el bassaire

samedi 16 novembre 2013

سد الذّرائع عند الأصوليّين



الذّرائع عند الأصوليّين
    والمراد بهذا المطلب : تحديد مكانة سَدّ الذّرائع ومَوْقِعها عند الأصوليّين ، الذين يُمْكِن تقسيمهم في هذا المقام إلى أربعة مذاهب :
المذهب الأول : أنّها ليست دليلاً مِن الأدلّة ولا أصلاً مِن أصول الشريعة ..
    وهؤلاء انْقَسَموا إلى قِسْمَيْن :
    قِسْم يأخذ بسَدّ الذّرائع في فروعه الفقهيّة ويُسَلِّم بها ، وهُم الحنفيّة والشّافعيّة ، ولِذا لم تَنُصّ مَراجعهم على ذِكْرها إلا ما نَدُر و قِسْم لا يأخذ بها كدليل ولا يُفَرِّع عليها فروعاً فقهيّةً (، وهو ابن حَزْم الظاهري (3) رحمه الله تعالى .
المذهب الثاني : أنّها دليل مِن الأدلّة وأصْل مِن أصول الشَّرْع .
    وهو ما عليه المالكيّة والحنابلة ومَن تَبِعهم .وهؤلاء منهم مَن عَبَّر عنها بـ( قاعدة سَدّ الذّرائع ) : كالقرافي وابن القيّم والشاطبي رحمهم الله تعالى و في ذلك يقول ابن القيّم رحمه الله تعالى :" ونَحْن نَذْكُر قاعدة سَدّ الذّرائع ودلالة الكتاب والسُّنَّة وأقوال الصحابة والميزان الصحيح عليها " ا.هـ .
    ويقول الشاطبي رحمه الله تعالى :" إنّ قاعدة سَدّ الذّرائع إنَّما عَمِل السلف بها بناءً على هذا المَعْنَى : كعملهم في تَرْك الأضحية مع القدرة عليها "  ا.هـ .
    ومِن ذلك قوْل القرافي ـ رحمه الله تعالى ـ في " الفروق " :" الفَرْق الرابع والتسعون والمائة بَيْن قاعدة ما يُسَدّ مِن الذّرائع وقاعدة ما لا يُسَدّ منها " ا.هـ .
    ومنهم مَن لم يُعَبِّرْ بـ( قاعدة سَدّ الذّرائع ) ، وإنَّما عَدّوها كدليل مِن الأدلّة : كالباجي (1) والقرافي (2) والطوفي (3) رحمهم الله تَبارَك وتعالى (4) ، وغَيْرهم كثير (5) .
المذهب الثالث : أنّها أحد أنواع القياس .
    وهو ما ذَهَب إليه ابن عقيل الحنبلي (6) ـ رحمه الله تعالى ـ في قوْله : " فصول تَجْمَع أنواعاً مِن الأقيسة وبيان الأحسَن والأقوَى منها والأَرَكّ وتحقِّق ما أَهْمَله كثير مِن الفقهاء ، ( فصْل ) ومِن ذلك ما يسمِّيه الفقهاء " الذّرائع "    ، ويُسَمِّيه أهْل الجدل : أنَّه     المؤدِّي إلى المستحيل في العقل أو الشَّرْع  " ا.هـ .
المذهب الرابع : أنّها قاعدة فقهيّة .
    وهو ما وَرَد في موسوعة جمال عبد الناصر حين نَصَّتْ على أنّ : الاستصحاب والبراءة الأصليّة وسَدّ الذّرائع والعادة والعرف كُلّها قواعد فقهيّة وليست دليلاً يُسْتَنَد إليه في استنباط حُكْم    شَرْعيّ ا.هـ .
تعقيب وترجيح :
    بَعْد الوقوف على مكانة سَدّ الذّرائع عند الأصوليّين أَرَى أنَّه يُمْكِن التوصل إلى ما يلي :
1- أنّ الأصوليّين لم يَتَّفِقوا على اعتبارها دليلاً مِن الأدلّة ،    وإنّما اخْتَلَفوا في ذلك .
2- أنّي أَتَّفِق مع القائلين بأنّها أصْل مِن أصول الشَّرْع القَطْعيّة ؛ لأنّ الذريعة تُوصل إلى الحرام قَطْعاً ، وحينئذٍ لا تَصْلُح دليلاً مستقِلاًّ تُبْنَى عليه الأحكام ، وإنّما تَستمدّ أصْلها مِن حرمة الحرام ، ولِذا يجب أنْ يَكون مَوْقِعها الأصوليّ عَقِب مَباحث الحرام في الحُكْم التكليفي ..

 ويعجبني في هذا المقام قوْل ابن القيّم رحمه الله تعالى :" وباب سَدّ الذّرائع أحد أرباع التكليف ؛ فإنّه أمْر ونَهْي ، والأمر نوْعان :
أحدهما : ما يَكون المنهيّ عنه مَفْسَدَةً في نَفْسه .
والثاني : ما يَكون وسيلةً إلى المَفْسَدَة ، فصار سَدّ الذّرائع المُفْضِية إلى الحرام أحد أرباع الدِّين " ا.هـ .
3- بناءً على ما تَقَدَّم يَكون الأَوْلى عندي : التعبير عنها بـ( قاعدة سَدّ الذّرائع ) واعتبارها كذلك ؛ لأنّها ليست دليلاً مستقِلاًّ ، وإنّما هي وسيلة لأصْل إنْ كان حراماً وَجَب قَطْعها ومَنْعها ،
4- أنّي لا أُسَلِّم بأنّ الذّرائع مِن أنواع القياس ـ كما ذَهَب ابن عقيل رحمه الله تعالى ـ إلا إنْ قُصِد بذلك قياس الذّرائع التي لم يَرِدْ فيها نصّ على الذّرائع التي وَرَد فيها نصّ يُوجِب قَطْعها بجامع تَحَقُّق الحرمة أو المَفْسَدَة في كُلٍّ ، حتّى وإنْ كان كذلك فهو قياس غَيْر صحيح ؛ لأنّ مُعْظَم الأمثلة أو الفروع الدّالّة على سَدّ الذّرائع قَدْ وَرَد نصّ بحُكْمها ، وشَرْط الفرع   أنْ لا يَكون منصوصاً عليه  .

5- أنّي لا أُسَلِّم ـ أيضاً ـ أنّ سَدّ الذّرائع قاعدة فقهيّة ، وإنّما هي قاعدة أصوليّة ؛ لأسباب منها :
أ- أنّها أصْل لِمَا يَصْدُر عنها مِن أحكام وفروع فقهيّة ، أمَّا القاعدة الفقهيّة فإنّها مبنيّة على الجَمْع بَيْن المَسائل المتشابهة مِن الأحكام الفقهيّة.
ب- أنَّه لم يَرِدْ في مَراجع قواعد الفقه ما يَدُلّ على أنّها قاعدة  فقهيّة  ، وإنّما وَرَد ـ كما سَبَق ـ عن بعض الأصوليّين أنّها قاعدة أصوليّة .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire