el bassaire

vendredi 3 janvier 2014

باب الذكاة

باب الذكاة

الذكاة تمام الشيء، ومنه الذكاة في السن، أي تمامه، وسمي الذبح ذكاة لأنه إتمام الزهوق، ويأتي قوله }إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ{ أي أدركتموه وفيه حياة فأتممتموه، ثم استعمل في الذبح سواء كان بعد جرح سابق أو ابتداء، والذكاة شرعًا: ذبح أو نحر مقدور عليه مباح أكله من حيوان يعيش في البر بقطع حلقوم أو مرئ، أو عقر إذا تعذر، قال الوزير: أجمعوا على أن ما أبيح أكله من الحيوان البري لا يستباح إلا بالذكاة، وأما البحري فما أبيح منه كالسمك فلا يحتاج إلى ذكاة، وأجمعوا على أن الذبائح المعتد بها ذبيحة المسلم العاقل، والمسلمة العاقلة القاصدين للتذكية، اللذين يتأتى منهم الذبح، وأن ذبائح أهل الكتاب العقلاء معتد بها. وقال الشيخ وغيره: يشترط قصد التذكية، فلو لم يقصد الأكل وقصد حل يمينه لم تبح.

(قال تعالى: }حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ{ وهي ما مات من الحيوان حتف أنفه، من غير ذكاة ولا اصطياد لما فيها من المضرة، مضرة الدم المحتقن، فهي ضارة للدين والبدن، فلهذا حرمها الله عز وجل، ويستثنى من الميتة السمك، فإنه حلال، سواء مات بتذكية، أو غيرها كما سيأتي (والدم) يعني المسفوح منه لقوله: }أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا{ وهو المصبوب المهراق، وكان أهل الجاهلية إذا جاع أحدهم، أخذ محددًا ففصد به بعيره أو حيوانًا غيره، فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشويه ويأكله، فلهذا حرم، وأما الطحال والكبد فحلال للأخبار (ولحم الخنزير) إنسيه ووحشيه، واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم، كما هو المفهوم من لغة العرب، ومن العرف المطرد، فدل على شمول اللحم لجميع الأجزاء، من الشحم وغيره.

 (وما أهل لغير الله به) أي ذبح فذكر عليه اسم غير الله، فهو حرام، لأن الله أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم، فمتى عدل بها عن ذلك، وذكر عليها اسم غيره، من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنه حرام بإجماع المسلمين (والمنخنقة) وهي التي تموت بالخنق إما قصدًا وإما اتفاقًا بأن تتخبل في وثاقها فتموت به فهي حرام، وقال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة، حتى إذا ماتت أكلوها.

(والموقوذة) وهي التي تضرب بغير محدد، كخشب أو حجر أو غيرهما حتى تموت، قال بعض السلف: كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي، حتى إذا ماتت أكلوها، ويأتي في باب الصيد "إذا أصابه بعرضه فهو وقيذ" فلا يحل بالإجماع، وما صدمه الجارح بثقله فلم يجرحه، فرجح ابن كثير وغيره عدم حله، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد قال: وهو أشبه بالصواب، لأنه أجرى على القواعد الأصولية، وأمس للأصول الشرعية واستدل بحديث " ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل" (والمتردية" وهي التي تتردى من مكان عال، أو في بئر فتموت.
(والنطيحة) وهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها، فهي حرام، وإن جرحها القرن وخرج منها الدم، ولو من مذبحها فعيلة بمعنى مفعولة، أي منطوحة، وإنما استعملت فيها تاء التأنيث لأنها أجريت مجرى الأسماء، أو لتدل على التأنيث (وما  أكل السبع) أي ما عدى عليها السبع فأكل بعضها فماتت بذلك، فهي حرام، وإن كان قد سال الدم من مذبحها فلا تحل بالإجماع، وكان أهل الجاهلية يأكلونه.

(إلا ما ذكيتم) أي إلا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء، فذبحتموه، وفيه روح فكلوه فهو ذكي، وتقدم أن أصل التذكية الإتمام، ويقال: ذكيت النار إذا أتممت اشتعالها، والمراد هنا إتمام فري الأوداج وإنهار الدم، وأقل الذكاة في الحيوان المقدور عليه قطع المرئ والحلقوم، وكماله أن يقطع الودجين معهما، مع بقاء الحياة فيها مستقرة بأن تحرك بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح، فهي حلال، وهذا مذهب جمهور الفقهاء، فأما متى صارت هذه الأشياء المذكورة في الآية إلى حالة المذبوح فهي في حكم الميتة، فلا تكون حلالاً وإن ذبحت، واعتبر بعضهم الحركة القوية.

وقال الشيخ: إن خرج منه دم كعادة المذبوح حل، وقال بعد ذكر كلامهم في شروط تذكية المريضة ونحوها: الأظهر أنه لا يتشرط شيء من هذه الأقوال بل متى ذبح فخرج الدم الأحمر، الذي يخرج من الذكي في العادة، ليس هو دم الميت، فإنه يحل أكله، وإن لم يتحرك.

(وما ذبح على النصب) قيل النصب جمع واحده نصاب، وقيل واحد وجمعه أنصاب، وهو الشيء المنصوب، قال: قطرب: لأجل النصب، قال ابن جريج وغيره، وكانت النصب حجارة حول الكعبة ثلاث مائة وستون نصبًا كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها، وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح، ويشرحون اللحم، ويضعونه على النصب، فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب، حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله، فالذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم.

(وقال) تعالى: }وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ{ ذكر تعالى قبل هذه الآية ما أباحه لعباده، أن يأكلوا مما ذكر اسمه عليه، ومفهومه أنه لا يباح ما لم يذكر اسمه عليه، كما كان يستبيحه أهل الجاهلية، من أكل الميتة والمنخنقة والمقوذة والمتردية، ونحو ذلك، وما ذبح على النصب وغيرها، ثم قال: (وما لكم أن لا تأكلوا) أي وما يمنعكم أن تأكلوا }مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ{ }وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ{ وهو ما تقدم في الآية قبلها، ثم نهاهم أن يأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ثم قال: }وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ{ .

قال ابن القيم: وأما ذبيحة المجوسي والمرتد، وتارك التسمية، ومن أهل بذبيحته لغير الله، فنفس ذبح هؤلاء أكسب للمذبوح خبثًا، أوجب تحريمه، ولا ينكر أن يكون ذكر الأوثان والكواكب والجن على الذبيحة يكسبها خبثًا وذكر اسم الله  وحده يكسبها طيبًا، إلا من قل نصيبه من حقائق العلم والإيمان، وذوق الشريعة، وقد جعل الله ما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح فسقًا، وهو الخبيث، ولا ريب أن ذكر اسم الله على الذبيحة يطيبها، ويطرد الشيطان عن الذابح والمذبوح فإذا أخل به لابس الشيطان الذابح والمذبوح، فأثر خبثًا في الحيوان اهـ.

واستدل بعض أهل العلم بهذه الآية أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها، وإن كان الذابح مسلمًا وهو رواية عن مالك وأحمد، وقيل مستحبة، وهو مذهب الشافعي، ومذهب أبي حنيفة وجماعة من السلف والخلف سقوط التسمية سهوًا لا عمدًا، لحديث عائشة: أن ناسًا قالوا يا رسول الله: إن قومًا حديثي عهد بجاهلية يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال: «سموا أنتم وكلوا» وقال ابن عباس إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله فليأكل، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله؛ وفي مراسيل أبي داود مرفوعًا، «ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكر إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله».

ونقل أبو الحسن في كتابه الهداية الإجماع قبل الشافعي على تحريم متروك التسمية عمدًا، حتى قالوا: لو حكم حاكم بجواز بيعه لم ينفذ، لمخالفته الإجماع، وتقدم الخلاف، وقال ابن جرير من حرم ذبيحة الناسي فقد خرج من جميع الحجة، وخالف الخبر الثابت يعني " المسلم يكفيه اسمه" وفيه مقال، ومراده قول الجمهور، فإنه لا يعتبر قول الواحد ولا الاثنين مخالفًا لقول الجمهور فعده إجماعًا، ومما استدل به أصحاب هذا القول أن من تركها عامدًا لا تحل، وناسيًا تحل، قال المراد من الآية الميتات ونحوها، وما ذبح على غير اسم الله لقوله }وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ{ والفسق في ذكر غير اسم الله كما في قوله }قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ{.

وقال تعالى: }وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ{ وذلك أن المشركين قالوا: يا محمد تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله؛ فنزلت هذه الآية }وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ{ في أكل الميتة }إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ{ إن عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه، إلى قول غيره، فقدمتم عليه غيره، فهذا هو الشرك، وهذه الآية تؤيد قول من قال إن المراد بالآية الميتات، وما ذبح على غير اسم الله.

(وقال) تعالى: }وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ{ لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث، الميتة والمنخنقة إلى آخر الآية، وما أحله لهم من الطيبات قال: }الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ{ يعني الذبائح على اسم الله عز وجل، والآية عامة في جميع الطيبات ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقال: }وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ{ أي ذبائحهم، وهذا بإجماع المسلمين أن ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه ما هو منزه عنه.

قال ابن كثير: ولا يلزم من إباحة طعام أهل الكتاب إباحة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه، لأنهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم، وهو متعبدون لذلك، ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك، ومن شابههم لأنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم، بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة، بل يأكلون الميتة، بخلاف أهل الكتابين ومن شاكلهم من السامرة والصابئة، ومن يتمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء، على أحد قولي العلماء، ونصارى العرب كبني تغلب وتنوخ وبهرًا وجذام ولخم وعاملة، ومن أشبههم لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور، وأما المجوس فإنهم وإن أخذت منهم الجزية تبعًا لأهل الكتاب، فإنهم لا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم.

وقال الشيخ: كل من يدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده قد دخل في دينهم، أو لم يدخل وسواء كان دخوله بعد النسخ والتبديل أو قبل ذلك، وهو المنصوص الصريح عن أحمد، وإن كان بين أصحابه خلاف، وهو الثابت عند الصحابة بلا نزاع بينهم، وذكر الطحاوي أنه إجماع قديم، وأجمعوا على أن ذبائح الكفار من غير أهل الكتاب غير مباحة.

 وعن أحمد وغيره يحرم ما ذبحه أهل الكتاب لعيدهم، أو ليقربوه إلى شيء يعظمونه، ولو ذكروا اسم الله عليه، اختاره الشيخ، وقال ابن عقيل: يكون ميتة لقوله: }وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ{ قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: لا يؤكل، وقال الشيخ: هذا أشهر نصوص أحمد إذا نوى بها التقرب إلى غير الله، وإن سمى الله عليها، وقال: يحرم ما ذبحه الكتابي لعيده، أو ليتقرب به إلى شيء يعظمه، نص عليه، وقال تعالى: }وَطَعَامُكُمْ{ أي أيها المسلمون }حِلٌّ لَهُمْ{ فيحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم، كما أكلتم من ذبائحهم وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة، وحديث: "لا تصحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي" محمول على الندب والاستحباب.

(وقال) تعالى: }أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ{ أي ما يصاد منه طريًا وطعامه ما يتزود منه مليحًا يابسًا، والمراد بالبحر جميع المياه، مالحة كانت أو حلوة، وعن ابن عباس، صيده ما اصطيد وطعامه ما رمي به (وتقدم) أي حديث "أحلت لنا ميتتان ودمان" في كتاب الأطعمة "أما الميتتان فالجراد والحوت" فيحل بدون ذكاة بالاتفاق وكذا ما طفى منه، عند الجمهور، وكذا الدبا والجندب يحل بدون ذكاة، سواء مات بسبب كبسه، أو تغريقه، وهو قول عامة أهل العلم.

(وقوله) أي وتقدم قوله "في البحر: هو الطهور ماؤه" يعني في باب المياه (الحل ميتته) يعني السمك وتقدم أن الجمهور على إباحة ميتة البحر، سواء ماتت بنفسها أو ماتت بالاصطياد، وأنه لا خلاف في حل السمك، على اختلاف أنواعه، للآية واستثنى الضفدع للخبر، والسرطان والتمساح، ونحوه للاستخباث، والضرر اللاحق من السم.

(وعن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (ألقى البحر) أي طرح على جانبه (حوتًا) عظيمًا (ميتًا لم نر مثله) من حيتان البحر (يقال له العنبر) وهو حوت عظيم، قد يبلغ طوله ثلاثين ذراعًا، ضخم الرأس وله أسنان (فأكلنا منه نصف شهر) وقبله قال: غزونا جيش الخبط، وأميرنا أبو عبيدة، فجعنا جوعًا شديدًا فألقى البحر حوتًا، وفيه: فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه، فمر الراكب تحته (وذكرنا ذلك) أي ما وجدوا من الحوت (للنبي صلى الله عليه و سلم فقال: كلوا رزقًا) أي هذا الحوت (أخرجه الله لكم) "أطعمونا إن كان معكم" فأتاه بعضكم بشيء، فأكله (متفق عليه) فدل على حل حيتان البحر وإن طفت على جانبه.

(ولهما) أي البخاري ومسلم وغيرهما (عن رافع) بن خديج رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله إنا لاقوا العدو غدًا) لعله عرف ذلك بخبر أو قرينة وهم بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه (وليس معنا مدي) جمع مدية وهي السكين، سميت بذلك لأنها تقطع مدي الحيوان أي عمره (فقال: ما أنهر الدم) أي أساله وصبه بكثرة، من النهر سمي به لجريانه، أي فهو حلال (وذكر اسم الله عليه فكلوا) أي حلالاً فدل الحديث على اشترط إنهار الدم، واشتراط التسمية وعلق الأذان بمجموعهما والمعلق على شيئين لا يكتفي فيه إلا باجتماعهما، وينتفي بانتفاء أحدهما.

(ليس السن) وهو العظم النابت في فم الحيوان (والظفر) مادة قرنية، تنبت في أطراف أصابع الحيوان، وفي لفظ "ما لم يكن سنًا أو ظفرًا، وسأحدثكم عن ذلك" (أما السن فعظم) أي ذلك عظم لا يحل الذبح به، ولعله قد تقرر كون الذكاة لا تحصل به، فاقتصر على قوله: "فعظم". قال النووي: أي لا تذبحوا بالعظم فإنها تنجس بالدم وقد نهيتم عن تنجيسها، لأنه زاد إخوانكم من الجن، وقال ابن القيم: هذا تنبيه على عدم التذكية بالعظام إما لنجاسة بعضها، وإما على تنجيسه على مؤمني الجن، وقال ابن الجوزي: دل على أن الذبح بالعظم كان معهودًا عندهم أنه لا يجزئ وقررهم الشارع على ذلك.

(وأما الظفر فمدى الحبشة) أي فسكين الحبشة، وهم قوم كفار، وقد نهيتهم عن التشبه بهم، وقيل لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان، ولا يقع به غالبًا إلا الخنق، وتحريم الذبح بهما مذهب جمهور العلماء، وما روي عن أبي حنيفة مستدلاً بما روي "فر الدم بما شئت" فعلى تقدير صحته هو عوام مخصوص بحديث رافع وغيره، وقال الوزير: اتفقوا على أن الذكاة بالسن والظفر المتصلين لا يجوز، وقال مالك والشافعي وأحمد والمنفصلين لا يجوز أيضًا وتقدم أن الذكاة تكون بالنحر للإبل وهو الضرب بالحديد في لبة البدنة حتى يفري أوداجها، والذبح لما عداها، وهو قطع الأوداج، وهما عرقان محيطان بالحلقوم، وتقع على الحلقوم والمريء، فسميت الأربعة أوداجًا واقتصر بعضهم على الثلاثة، وقال: المريء مجرى الطعام وليس به من الدم ما يحصل به إنهاره.

وقال الشيخ: يقطع الحلقوم والمريء والودجان، والأقوى أن قطع ثلاثة من الأربع يبيح، سواء كان فيها الحلقوم أو لم يكن فإن قطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم، وأبلغ من إنهار الدم اهـ، وفيه أنه يجزئ محدد فيجزئ، السيف والسكين والحجر والخشبة والزجاج والقصب والخزف والنحاس وسائر الأشياء المحددة التي تنهر الدم، ويحصل بها القطع جرحًا وحكاه الوزير وغيره إجماعًا.

(وللبخاري) وغيره (عن كعب) بن مالك رضي الله عنه (أن امرأة) كانت ترعى الغنم لكعب (ذبحت شاة بحجر) وذلك بحده لا بثقله (فسئل رسول الله صلى الله عليه و سلم) عن حل ذبيحتها (فأمر بأكلها) فدل على صحة تذكية المرأة وهو قول
جمهور العلماء، وفيه خلاف شاذ لا يلتفت له مع النص،
ولا وجه له، ودل على صحة التذكية بالحجر الحاد إذا فرى الأوداج، لأنه جاء في رواية، أنها كسرت الحجر وذبحت به، والحجر إذا كسر يكون فيه حد، ودل على جواز ذبح ما خيف، موته بغير إذن مالكه، وهو مذهب الجمهور، وعلى تصديق الأجير الأمين فيما اؤتمن عليه، حتى يتبين عليه الخيانة، فإن الأمة كانت راعية لكعب، فخشيت أن تموت فذبحتها.

(وعن عائشة) رضي الله عنها (أن قومًا) أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألونه (قالوا: يا رسول الله إن قومًا) وقد دخلوا في الإسلام (يأتوننا باللحم) من الحيوانات المباحة (لا ندري أذكر اسم الله عليه) أي عند التذكية (أم لا) أو لم يذكروا اسم الله عليه عند ذكاته (فقال) رسول الله صلى الله عليه و سلم «سموا عليه أنتم وكلوا» أجاب صلى الله عليه و سلم السائل بغير ما يترقب كأنه يقول الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله عليه، وتأكلوا منه (قالت وكانوا حديثي عهد بكفر، رواه البخاري).

وفي رواية: حديث عهدهم بالجاهلية؛ زاد مالك، وذلك في أول الإسلام؛ فدل الحديث على أنه لا يلزم أن تعلم التسمية فيما يجلب إلى أسواق المسلمين، ولا ما ذبحه الأعراب من المسلمين، لأنهم قد عرفوا التسمية، ولأن المسلم لا يظن به إلا الخير إلا أن يتبين خلاف ذلك.

(ولمسلم) وغيره (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه قال (نهى صلى الله عليه و سلم أن يقتل شيء من الدواب صبرًا) أي حبسًا، وهو إمساكه حيًا ثم يرمى به حتى يموت؛ ولمسلم وغيره أيضًا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه و سلم قال: «لا تتخذوا شيئًا  فيه الروح غرضًا» أي هدفًا ولعن من فعله.

(وله) أي لمسلم أيضًا في صحيحه (عن شداد بن أوس) ابن ثابت النجاري، ابن أخي حسان، مات سنة ثمان وخمسين (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: «إن الله كتب الإحسان» ضد الإساءة أي أوجب الإحسان (على كل شيء) من سائر الحيوانات (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) بكسر القاف، لتريحوا المقتول، وذلك من الإحسان به (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) ليحصل راحة الذبيحة وخلاصها من الألم، والذبحة بالكسر ما يذبح من الحيوان، وبالفتح الفعل نفسه، فالإحسان يتناول الحسن شرعًا وعرفًا وذكر منه الإحسان في القتل لأي حيوان، بهيمي أو آدمي حتى في حد وغيره ثم وضع بعض كيفيته فقال:

(وليحد أحدكم شفرته) بفتح الشين وسكون الفاء، أي سكينه، ولأحمد مرفوعًا "أمر أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم" (وليرح ذبيحته) ويكون ذلك بإحداد السكين، والاتكاء عليها بقوة، وتعجيل إمرارها، وحسن الصنيعة في الذبح.

قال النووي: ويستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى، ولا يجرها إلى مذبحها وللدارقطني "ولا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق" أي لا تشرعوا في شيء من الأعمال المتعلقة بالذبيحة قبل أن تموت.

وقال الشيخ: في هذا دليل على أن الإحسان واجب على كل حال، حتى في إزهاق النفس ناطقها وبهيمها فعلى الإنسان أن يحسن القتلة للآدميين، والذبحة للبهائم اهـ. ولا يجوز الإحراق بالنار، لما روي «لا تعذبوا بالنار فإنه لا يعذب بها إلا ربها» فيحرم وقيل يحرم شيء: كل من السمك والجراد حيًا.

(وعن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ذكاة الجنين ذكاة أمه، رواه الخمسة) وفي لفظ "ذكاة الجنين بذكاة أمه" وللبيهقي "في ذكاة أمه" معللاً بأن ذكاة الأم ذكاة له فإنه جزء من أجزائها، والذكاة قد أتت على جميع أجزائها وأجزاء المذبوح لا تفتقر إلى ذكاة مستقلة، وهذا هو القياس الجلي، لو لم يكن في المسألة نص، كيف وقد اتفق النص والأصل. وقال ابن القيم: من قال ذكاة أمه بالنصب فقوله باطل من وجوه والحديث له طرق وتكلم بعضهم فيه.
وقال الجويني: لا يتطرق احتمال إلى متنه، ولا ضعف إلى سنده، وبمجموعها يحتج به، وصححه ابن حبان، وابن دقيق العيد، وفيه عن جماعة من الصحابة ما يؤيد العمل به، والجمهور على أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه ميتًا بعد ذكاتها فهو حلال، مذكى بذكاة أمه.

وقال ابن المنذر: لم يرو عن أحد من الصحابة ولا من العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه، إلا ما يروى عن أبي حنيفة، وذلك لصراحة الحديث فيه أنه يحل بذكاة أمه مطلقًا سواء خرج حيًا أو ميتًا، وقال: كان الناس على إباحته، لا نعلم أحدًا منهم خالف ما قالوه إلى أن جاء النعمان فقال: لا يحل، واتفقوا على أنه إن خرج حيًا يعيش مثله لم يبح إلا بالذبح.

(وعن رافع) بن خديج رضي الله عنه (قال: ند بعير) أي نفر من إبل القوم وكانوا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم، ولم يكن معهم خيل (فرماه رجل بسهم) السهم النبل) ونبله رماه به (فحبسه) أي أصابه السهم فوقف (فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن لهذه البهائم أوابد) أي توحشًا (كأوابد الوحش) أي شديد الهرب من حيوان البر (فما فعل منها هذا) أي فما ند منها كما يند أوابد الوحش (فافعلوا به هكذا) متفق عليه.

فدل على جواز أكل ما رمي بالسهم فجرح في أي موضع كان من جسده، بشرط كونه متوحشًا كما نص عليه الشارع، أو كان وحشيًا، وهو مذهب الجمهور، وقالوا فيما إذا وقع بعير أو بقرة أو شاة في بئر، فلم يقدر عليه إلا أن يطعن في سنامه أو عقره، فإنها تنتقل ذكاته من الذبح والنحر إلى العقر، إلا أن مالكًا قال: لا يجوز إلا أن يذكي، وقال أحمد لعله لم يسمع حديث رافع.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire