك على الصحيح. بل ولا ينفر صيده مثل أن يقيمه لقعد مكانه.
وقال تعالى }فَلَا رَفَثَ{ أي من أوجب الحج فعليه أن يجتنب الرفث فيه. وهو الجماع ودواعيه من المباشرة والتقبيل والغمز. وأن يعرض لها بالفحش من الكلام، وقال الأزهري وغيره الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة. وقال الشيخ الرفث اسم للجماع قولا وعملا. وحكاه ابن المنذر إجماع العلماء. وأنه لا يفسد النسك إلا به أنزل أو لم ينزل. وقال الشيخ وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث. فلهذا ميز بينه وين الفسوق.
وقال أيضا فإن جامع قبل التحلل الأول فسد حجه. وأما سائر محظورات الإحرام كاللبس والطيب فإنه وإن كان يأثم بها فلا تفسد الحج عند أحد من الأئمة المشهورين. وقال ويحرم على المحرم الوطء ومقدماته. ولا يطأ شيئا سواء كان امرأة أو غير امرأة. ولا يتمتع بقبلة ولا مس بيد ولا نظر بشهوة اهـ.

والحكمة أن يبعد عن ملاذ الدنيا وشهواتها. ويجمعهم لمقاصد الآخرة. قال الوزير وغيره وإن باشر دون الفرج فأنزل لم يفسد حجه وعليه شاةاتفاقا. وتحرم المباشرة اتفاقا. لأنهاوسيلة إلى الوطء المحرم. فكانت حراما.

}وَلَا فُسُوقَ{ أي في الحج وهو المعاصي. لم يفسق أي لم يأت بسيئة ولا معصية. وهو في حال الإحرام أشد وأقبح. لأنه حالة التضرع وهجر المباحات وإقبال على الطاعات (وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وهو الممارات فيما لا يعني والخصام مع الرفقة والمنازعة والسباب. قال الشيخ الجدال هو المراء في أمر الحج فإن الله قد وضحه وبينه وقطع المراء فيه. كما كانوا في الجاهلية يتمارون في أحكامه. ولم ينه المحرم عن الجدال مطلقا. بل قد يكون واجبا او مستحبا. وقد يكون محرما في الحج وغيره اهـ.
قال تعالى: }وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ{ فإنه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم. حث على فعل الخير عقب النهي عن الشر. وهو أن يستعملوا مكان الرفث الكلام الحسن. ومكان الفسوق البر والتقوى. ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة. }وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى{ فإنه لا بد للإنسان من سفر في الدنيا. ولا بد فيه من زاد وسفر من الدنيا إلى الآخرة وزاد. وهو تقوى الله والعمل بطاعته. وهذا الزاد أفضل. لأنه يوصل إلى النعيم المقيم.
وقال صلى الله عليه و سلم "من حج فلم يرفث ولم يفسق" أي في أيام الحج "خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" فيرجع ولا ذنب له ويبقى حجه فضالا له لأن الحسنات يذهبن السيئات. فيسن قلة الكلام في الحج إلا فيما ينفع. ويستحب اشتغال المحرم بالتلبية وذكر الله وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهل ونحو ذلك. وله اتجاره وعمل صنعة مالم يشغلاه عن واجب أو مستحب. وإلا كره. قال ابن عباس في قوله }لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ{ في مواسم الحج رواه البخاري.
 (وعن كعب) بن عجرة بن أمية بن عدي البلوى صحابي جليل. كان حليف الأنصار. ونزل الكوفة. ومات بالمدينة سنة إحدى وخمسين (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعله آذاك هوام رأسك) وفي لفظ "تؤذيك هوام رأسك" جمع هامة وهي ما يدب من الأحناش. والمراد هنا ما يلازم الجسد غالبا إذا طال عهده بالتنظيف. فسر بالقمل. وفي لفظ حملت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم والقمل يتناثر على وجهي فقال "ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى" (قال نعم) وفي لفظ "كأن هوام رأسك تؤذيك" فقلت أجل.
(فقال) رسول الله صلى الله عليه و سلم (احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة) وفي لفظ احلقه واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع. وفي رواية "نصف صاع من طعام" متفق عليه" وقد روي بألفاظ متعددة. وظاهر الآية المتقدمة وسائر روايات الحديث أنه مخير في الثلاث جميعا.
قال البخاري خير النبي صلى الله عليه و سلم كعبا في الفدية وهو إجماع وأكثر الروايات رواية التمر. وجاء أنه نسك شاة بعد ما حلق رأسه ففي الصحيحين أتجد شاة قلت بلى فنزلت }فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ{ قالا يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم "هو صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين نصف صاع طعاما لكل مسكين ونسك شاة" وفي رواية نزلت في هذه الآية. ولا نزاع في أن النسك المأمور به شاة سواء كان حلقه لقمل أو صداع أو شدة حر. وقد جاء بروايات متفقة في المعنى. ومقصودها أن من احتاج إلى حلق الرأس لضرورة من قمل أو مرض أو نحوها فله حلقه في الإحرام. وعليه الفدية.
لا إن خرج بعينه شعر أو انكسر ظفره فأزالهما أو زالا مع غيرهما. كأن قطع جلدا عليه شعر أو أنملة بظفرها فلا فدية في ذلك اتفاقا. أما إزالتهما فقط فلأذاهما كالصيد الصائل عليه. وأما زوالهما مع غيرهما فلكونهما بالتبعية. ووقت ذبح الفداء حيث وجد سببه فإن النبي صلى الله عليه و سلم أمر كعبا بنحر هديه في موضعه وهو بالحديبية. وعلي رضي الله عنه نحر جزورا عن الحسين بالسقيا لما اشتكى رأسه فحلقه رواه مالك وغيره. ولأنه موضع تحلل فكان موضع ذبحه. ويجرئ بالحرم. وأما الصوم فيجزئ بكل مكان باتفاق أهل العلم. لقول ابن عباس وغيره الصوم حيث شاء لعدم تعدي نفعه ولا معنى لتخصيصه بمكان بخلاف الهدي.
 (ولهما عن ابن بحينة) عبد الله بن بحينة بنت الحارث بن عبد المطلب وأبوه مالك بن القشب الأزدي (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجم وهو محرم) وذلك في حجة الوداع بلحي جمل. ماء بين مكة والمدينة. وهو إلى المدينة أقرب بينها وبين السقيا. في وسط رأسه. ولهما نحوه عن ابن عباس. وللبخاري من وجع كان به بماء يقال له لحي جمل. ويقال له اليوم بئر جمل بالجيم. بئر بناحية الجرف في آخر العقيق شمالي المدينة وتوضأ منه النبي صلى الله عليه و سلم، وجاء أن ناقته بركت عندها بين أظهر بني النجار.
فدل الحديث على جواز الحجامة للمحرم. وهو إجماع في الرأس وغيره للحاجة. قال شيخ الإسلام وله أن يحك بدنه. ويحتجم في رأسه وغير رأسه. وإن احتاج أن يحلق لذلك شعر جاز. فإنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم احتجم في وسط رأسه وهو محرم. ولا يمكن ذلك إلا مع حلق بعض الشعر، وله أن يقتصد إذا احتاج إلى ذلك وقال وإن احتاج إلى قطعه بحجامة أو غسل لم يضر. اهـ. وله الاغتسال في حمام وغيره.
روي عن عمر وعلي وابن عمر وجابر وغيرهم. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي: لأنه عليه الصلاة والسلام غسل رأسه وهو محرم. ثم عرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر. متفق عليه. وقال ابن القيم يجوز للمحرم أن يمشط رأسه. ولا دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع على منع المحرم من ذلك. ولا تحريمه وليس في ذلك ما يحرم على المحرم تسريح شعره.
فإن أمن من تقطيع الشعر لم يمنع من تسريح راسه وإلا ففيه نزاع. والدليل يفصل بين المتنازعين. فإنه لم يدل الكتاب ولا السنة ولا الإجماع على منعه فهو جائز. وقال الشيخ إذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك لم يضره. وإن تيقن أنه قطع بالغسل. وله أن يغتسل من الجنابة بالاتفاق. وكذلك لغير الجنابة.
 (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يلبس المحرم) وهذا من بديع الكلام لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به. وأما الملبوس الجائز فغير منحصر وللبخاري ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا. ولأحمد ما يترك المحرم (قال لا يلبس القميص) نوع من الثياب وهو كل ما أحاط بالبدن مما كان عن تفصيل وتقطيع.
 (ولا العمامة) وهي ما أحاط بالرأس فيلحق بها غيرها مما يغطي الرأس (ولا البرنس) وهو كل ثوب رأسه منه ملتزما به من جبة أو دراعة أو غيرها. وقلنسوة طويلة يلبسها النساك في صدر الإسلام. وذكرهما معا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر كالبرانس إجماعا. بل يحرم. ويأتي قوله في المحرم "ولا تخمروا رأسه".
وكان ابن عمر يقول إحرام الرجل في رأسه. وأجمع أهل العلم على أن من غطى رأسه بملاصق فدى. حكاه الوزير وغيره. وقال ابن القيم وغيره كل متصل ملامس يراد لستر الرأس كالعمامة والقبع والطاقية والخوذة وغيرها ممنوع بالاتفاق. وقال بل يتعدى النهي إلى الجلباب والدولقة والمبطنات والفراجي والأقبية والقرقشنيات. وإلى القبع والطاقية والكوفية والكلوتة والطيلسان والقلنسوة اهـ.
وإن احتاج إلى شيء من ذلك لشجة أو صداع أو غيرهما فعل وفدى. ويجوز تلبيد راسه بعسل وصمغ ونحوها لئلا يدخله غبار أو دبيب أو يصيبه شعث ولا شيء عليه. لما في الصحيحين عن ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يهل ملبدا قال (ولا السراويل) وهي لباس يستر النصف الأسفل من البدن فارسي معرب جمعه سراويلات.
قال ابن القيم نبه بالقميص على ما فصل للبدن كله.وبالسراويل المفصل عن الأسافل كالتبان ونحوه وبالعمامة على كل ساتر للرأس معتاد. وبالبرنس على المحيط بالرأس والبدن جميعا. وبالخفين على ما في معناهما. قال الشيخ وغيره نهى صلى الله عليه و سلم أن يلبس القميص والبرنس والسراويل. وأمر من أحرم في جبة أن ينزعها عنه.
فما كان من هذا الجنس فهو ذريعة في معنى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه و سلم فما كان في معنى القميص بكم ولا بغيركم. وسواء أدخل يديه أو لم يدخلهما وسواء كان سليما أو مخروقا. وكذلك لا يلبس الجبة ولا القباء الذي يدخل يديه فيه وكذلك لا يلبس الدرع الذي يسمى عرق جبن. يعني الفنيلة. وأمثال ذلك باتفاق الأئمة. وأما إذا طرح القباء على كتفيه من غير إدخال يديه ففيه نزاع. وهذا معنى قول الفقهاء لا يلبس المخيط. والمخيط ما كان من اللباس على قدر العضو ولا يلبس ما كان في معنى السراويل كالتبان ونحوه.
ولا فرق بين قليل اللبس وكثيره. لظاهر الآية والخبر ويلزمه خلعه ولا يشقه ولا فدية لأن يعلى بن أمية أحرم في جبة فأمره صلى الله عليه و سلم بخلعها متفق عليه ولأبي داود فخلعها من رأسه. ولم يأمره بشق ولا فدية. وإن استدام لبسه فوق المعتاد في خلعه ذاكرا لإحرامه عالما بالتحريم فدى. واتفقوا على جواز ستره لبدنه بغير ذلك.وأجمعوا على اختصاص النيه بالرجل. وأنه يجوز للمرأة جمع ما ذكر حكاه ابن المنذر وغيره. (ولا يلبس ثوبا) يعني إزارا أو رداء ونحوهما (مسه ورس) نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به الثياب والجز وغيرها (ولا زعفران) ونهى أن يتزعفر الرجل خارج الإحرام ففيه أشد. وأجمعوا على تحريم لباسهما حال الإحرام. وحكاه ابن رشد والنووي إجماع الأمة لكونهما طيب. والحقوا بيهما جميع أنواع ما يقصد به الطيب. والشارع نبه بها على اجتناب الطيب وما يشبههما في ملاءمة الشم فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم. وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب. وهذا الحكم شامل للنساء كما سيأتي. وسواء كان مما يلبسه المحرم أو لا يلبسه.
وقال غير واحد نبه بهما على ما هو أطيب رائحة منهما كالمسك والعنبر ونحوهما. وإذا حرم في الثوب ففي البدن أولى. وفي معناه تحريمه في المأكول. لأن الناس يقصدون تطييب طعامهم. كما يقصدون تطييب لباسهم. وهذا باتفاق أهل العلم حكاه العراقي. وخولف في المأكول. فهو عند طائفة من المالكية والحنفية لا يحرم. والجمهور على التحريم. لأن الطعم مستلزم الرائحة، والرائحة هي المقصود منه. فالطيب محظور بهذا الخبر وقوله صلى الله عليه و سلم ليعلى بن أمية "انزع قميصك واغسل هذه الصفرة عنك" وقوله "ولا تحنطوه ولا تمسوه طيبا".
وتجب به الفدية. سواء طيب بدنه أو ثوبه أو ادهن بمطيب أو شم طيبا ونحوه. وقال الشيخ: سواء كان تطيب به بعد إحرامه في بدنه أو ثوبه أو تعمد شمه. وقال ابن القيم وتحريم شمه بالقياس. ولفظ النهي لا يتناوله بصريحه. ولا إجماع معلوم فيه يجب المصير إليه. ولكن تحريمه من باب تحريم الوسائل فيمنع منه للترفه واللذة. فأم من غير قصد أو قصد الاستعلام عند شرائه لم يمنع منه. ولم يجب عليه سد أنفه.
والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب أنه يدعو إلى الجماع. ولأنه مناف للحج فإن الحاج أشعث أغبر معرض عن زينة الدنيا وملاذها. قاصد جمع همه للآخرة والاتصاف بصفة الخاشع المتذكر القدوم على ربه. فيكون أقرب إلى مراقبته وتقدم كراهة لبس المعصفر والورس في غير الإحرام ففيه أولى. وإذا تطيب ناسيا أو عامدا لزمه إزالته مهما أمكن.
 (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما (سمعته) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم (يخطب بعرفات) عام حجة الوداع يقول (من لم يجد إزارا فليلبس سراوي) إلى أن يجد إزارا ولا فدية عليه. قال الشيخ إن لميجد إزارا فإنه يلبس السراويل ولا يفتقه هذا أصح قولي العلماء. لأن النبي صلى الله عليه و سلم رخص في عرفات فيلبيس السراويل لمن لم يجد إزارا. كما رواه ابن عباس.
وكذا يجوز أن يلبس كلما كان من جنس الإزار والرداء فله أن يلتحف بالقباء والجبة والقميص ونحو ذلك. ويتغطى به باتفاق الأئمة عرضا ويلبسه مقلوبا. يجعل أسفله أعلاه. ويتغطى باللحاف وغيره. لكن لا يغطي رأسه إلا لحاجه اهـ.ـ. وإن اتزر بقميص فلا بأس ولا يجوز لبسه ولو عدم الإزار اتفاقا لأنه يمكن أن يأتزر به.
وكره بعض أهل العلم عقد رداء ونحوه. لأنه يترفه بذلك. لا الهميان فقال ابن عبد البر أجازه فقهاء الأمصار. وكذا السيف والسلاح. ولا يجعل للرداء أزارا ولا عروة. ولا يخله بشوك ونحوه. وقال الشيخ والرداء لا يحتاج إلى عقده فلا يعقده. فإن احتاج إلى عقده ففيه نزاع والأشبه جوازه حينئذ وهو المنع من عقده منع كراهة أو تحريم فيه نزاع. وليس على تحريم ذلك دليل وله شد وسطه بمنديل وحبل ونحوهما نص عليه أحمد وغيره.
قال (ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين متفق عليهما) يعني حديثي ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم. ورواهما أهل السنن وغيرهم من غير وجه وقيل ظاهره أنه ناسخ ما جاء من حديث ابن عمر في القطع وثبت عن ابن عباس أنه قال لم يقل ليقطعهما. ولو كان القطع واجبا لبينه صلى الله عليه و سلم في ذلك الجمع العظيم. وقال غير واحد ويحرم قطعهما ونص عليه أحمد وغيره. وقال هو إفساد واحتج الموفق وغيره بالنهي عن إضاعة المال.
وهذا هو المختار عملا بإطلاق حديثي ابن عباس وجابر عند مسلم. فإنه لم يأمر فيهما بقطع. قال الشيخ فإن لم يجد نعلين لبس خفين ولبس عليه أن يقطعهما دون الكعبين. فإن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالقطع أولا ثم رخص في ذلك في عرفات في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين. وإنما رخص في المقطوع أولا لأنه يصير بالقطع كالنعلين وهذا أحسن من ادعاء النسخ. قال ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يلبس ما دون الكعبين مثل الخف المكعب والجمجم والمداس ونحو ذلك. سواء كان واجد النعلين أو فاقدا لهما. وإذا لم يجد نعلين ولا ما يقوم مقامهما مثل الجمجم والمداس ونحو ذلك فله أن يلبس الخف ولا يقطعه. هذا أصح قولي العلماء اهـ.
ولا فدية سواء احتاج إلى لبسهما أو لا. بأن أمكنه المشي حافيا. أو لا يحتاج إلى شيء. لأن الرخصة في ذلك لمظنة المشقة فلا تعتبر حقيقتها. قال ابن القيم لأنه بدل يقوم مقام المدبل فلا فدية في بدله. بخلاف حلق الرأس فهو ترفه للحاجة.
 (وللبخاري عن ابن عمر مرفوعا لا تنتقب المحرمة) أي لا تلبس النقاب غطاء للوجه فيه نقبان على النعلين تنظر المرأة منهما. وهو الخمار الذي تشده على الأنف أو تحت المحاجر. وإن قرب من العين حتى لا تبدو أجفانها فهو الوصوصة. وإن نزل إلى طرف الأنف فهواللفاف. وإن قرب إلى الفم فه اللثام.

(ولا تلبس القفازين) شيء يعمل لليدين يدخلان فيه يسترهما من الحر قاله الشيخ وغيره. وقال "نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن تنتقب المرأة المحرمة أو تلبس القفازين" كما نهى المحرم أن يلبيس القميص ونحوه مع أنه يجوز له أن يستر يديه ورجليه باتفاق الأئمة. والبرقع أقوى من النقاب. فلهذا ينهى عنه باتفاقهم. ولهذا كانت المحرمة لا تلبس ما يصنع لستر الوجه كالبرقع ونحوه لأنه كالنقاب. قال ابن القيم نهيه أن تنتقب وتلبس القفازين دليل على أن وجهها كبدن الرجل لا كرأسه.

فيحرم عليها فيه ما ضع وفصل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع. لا على ستره بالمقنعة الجلباب ونحوهما. وهذا أصح القولين. وقال ابن المنذر كراهية البرقع ثابتة عن سعيد وابن عمر وابن عباس وعائشة ولا نعلم أحدا خالف فيه. وتحريم القفازين هو مذهب مالك وأحمد. قال ابن القيم. وخالف فيه أبو حنيفة. وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أولى بالاتباع اهـ. وكالنقاب وكالرجل اتفاقا. ويفدي الرجل والمرأة بلبسهما.
 (زاد أحمد) وأبو داود وغيرهما (وما مس الورس والزعفران من الثياب) أي ويحرم عليهما لبس ما مس الورس والزعفران من الثياب كما تقدم. قال "ولتلبس بعد ذلك" أي القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب "ما أحبت من ألوان الثياب: معصفرا أو وخزًا أو حليا أو سراويل أو قميصا" من غير فرق بين المخيط وغيره. والمصبوغ وغيره. ونحوه لأبي داود. وله من حديث عائشة أنه رخص للنساء في الخفين.
 (وله) يعني أحمد رحمه الله (عن عائشة) رضي الله عنها قالت (كان الركبان) جمع راكب أصحاب الإبل ثم اتسع فيه فأطلق على كل من ركب دابة (يمرون بنا) أي مارين علينا معشر النساء ونحن محرمات مكشوفات الوجوه (فإذا حاذوا بنا) من المحاذات بمعنى المقابلة أي قابلونا. ولأبي داود جاوزوا بنا بالزاي ونحن محرمات مكشوفات الوجوه.
 (سدلت) أي أرسلت (إحدانا) أي الكاشفة وجهها المحاذية لهم (جلبا بها) أي محلفتها ويقال لها الملاءة التي تشتمل بها المرأة إذا خرجت لحاجة أو أرسلت طرف ثوبها (من رأسها على وجهها) بحيث لا يمس الجلباب أو الثوب بشرة الوجه أو مسا خفيفا. فإذا جاوزونا فعدلوا عنا أو تقدموا علينا كشفناه. أي أزلنا الجلباب وتركنا الحجاب. ورواه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة وصححه الحاكم من طريق أسماء بنت أبي بكر. قال المنذري واختار جماعة العمل بظاهر هذا الحديث.
وفيه دلالة على أن المرأة إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها لحاجتها إليه. ولم يحرم سترها له مطلقا كالعورة. قال ابن القيم وإنما يحرم ستره بالنقاب ونحوه. وليس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حرف واحد في وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام. وقال شيخ الإسلام ولو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق. وإن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضًا. ولا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه لا بعود ولا بيدها ولا غير ذلك. فإن النبي صلى الله عليه و سلم سوى بين وجهها ويديها وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه اهـ.
ولا ريب أنه يجب عليها ستر رأسها جميعه.قال الشيخ فإنها عورة فلذلك جاز لها أن تلبس الثياب تستتر بها وتستظل بالمحمل اهـ. وكذا غير المحمل كالهودج والمحفة لحاجتها إلى الستر وحكاه ابن المنذر وغيره إجماعًا.

 (وعن أم الحصين) بنت إسحاق الأحمسية رضي الله عنها. وكانت حجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع (أنها رأت أسامة) بن زيد (رافعا ثوبه) أي ثوبا في يده (على رأس النبي صلى الله عليه و سلم يظله من الشمس) بالثوب مرتفعًا على رأسه بحيث لم يصل إلى رأسه (حتى رمى جمرة العقبة رواه مسلم) وفي رواية حججنا مع النبي صلى الله عليه و سلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامه أحدهما: يقود به راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس النبي صلى الله عليه و سلم يظله من الشمس".

ففيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره من محمل وغيره. وهو مذهب جمهور أهل العلم مالك والشافعي وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد. وعن أحمد المنع لقول ابن عمر لرجل على بعيره قد استظل بينه وبين الشمس فقال اضح لمن أحرمت له. أي ابرز للشمس. وفعله صلى الله عليه و سلم يدل على الجواز بل يبعد أن يفعل المفضول صلوات الله وسلامه عليه. قال الشيخ وأما الاستظلال بالمحمل كالمحارة التي لها رأس في حال السير فهذا فيه نزاع والأفضل للمحرم أن يضحى لمن أحرم له. كما كان صلى الله عليه و سلم واصحابه يحرمون.و ذكر أثرابن عمر.
وأما الخيمة والسقف ونحوهما فجائز إجماعا. فقد ضربت له القبة صلى الله عليه و سلم فنزل بها. واستمر على الناس عليه. وقال الشيخ وابن القيم باتفاق أهل العلم. وكذا لو حمل على رأسه شيئا لا لقصد التغطية.

 (وتقدم) أي في الجنائز (خبر الذي أوقصته راحلته فقال) صلى الله عليه و سلم (لا تحنطوه) من الحنوط وهو الطيب الذي يوضع للميت ذكرا كان أو أنثى (ولا تخمروا رأسه) أي لا تغطوه فإذا نهي عن تغطيته وهو محرم بعد موته ففي الحياة أولى. وتقدم ذكر الإجماع على تحريمه. وأما الوجه فله تغطيته وهو مذهب الجمهور (ولمسلم ولا تمسوه بطيب) أي لا تضعوا طيبا على جسمه ولا في كفنه كما يفعل بغير المحرم.
فدل على أنه لا يجوز أن يمس طيبا وهذا مذهب الشافعي وأحمد وجمهور أهل العلم. ومن أجازه فالحديث حجة عليه. وفيه "فإنه يبعث يوم القيامة مليبا" أي يقول لبيك اللهم لبيك كما يقول الحاج. وفي لفظ "محرما" أي على هيئته التي مات عليها. معه علامة الحج وهي دلالة الفضيلة كما يجيء الشهيد تشخب أوداجه دما.
 (وعن أبي قتادة) رضي الله عنه (في قصة صيده الحمار الوحشي) الوحشي من دواب البر ما لا يستأنس غالبا والجمع الوحوش. وذلك أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم. بل بعثه النبي صلى الله عليه و سلم ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل. وفي لفظ بعثه إلى سيف البحر.فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه. فسألهم رمحه فأبوا. فأخذه ثم شد على الحمار فقلته. فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم. وأبى بعضهم. فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه و سلم سألوه عن ذلك.

 (قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم لأصحابه وكانوا محرمين) عام الحديبية وهو حلال (هل منكم أحد أمره) أي بصيد الحمار الوحشي (أو أشار إليه بشيء) فعلق الحكم بالإشارة أو الأمر لأنه وسيلة إلى الحرام كان حراما كسائر الوسائل اتفاقا (فقالوا لا) وفي لفظ لابن عوانة أنهم قالوا: إنا محرمون. ففيه أنهم قد كانوا علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد كما يحرم عليه اصطياده (قال فكلوه متفق عليه).
وفي لفظ فسألناه فقال "هل معكم من شيء" قلنا نعم فناولته العضد فأكلها وهو محرم. وجاء الحديث من طرق بألفاظ. قال ابن عبد البر لا يختلف علماء الحديث في ثبوته وصحته. فدل على جواز أكل المحرم لصيد البر إن صاده غير محرم. ولم يكن منه إعانة بشيء على قتله وهو مذهب جمهور أهل العلم. قال القاضي غيره لا خلاف أن الإعانة توجب الجزاء. فكذا الإشارة والدلالة خلافا لمالك والشافعي لأن المحرم قد التزم بالإحرام أن لا يتعرض للصيد بما يزيل أمنه.
والأمر بصيده والدلالة عليه والإشارة إليه يزيل الأمن عنه فيحرم التعرض ويحرم الأكل. وما ذبحه المحرم فميته اتفاقا. ولما مر النبي صلى الله عليه و سلم بالأثاية إذا ظبى حاقف في ظل فيه سهم "فأمر رجلا أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزوه قال لشيخ ولا يصطاد المحرم صيدا بريا ولا يتملكه بشراء ولا اتهاب ولا غير ذلك. ولا يعين على صيد إلخ، وتقدم.
 (ولهما عن الصعب بن جثامة) بن قيس بن ربيعة الليثي حليف قريش. وكان ينزل ودان. يقال إنه مات في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما (أنه أهدى للنبي صلى الله عليه و سلم حمارا وحشيا) وفي لفظ حمار وحش يقطر دما. وفي أخرى لحم حمار وحش. قال القرطبي يحتمل أنه أحضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا فقدمه له. وهو بالأبواء جبل من أعالي الفرع. أو بودان موضع بقرب الجحفة.
 (فرده عليه) لكونه صاده لأجله فلا يحل له أكله (و) لما رأى ما في وجهه يعني من الكراهة لرد هديته (قال إنا لم نرده عليك) بفتح الدال يعني لعلة من العلل (إلا أنا حرم) تطييبا لقلبه. وللطبراني "إنا لم نرده عليك كراهية ولكنا حرم" وفي رواية سعيد عن ابن عباس "لولا أنا محرمون لقبلناه منك" ولمسلم عن زيد بن أرقم وقال له ابن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو حرام فقال أهدي له عضو من لحم صيد فرده وقال "إنا لا نأكله إنا حرم" قال سليمان بن حرب صيد من أجله صلى الله عليه و سلم لقوله فرده يقطر دما.
كان صيد في ذلك الوقت. ولولا ذلك جاز أكله. كما هو مذهب الجمهور بخلاف ما قصد به لحديث أبي قتادة وغيره.
 (وفي السنن من حديث جابر) بن عبد الله رضي الله عنه يعني عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال (الصيد للمحرم حلال) له أكله (ما لم تصيدوه) أي وأنتم محرمون (أو يصد لكم) أي لأجلكم. ورواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم. وقال الشافعي هذا أحسن حديث روي في هذا الباب. وأقيس. والعمل عليه. فإنه صريح في التفرقة بين ما يصيده المحرم. أو يصيده غيره له. وبين أن لا يصيده المحرم ولا يصاد له بل يصيده الحلال لنفسه ويطعمه المحرم.

وهو مقيد لبقية الأحاديث المطلقة ومخصص لعموم الآية وعن عمير بن مسلمة الضمري عن رجل من بهز خرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد مكة حتى إذا كانوا في بعض وادي الروحاء وجد الناس حمار وحش عقيرا فذكروه للنبي صلى الله عليه و سلم فقال أقروه حتى يأتي صاحبه فأتى البهزي وكان صاحبه فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر أبا بكر فقسم في الرفاق وهم محرمون رواه أحمد والشافعي ومالك وغيرهم وصححه ابن خزيمة وغيره وأفتى ابن عمر وأبو هريرة وكعب بأكل ما لم يصد لأجل المحرم وأقرهم عمر على ذلك. وقال عثمان لأصحابه كلوا فقالوا ألا تأكل قال إني لست كهيئتكم إنما صيد لأجلي.

وفي هذه الأحاديث والآثار دلالة واضحة على جواز أكل المحرم من صيد الحلال إذا لم يصد لأجله. وهو قول جمهور العلماء حملوا الرد على ما صاده الحلال لأجل المحرم والقبول على ما يصيده الحلال لنفسه ويهديه للمحرم وبه تتفق الأدلة وقال ابن عبد البر وعليه تصح الأحاديث وإذا حملت عليه لم تختلف وعلى هذا يجب أن تحمل السنن ولا يعارض بعضها ببعض ما وجد إلى استعمالها سبيل وقال ابن القيم واثار الصحابه في هذا الباب إنما تدل على هذا التفصيل ولا تعارض بين أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم بحال.

(وعن عائشة) رضي الله عنها (مرفوعا) أنه صلى الله عليه و سلم قال (خمس من الدواب) جمع دابة والدواب اسم لما دب على وجه الأرض من الحيوان (كلهن فواسق) هذه التسمية صحيحة جارية على وفق اللغة فإن أصل الفسق الخروج ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها فوصفت بذلك لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله وحل أكله أو خروجها بالإيذاء والإفساد.

 (يقتلن في الحرم) وفي الحل أيضا وفي لفظ ما فيه أذى وفي لفظ ابن عمر ليس على المحرم في قتلهن جناح أي إثم أو حرج (الغراب) وفي لفظ الأبقع وهو الذي في ظهره وبطنه بياض قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه قتله الآعطاء ولم يتابع عليه قال الحافظ اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع أفتوا بجواز أكله فبقي ما عداه ملحقا بالأبقع.

 (والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال مهموزا (والعقرب) واحدة العقارب تلدغ وتؤلم (والفأرة) وهي الفويسقة وليس في الحيوان أفسد منها قال الحافظ وغيره لم يختلف في جواز قتلها (والكلب العقور) هو العاقر أي الجارح وهو كل سبع وجارح يعقر ويفترس (متفق عليه) ولأبي داود من حديث أبي سعيد السبع العادي حسنه الترمذي وقال العمل عليه عند أهل العلم يقتل السبع العادي فدل الحديث على جواز قتله وهو قول الجمهور.

وللبخاري والحية ولمسلم من حديث ابن عمر نحوه وعن ابن مسعود أمر بقتل حية بمنى قال نافع لا يختلف فيها ولا بن خزيمة وابن المنذر من حديث أبي هريرة الذئب والنمر قال مالك وغيره الكلب العقور كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو عقور وهو قول الجمهور لأن الكلب العقور والأسد والنمر والفهد وما في معناها مما فيه أذى للناس أشد ضررا وكذا البازي والصقر والشاهين والعقاب والحشرات المؤذية كلها والزنبور والبق والبعوض والبراغيث وما في معناها.
فإنه صلى الله عليه و سلم نبه بذكر هذه الخمس المؤذية على جواز قتل المضر ما سوى بني ادم فيدافعه مهما أمكن واتفقوا على قتل ما في معنى هذه من الفواسق لخروجها بالإيذاء والإفساد عن طريق معظم الدواب بل اشتمل الخبر على السباع الضارية والهوام القتلة والطير الذي هو من الهوام المستخبثة اللحم ومحرم الأكل يجمع الكل فاعتبروه ورتبوا عليه الحكم.
وجاء جواز قتل الوزغ والزنبور ولو في جوف الكعبة وقال ابن كثير وغيره يكره قتل النمر ونحوه إلا من أذية وعليه الجمهور ويكره قتل ما لا يضر كنمل وهدهد إلا من أذى. وما لا يؤذي بطبعه كالرخم والبوم والديدان ولا جزاء في ذلك ولا يحرم قتل الصيد الصائل دفعا عن نفسه وماله سواء خشي التلف والضرر بجرحه أو لا لأنه التحق بالؤذيات فصار كالكلب العقور فيسن قتل كل مؤذ غير ادمي قال الشيخ وغيره للمحرم وغيره أن يقتل كل ما يؤذي بعادته الناس.

وله أن يدفع ما يؤذيه من الآدميين والبهائم حتى لو صال عليه أحد ولم يندفع إلا بالقتال قاتله فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون حرمته فهو شهيد وكذلك ما يتعرض له من الدواب فينهى عن قتله وإن كان في نفسه محرما كالأسد فإذا قتله فلا جزاء عليه في أظهر قولي العلماء وقال إذا لم يندفع ضرر نمل إلا بقتله جاز اهـ. ولا يقتل القمل وصيبانه لأنه يترفه بإزالته وحكاه الوزير اتفاقا.

وقال الشيخ إذا قرصته البراغيث والقمل فله القاؤها عنه وله قتلها ولا شيء عليه وإلقؤها أهون من قتلها وقال إن قرصه ذلك فله قتله مجانا وإلا فلا يقتله وأما التفلي بدون التأذي فهو من الترفه فلا يفعله ولو فعله فلا شيء عليه (وعن عثمان) بن عفان رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا ينكح المحرم) بفتح أوله أي لا يعقد المحرم لنفسه بحج أو عمرة أوبهما (ولا ينكح) بضم أوله أي لايتولى العقد لغيره بولاية ولا وكالة بالجزم فيهما على النهي وهو الرواية الصحيحة وهو مذهب جمهور أهل العلم مالك والشافعي وأحمد وغيرهم مع أن النفي بمعنى النهي بل أبلغ وفرق عمر بين رجل وامرأة تزوج وهو محرم رواه مالك وغيره.
وحكى الوزير الإجماع على أن المحرم لا يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره ولأن الإحرام يمنع الوطء ودواعيه فمنع صحة عقده حسما لمواد النكاح عن المحرم ولأنه من دواعيه فمنعه الإحرام منه كالطيب لكن لا فدية علنه لأنه عقد فسد لأجل الإحرام فلم يجب به فدية كشراء صيد فسد عقده لأجل الإحرام وما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم فقال سعيد بن المسيب وهم ابن عباس وروى مسلم وغيره عنها أنه تزوجها حلالا وبنى بها حلالا ولأحمد والترمذي عن أبي رافع وكان هو السفير بينهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجها حلالا وبنى بها حلالا.
ورواية صاحب القصة والسفير فيها أولى لأنه أخبر وأعرف بها ولا مطعن فيها بل ذكر بعضهم أن روايتهم متواترة ويوافقها الخبر الصحيح الصريح بالتحريم وعليه عمل الخلفاء وجمهور الصحابة والتابعين قال ولا يخطب بضم الطاء من الخطبة بكسر الخاء أي لايطلب امرأة لنكاح رواه مسلم وعن ابن عمر كان يقول لاينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره رواه الشافعي وغيره فيحرم عند الجمهور مالك والشافعي وأحد وغيرهم.
 (وسئل عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (وغيره) من الصحابة رضي الله عنهم منهم علي وأبو هريرة وابن عباس (عن رجل أصاب أهله) أي جامع أهله (وهو محرم) بالحج ومثله العمرة (فقالوا ينفذان) بضم الفاء وبالذال المعجمة أي يمضيان (لوجههما) فيكملان أعمال حجهما كما لو لم يفسداه (ويقضيان حجهما) أي الرجل والمرأة (من قابل) عاجلا قضاء عن هذا الفاسد لوجوب إتمام فاسد الحج وكذا العمرة.
وحكاه الوزير وغيره اتفاقا سواء كان الحج تطوعا أو واجبا لقضاء الصحابة ولقوله وأتموا الحج والعمرة لله (والهدي) في القضاء جبرا لفعلهما ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة (روها مالك) في موطأه والبيهقي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأما أثر ابن عباس فرواه البيهقي وابن عمر عند أحمد وعمرو بن العاص عند الدارقطني والحاكم والبيهقي وهو عند أبي داود مرسلا مرفوعا.
وحكى ابن المنذر والوزير وغيرهما إجماع العلماء على أن الوطء قبل التحلل الأول يفسد النسك وتقدم قول الشيخ أنه ليس في المحظورات شيء يفسد الحج إلا الجماع وقالوا اتفقوا على أنه إذا أفسد الحج لم يتحلل منه بالإفساد ومعنى ذلك أنه متى أتى فيه بمحظور فعليه فيه ما على المحرم في الحج الصحيح ويمضي في فاسده ويلزمه ذلك ثم يقضي فيما بعد لكن إن حل من أفسد حجه لاحصارثم زال وفي الوقت سعة قضى في ذلك العام قاله جماعة.
ولا يتصور القضاء في العام الذي أفسده فيه في غير هذه المسألة قيل للقاضي لو جاز طوافه في النصف الأخير لصح أداء حجتين في عام واحد ولا يجوزا إجماعا وبعد التحلل الأول لايفسد نسكه اتفاقا وعليه شاة وعند الجمهور لا فرق بين العامد والساهي في بطلان الحج بالوطء قبل التحلل الأول واختاره جماعة ولما حكى شيخ الإسلام الخلاف في المجامع في رمضان ناسيا أوجاهلا ورجح أن لا قضاء عليه ولا كفارة لما قد ثبت بدلالة الكتاب والسنة.
قال وطرد هذا أن الحج لا يبطل بفعل شيء من المحظورات لا ناسيا ولا مخطئا لا الجماع ولا غيره وهو أظهر قولي الشافعي اهـ. وينبغي تفرقهما في قضاء من حيث يحرمان خوف المحظور ويحصل بأن لا يركب معها على بعير ولا يجلس معها في خباء ونحوه بل يكون قريبا منها يراعي أحوالهالأنه محرمها.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire