ّ الذّرائع
عند الأصوليّين
والمراد
بهذا المطلب :
تحديد مكانة سَدّ الذّرائع ومَوْقِعها عند الأصوليّين ، الذين يُمْكِن
تقسيمهم
في هذا المقام إلى أربعة مذاهب :
المذهب
الأول
:
أنّها ليست دليلاً مِن الأدلّة
ولا أصلاً مِن أصول الشريعة
..
وهؤلاء
انْقَسَموا
إلى
قِسْمَيْن
:
قِسْم
يأخذ بسَدّ الذّرائع في فروعه الفقهيّة ويُسَلِّم بها ، وهُم الحنفيّة والشّافعيّة ، ولِذا لم تَنُصّ مَراجعهم على ذِكْرها إلا ما نَدُر و قِسْم لا يأخذ بها كدليل ولا يُفَرِّع عليها فروعاً فقهيّةً (، وهو ابن حَزْم الظاهري (3) رحمه الله تعالى .
المذهب
الثاني
:
أنّها دليل مِن الأدلّة
وأصْل مِن أصول الشَّرْع
.
وهو
ما عليه المالكيّة والحنابلة ومَن تَبِعهم .وهؤلاء منهم مَن عَبَّر عنها بـ( قاعدة سَدّ الذّرائع ) : كالقرافي وابن القيّم والشاطبي رحمهم الله تعالى و في ذلك يقول ابن القيّم رحمه الله تعالى :" ونَحْن نَذْكُر قاعدة سَدّ الذّرائع ودلالة الكتاب والسُّنَّة وأقوال الصحابة والميزان الصحيح عليها " ا.هـ .
ويقول
الشاطبي رحمه الله تعالى :" إنّ قاعدة سَدّ الذّرائع إنَّما عَمِل السلف بها بناءً على هذا المَعْنَى : كعملهم في تَرْك الأضحية مع القدرة عليها " ا.هـ .
ومِن
ذلك قوْل القرافي ـ رحمه الله تعالى ـ في " الفروق " :" الفَرْق الرابع والتسعون والمائة بَيْن قاعدة ما يُسَدّ مِن الذّرائع وقاعدة ما لا يُسَدّ منها " ا.هـ .
ومنهم
مَن لم يُعَبِّرْ بـ( قاعدة سَدّ الذّرائع ) ، وإنَّما عَدّوها كدليل مِن
الأدلّة : كالباجي (1) والقرافي (2) والطوفي (3) رحمهم الله تَبارَك وتعالى (4) ، وغَيْرهم كثير (5) .
المذهب
الثالث
:
أنّها أحد أنواع القياس .
وهو
ما ذَهَب إليه ابن عقيل الحنبلي (6) ـ رحمه الله تعالى ـ في قوْله : " فصول تَجْمَع أنواعاً مِن الأقيسة وبيان الأحسَن والأقوَى منها والأَرَكّ وتحقِّق ما أَهْمَله كثير مِن الفقهاء ، (
فصْل ) ومِن ذلك ما يسمِّيه الفقهاء " الذّرائع " ،
ويُسَمِّيه أهْل الجدل : أنَّه المؤدِّي إلى المستحيل في العقل أو الشَّرْع
" ا.هـ .
المذهب
الرابع
:
أنّها قاعدة فقهيّة .
وهو
ما وَرَد في موسوعة جمال عبد الناصر حين نَصَّتْ على أنّ : الاستصحاب والبراءة الأصليّة وسَدّ الذّرائع والعادة والعرف كُلّها قواعد فقهيّة وليست دليلاً يُسْتَنَد إليه في استنباط حُكْم
شَرْعيّ ا.هـ .
تعقيب
وترجيح
:
بَعْد الوقوف على مكانة سَدّ الذّرائع
عند الأصوليّين
أَرَى أنَّه يُمْكِن
التوصل إلى ما يلي :
1-
أنّ الأصوليّين لم يَتَّفِقوا على اعتبارها دليلاً مِن الأدلّة ،
وإنّما اخْتَلَفوا في ذلك .
2-
أنّي أَتَّفِق مع القائلين بأنّها أصْل مِن أصول الشَّرْع القَطْعيّة ؛ لأنّ الذريعة تُوصل إلى الحرام قَطْعاً ، وحينئذٍ لا تَصْلُح دليلاً مستقِلاًّ تُبْنَى عليه الأحكام ، وإنّما تَستمدّ أصْلها مِن حرمة الحرام ، ولِذا يجب أنْ يَكون مَوْقِعها الأصوليّ عَقِب مَباحث الحرام في الحُكْم التكليفي ..
ويعجبني
في هذا المقام قوْل ابن القيّم رحمه الله تعالى :" وباب سَدّ الذّرائع أحد أرباع التكليف ؛ فإنّه أمْر ونَهْي ، والأمر نوْعان :
أحدهما
:
ما يَكون المنهيّ عنه مَفْسَدَةً في نَفْسه .
والثاني
:
ما يَكون وسيلةً إلى المَفْسَدَة ، فصار سَدّ الذّرائع المُفْضِية إلى الحرام أحد أرباع الدِّين " ا.هـ .
3-
بناءً على ما تَقَدَّم
يَكون الأَوْلى
عندي :
التعبير عنها بـ( قاعدة سَدّ الذّرائع ) واعتبارها كذلك ؛ لأنّها ليست دليلاً مستقِلاًّ ، وإنّما هي وسيلة لأصْل إنْ كان حراماً وَجَب قَطْعها ومَنْعها ،
4-
أنّي لا أُسَلِّم بأنّ الذّرائع مِن أنواع القياس ـ كما ذَهَب ابن عقيل رحمه الله تعالى ـ إلا إنْ قُصِد بذلك قياس الذّرائع التي لم يَرِدْ فيها نصّ على الذّرائع التي وَرَد فيها نصّ يُوجِب قَطْعها بجامع تَحَقُّق الحرمة أو المَفْسَدَة في كُلٍّ ، حتّى وإنْ كان كذلك فهو قياس غَيْر صحيح ؛ لأنّ مُعْظَم الأمثلة أو الفروع الدّالّة على سَدّ الذّرائع قَدْ وَرَد نصّ بحُكْمها ، وشَرْط الفرع
أنْ لا يَكون منصوصاً عليه
.
5-
أنّي لا أُسَلِّم ـ أيضاً ـ أنّ سَدّ الذّرائع قاعدة فقهيّة ، وإنّما هي قاعدة أصوليّة ؛ لأسباب
منها
:
أ- أنّها أصْل لِمَا يَصْدُر عنها مِن أحكام وفروع فقهيّة ، أمَّا القاعدة الفقهيّة فإنّها مبنيّة على الجَمْع بَيْن المَسائل المتشابهة مِن الأحكام الفقهيّة.
ب- أنَّه لم يَرِدْ في مَراجع قواعد الفقه ما يَدُلّ على أنّها قاعدة
فقهيّة
، وإنّما وَرَد ـ كما سَبَق ـ عن بعض الأصوليّين أنّها قاعدة أصوليّة .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire