el bassaire

samedi 16 novembre 2013

في رحاب الشريعة

في رحاب الشريعة

وقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ: المراد بالوالدات في هذه الآية خصوص الوالدات المطلقات منهن من اللائي لهن أولاد في سن الرضاع، لأن الخلاف في مدة الرضاع لا يقع بين الأب والأم إلا بعد الفراق، لا في حال العصمة، فالعادة المعروفة عند العرب ومعظم الأمم أن الأمهات يرضعن أولادهن
في مدة العصمة ولا يمتنعن من ذلك إلا لسبب طلب التزوج بزوج جديد بعد فراق والد الرضيع، لأن الزوج الجديد لا يرغب في امرأة تشتغل برضيعها عنه في أحوال كثيرة.

فالرضاع حق للمرأة، والزوجة في العصمة ليس لها نفقة ولا كسوة من أجل الرضاعة، وإنما من أجل العصمة التي بيد زوجها. والحول هنا المراد به تحول دورة القمر في فلكه من مبدأ مصطلح عليه إلى أن يرجع إلى السمت الذي ابتدأ منه، فالمدة بين المبدإ والمرجع تسمى حولاً، والحول قمري ووصف الحولان بالكاملين تأكيد للمدة، أي لا تقل عن ذلك لمن أراد أن يتم الإرضاع، وهي أقصى مدة يحتاج إليها الأطفال،
ولا أصلح للطفل من لبن أمه ما لم يكن بها مرض يمنع ذلك، فأما الإرضاع الصناعي فيحتاج إلى حذر واحتياط حتى يكون اللبن سالماً من العفونة، وغيرها مما يضر بصحة الطفل. وعلى الوالد وهو المولود له نفقة المرضع المطلقة،  و لباسها، وهو أجر على إرضاعها أو قيمة ذلك مالاً، فإنه لا  تكلف نفس إلا وسعها والتكليف أمر بفعل فيه كلفة، والوسع الطاقة لأن الشرع لا يكلف بما فوق الطاقة، وهو تشريع للأمة، فلا يكلف أحد آخر إلا بما يستطيعه، فالله وعد أنه لا يكلف في التشريع الإسلامي إلا بما يستطاع،
ولذلك نصت الآية على أنه يكون بالمعروف، فليس للأم أن تلقي ولدها على الأب، وهو لا يجد من يرضعه، كما أنه ليس له أن ينتزع منها ولدها، وهي ترغب أن ترضعه، فلا يتعنت أحد الوالدين فيكون سبباً في إلحاق الضرر بالطفل.

وعلى الوارث وهو من يصير إليه مال الميت بعد موته، بسبب أنه وارث له أن يدفع النفقة والكسوة للمرضع إذا توفي والده، وذهب الجمهور إلى أن الوارث الذي يرث الطفل لو مات هذا الطفل، أو إذا مات والد الطفل ولا مال له، فإن النفقة واجبة على قرابته أي قرابة أبيه، وإلا كان حقاً على جماعة المسلمين الإنفاق على المرضع، والقيام بتربية أبناء فقرائهم، "من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ وإليَّ، ومن ترك مالاً فلورثته « : ولا فرق بين إطعام الفقير وإرضاعه، بل إرضاعه ، أوجب لضعف الطفولة، فهو يكون من بيت المال أي على الدولة.

}فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا{: أي إن رغبا فطام الوالد وفصله عن ثدي أمه، وتراضيا وتشاورا وقررا ذلك فإنه يباح لهما هذا الفطام، وهذا تعليم للزوجين في إدارة شؤون الأسرة بالتشاور والتراضي، ولا يتسلط أحدهما على الآخر تعسفاً، ولذلك فإن التشاور والتراضي يدلان على أن الطفل ليس في حاجة إلى زيادة الرضاع وأنهما راعيا مصلحة ولدهما.

وقوله:}َإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ{ إذا تعذر أن ترضع الوالدة ولدها بسبب مرض أو غيره من الأسباب فلا ضير أن ترضعه أخرى على التراضي إذا لم يضر ذلك بالرضيع، فيرضع الطفل غير أمه، والاسترضاع طلب ليس المقصود منه وجوب الإرضاع » يرضعن « : الإرضاع، فقوله
على الأمهات، ولكن المقصود به تحديد مدة الرضاع، وواجبات الإرضاع على الأب، فالمرأة المطلقة لا حق لزوجها عليها، فلا ترضع له إلا باختيارها، ويرجع ذلك إلى الأعراف، والعرف كالشرط، وهذا إذا سلم الوالد إلى المرضع أجرها ودفعه إليها دون إجحاف ولا مطل.

وقوله}وَاتَّقُواْ االه {َّ: فيه حث على مراقبة ما شرع الله من أحكام، وتخويف لمن لا يراقب الله فيها، }وَاعْلَمُواْ أَنَّا الله  بما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{: هذا تذكير للآباء والأمهات بهذا كله، وإن كانوا علموه من قبل.
}وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِا لمعروفِ وَالله بَما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{ البقرة 234 : بعد أن بين عدة الطلاق في الآية السابقة أخذت هذه الآية في بيان تشريع آخر في الأسرة وهو عدة الوفاة، فمن مات عنها زوجها، فإنها تتربص أربعة أشهر وعشرا، من الليالي بأيامها، وقد جعل الله عدة الوفاة متعلقة بالمدة التي يتحرك فيها الجنين تحركاً واضحاً، محافظة على انساب الأموات كما جعل عدة الطلاق عدة تدل على براءة
الرحم، وهو الإقراء، وإذا كان الميت لا فرصة له للدفاع عن نفسه فإن الشارع جعل له مدة يتيقن فيها الإنسان بانتفاء الحمل، وهو الأربع أشهر وعشر.

وجعلت العشر الزائدة على الأربعة أشهر ليتحقق تحرك الجنين تحركا واضحا، لأنه يتحرك في الأربعة الأشهر، وزيادة العشر احتياطياً، وهذا يمثل ثلث الحول، وكانت نساء الجاهلية يقمن بالإحداد حولاً كاملاً، واتفق الفقهاء على أن عدة الحامل من الوفاة هو وضع حملها، والمقصود من ذلك حفظ الأنساب، وكذلك المتوفي عنها زوجها قبل الدخول، فإنها تعتد عدة الوفاة لاحتمال أنه قاربها خفية، إذ هي حلال
له فوجبت عليها العدة احتياطاً، لحفظ النسب، بخلاف المطلقة قبل الدخول بها فإنها لا عدة عليها.

}فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ{ أي انقضت مدة العدة فلا جناح عليهن أن يتزوجن، ولا يتهمن أنهن أسرعن بالزواج بعد العدة أو بعد وضع الحمل، وأما قبل ذلك فلا يجوز وأما الإحداد وهو حزن المرأة وترك الزينة، ولبس ثياب الحزن، وترك الطيب والحلي فإنه واجب بالسنة فقد ورد في الصحيح "لا يحل لامرأة تؤمن   ،
بالله واليوم الآخر أن تحُدَّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج والحكمة في الإحداد سدّ الذريعة ودفع  أربعة أشهر وعشرا وسواس الرجال من رؤية محاسن المرأة المعتدة، والابتعاد عن الرغبة في التعجل بما لا يليق، وكان الإحداد في الجاهلية حولاً كاملاً مع لباس رديء وبيت متهالك، ولا تمس طيباً لمدة
سنة، ثم تمسح جلدها بدابة أو شاة، وتخرج في أبشع منظر، وترمي ببعرة وراء ظهرها ثم تذهب إلى أهلها، والمعتدة من الوفاة لها السكن، وتلزم بيت زوجها إلا للضرورة في قضاء حوائجها_.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire