el bassaire

jeudi 14 novembre 2013

باب الاعتكاف




العكوف لغة لزوم الشيء والاحتباس والمكث والمقام. واعتكف لزوم المكان. ومنه }يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ{ وقال }أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ{ . وشرعا لزوم المسجد لعبادة الله تعالى على وجه مخصوص. ويسمى جوارا لا خلوة. وهو سنة وقربة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. وهو من الشرائع القديمة.وفيه من القرب المكث في بيت الله. وحبس النفس على عبادة الله. وقطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخال. وإخلاء القلب من الشواغل عن ذكر الله.

والتحلي بأنواع العبادات المحضة من الفكر والذكر وقراءة القرآن والصلاة والدعاء والتوبة والاستغفار إلى غير ذلك من أنواع القرب. وفي الحديث "المعتكف يعكف الذنوب ويجري له من الحسنات كعامل الحسنات كلها وأعقب الصوم اقتداء بالكتاب العزيز. فإنه تعالى نبه على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم. وفي ذكره بعده إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام أو في آخر شهر الصيام. كما هو ثابت من فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه وأتباعهم.

قال تعالى: }وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ{ أي لا تجامعوهن ولا تقربوهن }وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ{ أي معتكفون }فِي الْمَسَاجِدِ{ أي ما دمتم عاكفين في المساجد. ولا تقربوهن في غيرها. والمراد  بالمباشرة هنا الجماع ودواعيه من تقبيل ومعانقة ونحو ذلك. واتفق أهل العلم على ان الوطء في الاعتكاف محرم لهذه الآية والأخبار. وقال ابن كثير وغيره هو الأمر المتفق عليه عند العلماء أن المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفا في مسجد. ولو ذهب إلى منزله لحاجة فلا يحل له أن يلبث فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك. وليس له أن يقبل امرأته ولا أن يضمها إليه ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه اهـ.

وأجمع أهل العلم على فساد الاعتكاف بالجماع فيه. سواء أنزل أو لمنزل منذورا كان أو مسنونا. وإن باشر دون الفرج لم يفسد عند أكثر أهل العلم. ولا تحرم المباشرة دون الفرج بلا شهوة اتفاقا. ولأن عائشة كانت ترجله. وحكى ابن عبد البر وغيره الإجماع على أنه لا يجوز إلا في مسجد يجمع فيه. وحكي عن بعض المالكية وبعض الشافعية في كل مسجد.وقد وصف تعالى المعتكف بكونه في المسجد وأمر بتطهيره له والنبي صلى الله عليه و سلم كان يعتكف في مسجده.

قال تعالى }تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ{ يعني الأحكام التي ذكرها في الصيام والاعتكاف أي ما منع الله منها. وما أباحه }فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ{ ينتهون فينجون من العذاب. وفي هذه الآية. وقوله }طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ{ دلالة واضحة على أن الاعتكاف من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل.

 (وعن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتكف) أي يلزم المسجد ويقيم فيه بنية الاعتكاف (العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله) ولهما عن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان. ولمسلم قال نافع وقدأراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم. ولأحمد والترمذي وصححه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان.

 (ثم اعتكف أزواجه) صلى الله عليه و سلم (من بعده) أي من بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه (متفق عليه) فثبت من فعله من غير وجه مما يدل على مشروعية الاعتكاف. واتفق عليه أهل العلم. وقال أحمد لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أنه مسنون. ودل على استحباب المداومة عليه في العشر الأواخر تخصيصه بالمداومة عليه فيها. لطلب ليلة القدر.وأنه لم ينسخ بل استمر عمل السلف به. ودل على أن النساء كالرجال في الاعتكاف.

ولا خلاف في عدم وجوبه. لأنه لم يأمر به أصحابه. وفي الصحيحين وغيرهما "من أحب أن يعتكف فليعتكف" إلا إذا نذره ويتأكد في العشر الأواخر. ويسن كل وقت حكاه غير واحد إجماعا. فلا يختص بزمان إلا ما نهي عن صيامه للاختلاف في جوازه بغير صوم. وليس له ذكر مخصوص. ولا فعل آخر سوى اللبث في المسجد بنية الاعتكاف.

 (وعن عمر) رضي الله عنه (أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم إني نذرت في الجاهلية) وهي ما كان قبل الإسلام (أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال أوف بنذرك متفق عليه) ففيه جواز الاعتكاف بغير صوم. لأن الليل ليس بوقت صوم. وقد أمره أن يفيء بنذره على الصفة التي أوجبها وفي رواية للبخارية فاعتكف ليلة. وللدارقطني من حديث ابن عباس "ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه" وهذا مذهب الشافعي وأحمد والجمهور.

واشترطه أبو حنيفة ومالك. وقال المجد والشيخ وغيرهما ليس في اشتراط الصوم في الاعتكاف نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح. ولا يثبت بدون ذلك. وما روي عن عائشة لا اعتكاف إلا بصوم فموقوف. ومن رفعه فقد وهم.ثم لو صح فالمراد به الاستحباب. فإن الصوم فيه أفضل. اهـ.ـ. وللبخاري أن سؤال عمر كان بالجعرانة مرجعه من حنين.

فهو رد على من زعم أن اعتكاف عمر كان قبل المنع من الصايم بالليل. وكونه عبادة تصح في الليل فلم يشترط له الصيام كالصلاة.

وإن نذر يوما لم تدخل ليلته إجماعا. إلا ما روي عن مالك. وقال الخليل اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس. وكما لم يدخل في مسمى الليلة. وفيه أن الاعتكاف يلزم بالنذر. وفي الصحيح "من نذر أن يطيع الله فليطعه" فهو عبادة يجب الوفاء به إجماعا. حكاه الوزير وغيره. ولدارقطني وغيره. نذر أن يعتكف في الشرك. فدل على أن النذر من الكافر لا يسقط في الإسلام.

ومن نذر الصوم والاعتكاف لزماه حكاه الوزير وغيره إجماعًا. وإن علقهما أو أحدهما بشرط نحو لله علي أن أعتكف شهر رمضان إن كنت مقيمًا صحيحًا فصادفه مريضًا أو مسافرًا فله شرطه لظاهر الآية والخبر. ومتى قطعه فعليه قضاؤه حيث كان واجبا بالنذر. وإن كان تطوعًا لم يلزمه شيء من التطوعات بالشروع فيها كما تقدم سوى الحج والعمرة.

ولا يجوز لزوجة ولا لقن اعتكاف بلا إذن اتفاقا ولهما تحليلهما من تطوع وإن أذنا لهما شرعا. لأنه صلى الله عليه و سلم أذن لعائشة وحفصة وزينب في الاعتكاف. ثم منعهما بعد أن دخلا فيه متفق عليه. ولخبر لا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه ولما فيه من تفويت حقهما. وإن أذنا في منذور فلا.

 (ولهما من حديث ابن عمر) يعني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (صلاة في مسجدي هذا) يعني مسجد المدينة (خير من ألف صلاة فيما سواه) من سائر المساجد (إلا المسجد الحرام) أي فصلاة فيه أفضل (زاد أحمد) من حديث جابر (وصلاة في المسجد الحرام) وهو مسجد مكة (أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه) قال ابن عبد البر هو أحسن حديث روي في ذلك. ولأحمد من حديث الزبير مثله. وللبيهقي وغيره نحوه بسند حسن. وفيه "صلاة في مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة".
ودلت هذه الأحاديث على فضيلة هذه المساجد وميزتها على غيرها. فمن عينها بنذر تعينت لفضل العبادة فيها على غيرها. لكونها مساجد الأنبياء. ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم والثاني أسس على التقوى. والثالث كان قبلة الأمم السالفة. وتقدم حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" لفضلها وشرفها على غيرها.

فلا يستقيم أن يقصد بالزيارة غيرها قال الشيخ والجويني وغيرهما يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر الحديث وأن من نذر إتيان غيرها لصلاة أو غيرها لم يلزمه غيرها. لأنه لا فضل لبعضها على بعض. ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في الأفضل لم يجزئه فيما دونه فمن نذره في المسجد الحرام لم يجزئه فيما سواه من سائر المساجد. ومن نذره في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم أجزأه فيه وفي المسجد الحرام. ومن نذره في الأقصى أجزأه فيه وفيهما.

ولأبي داود وغيره عن جابر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم يوم الفتح: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس فقال "صل ههنا" فسأله فقال "صل ههنا" فسأله فقال "شأنك إذا" ومن نذره في غير المساجد الثلاثة أجزأه في كل مسجد يجمع فيه. قال الحافظ وغيره وإن نذر إتيان غيرها لصلاة أو غيرها لم يلزمه غيرها بلا خلاف. وحكاه النووي وغيره.

واختار شيخ الإسلام في موضع: يتعين ما امتاز بمزية شرعية كقدم وكثرة جمع. والمراد بدون شد رحل. والقياس لزومه لكن ترك للخبر. ولأن الله تعالى لم يعين لعبادته موضعا فلم يتعين بالنذر سوى الثلاثة لمزيتها. وقيل ومسجد قباء. لمن كان بالمدينة. لإتيانه عليه الصلاة والسلام إليه. ويدخل في حكم المسجد ظهره عند الجمهور لعموم قوله تعالى (فِي الْمَسَاجِدِ) ورحبته المحوطة منه اتفاقا. ومنارته التي هي وبابها فيه منه وما زيد فيه منه لعموم الخبر. وقاله طائفة من السلف. واختاره الشيخ.
وقال حكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام. فيثبت له جميع أحكامه من المضاعفة وغيرها. وروي عن أبي هريرة مرفوعا "لو بني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي" وقال عمر لما زيد فيه لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة كان مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم لى الله عليه وسلم. قال ابن رجب وقد قيل إنه لا يعلم عن السلف خلاف في المضاعفة. وإنما خالف بعض المتأخرين ولأحمد في قصة الحديبية أنه كان يصلي في الحرم.

قال ابن القيم وفيه كالدلالة على أن مضاعفة الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم لا يخص بها المسجد وأن قوله "صلاة في المسجد الحرام" كقوله (أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام)  وكان الإسراء من بيت أم هانئ اهـ.ـز والمسجد الجامع أفضل لرجل تخلل اعتكافه جمعة. لئلا يحتاج إلى الخروج إليها فيترك الاعتكاف مع إمكان التحرز منه. ولا يلزم عند جمهور العلماء منهم أبو حنيفة وأحمد. وهو ظاهر مذهب الشافعي. وحكاه النووي عن مالك. لأن الخروج إليها لا بد منه كالخروج لحاجة. والخروج إليها معتاد. فكأنه مستثنى، وأجمعوا على وجوبه.
ولا يصح إن وجبت الجماعة بالاعتكاف فيما تقام فيه الجمعة وحدها لوجوب الجماعة كما تقدم. ويحرم تركها. وقال الوزير اجمعوا على أن كل مسجد تقام فيه الجماعات فإنه يصح فيه الاعتكاف. ومن لا تلزمه ففي كل مسجد كالمعذور والمرأة. سوى مسجد بيتها. حكاه الوزير وغيره إجماعا. إلا أن أبا حنيفة جوزه والسنة الصحيحة أولى بالاتباع. ولانتفاء حكم المسجد عنه في سائر الأحكام.

ولو أجزأ لفعله أزواج النبي صلى الله عليه و سلم. واعتكف بعض نسائه معه في المسجد وهي مستحاضة ترى الدم. وربما وضعت تحتها الطشت من الدم. رواه البخاري، وسئل ابن عباس عن امرأة جعلت عليها أن تعتكف في مسجد نفسها ببيتها فقال بدعة. وأبغض الأعمال إلى الله البدع. ويسن استتار معتكفه بخباء في مكان لا يصلي فيه الرجال. ويباح لرجل منه لاعتكافه صلى الله عليه و سلم في قبة.

 (وعن عائشة) رضي الله عنها (كان) رسول الله صلى الله عليه و سلم (إذا اراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه) متفق عليه. فدل على أن أول وقت الاعتكاف بعد صلاة الفجر. والحديث ظاهر في ذلك وكانت عادته صلى الله عليه و سلم أنه لا يخرج من منزله إلا عند الإقامة. وهذا قول أحمد وإسحاق. وحمله بعض أهل العلم على الجواز. وأولوا الحديث فقالوا إنه دخل من أول الليل. ولكن إنما يخلو بنفسه في المكان الذي أعده للاعتكاف بعد صلاة الصبح. ولا يخفى بعده.
أما إن نذره كالعشر الأخير أو عشر ذي الحجة. وكشهر بعينه دخل معتكفه قبل الزمن المنذور اعتكافه. لأن أوله الغروب فيدخل عند أول جزء من الليل. وهو قبيل الغروب من اليوم الذي قبل نذر اعتكافه. وخبر عائشة في التطوع والتطوع يشرع فيه متى شاء. واستحب أهل العلم لمن اعتكف العشر الأخير منه أن يبيت ليلة العيد في معتكفه ويخرج منه إلى المصلى. ليصل طاعة بطاعة قال أحمد هكذا حديث عمرة عن عائشة. وقاله مال. وذكر أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه و سلم وأنه بلغه عن أهل الفضل الذين مضوا. وعن إبراهيم كانوا يستحبون ذلك.

ولما ورد من الترغيب في قيام ليلة العيد. وقال ابن الماجشون إنه السنة المجمع عليها.
وأما المنذور فلا يخرج إلا بعد آخر يوم منه اتفاقا. ليستوفي جميعه. وإن نذر اعتكاف العشر الأخير فنقص الشهر أجزأه اتفاقا. بخلاف ما لو نذر عشرة أيام من آخر الشهر فنقص يوما قضى يوما اتفاقا. وإن فاتته العشر قضاه خارج رمضان. لفعله عليه الصلاة والسلام في العشر الأول من شوال.

والأولى من قابل لا سيما لطلب ليلة القدر. وإن نذر زمنا معينا تابعه ولوأطلق اتفاقا. إلا في رواية عن الشافعي. لاقتضاء ذلك. سواء كان اعتكافا أو صوما. وإن نوى عددا فله تفريقه.

 (ولهما عنها) أنها قالت (إنه ليدخل على رأسه) صلوات الله وسلامه عليه (وهو) معتكف (في المسجد فأرجله) أي تمشط شعره وتنظفه وتحسنه. وفي رواية أنها كانت ترجله وهي حائض. وهو معتكف في المسجد. وهي في حجرتها يناولها رأسه. أي فتمشطه وفيه دليل على أن من أخرج بعض بدنه من المسجد لم يقدح في صحة اعتكافه. وهو اتفاق.

وإن خرج جميعه مختارا عمدا له منه بد بطل أتفاقا. وإن قل. وأنه يجوز للمعتكف التنظف والتطيب والحلق والغسل والتزين إلحاقا له بالترجيل. والجمهور أنه لا يكره فيه إلا ما  يكره في المسجد. وفيه أن الحائض طاهرة. وأن تناول المرأة رأس زوجها وترجيله ولمس جلده بغير لذة مباح وإنما يمنع مباشرتها بلذة قالت (وكان لا يدخل البيت) إذا كان معتكفا (إلا لحاجة) وفي لفظ إلا لحاجة الإنسان. وفسرها الزهري بالبول والغائط.

وأجمع أهل العلم على استثنائهما. وإلا لم يصح لأحد اعتكاف. لأنه لا يسلم من ذلك. وكقيء بغتة. وطهارة واجبة. وغسل منتجس يحتاجه. لأنه في معنى البول والغائط. وجمعة وشهادة لزمتاه إجماعا. ومرض يتعذر القيام معه اتفاقا. وقال الوزير وغيره أجمعوا على أنه يجوز للمعتكف الخروج إلى ما لا بد له منه كحاجة الإنسان والغسل من الجنابة والنفير والخوف الفتنة ولقضاء عدة المتوفى عنها زوجها ولأجل الحيض والنفاس.

وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور له إتيانه بمأكل ومشرب لعدم من يأتيه بهما من غير أن يأكل ويشرب في بيته.

ويجوز عند الشافعي لما فيه من ترك المروءة. ويستحي أن يأكل وحده. وكما لا يبطل الاعتكاف فلا ينقص مدته. لأنه كالمستثنى عادة. لكونه إما واجبا وإلا يسيرا مباحا لحاجة. وقام مع صفية إلى بيتها.

 (ولأبي داود عنها) رضي الله عنها (قالت السنة) أي الطريقة المتبعة (على المعتكف أن لا يعود مريضا) وله عنها "كان يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه". وفي الصحيحين عنها إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما اسأل عنه إلا وأنا مارة (ولا يشهد جنازة) فدل على أنه لا يجوز للمعتكف أن يخرج من معتكفه لعيادة مريض ولا لتشييع الجنازة ولا لما يماثلهما من القرب ما لم يتعين عليه ذلك مع عدم من يقوم به.

فلا يزور قريبا ولا يتحمل شهادة ولا يؤديها. ولا يغسل ميتا ونحو ذلك. فلا يخرج لكل قربة لا تتعين عليه اتفاقا. لأن له منه بدا كغيره. وإن تعين فله الخروج له لتعينه كالجمعة وشهادة لزمتاه لوجوبهما بأصل الشرع. وإن اشترط في ابتداء الاعتكاف الخروج إلى عيادة مريض وشهود جنازة وكل قربة لم تتعين عليه وما له منه بد كعشاء في بيته فله شرطه. وقال في المبدع وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين. وقاله الشافعي وأحمد وغيرهما. وقال الوزير وهو الصحيح عندي.

قال إبراهيم كانوا يستحبون للمعتكف هذه الخصال. لا الخروج للتجارة والتكسب بالصنعة في المسجد. ولا الخروج لما شاء فلا يجوز اشتراطه لأنه ينافي الاعتكاف صورة ومعنى. وإن خرج لما لا بد منه فباع واشترى أو سأل عن مريض أو غيره ولم يعرج أو يقف لذلك جاز اتفاقا. وإن قال متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه. وإذا زال العذر فعليه الرجوع. إلى اعتكاف واجب.

 (ولا يمس امرأة ولا يباشرها) المارد بالمباشرة هنا الجماع قرينة ذكر المس قبلها. وتقدم نقل الإجماع على ذلك. ويؤديه ما رواه الطبراني وغيره عن قتادة في سبب نزول الآية }وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ{ أنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقي امرأته فجامعها إن شاء فنزلت الآية. وفسرتها السنة. وأجمع أهل العلم على بطلان الاعتكاف بالجماع. والمنع من المس بشهوة. وجوازه بدونها.

وفي هذه الأخبار ونحوها أنه يستحب للمعتكف اجتناب ما لا يعنيه من جدال ومراء. وفي الحديث "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينيه" وإذا حسن إسلام المرء اقتضى ترك ما لا يعنيه كله من المحرمات والشبهات والمكروهات. وفضول المابحات في سائر الأوقات. وفي الاعتكاف أولى. فالمكروه في غيره أشد كراهة فيه حتى كره بعض أهل العلم تعليم القرآن لئلا تنصرف همته عن تدبر القرآن إلى حفظه على القراء.

فيكون قد صرف فهمه عن تدبر أسراره لنفسه إلى حفظ ظاهر نطقه لغيره. وإلا فليس من عمل اللسان للمعتكف ما يعدل قراءة القرآن واستماعه. وهذا كله إشارة إلى أن الاعتكاف حبس النفس وجمع الهمة على نفوذ البصيرة في تدبر القرآن. ومعاني التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. وذكر الله عز وجل فكلما جمع الفكر يناسب هذه العبادة. وكلما بسط من الفكر ونشر من الهمة ينافيها.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire