el bassaire

jeudi 14 novembre 2013

باب الإحرام




أي باب بيان أحكام الإحرام والأنساك والتلبية وما يتعلق بذلك والإحرام لغة الدخول في التحريم لأنه يحرم على نفسه بنيته ما كان مباحًا له قبل الإحرام من النكاح والطيب والتقليم والحلق وأشياء من اللباس ونحو ذلك. وشرعا نية الدخول في النسك مع التلبية أو سوق الهدي لا نية أن يحج ويعتمر فإن ذلك لا يسمى إحراما. وكذا التجرد وسائر المحظورات. لكونه محرما بدونها. وقال الشيخ لا يكون الرجل محرما بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده. بل لا بد من قول أو عمل يصير به محرما. هذا هو الصحيح من القولين.
قال تعالى: }فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ{ أي أوجب على نفسه الحج بالإحرام والتليبة. قال ابن عباس لا ينبغي أن يلبي بالحج ثم يقيم في أرض. وفيها دلالة على لزوم الإحرام بالحج. والمضي فيه. قال ابن جرير أجمعوا على أن المراد من الفرض ههنا الإيجاب والإلزام. وقال غير واحد الفرض الإحرام والتلبية.

وقال: }فَمَنْ تَمَتَّعَ{ أي فمن كان منكم متمعا }بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ{ وهو يشمل من أحرم بهما معا أو أحرم بالعمرة أول. فلما فرغ منها أحرم بالحج. وهذا هو التمتع الخاص. وهو المعروف في كلام الفقهاء. والتمتع العام يشمل القسمين. وقال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) أنه الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج. ومنه القران. وفسخ الحج إلى العمرة اهـ.
وأول الآية }وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ{ اي أكملوا افعالهما بعد الشروع فيهما. وأجمعوا على أن الشروع فيهما ملزم. سواء قيل بوجوب العمرة أو باستجابها. وأجمعوا على جواز أدائهما على ثلاثة أوجه. التمتع والقران والأفراد. والتمتع أن يعتمر في أشهر الحج ثم بعد الفراغ من أعمال العمرة يحرم بالحج من مكة ويحج في عامة. والقران أن يحرم بهما معا أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل طوافها. والافراد أن يفرد الحج.

واختلفوا في الأفضل: فقال جمهور أهل العلم التمتع أفضل. لأن الله نص عليه وأمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة. إلا من ساق الهدي وثبت على إحرامه. لسوق الهدي. وتأسف بقوله "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت معكم" ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل. ولا يتأسف إلا على الأفضل. وقال عمر نزلت آية
 التمتع في كتاب الله وأمرنا بها رسول الله
صلى الله عليه و سلم. ثم لم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها حتى مات.

وأحاديث التمتع متواترة رواها أكابر الصحابة. وهو قول عمر وابن عباس وجمع. ولاتيانه بأفعالهما كاملة على وجه اليسر والسهولة. قال الترمذي وأهل الحديث يختارون التمتع بالعمرة في الحج وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. ثم القرآن لفعله صلى الله عليه و سلم. واختار الشيخ وابن القيم أنه الأفضل لمن ساق الهدي. قال ومحال أن يكون حج أفضل من حج خير القرون وأفضل العالمين مع نبيهم. وقد أمرهم أن يجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي فمن المحال أن يكون غيره أفضل منه إلا حج من قرن وساق الهدي كما اختاره الله لنبيه صلى الله عليه و سلم فأي حج أفضل من هذين.
وقد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى إيجاب القران على من ساق الهدي. والتمتع علىمن لم يسقه. منهم ابن عباس لفعله وأمره صلى الله عليه و سلم. ثم الإفراد لأن فيه إكمال افعال ابن سكين وهو أفضلها عند مالك والشافعي وهو قول عمر وعثمان وجمع. وإن أفرد الحج بسفرة ثم قدم في أشهر الحج فإنه يتمه كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم. وقال شيخ الإسلام التحقيق أنه يتنوع باختلاف حال الحاج فإن كان يسافر سفرة للعمرة وللحج سفرة أخرى أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها، فهذا. الافراد له أفضل باتفاق الأئمة.

وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس وهو أن يجمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة. ويقدم مكة في أشهر الحج. فهذا إن ساق الهدي فالقرآن أفضل له. وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل له. فإنه قد ثبت بالنقول المستفيضة التي لم يختلف في صحتها أهل العلم بالحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم لما حج حجة الوداع هو وأصحابه أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي. فإنه أمره أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله يوم النحر.

وكان النبي صلى الله عليه و سلم قد ساق الهدي هو وطائفة من أصحابه. وقرن هو بين العمرة والحج ولم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه و سلم إلا عائشة وحدها. لأنها كانت قد حاضت فلم يمكنها الطواف فأمرها أن تهل بالحج وتدع أفعال العمرة لأنها كانت متمتعة. ثم إنها طلبت من النبي صلى الله عليه و سلم أن يعمرها فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن فاعتمرت من التنعيم.

ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وخلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر. لا في رمضان ولا في غيره. والذين حجوا معه صلى الله عليه و سلم ليس فيهم من اعتمر بعد الحج من مكة إلا عائشة. ولا كان هذا من فعل الخلفاء الراشدين. والذين استحبوا الأفراد من الصحابة إنما استحبوا أن يحج ويعتمر عقب ذلك عمرة مكية. بل هذا لم يكونوا يفعلونه قط إلا أن يكون شيئًا نادرًا.
 (وعن زيد بن ثابت) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تجرد لإحرامه) أي من ثياب المخيط كالقميص والسراويل قبل نية الإحرام قال الشيخ والتجرد من اللباس واجب في الإحرام. وليس بشرط فيه. فلو أحرم وعليه ثياب صح ذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وباتفاق أئمة أهل العلم. وعليه أن ينزع اللباس المحظور (واغتسل حسنه الترمذي) وأخرجه البيهقي والدارقطني والطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس اغتسل ثم لبس ثيابه. وفيه ضعف. وصح عنابن عمر أنه قال من السنة أن يغتسل إذا أراد الإحرام. وإذا أراد دخول مكة.
وكان ابن عمر يتوضأ أحيانًا ويغتسل أحيانًا. والغسل أفضل لاختياره صلى الله عليه و سلم ولأنه أعم وأبلغ في التنظيف. والمراد منه تحصيل النظافة وإزالة الرائحة وهو أبلغ اغتسالات الحج قال الشيخ ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أصحابه في الحج إلا ثلاثة أغسال غسل عن الإحرام. والغسل عند دخول مكة. والغسل عند دخول عرفة. وما سوى ذلك كالغسل لرمي الجمار والطواف بالبيت والمبيت بمزدلفة فلا أصل له. لا عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أصحابه ولا استحبه جمهور الأئمة لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد. وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه.

بل هو بدعة إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب. مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها.فيغتسل لإزالتها. وقال فتركه الاغتسال للمبيت والرمي والطواف يعني بدون سبب هو السنة. والقول بخلاف ذلك خلاف السنة.

 (وعن جابر أنه صلى الله عليه و سلم أمر أسماء) أي بنت عميس (وهي نفساء أن تغتسل) فدل على سنية الاغتسال مطلقا لأن النفساء إذا أمرت به مع أنها غير قابلة للطهارة كالحائض فغيرها أولى (وتحرم رواه مسلم) وغيره ففيه صحة إحرام النفساء ومثله الحائض. وأولى منهما الجنب. وهو إجماع. ولفظه "أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أصنع فقال "اغتسلي واستثفري بثوب واحرمي" وفي لفظ لأبي بكر "مرها لتغتسل ثم لتهل" أي تحرم وتلبي.
وأمر عائشة أن تغتسل لإهلال الحج. وهي حائض متفق عليه. والحكمة في اغتسالهما التنظيف وقطع الرائحة الكريمة لدفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم وتخفيف النجاسة. ولأبي داود والترمذي عن ابن عباس مرفوعا "النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت" وسنية الغسل لمن أراد الدخول في النسك من ذكر وأنثى. وإن كانت حائضًا ونفساء. وفعل ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت لا نزاع فيه.
واستحب بعضهم التنظف بأخذ شعر وظفر وقطع رائحة
 كريهة لئلا يحتاج إليه في إحرامه فلا يتمكن منه وقال الشيخ إن احتاج إليه فعل وليس من خصائص الإحرام. ولم يكن له ذكر فيما نقله الصحابة لكنه مشروع بحسب الحاجة إليه.
 (وعن عائشة) رضي الله عنها (قالت كنت أطيب) أي تعطر (رسول الله صلى الله عليه و سلم لإحرامه) أي عند إرادته فعل الإحرام لأجل دخوله فيه. وللنسائي حيث أراد أن يحرم. ولهما عنها عند إحرامه بأطيب ما أجد وفي لفظ "إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد" (قبل أن يحرم) أي يدخل في الإحرام. والمراد بدنه لا ثيابه فيكره اتفاقا لما يأتي من النهي أن يلبس ثوبا مسه ورس أو زعفران. وإن طيب ثوبه قبل الإحرام ولبسه استدامه ما لم ينزعه. فإن نزعه فليس له لبسه قبل غسل الطيب منه.
ويدل على تخصيص البدن بالطيب قولها كنت أرى وبيص الطيب في رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم ولحيته. فدل على استحباب الطيب عند الإحرام واستدامته. ولو بقي لونه ورائحته عند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين. وإن عرق فسال فلا فدية. لحديث عائشة كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فنضمد جباهنا بالمسك عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه و سلم فلا ينهاها رواه أبو داود.

قال ابن القيم ومذهب الجمهور جواز استدامة الطيب للسنة الصحيحة. أنه كان يرى وبيص الطيب في مفارقه بعد إحرامه. وفي رواية بعد أيام. ولأنه غير متطيب بعد الإحرام وفيهما أنها طيبته بذريرة فيكون من مسك وبخور وماء ورد ونحوها. ويستحب للنساء كالرجال عند الإحرام سواء كان مما تبقى عينه أو لا عند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم. لما تقدم.
وقال الشيخ إن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه فهو حسن. ولا يؤمر المحرم قبل الإحرام بذلك فإن النبي صلى الله عليه و سلم فعله ولم يأمر به الناس. واستحب بعضهم للمرأة خضابها بالحناء. لقول ابن عمر من السنة أن تدلك المرأة يديها في حناء. قالت رضي الله عنها (ولحله) أي تطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم لخروجه من إحرامه بالرمي والحلق "قبل أن يطوف بالبيت) يعني طواف الإفاضة (متفق عليه) وهذا قول جمهورأهل العلم ويأتي.

 (وعن ابن عمر مرفوعا ليحرم أحدكم) أيينوي النسك (في إزار ورداء) الإزار هو هذا المعروف الذي يشد على الحقوين فما تحتهما. وهو المئزر. والرداء ما يرتدي به على المنكبين وبين الكتفين من برد أو ثوب ونحوه يجعل نصفه على كتفيه. والحكمة أن يبعد عن الترفه ويتصف بصفة الخاشع الذليل. وليتذكر أنه محرم في كل وقت. بل تعظيما لبيت الله الحرام وإجلالا كما نراه في الشاهد.
ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين سواء كانا جديدين أو لبيسين وكونهما أبيضين للحث على لباس البياض ونظيفين لأنا أحببنا له التنظيف في بدنه فكذلك في ثيابه. وقال الشيخ يجوز أن يحرم في جميع أجناس الثياب المباحة من القطن والكتان والصوف ويستحب في ثوبين نظيفين فإن كانا أبيضين فهما أفضل للخبر. وقال السنة أن يحرم في إزار ورداء سواء كانا مخيطين أو غير مخيطين باتفاق الأئمة. ولو أحرم في غيرها جاز إذا كان مما يجوز لبسه.

ويجوز أن يحرم في الأبيض وغير الأبيض من الألوان الجائزة. وإن كان ملونا (ونعلين رواه أحمد) وغيره. قال ابن المنذر ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم. ويأتي معناه. والمراد بالنعلين التاسومةوهي الحذاء وتعرف بنجد والحجاز بالنعال ذات السيور.
 (وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم) عام حجة الوداع بعدأن اغتسل وتطيب وتجرد من مخيط ولبس إزاره ورداءه (صلى الظهر) ركعتين (بذي الحليفة) ونحوه عن أنس. قال الترمذي والذي يستحبه أهل العلم أن يحرم دبر الصلاة. قال الشيخ إذا كان وقتها وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه. وقال ابن القيم ولم ينقل عنه صلى الله عليه و سلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر. وإن لم يتفق له بعد فريضة. وأراد أن يصلي فلا يركعهما وقت نهي. للنهي عنه. وليس من ذوات الأسباب.

 (ثم دعا بناقته أي التي أراد أن يجعلها هديا (فأشعرها) أي شق الجانب الأمين من سنامها كما وضحه بقوله (في صفحة سنامها الأيمن) إظهارا لشعائر الإسلام. وإقامة لهذه السنة التي هي من أحب الاشياء إلى الله. وإظهارا للناس أن هذه قرابين لله تساق إلى بيته تذبح له ويتقرب بها إليه عند بيته وليعلم المار بها أنها هدي فيجتنبه إذا لم يكن محتاجا ولم يكن مضطرا إلى أكله (وسلت الدم) أي عن الناقة لسيلانه حال الإشعار (وقلدها نعلين) قال الترمذي والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم.

وقال وكيع لا تنظروا إلى قول أهل العراق في هذا فإن الإشعار سنة.وقولهم بدعة. وقال أحمد لا ينبغي أن يسوقه حتى يشعره ويجلله بثون أبيض ويقلده نعلا أو علاقة قربة سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه. قالت عائشة "فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه و سلم بيدي ثم قلدها وأشعرها وأهداها" وتقليد الغنم مذهب العلماء إلا مالكا. ولعله لم يبلغه الحديث فعن عائشة كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم كلها غنما صححه الترمذي. وقال العمل عليه عند بعض أهل العلم واتفقوا على أنها لا تشعر لضعفها عن الجرح ولاستتاره بالصوف.
وأما البقر فيستحب عند الشافعي ومن وافقه الجمع بين الإشعار والتقليد كالإبل والأولى إن كان لها أسنمة أشعرت كالإبل وإلا فلا لأنه تعذيب لها وما عطب منه. سن أن ينحره كما سيأتي. ثم يغمس نعله في دمه ويخلي بينه وبين الناس ولا يأكل منه قطعا للطمع لئلا ينحرها سائقها ويتعلل بالعطب. قال الترمذي والعمل عليه عند أهل العلم. وسنية إشعار الهدي من الميقات إن كان ساقه مسافرا به. وإن أرسله مع غيره في بلده (ثم ركب راحلته) أي بعد صلاة الظهر وعقده النسك بالإشعار والتلبية (رواه مسلم) وأهل السنن وغيرهم.
 (وللخمسة عنه) أي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه و سلم بعد ما صلى الظهر (أهل دبر الصلاة) أي رفع صوته بالتلبية بعدها واصل الإهلال رفع الصوت. لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام. وقال سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبا لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في إهلاله؛ فقال ابن عباس إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت منه حجة واحدة فمن هناك اختلفوا. لما صلى في مسجد ذي الحليفة أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتين فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه. ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل فأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا عنه. وكذا لما أهل على البيداء وأيم الله لقد أوجب في مصلاه. فأزال الإشكال رضي الله عنه وأرضاه.

قال شيخ الإسلام يلبي من حديث يحرم سواء ركب دابته أو لم يركبها، وإن أحرم بعد ذلك جاز والأصح أن السنة ابتداء التلبية عقب الإحرام اهـ. ويجزئ من التلبية دبر الصلاة مرة والأحسن ثلاثا.
 (وعنه) أي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أنه صلى الله عليه و سلم قال لضباعة) بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم النبي صلى الله عليه و سلم (وكانت وجعة) فخافت ان يصدها المرض عن البيت فقالت يا رسول الله إني اريد الحج وأجدني وجعة فقال (أهلي واشترطي) أي قول يلبيك اللهم لبيك و(إن محلي حيث حبستني متفق عليه) وفي السنن قال "قولي لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث تحبسني" وصححه الترمذي وغيره. ولأحمد "فإن حبست" أي مرضت "فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك".
فيستحب أن يشترط إن كان خائفا خاصة. قال شيخ الإسلام وغيره وهو ظاهر نص الحديث. وإن لم يكن خائفا فلا يشترط جمعا بين الأدلة. قال شيخ الإسلام ولم يأمرها صلى الله عليه و سلم أن تقول قبل التلبية شيئا لا اشتراطا ولا غيره. ولا أمر بذلك كل من حج. وإنما أمرها أن تشترط على ربها لما كانت شاكية فخاف أن يصدها المرض عن البيت. وإن اشترط على ربه خوفا من العارض فقال إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني كان حسنا اهـ.

ونقل أبو داود إن اشترط فلا بأس. زاد النسائي في رواية إسنادها جيد "فإن لك على ربك ما استثنيت" فمتى حبس بمرض أو عدو أضل عن الطريق حل ولا شيء عليه. إلا أن يكون معه هدي فيلزمه نحره. ويستفيد باشتراطه شيئين أحدهما إذا عاقه عائق فله التحلل والثاني متى حل فلا دم عليه ولا صوم ولا تعلق في الخبر لمن ذهب إلى التلفظ بالنية. قال الشيخ والصواب المقطوع به أنه لا يستحب التلفظ بشيء من ذلك. فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يشرع للمسلمين شيئًا من ذلك. ولا كان يتكلم بشيء من ألفاظ النية. لا هو لا أصحابه وذكر قصة ضباعة.
 (ولهما) أي البخاري ومسلم وغيرهما (عن عائشة) رضي الله عنها (أنه صلى الله عليه و سلم قال من أراد منكم) معشر الحجاج (أن يهل) يعني يلبي (بحج وعمرة) أو يقصد بسفرته الإحرام بحج أو عمرة أي قارنا بينهما (فليفعل) أي فليهل يعني يلبي بالإحرام بهما (ومن أراد أن يهل بحج) وحده مفردا له (فليفعل ومن أراد أن يهل بعمرة) مفردة (فليفعل) فاذن صلى الله عليه و سلم بالحج قرانا أوتمتعا أو إفرادا. وتقدم الإجماع على جواز فعل أيهما شاء.

وحكى النووي وغيره الإجماع على جواز الأنواع الثلاثة.وتقدم ذكر الأفضل منها (وأهل) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم (بالحج) وأدخل العمرة على الحج أو لبى بهما معا رواه عنه جماعة من الصحابة. والأكثر أنه حج قارنا. فقد جاء في بضعة وعشرين حديثا صحيحة أنه حج قارنا. ومن ذكر أنه متمتع فالمراد متعة القرآن. وهو لغة القرآن من قرنت بين الشيئين فصار قارنا كما تقدم. وبقي عليه لسوقه الهدي (وأهل به ناس معه) أي مع النبي صلى الله عليه و سلم بالحج مفردين.
 (وأهل ناس بالعمرة والحج) معا متمتعين بالعمرة إلى الحلج او قارنين (وأهل ناس بالعمرة) فقط قالت وكنت ممن أهل بالعمرة. وقالت أهللنا بالعمرة ثم أدخلنا عليها الحج. وفي الصحيح أنه أمرها بذلك. وقال ابن عمر هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا يجب أن يعين ما يحرم به من حج أو تمتع بعمرة إلى الحج أو قران بين الحج والعمرة ويتلفظ به. ولكن ينبغي أن يقول لبيك حجا أو لبيك عمرة. أو لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج. أو لبيك حجا وعمرة. أو أوجبت حجا وعمرة. ومهما قال أجزأ اتفاقا. ولا يجب شيء من هذه العبارات ونحوها. بالاتفاق.
قال شيخ الإسلام تنازع العلماء هل يستحب أن يتكلم بذلك. كما تنازعوا هل يستحب التلفظ بالنية في الصلاة الصواب المقطوع به أنه لا يستحب التلفظ بشيء من ذلك فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يشرع شيئًا من ذلك ولا كان يتكلم بشيء من ألفاظ النية لا هو ولا أصحابه. وكان يقول في تلبيته لبيك عمرة وحجا وكان يقول للواحد من أصحابه "بم أهللت" وقال: "مهل أهل كذا من كذا" والإهلال هو التلبية. وقال بل متى لبى قاصدا للإحرام انعقد إحرامه باتفاق المسلمين. ولا يجب عليه أن يتكلم قبل التلبية بشيء.
وقال ايضا ولم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يأمر أحدا بعبارة بعينها. وإنما يقال أهل بالحج أهل بالعمرة. أو يقال لبى بالحج لبى بالعمرة وهذا تأويل قوله تعالى: }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ{ الآية. قال ولو أحرم إحراما مطلقا جاز. فلو أحرم بالقصد للحج من حيث الجملة ولا يعرف هذا التفصيل جاز. ولو أهل ولبى كما يفعل الناس قاصدا للنسك ولم يسم شيئا بلفظه ولا بقصده بقلبه لا تمنعا ولا إفرادا ولا قرانا صح حجه ايضا وفعل واحدا من الثلاثة اهـ.
وإن أحرم بما أحرم به فلان انعقد بمثله اتفاقا علم به قبل الإحرام أو بعده لحديث علي لما سأله رسول الله صلى الله عليه و سلم "بم أحرمت قال بما أحرمت به يا رسول الله "وفي خبر أنس أهللت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه و سلم وعن أبي موسى أنه أحرم كذلك. ولم يكن ساق الهدي "فأمره أن يحل" ولأنه قصد الإحرام بصفة خاصة. حتى لو بطل بقي اصل الإحرام. وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بواحدة اتفاقا إلا ما روي عن أبي حنيفة.
 (وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل) أي لبى (فقال لبيك اللهم لبيك) أي إجابة بعد إجابة لازمة أو أنا مقيم على طاعتك وإجابة دعوتك وأمرك لنا بالحج. قال الشيخ إجابة دعوة الله لخلقه حين دعاهم إلى حج بيته على لسان خليله إبراهيم. والملبي هو المستسلم المناقد لغيره. كما ينقاد الذي لبب وأخذ بلبته والمعنى إنا مجبوبك لدعوتك مستسلمون لحكمك مطيعون لأمرك مرة بعد مرة لا نزال على ذلك.
وهذا قول جمهور المفسرين من الصحابة وغيرهم أنه إجابة دعوة إبراهيم حيث نادى بالحج: أيها الناس أجيبوا ربكم فأجابوه: لبيك اللهم لبيك. وفي لفظ إن ربكم اتخذ بيتا وأمركم أن تحجوه.قال الحافظ وهذا مما ليس للاجتهاد فيه مسرح. قال ابن القيم ولهذا كان للتلبية موقع عند الله. وكلما أكثر العبد منها كان أحب إلى الله وأحظى عنده. فهو لا يملك نفسه أن يقول لبيك حتى ينقطع نفسه (لبيك لا شريك لك لبيك) كرر تلك التليبة لأنه أراد إقامة بعد إقامة. ولم يرد حقيقة التثنية. وإنما هو التكثير حنانيك.
 (إن الحمد) كسر همزة إن أولى عند جماهير العلماء. وحكى الفتح. قال ثعلب من كسر فقد عم يعني حمد الله على كل حال. ومن فتح فقد خص اي لبيك لأن الحمد (والنعمة) كلاهما (لك) مستقرة الإحسان والمنة مطلقا. فالكسر أجود لأنه يقتضي أن الإجابة مطلقة. وأن الحمد والنعمة لله على كل حال. والفتح يدل على التعليل كأنه يقول أجبتك لهذا السبب والأول أعم وهو أكثر فائدة (والملك) كذلك (لك) بالنصب على المشهور (لا شريك لك) في ملكك (متفق عليه) وقال الترمذي وغيره ثبت عن ابن عمر وغيره. والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم. وهو قول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق اهـ.
والتلبية سنة مؤكدة. وأوجبها مالك وأبو حنيفة في ابتداء الإحرام. وقال بعضهم لا تستحب الزيادة على هذه التلبية لأنه صلى الله عليه و سلم لزم تلبيته فكررها ولم يزد عليها. قال الشيخ وكان صلى الله عليه و سلم يداوم على تلبيته وإن زاد لبيك ذا المعارج أو لبيك وسعديك ونحو ذلك جاز. كما كان الصحابة يزيدون والنبي صلى الله عليه و سلم يسمعهم ولم ينههم.وكذا جزم ابن القيم وغيره. يقرهم ولا ينكر عليهم. وأنه لزم تلبيته ولا تكره الزيادة عند الجمهور لما في الصحيحين عن ابن عمر: كان يلبي تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم ويزيد لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل وزاد عمر لبيك ذا النعماء والفضل لبيك لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك لبيك. وروي عن أنس أنه كان يزيد لبيك حقا حقا تعبدا ورقا. وروي عن بعض السلف لبيك لا عيش إلا عيش الآخرة. وعن ابن عمر اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة.
وقال الشافعي وغيره وإن زاد شيئا من تعظيم الله فلا بأس. وللنسائي وصححه ابن حبان مرفوعا "لبيك إله الحق لبيك" ولأن المقصود الثناء على الله وإظهار العبودية فلا مانع من الزيادة. واستحبها أبو حنيفة وغيره.

 (وللخمسة عن السائب) بن خلاد بن سويد أبي سهل الأنصاري صحابي عمل على اليمن ومات سنة إحدى وسبعين (مرفوعا) يعني إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال (أتاني جبرئيل اي بالوحي من الله عز وجل (فأمرني) يعني أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم، (أن آمر أصحابي) وهو أمر ندب عند الجمهور وفي لفظ "ومن معي" وهو زيادة وإيضاح وبيان فإن الذين معه أصحابه رضي الله عنهم.
 (أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال) يعني التلبية بالحج. وفي لفظ والتلبية (صححه الترمذي) وفي لفظ بالإهلال أو التلبية يعني قول لبيك اللهم لبيك الخ. ولأحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم عن زيد بن خالد مرفوعا "أتاني جبريل فقال إن الله يامرك اصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج".
ولابن ماجه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل أي الأعمال أفضل قال "العج والثج وفي رواية عن السائب مرفوعا "أتاني جبريل فقال كن عجاجا ثجاجا" ولابن أبي شيبة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح حلوقهم. وقال أنس كانوا يصرخون بها صراخا. رواه البخاري. وهذا مذهب جمهور أهل العلم. وحكي اتفاقا. قال الشيخ وغيره التلبية شعار الحج فأفضل الحج العج والثج. فالعج رفع الصوت بالتلبية والثج إراقة دماء الهدي.
ولهذا استحب رفع الصوت بها للرجل بحيث لا يجهد نفسه ويسن الإكثار منها. وللترمذي من حديث سهل "ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من شجر أو حجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ههنا ومن ههنا" ويتأكد الإكثار منها إذا علا نشزا أو هبط واديا أوصلى مكتوبة اتفاقا. أو التفت الرفاق أو سمع ملبيا ونحو ذلك. وذكر الشيخ وغيره استحباب الإكثار من التلبية عند اختلاف الأحوال كما تقدم.
ولا يرفع صوته في مساجد الحل وأمصاره. قال ابن عباس لمن سمعه يلبي بالمدينة إن هذا لمجنون إنما التلبية إذا برزت وقال أحمد وغيره إذا أحرم في مصره لا يعجبني أن يلبي حتى يبرز. ولا يرفع صوته في طواف القدوم والسعي بعده. لئلا يخلط على الطائفين. ولا يظهرها في الحرم اتفاقا. وتخفيها المرأة إجماعا بقدر ما تسمع رفيقتها. وتسمع نفسها اتفاقا. ولا يلبي عنه غيرها. هي تلبي عن نفسها.
قال الشيخ ويستحب أن يلبي عن أخرس ومريض وصغير ومجنون ومغمى عليه تكميلا لنسكه. كالأفعال. وتشرع بالعربية لقادر عليها. لأنه ذكر مشروع فلم يشرع بغيرها مع القدرة كسائر الأذكار. ويستحب بعده الدعاء بما أحب لأنه مظنة الإجابة. ويسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار. لما رواه الدارقطني وغيره كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا فرغ من تلبيته "سأل الله الجنة واستعاذ برحمته من النار".
ويستحب عقب الدعاء أيضا الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم. لأنه موضع يشرع فيه ذكر الله فشرعت فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم. كالصلاة والأذان. ولا يرفع بذلك صوته. قال الشيخ وإن دعا عقب التلبية وصلى على رسول الله صلى الله عليه و سلم وسأل الله ورضوانه والجنة واستعاذ به من النار فحسن.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire