el bassaire

samedi 16 novembre 2013

أخذ العمولة على خطاب الضمان

أخذ العمولة على خطاب الضمان
قضايا فقهية معاصرة الدكتور محمد هندو

سألني أحد الإخوة المقاولين عن حكم التعامل مع صندوق ضمان الصفقات العمومية، حيث يلجأ المقاولُ إلى هذا الصندوق ليعطيه خطابا )صكّا( يضمن بموجبه الصندوق أن يسدِّد لطرف ثالث )الذي يُموِّل المقاول( ما يعجز المقاول عن تسديده حال فشله أو تأخّره أو عدم وفائه بإنجاز المشروع على الوجه
المتفق عليه، حيث لا يقبل المموِّل أن يموِّل المقاول إلاّ بوجود من يضمنه، وقد يأخذ الصندوق رهنا من المقاول يغطِّي الدَّين المتوقَّع تسديده إمّا كليا أو جزئيا، وقد لا يأخذ، ويشترط الصندوق لتقديم هذا الضمان أن يأخذ من المقاول نسبة )% 2( أو نحوها من أرباح المشروع.

والجواب: التكييف الشرعي لخطاب
الضمان الذي يقدِّمه الصندوق للطرف المموِّل يدور بين الوكالة، والكفالة، ففي حالة وجود غطاء
للضمان، وهو الرهن الذي يرهنه المقاول، أو الودائع الاستثمارية التي يودعها المقاول في البنك، إذا كان هذا الغطاء يكفي لسداد قيمة التمويل؛ فالمقاول يكون قد وكَّل الصندوق بأن يسدِّد من ماله الخاصّ، وينحصر عمل الصندوق في هذه الحالة في تنضيض الرهن وتحويله إلى أموال سائلة ببيعه ونحو ذلك، أو في مجرّد ضمان السداد في حالة كون المال سائلاً، في هذه الحالة يجوز للصندوق أن يأخذ أجرًا على هذا العمل )زيادة على أجر إصدار الصك وكلّ ما يتعلّق بذلك من عمل إجرائي(؛ لأنّ الوكالة تجوز بأجر وبغير أجر، لكن يُشترط أن يكون بأجر المثل، أي: ألا يتجاوز الأجر مثل ما يؤخذ في ذلك العمل عرفا، ولهذا يجب أن يكون أجرا مقطوعا، أي محدّدا، ولا يجوز أن يكون نسبةً من أرباح إنجاز المشروع؛
لأنّ هذه الوكالة لا تختلف تكلفتها وأتعابها باختلاف المشاريع، وأنواعها، وقيمتها، ومدّتها، فأخذ النسبة أخذٌ لأكثر من أجر المثل.

أمّا في حالة عدم وجود غطاء للضّمان، أي: أنّ الصندوق لا يأخذ من المقاول أيّ رهن، ولا يكون للمقاول أيّ ودائع في ذلك الصندوق، بل يضمن الصندوق سداد الدّين المتوقّع من ماله، فهذه كفالة، وقد اتفق الفقهاء أنّ الكفالة عقد إرفاق وإحسان، وأنّها من باب المروءات، ولا يجوز أخذ الأجر عليها، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: )الزّعيم غارم(، فالزّعامة )الكفالة( غُرم، وليست غُنما، قال الإمام مالك: )لا  خير في الحمالة ]الكفالة[ بجُعل(، وقال الإمام الشافعي: )الكفالة استهلاك مال، لا كسب مال(، وقال النووي: )الضّمان غرر كلُّه بلا مصلحة(، وقال الدردير: )وأمّا صريح ضمان بجُعْل فلا خلاف في منعه؛ لأنّ
الشارع جَعَل الضمان والجاه والقرض لا تُفعل إلاّ لله تعالى، فأخذ العوض عليها سُحْت(، والكفالة بعد السداد تصبح قرضا، وأخذ الأجرة على ذلك ربا، لأنّه قرضٌ جرّ نفعا.

وقول بعض الباحثين: يجوز أخذ الأجرة على المخاطرة التي يخاطرها الصندوق؛ جوابه: لو جاز أخذ الأجر على مخاطرة الكفالة التي هي مجرّد استعداد لسداد الدّين -فقد لا يتمّ السداد حالَ وفاء المقاول بالتزاماته-؛ لجاز أخذ الأجر على القرض من باب أولى؛ لأنه سدادٌ فعلي، بينما يحرم ذلك اتفاقا.

وقوله: يجوز أخذ الأجر على الجاه، والصندوق إنّما يوثق في ضمانه بسبب جاهه )سُمعته( الناشئ
عن ملاءته المالية، والملاءة المالية لا تأتي إلاّ بعد عمل مُحترم، فالكفالة ناشئةٌ عن عمل محترم يصحُّ أخذ
الأجر عليه؛ جوابه: حتى الإقراض لا يكون إلاّ من مليء عادة، والملاءة لا تأتي إلاّ بعد عمل محترم، ومع ذلك لا يجوز للمقرض أن يأخذ أجرا على إقراضه، إنّ معنى الإرفاق لا يتحقّق إلاّ بين مليء ومحتاج، غني وفقير، ولو أنّ المليء يأخذ أجرا على كلّ عمل يقدّمه للمحتاج؛ لانهدم معنى الإرفاق والإحسان.

كما لا يصحّ تكييف العمولة التي يأخذها الصندوق بأنّها جُعالة؛ لأنّ الجُعْل إنّما يأخذه العامل في حال إنجازه للعمل المطلوب، أمّا في حال عدم إنجازه له فلا يأخذ شيئا، والصندوق يأخذ العمولة سواءً
قام بكفالة المقاول حال عجزه عن الوفاء بالتزاماته تجاه الطرف المموِّل، أم لم يقم بذلك حال وفاء المقاول
بالتزاماته، قال الدردير: )وعلّة المنع أنّ الغريم ]المقاول[ إن أدّى الدّين لربّه ]المموِّل[ كان الجُعل باطلا ]أي لا وجه لأخذه[، فهو من أكل أموال الناس بالباطل، وإن أدّاه الحميل ]الصندوق[ لربّه ]المموِّل[، ثمّ رجع به على الغريم ] أي: استردّه من المقاول[  كان من السلف بزيادة(. وقوله: إنّ منع أخذ الأجرة على
الكفالة يضرُّ المكفول من حيث يُراد نفعه، حيث لا يجد المكفول من يكفله بغير أجر، فيتمنّى أن يجد كفيلاً ولو بأجرة، فمنعُه من ذلك إضرار به، جوابه: تحويل عقود الإرفاق إلى عقود معاوضة بحجّة عدم وجود المتبرّعين يقضي على التبرّعات ومقاصدها بالكامل، ويزيد من حدّة تداول المال بين الأغنياء، ومن حدّة الطبقية في المجتمع، وتكثير التبرّعات له سبيل آخر، هو تربية الوازع الديني، والترغيب فيما عند الله من ثواب الآخرة، وهذا منهج القرآن: )من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة(، )مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء(، فتجويز أخذ الأجرة على الكفالة يجعلها حُكرةً على من يدفع، ومن لا يجد ما يدفع لا
يجد من يكفله.

هذا، وفي حال كون الغطاء جزئيا؛ فالضّمان وكالةٌ في الجزء المغطَّى، و كفالةٌ في غير المغطّى، فلا يجوز أخذ الأجر على كفالة الجزء غير المغطّى، ونقترح على صندوق ضمان الصّفقات العمومية ونحوه من البنوك التي تستربح من خطابات الضمان بديلا شرعيا هو الشركة بمختلف أنواعها أن تشترك مع
المقاولين بنسبة معينة، ويكون الاشتراك في الغنم والغرم.

وهذا الجواب الذي حرّرناه هو ما قرّره مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمره 22 ديسمبر - الثاني بجدّة، بتاريخ: 28 1985 م، وهو ما تتبنّاه هيئات الرقابة الشّرعية في كثير من البنوك الإسلامية، كهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسّسات المالية الإسلامية في كتابها: )المعايير الشّرعية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire