el bassaire

vendredi 3 janvier 2014

فصل في المضطر

فصل في المضطر

أي في بيان حكم ما يباح للمضطر تناوله مما حرم عليه، كالميتة ومال الغير، والمضطر من أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شيء من ذلك، والأصل في إباحته له الكتاب والسنة والإجماع (قال تعالى: }فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ{ أي جهد في مجاعة تخمص لها البطون، والاضطرار الوقوع في الضرورة، والمخمصة خلو البطن من الغذاء، يقال رجل خميص البطن، إذا كان طاويًا خاويًا، أي فمن وقع في ضرورة فله تناول شيء من المحرمات التي ذكر الله في هذه الآية. وهي قوله: }حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ{ الآية أبيحت له لضرورة الحاجة إلى ذلك تفاديًا من الموت، أو مبادية (غير متجانف لإثم) أي غير مائل إلى إثم، أو منحرف إليه، أو مختار له، أي فأكل مما تقدم تحريمه، عليه لضرورته }فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ لا يؤاخذه بأكله.
(وقال) تعالى }فَمَنِ اضْطُرَّ{ بكسر النون أي أحوج وألجئ وأصابته الضرورة إلى تناول شيء مما حرم عليه من الميتة ونحوها (غير باغ) أي في غير بغي، وأصله قصد الفساد (ولا عاد) أي متعد والعدوان مجاوزة الحد، قال ابن عباس وغيره: غير باغ في الميتة، ولا عاد في أكله، بأن يتعدى حلالاً إلى حرام يجد عنه مندوحة، وقيل: غير مجاوز القدر الذي أحل له، ولا مقصر فيما أبيح له فيدعه، حتى قيل: من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكله ولم يشرب حتى مات دخل النار، وحتى قيل إنه عزيمة. وقال ابن القيم: الباغي الذي يبتغي الميتة مع قدرته على مباح غيرها، والعادي الذي يتعدى قدر الحاجة، وقال الشيخ: غير باغ ولا عاد، صفة لضرورة الباغي، الذي يبتغي المحرم مع قدرته على الحلال، والعادي الذي يتجاوز قدر الحاجة، كما قال: }فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ{ وهذا قول أكثر السلف، وهو الصواب بلا ريب.

وقال: وليس في الشرع ما يدل على أن العاصي بسفره لا يأكل الميتة، ولا يقصر، ولا يفطر بل نصوص الكتاب والسنة عامة مطلقة، كما هو مذهب كثير من السلف، وهو مذهب أبي حنيفة، وأهل الظاهر، وهو الصحيح اهـ، فدلت الآيتان على إباحة المحرمات عند الاضطرار، حضرًا وسفرًا، لأنها مطلقة غير مقيدة، ولأن الاضطرار يكون في الحضر والسفر، ولفظ }فَمَنِ اضْطُرَّ{ عام في كل مضطر وفسر بعضهم غير الباغي أنه غير الطالب ما ليس له طلبه، بأن يأخذ ذلك من مضطر آخر مثله }فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *{ لا يؤاخذه بذلك.

قال الشيخ: والمضطر يجب عليه أكل الميتة في ظاهر مذاهب الأئمة الأربعة وغيرهم، لا السؤال قال: وليس له أن يعتقد تحريمها حينئذ ولا يكرهها، وإباحتها له لأن مصلحة بقاء النفس مقدم على دفع تلك المفسدة، مع أن ذلك عارض لا يؤثر اهـ، ومن محاسن الشريعة تحريم الميتة لما فيها من خبث التغذية، فإن اضطر إليها أبيحت له، وانتفى وجه الخبث منها  حال الاضطرار؛ لأنه غير مستقل بنفسه في المحل المغتذى به، بل هو متولد من القابل والفاعل، فإن ضرورته تمنع قبول الخبث الذي في المغتذى به، فلم تحصل تلك المفسدة، لأنها مشروطة بالاختيار الذي به يقبل المحل خبث التغذي فإذا زال الاختيار زال شرط القبول، فلم تحصل المفسدة أصلاً.

(وقال) تعالى: }وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{ وقبلها قوله تعالى: }الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ *{ فجمعوا بين سهوهم عن صلاتهم فأخروها عن وقتها، وبين المرءات، ومنع الماعون، كالدلو والماء والملح والنار، وغير ذلك مما تشتد الحاجة إليه، فلا هم أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولو بإعارة ما ينتفع به ويستعان به، ومع بقاء عينه ورجوع إليهم، قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما: الماعون هو ما يتعاطاه الناس بينهم، ويتعاونونه، من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك، وقال: كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم نتحدث أن الماعون والدلو والفأس والقدر، لا يستغنى عنهن.

وقال عكرمة: رأس الماعون الزكاة، وأدناه المنخل والدلو والإبرة، ويجمع ذلك ترك المعاونة بمال أو منفعة، حتى قال بعضهم: الماعون المعروف، وفي الحديث " كل معروف صدقة" وروي فيه أحاديث مرفوعة، فيكون محظورًا شرعًا، وكذا عقلاً واستدل بعض الفقهاء بعموم الآية، والتي قبلها على أن من لم يجد إلا طعام غيره، لزم صاحب الطعام بذل ما يسد رمق المضطر، ما لم يكن ربه مضطرًا إليه، أو خائفًا فإن أبى رب الطعام، مع عدم ضرورته، فللمضطر أخذه منه، بالأسهل فالأسهل، فإن منعه فله قتاله، فإن قتل المضطر ضمنه رب الطعام، بخلاف عكسه، وإن منعه إلا بما فوق القيمة أخذه ولم يلزمه إلا القيمة.

وقال الشيخ: إن كان فقيرًا فلا يلزمه عوض، إذ طعام الجائع، وكسوة العاري، فرض كفاية، ويصيران فرض عين على المعين، إذا لم يقم به غيره اهـ وإن بادر رب الطعام فباعه أو وهبه قبل الطلب صح، ويستحق المضطر أخذه من المشتري أو المتهب، وبعد الطلب لا يصح البيع، قال ابن رجب وغيره، في الأظهر قال الشيخ: وإذا وجد المضطر طعامًا لا يعرف مالكه، وميتة فإنه يأكل الميتة، إذا لم يعرف مالك الطعام، وأمكن رده إليه بعينه، وأما إذا تعذر رده إلى مالكه، بحيث يجب أن يصرف إلى الفقراء كالغصوب، والأمانات التي لا يعرف مالكها فإنه يقدم ذلك على الميتة.

(وعن أبي واقد) الليثي رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا المخمصة فما يحل لنا من الميتة قال إذا لم تصطبحوا) أي تأكلوا صباحًا وهو أول النهار، وهو الغداء، معروف عند العرب (ولم تغتبقوا) أي تأكلوا عشية والصبوح والغبوق شرب اللبن أول النهار وآخره، ثم استعملا في الأكل للغداء والعشاء (ولم تحتفئوا) بكسر الفاء أي تظهروا
(بها بقلا فشأنكم بها) البقل، هو: ما ينبت في بزره، وشأنكم بها أي: عليكم بها، وقال الأزهري: أراد إذا لم تجدوا ألبنة تصطبحونها أو شرابًا تغتبقونه، ولم تجدوا بعد عدم الصبوح والغبوق بقلة تأكلونها، حلت لكم الميتة، قال وهو الصحيح، وفي حديث العامري، قال: «ما طعامكم؟» قلنا: نغتبق ونصطبخ" قال عقبة: قدح غدوة، وقدح عشية "قال: ذاك وأبي الجوع، فأحل لهم الميتة على هذه الحال".

والآية المتقدمة دلت على أنه يجوز أكل المعتاد للمضطر في أيام عدم الاضطرار والجمهور إلى أنها الحالة التي يصل بها الجوع فيها إلى حد الهلاك، أو إلى مرض يفضي إليه، وتقدم بيان انتفاء الخبث في نحو الميتة عند الاضطرار، وقال ابن أبي حمزة: الحكمة في ذلك أن في الميتة سمية شديدة، فلو أكل ابتداء لأهلكته، فشرع له أن يجوع، ليصير في بدنه بالجوع سمية، هي أشد من سمية الميتة، والحديث (رواه أحمد) ورواه الطبراني ورجاله ثقات.
(وله) أي الإمام أحمد وأبي داود بسند جيد (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (أن أهل بيت كانوا بالحرة) أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود (فماتت عندهم ناقة) لهم أو لغيرهم ولأبي داود أن رجلا نزل الحرة ومعه أهله وولده، فقال رجل إن ناقة لي ضلت فإن وجدتها فأمسكها، فوجدها ولم يجد صاحبها فمرضت: فقالت: امرأته انحرها، فأبى فنفقت فقالت اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها، ونأكله فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتاه فسأله، فقال: هل عندك غنى يغنيك، قال: لا (فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في أكلها، قال فعصمتهم بقية شتائهم أو سنتهم) فدل الحديث على جواز تناول المضطر من الميتة ما يكفيه، كما هو نص القرآن ولا خلاف في ذلك.

(وعن ابن عمر) رضي الله عنهما (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال «لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه» متفق عليه وفيه «أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته» أي الغرفة التي يجمع فيها الطعام "فينتثل طعامه؟ وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم.

ولأحمد من حديث اليثربي " لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه".

فدل الحديث وما في معناه على أنه لا يحل أن يحلب ماشية غيره إلا بإذنه لنهيه صلى الله عليه و سلم عن ذلك، وبالغ حتى شبه ما في ضروع المواشي من اللبن بالمشربة، وفي حفظها لما فيها من الطعام، فكما أن هذه يحفظ فيها الإنسان طعامه، فتلك تحفظ له شرابه، وهو لبن ماشيته، وكما أن الإنسان يكره دخول غيره إلى غرفة طعامه لأخذه كذلك يكره حلب غيره لماشيته، فلا يحل الجميع إلا بإذن المالك، والجمع بينه وبين ما يأتي أن النهي متناول للمحتلب غير الشارب، كالمتخذ خبنة من الثمار، وأحاديث الإباحة للمحتلب الشارب فقط.

(وعن سمرة) رضي الله عنه (مرفوعًا إذا أتى أحدكم على ماشية) أي ليحلب ويشرب (فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه) وظاهره الجواز، سواء كان مضطرًا إلى الشرب، أو لا، لعدم تقييده بحد، ولا تخصيصه بوقت، ثم قال: (فإن لم يجب فليحلب، وليشرب ولا يحمل) فأجاز التناول للكفاية فقط، ومنع من الحمل، رواه أبو داود وغيره و (صححه الترمذي) وقال ابن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح، وفي معناه أحاديث تشهد لصحته.

(ولأحمد عن أبي سعيد نحوه) ولفظه "إذا مر أحدكم بإبل فاراد أن يشرب من ألبانها، فليناد: يا صاحب الإبل أو يا راعي الإبل، فإن أجابه وإلا فليشرب.

(وقال في الحائط نحو ذلك) أي "إذا أتى أحدكم حائطًا فأراد أن يأكل فليناد: يا صاحب الحائط، ثلاثًا فإن أجابه وإلا فليأكل" ووراه ابن ماجه وأبو يعلى وابن حبان والحاكم، وغيرهم، قال ابن القيم: وذهب إلى القول بهما أحمد في إحدى الروايتين، والحديث الثالث عن ابن عمر، فذهبت طائفة إلى أنها محكمة، وأنه يسوغ الأكل من الثمار، وشرب اللبن، لضرورة وغيرها، ولا ضمان عليه وهذا المشهور عن أحمد، وقالت طائفة: لا لضرورة، مع ثبوت العوض، وهو المنقول عن الثلاثة، لقوله تعالى: }وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ{ وخبر إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" وهذا أكل بإباحة الشارع.

وقيل إن احتلب للحمل كان حرامًا، وهذا المنهي عنه، وإن كان للشرب فلا، ويدل عليه قوله في حديث عمرو بن شعيب " من أصاب منه من ذي حاجة، غير متخذ خبنة، فلا شيء عليه" ويدل على الجواز حديث عباد بن شرحبيل، ورافع ابن  عمرو.

فلأبي داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي رافع كنت أرمي نخل الأنصار، فأخذوني فذهبوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: «يا رافع لم ترم نخلهم؟» قلت: الجوع، قال «لا ترم، وكل ما وقع» صححه الترمذي، ولأبي داود من حديث شرحبيل نحوه، وقال لصاحبه "ما علمته إذ كان جاهلاً ولا أطعمته إذا كان جائعًا".

وأبي سعيد الخدري: روى عنه من يميز حديثه مع أنه موافق لغيره، مما يدل على أنه محفوظ وأن له أصلاً، ولذلك صححه ابن حبان، قال المقبلي: ووجه موافقته للقانون الشرعي، ظاهر فيمن له حق الضيافة، كابن السبيل وفي ذي الحاجة مطلقًا، وسياقات الحديث تشعر بالاختصاص بمن هو كذلك، فهو المتيقن وأما الغني الذي ليس له حق الضيافة، فمشكوك فيه، فيبقى على المنع الأصلي اهـ، وهذه الأحاديث مخصصة لحديث ابن عمر ونحوه، وحديث: "ليس في المال حق سوى الزكاة" كما ورد في الضيافة، وسد رمق المسلم
ونحوه.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire