el bassaire

vendredi 8 novembre 2013

فصل في الفيء


وقسمته وما يتعلق بذلك. الفيء هو: كل مال أخذ من الكفار من غير قتال. ولا إيجاف خيل ولا ركاب. قال الشيخ وغيره خلق الله الخلق لعبادته وأعطاهم الأموال ليستعينوا بها على عبادته فالكفار لما كفروا بالله وعبدوا معه غيره لم يبقوا مستحقين للأموال. فأباح الله لعباده قتلهم وأخذ أموالهم
فصارت فيئًا أعاده الله على عباده المؤمنين. لأنهم هم المستحقون له.
وكل مال أخذ من الكفار قد يسمى فيئًا حتى الغنيمة. لقوله صلى الله عليه و سلمفي حنين "ليس لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس وهو مردود عليكم" لكن لما قال الله }وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ{ الآيات صار اسم الفيء عند الإطلاق لما أخذ من الكفار بغير قتال (قال تعالى: }وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ{ أي رد الله على رسوله.
يقال فاء يفيء أي رجع. وأفاءها الله }مِنْهُمْ{ أي من بني النضير أو من الكفرة.
}فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ{ أجريتم على تحصيله من الوجيف. وهو سرعة السير }مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ{ ما يركب من الإبل غلب فيه كما غلبك الراكب على مركوبه (إلى قوله }مَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ{ قال ابن كثير أي ما قاتلتم الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة. بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسوله صلى الله عليه و سلم. فأفاءه الله على رسوله. ولهذا تصرف فيه كما يشاء. فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله في هذه الآيات.

وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم. طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقسمها بينهم. كما فعل بغنائم خيبر. فبين الله في هذه الآيات أنها فيء. لم يوجف عليه المسلمون خيلًا ولا ركابًا. ولا قطعوا إليها مسافة. ولا نالوا مشقة. ولم يلقوا حربًا. }وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير{ لا يغالب ولا يمانع.

}مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ{ }مِنْ أَهْلِ الْقُرَى{ أي جميع البلدان التي تفتح هكذا. فحكمها حكم أموال بني النضير.
وهذا بيان للأول فلذلك لم يعطف عليه. ولهذا قال }فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ{ فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه. قال تعالى: }كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ{ أي كيلا يبقى مأكله يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها بمحض الشهوات والآراء. ولا يصرفون منها شيئًا إلى الفقراء.

}وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ{ أي مهما أمركم به فافعلوه }وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا{ أي مهما نهاكم عنه فاجتنبوه. فإنه إنما يأمركم بخير وينهاكم عن شر }وَاتَّقُوا اللَّهَ{ في مخالفة أمره }إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب{ لمن خالف. ثم بين حال الفقراء المستحقين لمال الفيء، }وأنهم الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ{، }وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ{. ثم ذكر الذين من بعدهم إلى قوله: }رَؤُوفٌ رَّحِيم{ فأخبر تعالى أن ما أفاء على رسوله صلى الله عليه و سلمبجملته لمن في هؤلاء الآيات. ولم يخص منه خمسه بالمذكورين بل عمم وأطلق واستوعب.

ويصرف على المصارف الخاصة. وهم أهل الخمس. ثم على المصارف العامة وهم المهاجرون والأنصار وأتباعهم إلى يوم الدين. قال الشيخ والذي عمل به صلى الله عليه و سلمهو وخلفاؤه هو المراد من هؤلاء الآيات. ولذلك قال عمر ما أحد من المسلمين إلا له في هذا المال نصيب إلا العبيد. وقرأ }مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ{ حتى بلغ }وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ{ فقال هذه استوعبت المسلمين عامة. قال الشيخ ولا حق للرافضة في الفيء وليس لولاة الأمور أن يستأثروا منه فوق الحاجة. كالإقطاع يصرفونه فيما لا حاجة إليه.
والأموال التي يتولى قسمتها ولاة الأمور. ثلاثة: مال المغانم وهي لمن شهد الوقعة إلا الخمس والفيء. وهو ما ذكره الله في قوله: }مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ{ الآيات }فَمَا أَوْجَفْتُمْ{ حركتم وأعملتم وسقتم. وهو ما صار للمسلمين بغير إيجاف خيل ولا ركاب. وذلك عبارة عن القتال. أي ما قاتلتم عليه. فما قاتلوا عليه كان للمقاتلة. وما لم يقاتلوا عليه فهو فيء. لأن الله أفاءه على المسلمين فإنه خلق الخلق لعبادته وأحل لهم الطيبات ليأكلوا طيبًا ويعملوا صالحًا. والكفار عبدوا غيره فصاروا غير مستحقين للمال. فأباح للمؤمنين قتالهم. وأن يسترقوا أنفسهم. وأن يسترجعوا الأموال منهم. فإذا أعادها الله إلى المؤمنين فقد فاءت. أي رجعت إلى مستحقيها. وهذا الفيء يدخل في جزية الرؤوس التي تؤخذ من أهل الذمة. وما يؤخذ منهم من العشور. وأنصاف العشور.
وما يصالح عليه الكفار من المال الذي يحملونه. وغير ذلك. ويدخل فيه ما جلوا عنه وتركوه خوفًا من المسلمين. كأموال بني النضير. وذكر تعالى مصارفه، فقال }مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ{ إلى }رَؤُوفٌ رَّحِيم{ فهؤلاء المهاجرون والأنصار ومن جاء بعدهم إلى يوم القيامة. ومنه ما ضربه عمر على أهل الأرض التي فتحها عنوة ولم يقسمها. كأرض مصر والعراق إلا يسيرًا. وبر الشام وغير ذلك.

قال واتفق العلماء أنه يصرف منه ارزاق الجند. ومذهب أبي حنيفة ومالك والمشهور في مذهب أحمد والشافعي أنه لا يختص به المقاتلة. بل يصرف في المصالح كلها. وعلى القولين يعطي من فيه منفعة عامة لأهل الفيء قال وإذا كان للمصالح فيصرف منه إلى كل من للمسلمين به منفعة عامة. كالمجاهدين و ولاة أمورهم. من ولاة الحرب وولاة الديوان. وولاة الحكم ومن يقرئهم القرآن. ويفتيهم ويحدثهم ويؤمهم في صلاتهم. ويؤذن لهم.

ويصرف منه في سد ثغورهم وعمارة طرقاتهم. وحصونهم. ويصرف منه إلى ذوي الحاجات منهم أيضًا. ويبدأ فيه بالأهم فالأهم. فيقدم ذوو المنافع الذين يحتاج المسلمون إليهم على ذوي الحاجات الذين لا منفعة فيهم. هكذا نص عليه عامة الفقهاء من أصحاب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم. قال ولا يعطى غني شيئًا حتى يفضل عن الفقراء، هذا مذهب الجمهور. كمالك وأحمد في الصحيح من الروايتين عنه. ومذهب الشافعي تخصيص الفقراء بالفاضل.

والمال الثالث زكاة أموال المسلمين. فمصرفه ما ذكره الله في كتابه. قال وجمهور العلماء على أن الفيء لا يخمس. كقول مالك وأبي حنيفة وأحمد. وهو قول السلف قاطبة. وهو الصواب فإن السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلموخلفائه تقتضي أنهم لم يخمسوا فيئًا قط. وصوب أن مال الخمس والفيء سواء.
وقال اتفق المسلمون على أن من مات ولا وارث له معلوم فماله يصرف في مصالح المسلمين. ومثله المظالم المجهول أربابها. وما اجتمع من بيت المال. ولم يرد إلى أصحابه. فصرفه في مصالح أصحابه والمسلمين أولى. من صرفه فيما لا ينفع أصحابه أو فيما يضر.
 (وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلمقال أيما قرية أتيتموها فأقمتم فيها) قال القاضي يحتمل أن يكون المراد الذي لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب بل صالحوا عليه.
(فسهمكم فيها) أي حقكم من العطايا كما يصرف الفيء (وأيما قرية عصت الله ورسوله) وأخذت عنوة (فإن خمسها لله ورسوله) أي تكون غنيمة يخرج منها الخمس (ثم هي لكم) أي باقيها للغانمين رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
فدل على أن الأرض المغنومة للغانمين. حكمها حكم سائر الأموال التي تغنم. وأن خمسها لأهل الخمس. وأربعة أخماسها للغانمين. وقال الشيخ مذهب الأكثرين أن الإمام يفعل ما هو الأصلح للمسلمين من قسمها وحبسها. قال وإذا قسمها فمقتضى كلام المجد وغيره أنه يخمسها. وعموم كلام أحمد والقاضي وقصة خيبر أنها لا تخمس. لأنها فيء وليست بغنيمة. لأن الغنيمة لا توقف. وليس في الفيء خمس. ورجح ذلك.
وقال لو جعلها الإمام فيئًا صار ذلك حكمًا باقيًا فيها دائمًا. فإنها لا تعود إلى الغانمين. وقال الموفق وغيره لا نعلم أن بلدًا فتح عنوة قسم بين الغانمين. إلا خيبر نصفها قسم فصار لأهله لا خراج عليه. وسائر ما فتح عمر ومن بعده لم يقسم منه شيء.
(وقال عمر) -رضي الله عنه- (اتركها) أي الأرضين المغنومة (خزانة لهم) مدخرة للمسلمين غير مقسومة أسهمًا بين الغانمين (يقتسمونها رواه البخاري) يقتسمون خراجها. وأول الخبر "أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببانا ليس لهم من شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه و سلمخيبر. ولكني أتركها خزانة لهم" فوقفها -رضي الله عنه- وضرب عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم.
قال عمر بن عبد العزيز من سأل عن مواضع الفيء فهو ما حكم فيه عمر بن الخطاب فرآه المؤمنون عدلاً موافقاً لخبر "جعل الله الحق على لسان عمر" وقال الشيخ جمهور الأئمة رأوا أنما فعله عمر من جعل الأرض المفتوحة عنوة فيئاً حسن جائز. وأن حبسها بدون استطابة الغانمين. ولا نزاع أن كل أرض فتحها لم يقسمها. وقال ابن القيم الذي كان عليه سيرة الخلفاء الراشدين يقسم خراجها في مصالح المسلمين.
وقال جمهور الصحابة والأئمة بعدهم على أن الأرض ليست داخلة في المغانم التي تجب قسمتها. وهذه كانت سيرة الخلفاء ولما قال بلال وذووه أقسمها قال اللهم أكفنيهم فما حال عليهم الحول. ثم وافق سائر الصحابة عمر. وكذا جرى في سائر البلاد. وكان الذي رآه هو عين الصواب. ولا يصح أن يقال إنه استطاب نفوسهم ووقفها برضاهم.
وقال إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسمها. وإن اختلفوا في كيفية إبقائها بلا قسمة فظاهر مذهب أحمد أن الإمام مخير فيها تخيير  مصلحة. فإن كان الأصلح للمسلمين قسمتها قسمها. وإن كان الأصلح أن يقفها على جماعتهم وقفها. وإن كان الأصلح قسمة البعض ووقف البعض فعله. فإن رسول الله صلى الله عليه و سلمفعل الأقسام الثلاثة.
قال الشيخ وقول الجمهور أعدل الأقوال وأشبهها بالكتاب والسنة والأصول. وهم الذين قالوا يخير الإمام تخيير رأي ومصلحة لا تخيير شهوه ومشيئة. وقال في الأرضين المغنومة تنقلت أحوالها كالعراق فإن خلفاء بني العباس نقلوه إلى المقاسمة. ومصر رفع عنها الخراج من مدة لا أعلم ابتداءها وصارت الرقبة للمسلمين وهذا جائز في أحد قولي العلماء.

(وضرب) عمر -رضي الله عنه- على الأرضين (الخراج) على كل جريب درهماً وقفيزاً. وهو ثمانية أرطال. قيل بالمكي. والجريب عشر قصبات في مثلها والقصبة ستة أذرع بذراع عمر وهو ذراع متوسط وقبضة وإبهام قائمة. فيكون الجريب ثلاثة آلاف ذراع وستمائة مكسراً. وما ضربه هو أو غيره من الأئمة فليس لأحد تغييره لأنه حكم من الإمام.

ولا نقض لما فعله النبي صلى الله عليه و سلممن وقف أو قسمة أو فعله الأئمة بعده. ولا يغير. لأنه نقض للحكم اللازم. وإنما التخيير والاستئناف فيما استؤنف فتحه. ما لم يتغير السبب بأن غلت الأرض أو رخصت فيغير المسبب لتغير سببه. قال الشيخ ولو يبست الكروم بجراد أو غيره أو بعضها سقط من خراجها بقدر ذلك. وإذا لم يمكن الانتفاع بها ببيع أو إجارة أو غيرها لم تجز المطالبة بخراجها.
(وقال) عمر -رضي الله عنه- (ليس أحد من المسلمين) على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم (أحق بهذا المال) يعني الفيء
ونحوه (من أحد) بل المسلمون فيه على حد سواء بحسب منازلهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلموفي لفظ لأبي داود وغيره عنه ما أنا بأحق بهذا المال منكم وما أحد منا بأحق به من أحد إلا أنا على منازلنا من كتاب الله وقسم رسوله وهو ما بينه بقوله (للفقراء المهاجرين) إلى آخر الآيات من سورة الحشر وما دل عليه من تفاصيل المسلمين في ترتيبه طبقاتهم. من ذكر السابقين والمهاجرين ومن بعدهم.

وقد دون الدواوين وقدر الأعطية كل بحسبه ولم يكن لأحد ديوان في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلمبل عمر هو أول من دونها فهو من سنته التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلمباتباعها. وظهرت مصلحتها وحاجة الناس إليها. وقال -رضي الله عنه- (إنما هو الرجل وسابقته) أي في الإسلام. وفي لفظ وقدمه وهو من كان من السابقين الأولين فإنه يفضلهم في العطاء لسبقهم.
(والرجل وغناؤه) بفتح الغين وهو الذي يغني عن المسلمين في مصالحهم كولاة أمورهم ومعلمهم وأمثال هؤلاء. (والرجل وبلاؤه) أي شجاعته وثباته الذي ابتلى به في سبيل الله. والمراد مشقته وسعيه واجتهاده في قتال الأعداء. -قال رضي الله عنه- (والرجل وحاجته) أي مقدار حاجته وفي لفظ وفاقته. فإنه كان -رضي الله عنه- يقدم الفقراء. وفي لفظ وعياله أي ممن يمونه.
فلا مزية لأحد في أصل الاستحقاق. وإنما التفاوت في التفاضل بحسب اختلاف المراتب والمنازل. وإما بتنصيص الكتاب والسنة. وإما بحسب بلائه. وإما لشدة احتياجه وكثرة عياله. وذكر شيخ الإسلام نحو هذا أيضاً ثم قال وإذا عرفت أن العطايا بحسب منفعة الرجل وبحسب حاجته في مال المصالح. وفي الصدقات أيضًا. فما زاد على ذلك لا يستحقه الرجل إلا كما يستحق نظراؤه. وليسوا ملاكًا كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم"والله إني لا أعطي أحدًا ولا أمنع أحدًا. وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت".
وقال ونص العلماء على أنه يجب أن يقدم في مال الفيء والمصالح أهل المنفعة العامة وإذا كان العطاء لمنفعة المسلمين لم ينظر إلى الآخذ هل هو صالح النية أو فاسدها. وإنما العطاء بحسب المصلحة الدينية. فكلما كان لله أطوع ولدينه أنفع فالعطاء فيه أولى. وإعطاء محتاج إليه في إقامة دين الله وقمع أعدائه وإظهاره وإعلائه أعظم من إعطاء من لا يكون كذلك. وإن كان الثاني أحوج.
وذكر أنه اختلط في هذه الأموال المرتبة السلطانية الحق والباطل. فأقوام من ذوي الحاجات والعلم لا يعطى أحدهم كفايته ويتمزق جوعًا. وهو لا يسأل. ومن يعرفه فليس عنده ما يعطيه. وأقوام يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله. وقوم لهم رواتب أضعاف حاجاتهم. وقوم ينالون جهات كالمساجد وغيرها. فيأخذون معلومها. وقوم آخذون ما لا يستحقون. ويأخذون فوق حقهم. ويمنعون من هو أحق منهم حقه أو تمام حقه.
ولا يستريب مسلم أن السعي في تمييز الحق من غيره والعدل بين الناس وفعله بحسب الإمكان هو من أفضل أعمال ولاة الأمور. بل ومن أوجبها عليهم. قال ولا يجوز للإمام أن يعطى أحدًا ما لا يستحقه لهوى نفسه من قرابة بينهما أو مودة أو نحو ذلك. وليس لولاة الأمور أن يقسموها بحسب أهوائهم كما يقسم المالك ملكه. فإنما هم أمناء ونواب ووكلاء.
(وقال صلى الله عليه و سلم) فيما رواه عنه عمرو بن تغلب النمري (إني أعطي أقوامًا) وفي لفظ قومًا (أخاف ظلعهم) أي انقطاعهم واعوجاجهم وتأخرهم (وجزعهم) أي وأخاف قلة صبرهم إذا لم أعطهم. فيتألفهم ويثبتهم بالعطاء (وأكل أقوامًا) اعتمادًا وثقة وطمأنينة (إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير) المانع لهم من الهلع والجزع بل (والغنى) الذي أودعه الله في قلوبهم. وتقدم "أن الغنى غنى النفس" والغناء بالمد الكفاية وفي لفظ بالقصر ضد الفقر. (رواه البخاري) وأول الحديث "أعطى قومًا ومنع آخرين" فكأنهم عتبوا عليه فقال ذلك.
قال الشيخ ويجوز بل يجب الإعطاء لتأليف من يحتاج إلى تأليفه وإن كان لا يحل له أخذ ذلك. كما في القرآن. وكما كان النبي صلى الله عليه و سلميعطي المؤلفة من الفيء. قال وإن كان ظاهره لعطاء الرؤساء وترك الضعفاء كما فعل الملوك. فالأعمال بالنيات. فإن كان المقصد بذلك مصلحة الدين وأهله كان جنس عطاء النبي صلى الله عليه و سلموخلفائه. وإن كان المقصود العلو في الأرض كان من جنس عطاء فرعون.

وذكر أن الغنيمة والخراج لمصالح المملكة. وبها يجتمع الجند على باب السلطان. فينفذ أحكام الشرع. ويحمي البيضة. ويمنع القوي من ظلم الضعيف. ويوصل كل ذي حق حقه. فلو فرقه غيره تفرقوا عنه. وزالت حشمته وهيبته. وطمع فيه. فجر ذلك إلى الفساد. وذكر أن الله علق الأمر بالإنفاق الذي هو السخاء والقتال الذي هو الشجاعة. وأن هذا مما اتفق عليه أهل الأرض.
وأن الناس افترقوا أربع فرق فريق غلب عليهم العلو في الأرض فصاروا نهابين وهابين. نظروا في عاجل دنياهم. وأهملوا آخرتهم. فعاقبتهم رديئة في الدنيا والآخرة. وفريق عندهم خوف من الله ودينهم يمنعهم عما يعتقدونه قبيحًا من ظلم الخلق. وفعل المحارم. لكن قد يعتقدون أن السياسة لا تتم إلا بما يفعله أولئك من الحرام. وربما اعتقدوا إنكار ذلك واجبًا كالخوارج.
والفريق الثالث الأمة الوسط. دين محمد صلى الله عليه و سلموخلفائه على عامة الناس وخاصتهم إلى يوم القيامة، وهو إنفاق المال في المنافع للناس. فإن كانوا رؤساء فبحسب الحاجة إلى صلاح الأحوال. وإقامة الدين والدنيا التي يحتاج إليها الدين. وعفته في نفسه، فلا يأخذ ما لا يستحقه فيجمعون بين التقوى والإحسان. ولا تتم السياسة الدينية إلا بهذه الطريقة.
وهذا هو الذي يطعم الناس ما يحتاجون إلى إطعامه. ولا يأكل هو إلا الحلال الطيب. ثم هذا يكفيه من الإنفاق أقل مما يحتاج إليه الأول، فإن الذي يأخذ لا لنفسه تطمع إليه النفوس ما لا تطمع في العفيف. ويصلح به الناس في دينهم ما لا يصلحون بالثاني. وأما من يأخذ لنفسه. ولا يعطي غيره. فهذا القسم الرابع شر الخلق. لا يصلح به دينه ولا دنياه. كما أن الصالحين أرباب السياسية الكاملة هم الذين يعطون ما يصلح الدين بعطائهم. ولا يأخذون إلا ما أبيح لهم. ويغضبون لربهم إذا انتهكت محارمه. ويعفون عن حقوقهم. وهذه أخلاق رسول الله صلى الله عليه و سلم في بذله. وهي الأكمل.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire