el bassaire

mardi 5 novembre 2013

قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ فِي التَّعْلِيلِ

( قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ فِي التَّعْلِيلِ )

 ( المَدخَلُ إلى فَهْمِ عِلْمُ العِلَلِ )

الشَّيخِ الدُّكتُورِ حَاتِِمُ بْنُ عَارِِف العُونِيِّ

القاعدةُ : إذا اتّحدَّ مخرجُ الحديثِ فالأصلُ عَدَمُ التعدُّدِ إلاَّ بدليل. وكلَّما نَزَلَ مَخْرَجُ الحديثِ فِي الإِسْنَادِ كلَّما أصبح القول بالتعدد فيه أضعف وقويَ الأصل. وكلَّمَا اختلف مخرجُ الحديث كان الأصل فيه التعدّد إلا أن يدل دليل أنها قصّة واحدة.اه فعِندما تجد كل الرواة عن ثابت عن أنس فهو على وجهٍ واحد, وإذا جاء خلاف فلا يعتدّ به ما لم يثبت. فإن كانَ مخْرَجُ الحَدِيثِ عن حمادِ بنِ سَلَمة عَنْ ثَابت عَنْ أنس, وكلُّ الأوجُهِ خِلافهُ فلا يعتدُّ بِها ولا تَعدد بالحَدِيث, لأنَّه كُلَّما نزل كان تقوية القول بأنه حديث واحد أقوى.
ولو وجد الحديث عن أنس من ثابت والحسن البصري وقتادة فهنا يحتمل لكل رجل حديثٍ, فلا يوجدُ اختلافاً, وقد يكون أبعد من هذا فيوجد عن عدة من الصحابة ابن عباس, ابن عمر, عمر, فيقوى القول بتعداد الحديث, ولكن إذا ثبتَ أنها قصَّة واحدة فيحتمل أنَّهُ حديثٌ واحدٌ.
(شُبهَةٌ) ذكر الإمامُ ابن رجب أنَّ هناك خلافاً منهجيَّا-في التعليلِ- بين الدَّار قطني وعليٌّ بن المديني ومن وافقه متعلِّقة في قاعدتنا السابقة. وهو أنَّ الدارَ قطني: إذا وجد الحديث من وجوه مختلفة فإنه يعتبر الحديث واحد ويوهم ويصوّب. وعند عليُّ بنُ المَدِينيِّ: قد يقول هذا حديثٌ وهذا حديثٌ آخر, ويحكم بالصواب. والحقُّ أن منهجَهَما واحدٌ ولا يختلفون البتًَّة في منهجهمِا, ولا في منهَجِ أهل التَّعلِيل, ونقول: لِمَ يَكُنِ البخاري مثل شيخه؟ إنْ كَانَ هَذا صحِيحاً ؟ والحقُّ أن الخلافَ دوماً يكونُ فِي التَّطبيقِ لَا المَنهج . 
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في "شرح علل الترمذي" (ص730) -طبعة نور الدين عتر-: واعلم : أن هذا كله إذا علم أن الحديث الذي اختلف في إسناده حديث واحد، فإن ظهر أنه حديثان بإسنادين لم يحكم بخطأ أحدهما .
وعلامة ذلك أن يكون في أحدهما زيادة على الآخر، أو نقصٌ منه، أو تغيرٌ يستدل به على أنه حديثٌ آخر، فهذا يقولُ علي بن المديني وغيره من أئمة الصَّنعة: هما حديثان بإسنادينِ .
 وقد ذكرنا كلام ابن المديني في ذلك في باب صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الصلاة ، وكثيرٌ من الحفاظِ كالدار قطني وغيره لا يراعون ذلك ، ويحكمون بخطأ أحد الإسنادين، وإن اختلفَ لفظ الحديثين إذا رَجَع إلى معنىً متقارب، وابن المديني ونحوه إنما يقولون هما حديثان بإسْنَادين, إذا احتمل ذلك وكان متنُ ذلك الحديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ متعددةٍ : كحديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى كلامه –رحمه الله- .
فالإمام ابن رجبٍ اعتبر خلافاً منهجيّا بين الإمامين, والصوابُ عدم التفريق, ويوضِّحُهُ مثالٌ حافلٌ, نذكرُهُ بإِيجَازٍ:
*  ذَكَرَ الدَّارَ قُطْنِي فِي "مُسْنَدِ أبِي هُرَيرَةَ" رَقمُ حَدِيث (2123) فِي رَجْمِ المُحْصَنَةِ :
وسُئِلَ عَن حَدِيثِ عُبَيدِ الله، عَن أَبِي هُرَيرةَ، وزَيدِ بنِ خالِدٍ، وشِبلٍ، قام رجل، فقال: يا رَسُولَ الله، اقضِ بَينَنا بِكِتابِ الله، فَقامَ خَصمُهُ، وكانَ أَفقَهَ مِنهُ، فَقالَ : أَجَل، وائذَن لِي، إِنَّ ابنِي كانَ عَسِيفًا عَلَى هَذا، وإِنَّهُ زَنَى بِامرَأَتِهِ. ..الحَدِيثَ.
فَقالَ : يَروِيهِ الزُّهْرِيُّ ،-إذاً الزُّهري هُو مَخْرَجُ الحديثِ- واختُلِفَ عَنهُ ؛ فَرَواهُ ابنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عُبَيدِ الله، عَن أَبِي هُرَيرةَ، وزَيدِ بنِ خالِدٍ, وشِبلٍ.
وخالَفَهُ يَحيَى بنُ سَعِيدٍ الأنصارِيُّ، وصالِحُ بنُ كَيسانَ، فَرَوَوهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عُبَيدِ الله، عَن أَبِي هُرَيرةَ، وزَيدِ بنِ خالِدٍ، ولَم يَذكُرُوا شِبلاً. –فالخِلافُ بَيْنَ ابْنَ عُيَينَةَ وصَالحُ بنَ كَيْسَانَ ذِكْرُ شِبْل- وَكَذَلِكَ رَواهُ مالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ –بِدُونِ ذِكْرِ شِبْل- .
واختُلِفَ عَنهُ؛ فَرَواهُ أَبُو عاصِمٍ، عَن مالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عُبَيدِ الله، عَن زَيدِ بنِ خالِدٍ ، وحدَهُ.
وَرَواهُ أَصحابُ المُوَطَّإِ –روَّاة الموطَّأ وهمْ كُثُر, فَمِنها مِنَ الموطَّأ ومنْهَا مَا هُوَ خَارجُ المُوطَّأ- عَن مالِكٍ، فَقالُوا فِيهِ عَن أَبِي هُرَيرةَ، وزَيدِ بنِ خالِدٍ. –ذكر اثنين خلافاً لعَاصِم الَّذِي رَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِد, فَيظْهَرُ أنَّ الَّذِي ثَبَتَ رَوِايَةُ أبِي هُرَيرَةَ وزَيدُ بْنُ خَالِد- وكذلك قال يُونُسُ بنُ يَزِيدَ، وابن جُرَيجٍ، وزمعة ، وابن أبي حفصة، والليث بن سعد، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق. –فهؤلاءُ كُلهُم متابِعُونَ لمِالِك مُخَالِفِينَ لابْن عُيَيْنَةَ- وكذلك قال عَبدُ الأَعلَى، عَن مَعمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. –فهذا متابعٌ آخرَ غيرَ الطريقِ الَّذي سبَق فأفردَ القولَ فيها- وَخالَفَهُ يَزِيدُ بنُ زُرَيعٍ، فَرَواهُ عَن مَعمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُبَيدِ الله ، عَن أَبِي هُرَيرةَ، وحدَهُ. –فاخْتَلَفتْ رِوَايةُ مَعْمَر- .
وَكَذَلِكَ رَواهُ عَمرو بنُ شُعَيبٍ، وبَكرُ بنُ وائِلٍ, عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عُبَيدِ الله، عَن أَبِي هُرَيرةَ، وحدَهُ، وهُوَ مَحفُوظٌ عَن أَبِي هُرَيرةَ، وزَيدِ بنِ خالِدٍ، وأَمّا ما قالَهُ ابنُ عُيَينَةَ فَلَم يُتابَع عَلَى قَولِهِ عَن شِبلٍ. –فتبيَّن أنَّه خَطَأ مِنِ ابْنِ عُيَِينه, حتَّى إِنَّه وهَّمه فِي السُّـنَنِ- وَرَواهُ الماجُشُونُ ، وصالِحُ بنُ كَيسانَ ، ، وابن أَخِي الزُّهْرِيِّ ، وجَماعَةٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُبَيدِ الله ، عَن زَيدِ بنِ خالِدٍ وحدَهُ مُختَصَرًا.
وَرَواهُ لَيثُ بنُ سَعدٍ، عَن عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابنِ المُسَيَّب، عَن أَبِي هُرَيرةَ، ولَم يُتابَع عَلَيهِ، ولَعَلَّهُ حَدِيثٌ آخَرُ حَفِظَهُ عُقَيلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، والله أَعلَم انتهىُ.
تأمل في هذه الكلمة " ولَم يُتابَع عَلَيهِ، ولَعَلَّهُ حَدِيثٌ آخَرُ حَفِظَهُ عُقَيلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ "فحكم أنه إسناد آخرَ تماماً, لا علاقة بالحديث مع أنَّ الموضوع واحدٌ وهو "حدّ الزنى" فاعتبرَ الدار قطني أنّه حديثٌ آخرَ, ومع العلم أنَّ البُخَاري روى من طريقِ عُبَيْدِ الله عن أبي هريرة وزيد من خالد فذكر الحديث... وروى حديثاً أخر من طريق ليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن ابن المسيَّب عن أبي هريرة أنَّ رسول الله: قَضَى فيمن زَنَى ولم يحصن بنفيِ عامٍ وإقامةِ الحدِّ عَلَيهِ. فانظر كيف أن الموضوع واحد ولكن اختلفَ اللَّفظُ اخْتِلافاً بيّناً, فذكرَه أبو هريرة مختصرا, فاعتبره الدار قطني حديثين فالذي قاله ابن رجب –رحمه الله- غلطٌ بيِّنٌ .
* وهل من الممكن أن يعتبروا حديثاً بألفاظ مختلفة فإنهم يعدونه حديثا واحداً, نعَم يمكن هذا, وهَاكَ مِثالاً بَسيطا:
جاء عند البخاري في حديث له مواضيع كثيرة .. ففي بعض الروايات خلق آدم ورواية قصة وفاته ورواية كيف صفته ورواية كيف صلّت عليه الملائكة فحكم البخاري كلها أنه حديث واحد لأنه من رواية الحسن البصري عن بن ضمرة عن أبي بن كعب .
* كذلك من الأدلّة على تفريق الحديثين إن كانا مختلفين –وراجع "التاريخ الكبير" ففيه أمثلة كثيرة-:
قال ابن أبي حاتم الرازي: وَسَأَلتُ أَبِي عَن حَدِيثٍ: رَواهُ عمران القطان، عَن قتادة، عَن سعيد بن أَبِي الحسن، عَن أَبِي هريرة عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي قصة الغار.
ورواه أَبُو عوانة، عَن قتادة، عَن أَنَس، عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مرفوعًا. قُلتُ لأبي: ما الصحيحُ؟ قالَ: الحديثان عندي صحيحان، لأنَّ ألفاظهما مختلفة. –فحكم أبو حاتم بأن القصة واحدة ولكنّ الحديثين مختلفين فسمعه الراوي من كليهما, وذكر الطيالسي الحديثين مختلفان, وذلك أن قتادة بن دعامة واسع الرواية لأنه كان يروي الحديث بأوجه كثيرة, وكان يضرب به المثل في زمانه, لا واسع الحفظ كشعبة حتى يتعرض له الوهم- .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire