el bassaire

jeudi 14 novembre 2013

باب الهدي والأضحية




يعني والعقيقة الهدي ما يهدى للحرم من نعم وغيرها سمي بذلك لأنه يهدى إلى الله تعالى من أهديته أهدية إهداء وأصله التشديد من هديت الهدي أهديه والأضحية واحدة الأضاحي وجمعها ضحايا وكذا أضحاه بضم الهمزة وكسرها والجمع أضحى كأرطأة وأرطى ويقال ضحية وأجمع المسلمون على مشروعيتهما لقوله تعالى: }فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{ وغيرها ولما تواتر من فعله صلى الله عليه و سلم .
قال ابن القيم والذبائح التي هي قربة إلى الله تعالى وعبادة هي الهدي والأضحية والعقيقة وقال القربان للخالق يقوم مقام الفدية عن النفس المستحقة للتلف فدية وعوضا وقربانا إلى الله وعبودية ولم يكن صلى الله عليه و سلم يدع الهدي فثبت أنه أهدى مائة من الإبل في حجة الوداع وأرسل هديا في غيرها.

ولم يكن يدع الأضحية وأوجبها أبو حنيفة على كل حر مسلم مقيم مالك نصاب وروي عن مالك ولأحمد وغيره في الأضاحي هي سنة أبيكم إبراهيم قالوا مالنا منها قال بكل شعرة حسنة وذكر أنها أحب الأعمال إلى الله يوم النحر وأنها تأتي يوم القيامةعلى الصفة التي ذبحت عليها ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض.
وقال الجمهور سنة مؤكدة على كل من قدر عليها من المسلمين المقيمين والمسافرين إلا الحاج بمنى فقال مالك لاأضحية عليهم اختاره شيخ الإسلام وغيره ولم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعا في جميع الملل ورخص بعض أهل العلم في الأضحية عن الميت ومنعه بعضهم وقول من رخص مطابق للأدلة ولا حجة مع من منع.
 (قال تعالى ذَلِكَ) أي الأمر والشأن }وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ{ أعلام دينه }فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ{ أي تعظيم شعائر الله من أفعال ذوي تقوى القلوب وذكر القلوب لأنها مراكز التقوى والمخلص تكون التقوى متمكنة في قلبه فيبالغ في أداء الطاعات على سبيل الإخلاص قال ابن عباس شعائر الله البدن والهدي وأصلها من الإشعار وهو الإعلام التي تعرف به أنها هدي وتعظيمها استسمانها واستحسانها واستعظامها وروي استفرهوا ضحاياكم فأنها في الجنة مطاياكم ويأتي الحث على ذلك.
 }لَكُمْ فِيهَا{ أي في البدن }مَنَافِعَ{ اي في درها ونسلها وصوفها ووبرها وركوب ظهرها }إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى{ أي إلى أن يسميها ويوجبها هديا فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها وقيل لكم فيها منافع بعد إيجابها وتسميتها هدايا بأن تركبوها وتشربوا من ألبانها عند الحاجة إلى أجل مسمى يعني إلى أن تنحروها وتقدم جواز ركوبها عند الحاجة }ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ{ أي منحرها عند البيت العتيق والمراد جميع أرض الحرم وتقدم قوله صلى الله عليه و سلم نحرت ها هنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم.
ثم قال تعالى: }وَلِكُلِّ أُمَّةٍ{ سلفت قبلكم }جَعَلْنَا مَنْسَكًا{ وهو موضع القربان فلم يزل النسك مشروعا على اسم الله في جميع الملل }لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ{ أي عند ذبحها }فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ{ يعني فسموا على الذبح اسم الله وحده }فَلَهُ أَسْلِمُوا{ اخلصوا }وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ{ المتواضعين }الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ{.
ثم امتن تعالى على عبيده فيما خلق لهم، وقال: }وَالْبُدْنَ{ يعني الإبل والجمهور والبقر جمع بدنة سميت بدنة لعظمها وضخامتها }جَعَلْنَاهَا لَكُمْ{ تهدى إلى البيت الحرام }مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ{ من أعلام دينه لأنها تنغر أي تطعن بحديدة في سنامها فيعلم بذلك أنها هدي }لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ{ منافع في الدنيا وثواب في الآخرة }فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا{ يعني عند نحرها }صَوَافَّ{ يعني على ثلاث قوائم قد صفت رجليها ويدها اليمنى والأخرى معقولة فينحرها كذلك.

ورأى ابن عمر رجلا أناخ بدنة ينحرها فقال ابعثها قياما وقرىء صوافي أي صافية خالصة لله لاشريك له شرعا لكم لتذكروه عند ذبحها وقال ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام }فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا{ سقطت على الأرض بعد النحر وذهبت نفسها فسقطت على جنوبها وأصل الوجوب السقوط }فَكُلُوا مِنْهَا{ أمر إباحة }وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ{ أي الحابس في بيته المتعفف قد قنع بما يعطى ولا يسأل }وَالْمُعْتَرَّ{ المتعرض لذلك تطعمه.

واستدل بهذه الاية بعض أهل العلم أنها تجعل أثلاثا ويأتي }كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ{ لتمكنوا من نحرها }لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ نعم الله عليكم }لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا{ أي لن ترفع إلى الله لحومها }وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ{ أي ولكن ترفع إليه الأعمال الصالحة.
 (وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما عمل ابن ادم يوم النحر عملا) ويجوز أيضا ذبحها في أيام التشريق (أحب إلى الله) فيه أن الله يحب منا الأعمال الصالحة ويثيبنا عليها (من هراقه دم) بكسر الهاء وهي بدل من همزة أراق يقال آراقه وهراقه هراقة (رواه) ابن ماجه و(الترمذي) وحسنة ولابن ماجه وأحمد عن زيد بن أرقم ما هذه الأضاحي قال سنة أبيكم إبراهيم قالوا ما لنا منها قال بكل شعرة حسنة وللدار قطني عن ابن عباس مرفوعا ما انفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد.
وفيه أحاديث كثيرة تدل على فضل ذبح الأضحية وكذاالهدي ولا نزاع في ذلك وصرح ابن القيم وغيره بتأكد سنيتها وأن ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها لأنه صلى الله عليه و سلم وخلفاءه واظبواعليها وعدلوا عن الصدقة بثمنها وهم لايواظبون إلا على الأفضل ودلت هذه الأحاديث على أنها أحب الأعمال إلىالله يوم النحر وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض.
وهي سنة إباهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: }وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{ وأن للمضحي بكل شعرة حسنة وأن الدراهم لم تنفق في عمل صالح أفضل من الأضحية والمراد إذا وقعت لقصد التسنن وتجردت عن المقاصدالفاسدة وكانت على الوجه المطابق للحكمة في شرعها.

 (وعن أمامة بن سهل) رضي الله عنه أنه قال (كنا) يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم (نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون) بالمدينة وغيرها (يسمنون) يعني أضاحيهم (رواه البخاري) ولفظ أبي نعيم كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها رغبة في إعظامها ويروى استفرهوا ضحاياكم فإنها في الجنة مطاياكم وتقدم أن استسمانها من تعظيم شعائر الله.

فدل على استحباب تسمين الأضحية وهو قول الجمهور إلاما روي عن بعض أصحاب مالك ورد لأن الظاهر إطلاع النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك ولأنه من تعظيم شعائر الله المثنى عليها بأنها من تقوى القلوب.

 (والمسلم عن جابرأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لاتذبحوا إلا مسنة) وهي الثنية من الإبل والبقر والغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجزىء الجذع وهومذهب الجمهور إلا من الضأن للأحاديث المقتضية بإجزائه المخصصة لهذا الخبر فللترمذي حديث أبي هريرة نعمت الأضحية الجذع من الضأن ورواه أحمد وغيره وله من حديث هلال نحوه وأبي داود من حديث أبي مجاشع وللنسائي عن عقبة قال أصابني جذع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ضح به.

وقوله (إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) وهي ما تم لها ستة أشهر حمله الجمهور على الاستحباب والأفضلية فتقديره يستحب لكم أن لاتذبحوا إلامسنة فإن عجزتم فجذعة ضأن وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لاتجزىء بحال وصرح النووي أن الأمة أجمعت على أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه فيتعين تأويل الحديث على استحباب الأخبار المقتضية للتأويل منها نعمت الأضحية الجذع من الضأن وغيره.
وفي السنن خير الأضحية الكبش الأقرن وقال بعضهم جذع الضأن أفضل من مسنة المعز وقال الوزير اتفقوا أنه لا يجزىء من الضأن إلاالجذع وهو ما له ستة أشهر وقد دخل في السابع ويعرف بنوم الصوف على ظهره فإنه كانت تعرفه العرب بذلك.
واتفقوا أنه لا يجزئ مما سوى الضأن إلا الثني على الإطلاق من المعز والإبل والبقر لأنه صلى الله عليه و سلم وأصحابه لا يذبحون إلا ذلك وقال اتفقوا على أن من ذبح الأضحيه من  هذه الأجناس بهذه الأسنان فما زاد فإن أضحيته مجزئة صحيحة وأن من ذبح منها ما دون هذه الأسنان من كل جنس منها لم تجزئه أضحيته
 (ولهما عنه قال أمرنا) وفي لفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم (أن نشترك في الإبل والبقر) يعني في الهدي ولمسلم وحضر جابر الحديبية قال نحرنا يومئذ سبعين اشتركنا (كل سبعة منا في بدنة) وفي لفظ قال لنا اشتركوا في الإبل والبقر كل سبعة في بدنة رواه البرقاني على شرطهما وفي لفظ اشتركنا في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة فقال رجل منا لجابر أيشترك في البقر؟ ما يشترك في الجزور فقال ما هي إلا من البدن رواه مسلم وله عنه قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية البدن عن سبعة والبقرة عن سبعة ولأحمد عن حذيفة قال شرك رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجته بين المسلمين في البقرة عن سبعة ورجاله ثقات.
فدلت هذه الأحاديث على أن البدنة تجزئ في الواجب عن سبعة وهذا مذهب جمهور أهل العلم أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم وقال الترمذي العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم يرون الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة اهـ. وسواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم وبعضهم اللحم لأن الجزء المجزئ لاينتقص بإرادة الشريك غير القربة فجاز كما لو اختلفت جهات القرب.
وحكى ابن رشد أنه إجماع ويؤيده أنه جاز رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال علي بدنة ولا أجدها فأمره أن يبتاع سبع شياه فيذبحها رواه أحمد وقال الوزير اتفقوا على سبيل الإرفاد أجازه بالأثمان والأعراض مالك والشافعي وأحمد وقال وأجاز الشافعي وأحمد الاشتراك مطلقا وأما الإجزاء عنه وعن أهل بيته ونحوذلك في التطوع فجنس الإبل والبقر أفضل من جنس الغنم. وشاة أفضل من سبع بدنة ورجح الشيخ تفضيل البدنة السمينة على السبع وإجزاء الواحدة من الغنم لا نزاع فيه فالبدنة والبقرة أولى وأما التشريك في أكثر من سبعة في بدنة أو بقرة أو في السبع منهما فمفهوم هذا الحديث تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته أنه لايحزئ لأنه شرك في دم وجزم به شيخنا وغيره
 (وعن البراء) بن عازب رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أربع لاتجوز) أي لا تجزئ (في الأضاحي) وكذا الهدي أحدها (العوراء) أي الناقة أوالبقرة أوالشاة الذاهب بصر إحدى عينيها (البين عورها) قيل الواضح ذهاب جرمها بان انخسفت عينها لاالقائمة العين وهي التي لم تنخسف إلا أنها لاتبصر بها أو عليها بياض ورجح أهل الحديث عدم الإجزاء إذا ذهب بصر إحدى عينيها بأي حال من الأحوال سواء فقدت الحدقة أوبقيت لفوات المقصود وهو النظر وجاء النهي عن البخقاء وهي التي تبخق عينها فيذهب بصرها والعيب صحيحة الصورة في موضعها (والمريضة البين مرضها) أي الذي بان أثره عليها وهو المفسد للحمها بقروح وجرب وغيره (والعرجاء البين ظلعها) بفتح الظاء أي عرجها وهي التي لاتطيق مع الصحيحة.
 (والكبيرة التي لا تنقي) بضم التاء أي قد ذهب مخ عظامها لهزالها وانقت الإبل وغيرها إذا سمنت وصار فيها نقي وهو مخ العظم وشحم العين من السمن فدل الحديث على أن متبينة العور والعرج والمرض لا يجوز التضحية بها إلا ما كان منها يسيرا غير بين وكذا الكبيرة التي لا تنقي قال النووي أجمعوا على أن التي فيها العيوب المذكورة في حديث البراء وهي المرض والعجف والعور والعرج البينات لا تجزئ التضحية بها.
وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه وقال الوزير وغيره اتفقوا على أنه لا يجزئ ذبح معيب ينقص العيب لحمه وعدوا ما في الخبر منه وفي المبدع وألحق في ذلك أن يناط الحكم بفساد اللحم لأنه أضبط.
 (وعن علي) رضي الله عنه (أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نستشرف العين والأذن) الاستشراف النظر إلى شيء على التأمل أي أن نشرف عليهما ونتأملهما كي لا يقع فيهما نقص وعيب ولهم عنه وصححه الترمذي نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يضحى بأعضب القرن والأذن قال سعيد بن المسيب العضب النصف فأكثر وأما الهتماء وهي التي ذهب بعض أسنانها فقال الشيخ تجزئ في أصح الوجهين.
وقيل لا تجزئ الجداء وهي التي نشف ضرعها فإذا وجد فيها لبن فليست بجداء وجاء النهي عن الجدعاء وهي مقطوعة الأنف أو الأذن أو الشفة وهو بالأنف أخص وقال عتبة إنما نهى عن المصفرة بالراء المخففة مستأصلة الأذن وقيل إنها المهزولة لخلوها من السمن وأما المستأصلة فالمراد قرنها من أصله.

 (وأن لا نضحي بمقابلة) بفتح الموحدة وهي التي قطعت أذنها وتركت معلقة (ولا مدابرة) أي قطعت من جانب (ولا شرقاء) أي مشقوقة الأذن طولا ولا خرقاء وهي التي في أذنها خرق مستدير (رواهما الخمسة وصححهما الترمذي) وحديث البراء رواه أيضا ابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه النووي وحديث علي أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والبزار والبيهقي وظاهرهما التحريم والفساد وذكر الخلال أنهم اتفقوا على ذلك.

وتجزئ الصمعاء وهي صغيرة الأذن والجماء التي لم يخلق لها قرن لعدم النهي ولأنه لا يخل بالمقصود ويجزئ خصي غير مجبوب وقال أحمد والخصي أحب الينا من النعجة لأن لحمه أوفر وأطيب.

 (وللبخاري عن أنس قال نحر النبي صلى الله عليه و سلم سبع بدن) بسكون الدال جمع بدنة بفتحها (قياما) وقال تعالى }فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ{ أي قياما على ثلاث قوائم وعن جابر من طريق عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة يدها اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها فتطعن في الوهدة التي في أصل العنق والصدر لأن عنق البعير طويل فلو طعن في القرب من رأسه لحصل له تعذيب عند خروج روحه.

 (وضحى في المدينة) قال ابن عمر أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر سنين يضحي وفعله خلفاؤه والسلف (بكبشين) مثنى كبش وهو الثني إذا خرجت رباعيته (أقرنين) الأقرن هو الذي خرجت له قرنان معتدلان (أملحين) الأملح هو الأبيض الخالص وقيل الذي يخالط بياضه شيء من سواد وقيل حمرة أو البياض أكثر فيستحب الأقرن الأملح وفيه مشروعية استحسان الأضحية صفة ولونا وإذا اجتمع حسن المنظر وطيب المخبر في اللحم فهن أفضل.

 (يذبح) الكبش وكذا البقر تذبح قال تعالى }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً{ ويجوز العكس لحديث (ما أنهر الدم) وقال ابن القيم المستحب في الإبل النحر وفي البقر والغنم الذبح لموافقة السنة المتواترة ويكره العكس لمخالفة السنة (ويكبر) يعني بعد التسمية (ويسمي) ولهما عنه يسمي ويكبر فيقول بسم الله والله أكبر كما في رواية مسلم وأكثر الحديث رواه الجماعة.
وأوجب الجمهور التسمية لقوله فاذكروا اسم الله عليها ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام والأخبار متواترة بذلك أجمعوا على استحبابها وتسقط سهوا كما سيأتي في الذبائح وأما التكبير فمستحب إجماعا لقوله ولتكبروا الله على ما هداكم وقال ابن المنذر وغيره ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول ذلك واختير التكبير هنا اقتداء بأبينا الخليل عليه السلام حيث أتي بفداء إسماعيل.
 (ويضع رجله على صفاحهما) ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أوتؤذيه والصفحة جانب العنق ولا بن أبي شيبة أحدهما عن محمد وال محمد والآخر عن أمة محمد أي من أقر بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وفي رواية عمن وحد من أمتي وفيهما فذبحهما بيده فيستحب تولي الإنسان ذبح أضحيته بنفسه
فإن استناب جاز بلا نزاع وينبغي حضوره لقوله لفاطمة (احضري أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة منها) وعن ابن عباس نحوه وتعتبر نية حال التوكيل في الذبح ولا تعتبر إن كانت الأضحية معينة ولا تسمية المضحى عنه ولا المهدي عنه إكتفاء بالنية قال الوزير أذا ذبح أضحية غيره بغير إذنه ونواه بها أجزأت عن صاحبها ولاضمان عليه واتفقوا أنها لاتصير بهذا ميتة.
 (ولمسلم عن عائشة) رضي الله عنها أنها قالت إن النبي صلى الله عليه و سلم (أمر بكبش) ذكر الضأن (أقرن) أي قرناه معتدلان حسان وفيه يطأ في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها على حجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش (فأضجعه) أي وضع جنبه بالأرض وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح لأنه أرفق بها وكذا البقر وبهذا جاءت الأحاديث وأجمع عليه المسلمون كما قاله النووي وغيره واتفقوا على أن إضجاعها يكون على جنبها الأيسر لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار.
 (ثم قال بسم الله) واستحبابها إجماع وإنما الخلاف في وجوبها (اللهم تقبل من محمد وال محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به) اي ذبحه بنية الأضحية بعد أن سمى ودعا ولابن ماجه عن جابر فقال حين وجهها وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم منك ولك عن محمد وأمته.
وقال الشيخ وغيره ويقول اللهم منك ولك ورواه أبو داود مرفوعا وقال ويقول اللهم تقبل مني كما تقبلت من خليلك إبراهيم قال ابن القيم تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته وإن كثر عددهم كما قال عطاء عن أبي أيوب الأنصاري وصححه الترمذي وفي رواية مالك كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته وهذا الحديث نص صريح في ذلك.
 (وقال أبو أيوب) خالد بن زيد رضي الله عنه (كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه و سلم يضحي بالشاة) وهي الواحدة من الغنم (عنه) أي يذبحها أضحية عنه (وعن أهل بيته) وهم عائلته الذين هم في نفقته وكلفته والحديث مع ما تقدم وغيره على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت حيث كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون ذلك في عهده صلى الله عليه و سلم مع إطلاعه على ذلك وإقرارهم عليه بل فعله صلى الله عليه و سلم والجمهور على أنها تجزئ عنهم وإن كثروا كما قضت بذلك السنة.
 (فيأكلون) أي أهل البيت منها والجمهور أنهم يأكلون الثلث وإن أكلوا أكثر جاز (ويطعمون) أي من الأضحية والأولى بالثلث ويتصدقون بالثلث لقول عمر ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين ويأتي وهذا الأثر رواه ابن ماجه ومالك وغيرهما و(صححه الترمذي) وله شواهد كثيرة.
 (وعن علي أمرني) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم (أن أقوم على بدنه) أي عند نحرها للاحتفاظ بها وللبخاري أنها مائة بدنة ولمسلم أنه صلى الله عليه و سلم نحر منها ثلاثا وستين وأمر عليا فنحر ما بقي فيجوز أن يستنيب مسلما بلا نزاع وكره كتابيا ويجزئ عند الجمهور (وأن أتصدق بلحومها) أي يقسمها على المساكين إلا ما أمره به وهو أن يأخذ من كل بدنة بضعة وطبخت فأكل منها (وجلودها) أي وأن يتصدق بجلودها على المساكين.
 (وأجلتها) وهي ما يطرح على البعير من كساء ونحوه جمع جلال بكسر الجيم وكان ابن عمر لا يشق من الجلال إلاموضع السنام فإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسده الدم ثم يتصدق بها (وأن لاأعطي الجازر) أي من ينحرها وكذا من يذبح البقرة والشاة (منها شيئًا) أي لأجل النحر أو الذبح لأنه معاوضة وهي غير جائزة فيها لالغير لك كصدقة أو هبة كغيره وأولى لمباشرته لها وقال صلى الله عليه و سلم نحن نعطيه من عندنا يعني أجرته (متفق عليه).
 واتفق أهل العلم على أن لحمها لا يباع وكذا الجلود والجلال وأجازه جماعة إذا صرف ثمنه مصرف الأضحية سواء كانت واجبة أوتطوعا لأنها تعينت بالذبح وإن تعينت بقوله هذا هدي أو أضحية أو لله أو بالإشعار أو التقليد بنية قال الوزير ولا يوجبها عندهم إلا القول لأن التعيين إزالة ملك على وجه القربة فلم يؤثر فيه مجرد النية كالعتق وعن أحمد تعين بالنية حال الشراء وهو مذهب أبي حنيفة واختاره شيخ الإسلام.
 (ولمسلم عن بريدة مرفوعا) يعني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال (كلوا ما بدا لكم) والأمر هنا على الندب والإباحة عند الجمهور أي كلوا ما بدا لكم من لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام (واطعموا) يعني من شئتم وعن عائشة وتصدقوا وفي هذا الخبر وغيره مع ما تقدم من الآية سنية الأكل من الهدي والأضحية والتصدق فيأكل هو وأهل بيته الثلث ويهدي الثلث ويتصدق بالثلث وقال ابن عمر الهدايا والضحايا ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين وهو قول ابن مسعود ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة.
ويخرج من العهدة بصدقته بالأقل وقيل يأكل النصف ويتصدق بالنصف لقوله فكلوا منها واطعموا البائس الفقير وأما الواجب بنذر أوتعيين فلا يأكل منه وقال الشيخ يأكل مما عينه لا عما في ذمته (وادخروا) أي فوق الثلاث ما شئتم قاله بعد الحظر وكان سنة تسع لدافة حصلت والرخصة في حجة الوداع سنة عشر ولفظ أول الخبر كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام أي ليوسع ذو الطول على من لاطول له فكلوا ما بدا لكم الحديث.
 (وعن أنس مرفوعا) اي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (من ذبح قبل الصلاة) أي المعهودة وهي صلاة النبي صلى الله عليه و سلم العيد وكذا صلاة الأئمة بعد انقضاء عصر النبوة (فإنما يذبح لنفسه) وللبخاري هن البراء فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء أي ليس من الأضحية ولهما عن أنس فليعد ولهما عن جندب البجلي مرفوعا من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله قاله في خطبة العيد.
 فوقت الذبح بلا نزاع أضحية كانت أو هديا بعد صلاة العيد بالبلد والاعتبار كما قال ابن القيم بنفس فعل الصلاة والخطبة لا بوقتهما وما ذبح قبل الصلاة ليس من النسك وإنما هو لحم قدمه لأهله والنبي صلى الله عليه و سلم لم يرخص في نحر الهدي قبل طلوع الشمس ألبتة فحكمه حكم الأضحية إذا ذبحت قبل الصلاة وما لاتصلى فيه العيد فبعد قدر زمنها ومنه منى.
 وإذا اجتمع عيد وجمعة وصليت الجمعة قبل الزوال واكتفى بها عن صلاة العيد جاز الذبح بعد صلاة الجمعة لقيامها مقام صلاة العيد (ومن ذبح بعد الصلاة) أي صلاة العيد (فقد تم نسكه) أي عبادته ومن حديث البراء فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين يعني طريقتهم (رواه البخاري).
 (ولمسلم عن ناجية) بن كعب الخزاعي رضي الله عنه وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا رسول الله كيف أصنع (فيما عطب من الهدي) أي انكسر ونحوه (قال انحره) وهو السنة في الإبل (واغمس) أي غط (نعله في دمه) بعد الذبح (واضرب صفحته) أي بالنعل المغموسة في الدم ليعلم من مر به أنه هدي (وخل بين الناس وبينه) أي فاتركه وسلمه للناس ليأخذوه فيأكلوه.
ورواه الترمذي وغيره وقال العمل عليه عند أهل العلم في هدي التطوع إذاعطب لا يأكل هو ولا رفقته منه ويخلي بينه وبين الناس يأكلونه وقد أجزأ عنه وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا إن أكل منه شيئًا غرمه بقدر ما أكل منه ولمسلم عن ذؤيب بن حلحلة قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يبعث معه البدن ثم يقول إن عطب منها شيء فخشيت منها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من رفقتك وفيه أنه يجزئ ذبح ما تعيب ولحديث أبي سعيد ابتعنا كبشا نضحي به فأصاب الذئب من إليته فسألنا النبي صلى الله عليه و سلم فأمرنا أن نضحي به رواه ابن ماجه.
وهذا ما لم يكن واجبا في ذمته قبل التعيين كفدية ومنذور في الذمة فيجب نظيره مطلقا سواء أصيب بفعل الله أو فعل ادمي وإن ضل ونحوه ثم أبدله فعاد لزمه ذبحه لفعل عائشة رضي الله عنها فإن ابن الزبير بعث إليها بهديين فنحرتهما ثم عاد الضالان فنحرتهما وقالت هذة سنة الهدي رواه الدارقطني وروي عن عمر وابنه وابن عباس
 (ولابن حبان) محمد بن حبان التميمي البستي الشافعي صاحب التصانيف المتوفى سنة ثلاثمائة وأربع وخمسين (عن جبير بن مطعم) رضي الله عنه (مرفوعا) إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال (كل أيام التشريق) أي الثلاثة بعد يوم النحر (ذبح) أي وقت لذبح الهدي والأضحية وقال علي رضي الله عنه أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده وقاله عطاء والحسن وغيرهما وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وعنه أيام النحر ثلاثة وفاقا لمالك وأبي حنيفة.
والقول بأنها ثلاثة غيريوم النحر اختاره ابن المنذر والشيخ وغيرهما قال ابن القيم ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى وأيام التشريق ويحرم صومها فهي إخوة في هذه الأحكام فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع وروي من وجهين مختلفين نشد أحدهما الاخر كل أيام التشريق ذبح اهـ. ويكره الذبح في لياليها خروجا من خلاف من قال بعدم جوازه فيها كمالك قال الوزير اتفقوا على أنه يجوز ذبح الأضحية ليلا في وقتها المشروع لها كما يجوز في نهاره إلامالكا أبو حنيفة يكرهه مع جوازه وإن فات الوقت قضى الواجب وسقط التطوع وحكاه اتفاقا.

 (وعن أم سلمة مرفوعا إذا دخل العشر) أي عشر ذي الحجة وفي لفظ إذا رأيتم هلال ذي الحجة وتقدم ذكر فضلها والعمل فيها (وأراد أحدكم أن يضحي) أي لنفسه (فلا يأخذ من شعره) أي شعر جميع بدنه شيئا بقص أوحلق أوغير ذلك (ولا من أظفاره) أي لا يقلم من أظفاره (شيئا) وفي لفظ فلا يمس من شعره ولا من بشرته شيئا أي لايزيل شيئا من شعور بدنه ولا من بشرته كظفر ونحوه وفي لفظ فليمسك عن شعره وأظفاره ليبقى كامل الأجزاء للعتق من النار.

 وذكر ابن القيم أن تقليم الظفر وأخذ الشعر من تمام التعبد بالأضحية وذكر خبر عبد الله بن عمر تأخذ من شعرك وتحلق عانتك فتلك تمام أضحيتك عند الله فيتركه (حتى يضحي) أي يذبح أضحيته أوتذبح عنه (رواه مسلم) والخمسة وغيرهم وقال الوزير اتفقوا على أنه يكره لمن أراد الأضحية أن يأخذ من شعره وظفره من أول العشر إلى أن يضحي وقال أبو حنيفة لا يكره اهـ. والحديث يرد عليه.

قال ابن القيم وأسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره لصحته وعدم ما يعارضه وقال بعض أهل العلم يحرم واختار الأكثر الكراهة وقيل من يضحي عنه لا من ضحى عن غيره سواء كان وصيا أو متبرعا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire