el bassaire

vendredi 3 janvier 2014

باب القطع في السرقة

باب القطع في السرقة

وهي أخذ مال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع واتفقوا على وجوبه في الجملة إذا جمع أوصافًا منها المسروق الذي يقطع في جنسه، ونصاب السرقة، وأن يكون السارق على أوصاف مخصوصة، وأن تكون السرقة على أوصاف مخصوصة، وأن يكون المسروق منه مخصوصًا، ومن حكمته تعالى أنه كلما كانت نعمه على العبد أتم، كانت عقوبته، إذا ارتكب الجرائم، أكبر جمعًا بين حكمة الزجر وحكمة نقصه، فحيث كانت الجناية بسرقة الأموال دون الجناية على الأبدان، وهي دونه، جعل عقوبتها قطع الطرف، كما أن القذف لما كان دون ذلك جعلت عقوبته الجلد، وحيث كان شرب المسكر أقل مفسدة، جعلت عقوبته دون ذلك.
والسارق إنما قطع دون المنتهب والمختلس، لأنه لا يمكن التحرز منه، فصان الله الأموال بإيجاب قطع سارقها، وخص السرقة لقلة ما عداها بالنسبة إليها من الانتهاب والغصب.
(قال تعالى: }وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ{ قدم السارق لوجود السرقة غالباً في الذكور، وقال }فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا{ وقرأ ابن مسعود "فاقطعوا أيمانهما" قال الشيخ: وبذلك مضت السنة اهـ. والحكم عند جميع أهل العلم موافق لهذه القراءة لا بها، فالقراءة عند الجمهور }فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا{ واتفق أهل العلم على وجوب قطع السارق والسارقة إذا جمع أوصافًا تأتي إن شاء الله تعالى.
فتقطع يمناه من مفصل الكف، لقول أبي بكر وعمر: تقطع يمين السارق من الكوع، وتحسم وجوبًا لما روي مرفوعًا «اقطعوه واحسموه» وذلك بغمسها في زيت مغلي لينقطع الدم؛ واختار الشيخ وغيره عدم اشتراط مطالبة المسروق منه بماله لهذه الآية، وهو مذهب مالك، كإقراره بالزنا بأمة غيره، وقال: الذي غرضه سرقة أموال الناس ولا غرض له في شخص معين، فإن قطع يديه واجب ولو عفا عنه رب المال.
وقال الوزير: أجمعوا على أن السارق إذا وجب عليه القطع وكان ذلك أول سرقته، وهو صحيح الأطراف أنه يبدأ بقطع يده اليمنى من مفصل الكف ثم يحسم اهـ، ولهذا قال تعالى }جَزَاءً بِمَا كَسَبَا{ أي مجازاة على صنيعهما }نَكَالًا مِنَ اللهِ{ أي تنكيلاً من الله بهما، على ارتكاب ذلك العمل السيء }وَاللهُ عَزِيزٌ{ في انتقامه }حَكِيمٌ{ في أمره وشرعه وقدره.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: لعن الله السارق) تقدم أن اللعن يكون بالفعل ويكون بالقول (يسرق البيضة) وللكشميهني بيضة الحديد (فتقطع يده) من أجلها (ويسرق الحبل فتقطع يده أي من أجل سرقته (متفق عليه) ولمسلم «إن سرق بيضة قطعت يده، وإن سرق حبلاً قطعت يده» وذلك أنها لما خانت هانت، وإن كانت في باب الجنايات بخمسمائة دينار، فإنها لما كانت أمينة كانت ثمينة وذلك من حكمة الله تعالى والمصلحة ففي باب الجنايات ناسب أن تعظم، لئلا يجني عليها، وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار، لئلا يسارع الناس في سرقة الأموال، فاحتاط الشارع للموضعين، للأموال والأطراف، وظهرت الحكمة في الجانبين، وكان في ذلك صيانة من الطرفين، قال الشافعي رحمه الله:
     هناك مظلومة غالت بقيمتها    وههنا ظلمت هانت على الباري
فدل الحديث على أنها تقطع يد السارق في نحو البيضة والحبل، إذا بلغت قيمته ربع دينار فصاعدًا وفيه تحقير شأن السارق وتهجين فعله، وتعظيم ما جني على نفسه وخسارة ما ربحه من السرقة، بما تقل قيمته، وأنه إذا تعاطى هذه الأشياء الحقيرة، وصار ذلك خلقًا له، جرأه على سرقة ما هو أكثر من ذلك مما يبلغ قدره أضعاف أضعاف ما قدره الشارع.
(ولهما عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه و سلم قطع في مجن) بكسر الميم وفتح الجيم الترس، أي أمر بقطع سارق مجن (قيمته ثلاثة دراهم) وفي لفظ لهما عن عائشة: لم تقطع على عهد النبي صلى الله عليه و سلم إلا في ثمن مجن حجفة أو ترس، فالمعتبر قيمته، وفي لفظ ثمنه ثلاثة دراهم، ولعله لتساويهما في ذلك الوقت، أو في عرف الراوي، أو باعتبار الغلبة، وإلا فالمعتبر القيمة، ولابن أبي شيبة عن عروة، كان السارق في عهد النبي صلى الله عليه و سلم يقطع في ثمن المجن، وكان المجن يومئذ له ثمن، ولم يكن يقطع في الشيء التافه.
(وفيهما عن عائشة) رضي الله عنها (مرفوعًا: لا تقطع يد سارق) وفي رواية لم تكن تقطع (إلا في ربع دينار فصاعدًا) وهذا مذهب الجمهور، ولا تقطع فيما لا تبلغ قيمته ربع دينار، ولأحمد «ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك» وفي تخصيص ا لقطع بهذا القدر حكمة ظاهرة، فإنها كفاية المقتصد في يومه، له ولمن يمونه غالبًا؛ ولأنه لابد من مقدار يجعله ضابطًا لوجوب القطع، والجمهور على اشتراط النصاب، ربع دينار من الذهب، وثلاثة دراهم من الفضة، لهذا الحديث، وحديث ابن عمر وغيرهما.
وأتى عثمان بسارق سرق أترجة قومت بثلاثة دراهم، من حساب الدينار باثني عشر، فقطع وعلي قطع في ربع دينار، قال الشافعي: ربع الدينار موافق الثلاثة الدراهم، وذلك أن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم اثنا عشر درهمًا بدينار، وكان كذلك بعده، ولهذا قومت الدية اثنى عشر ألفًا من الورق، وألف دينار من الذهب.
قال الوزير: اتفقوا على أنه إذا اشترك جماعة في سرقة يحصل لكل واحد منهم نصاب، أن على كل واحد منهم القطع.

 (وعنها) أي عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأسامة) بن زيد رضي الله عنهما، وذلك أن قريشًا أهمهم أمر المخزومية التي سرقت، فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم، من يجترئ عليه إلا أسامة، فكلمه فيها، فقال: «أتشفع في حد من حدود الله» أي أن يترك وكان قد سبق علم أسامة بأنه لا شفاعة في حد.
فاستفهامه استفهام إنكار (ثم خطب فقال: أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم) من الأمم الماضية (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه) فلم يقيموا عليه الحد (وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) وجاء "وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه" (متفق عليه) وفيه "وأيم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" وهي رضي الله عنها قد أعاذها الله من أن تسرق، وإنما قاله مبالغة في تثبيت إقامة الحد.
فدل الحديث على النهي عن الشفاعة في الحدود وفي رواية أنه قال لأسامة لما شفع «لا تشفع في حد، فإن الحدود إذا انتهت إلي فليست بمتروكة» ولأبي داود من حديث عمرو بن شعيب «تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب» ومن حديث ابن عمر «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره». وقال الوزير: إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع، ويأتي قوله لصفوان «هلا كان ذلك قيل أن تأتيني به» وغير ذلك مما فيه النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت السلطان، مما تعاضدت على تحريم الشفاعة بعد البلوغ إلى الإمام وأنه يجب على الإمام إقامة الحد، وحكى ابن عبد البر وغيره الإجماع على ذلك.
وحكى الاتفاق على جواز الشفاعة في التعزيرات لا في الحدود وقال: لا أعلم خلافًا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة، ما لم تبلغ السلطان، وأن على السلطان أن يقيمها إذا بلغته، وذكر عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس ومن لم يعرف بأذاهم أنه لا بأس بالشفاعة فيه ما لم تبلغ
السلطان.
(ولمسلم عنها) رضي الله عنها قالت: (كانت امرأة تستعير المتاع) هي المخزومية واسمها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد، عمها أبو سلمة، وكانت تستعير الحلي كما في النسائي وغيره (وتجحده فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقطع يدها).
وفي مصنف عبد الرزاق: أن فلانة تستعير حليًا فأعارتها إياه فمكثت لا تراه فجاءت إلى التي استعارت لها فسألتها، فقالت: ما استعرتك شيئًا، فرجعت إلى الأخرى فأنكرت فجاءت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فسألها فقالت: ما استعرت منها شيئًا فقال: «اذهبوا إلى بيتها تجدوه تحت فراشها» فأتوه وأخذوه فأمر بها فقطعت.
فدل الحديث على أنه يجب القطع على جحد العارية، وهو مذهب أحمد، وقال لا أعرف شيئًا يدفعه، والجمهور على خلافه ورده ابن القيم، وقال الجحد داخل في اسم السرقة، وهو الصحيح لموافقة القياس والحكمة فلا يمكن المعير الإشهاد، ولا الإحراز بمنع العارية شرعًا وعادة وعرفًا ولا فرق بين من توصل إليه بالسرقة أو العارية وجحدها، وقال: ضرره مثل ضرر السارق أو أكثر، وترتيب القطع على جاحدها طريق إلى حفظ أموال الناس.
(وعن أبي أمية) المخزومي رضي الله عنه، عداده في أهل الحجاز، روى عنه أبو المنذر هذا الحديث (قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بلص) أي جيء بسارق (قد اعترف) اعترافًا أي أقر إقرارًا صحيحًا (ولم يوجد معه متاع) أي من المسروق منه (فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ما إخالك) بكسر الهمزة أي ما أظنك (سرقت) قاله درءًا للقطع وتلقينًا للرجوع عن الاعتراف (قال: بلى) أي قال: سرقت (فأعاد عليه) النبي صلى الله عليه و سلم مرتين أو ثلاثًا) شك من الراوي، وجيء بالسارق (فأمر به فقطع) وقال: استغفر الله (رواه أبو داود) وأحمد والنسائي وابن ماجه، وقال الحافظ: رجاله ثقات.
فدل الحديث على الاستثبات في حقه، لاحتمال ظنه القطع، ومذهب أحمد أنه لا يقطع إلا بإقراره مرتين، ويأتي أن سارقًا أقر عند علي مرتين فأمر بقطعه.
وعن أحمد يثبت بإقراره مرة، وهو مذهب الجمهور أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم، فلا يفتقر إلى التكرار لقصة سارق رداء صفوان وغيره، لكن يعتبر أن يصف السرقة فيذكر شروطها من النصاب والحرز وإخراجها منه، وأنه لا شبهة له في المسروق، ولا يقطع إلا بشهادة عدلين يصفان السرقة، بذكر شروطها، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه على أن قطع السارق يجب إذا شهد بالسرقة شاهدان حران مسلمان، ووصفا ما يوجب القطع.
وقال ابن القيم: ولم يزل الخلفاء والأئمة يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار، فإنهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، ووجود المال معه نص صريح، لا يتطرق إليه شبهة، وذكر في قصة حيي إقرار المكره إذا ظهر معه المال، وأنه إذا عوقب وظهر عنده قطعت يده، قال: وهو الصواب بلا ريب، لوجود المال، وقال الشيخ في تقديم القيافة، مثل أن يدعي أنه ذهب من ماله شيء، ويثبت ذلك، فيقص القائف أثر الوطء من مكان إلى آخر، فشهادة القائف أن المال دخل إلى هذا الموضع، توجب أحد أمرين، إما الحكم وإما أن يكون لوثًا يحكم به مع اليمين للمدعي، وهو الأقرب. فإن هذه الأمارة ترجح جانب المدعي، واليمين مشروعة في أقوى الجانبين اهـ. وإن ادعى السارق أن ما أخذه من الحرز ملكه، بعد قيام البينة، فقال أحمد وأبو حنيفة لا يقطع، وسماه السارق الظريف، قال أحمد: ما لم يكن معروفًا بالسرقة.
 (وللحاكم من حديث أبي هريرة) أي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «اذهبوا به) » أي بالسارق «فاقطعوه» أي اقطعوا يده اليمنى لما تقدم «ثم احسموه» بالمهملتين، والحسم الكي بالنار، أي يكوي محل القطع لينقطع الدم، لأن منافذ الدم تنسد، وإذا ترك فربما استرسل الدم فأدى إلى التلف، ويحسم بزيت أو دهن مغلي، لتنسد أفواه العروق فينقطع الدم، والحديث أيضًا رواه البزار، وقال: لا بأس بإسناده وله شواهد.
وهو دليل على مشروعية الحسم حفظًا للنفس، وينبغي أن يقطع بأسهل ما يمكن، بأن يضبط لئلا يتحرك فيجني على نفسه، وتشد يده، وتجر حتى يتعين المفصل، ثم يوضع نحو سكين ويجر بقوة ليقطع في مرة واحدة، وإن علم قطع أو هي من هذا قطع به، لأن الغرض التسهيل عليه، وأجرة القاطع والحاسم من بيت المال، وقيمة الدواء الذي يحسم به منه لأن ذلك واجب على غيره.
(وفي السنن) الأربعة والسنن الكبرى للبيهقي (عن فضالة) بن عبيد رضي الله عنه (ثم أمر بها) أي يد السارق بعد أن قطعت وحسمت (فعلقت في عنقه) وفي لفظ أن فضالة سئل عن تعليق يد السارق في عنقه من السنة فقال: نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قطع سارقًا ثم أمر بيده فعلقت في عنقه، وله عنه أن عليًا قطع سارقًا فمر به ويده معلقة في عنقه، وفي رواية أنه أقر عنده سارق مرتين فقطع يده وعلقها في عنقه فكأني أنظر إلى يده تضرب صدره.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (مرفوعًا إن سرق) أي شخص (فاقطعوا يده) أي اليمنى (ثم إن سرق) أي مرة أخرى (فاقطعوا رجله) أي اليسرى (رواه الدارقطني) وهو قول أبي بكر وعمر، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، فكان إجماعًا وقال الوزير: أجمعوا على أنه إن عاد فسرق ثانيًا ووجب عليه القطع أنه تقطع رجله اليسرى من مفصل الكعب ثم تحسم، ومذهب أحمد إن عاد حبس حتى يتوب.
وعنه يقطع في الثالثة والرابعة وهو مذهب مالك والشافعي، فتقطع في الثالثة يسرى يديه، وفي الرابعة يمنى رجليه، ولأبي داود جيء بسارق فقال: «اقتلوه» فقالوا: إنما سرق ثم جيء به في الثانية، ثم في الثالثة، ثم في الرابعة، فقال: «اقتلوه» فقتلوه وقال محمد بن المنكدر: قد أتي بابن النعمان في الرابعة فلم يقتله، وقال الشافعي: القتل منسوخ بهذا الحديث وغيره، وأنه مما لا اختلاف فيه.
وعند بعضهم يباح، بحيث يكون من المفسدين في الأرض، وقياس قول الشيخ إن السارق كالشارب في الرابعة يقتل عنده إذا لم يتب، بل هو أولى عنده لأن ضرره أعظم، وأجمعوا على أنه من لم يكن له الطرف المستحق قطعه قطع ما بعده، وكذلك إن كان شل من الطرف المستحق قطعه، بحيث لا يقطع فيها، قطع ما بعده، إلا ما روي عن أبي حنيفة واشتراط مطالبة المسروق منه بماله فيه نظر، عملاً بإطلاق الآية والأحاديث وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما.
(وعن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه (مرفوعًا) أي أنه صلى الله عليه و سلم قال: «ليس على خائن» قطع والخائن هو الآخذ المال خفية من مالكه، مع إظهاره له النصيحة والحفظ «ولا منتهب» أي وليس على منتهب قطع، والمنتهب هو المغير، من النهبة وهي الغارة والسلب والمراد هنا هو ما كان على جهة الغلبة و القهر ومرأى من الناس فيمكنهم أن يأخذوا على يديه ويخلصوا حق المظلوم، أو يشهدوا له عند الحاكم.
(ولا مختلس قطع) والمختلس هو السالب للشيء الخاطف له من غير غلبة، ولو مع معاينة المالك، من اختلسه إذا سلبه، فإنه لا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ لا يمكنه الاختلاس.
والمقصود أنه ليس على هؤلاء المذكورين قطع بخلاف السارق، وهو الآخذ المال خفية فيقطع بشرطه (رواه الخمسة) فدل الحديث على أن الخائن والمنتهب والمختلس لا قطع عليه، وإنما القطع على آخذ المال خفية كما هو مفهوم الحديث مع ما تقدم وغيره قال الوزير: اتفقوا على أن المختلس والمنتهب والغاصب على عظم جنايتهم وآثامهم لا قطع على واحد منهم اهـ.
لكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب والنكال، والحبس الطويل والعقوبة بما يراه الحاكم، وقال ابن القيم: إنما قطع السارق دون المنتهب والمغتصب لأنه لا يمكن التحرز منه، فإنه ينقب الدور، ويهتك الحرز ويكسر القفل، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضًا وعظم الضرر واشتدت المحنة. ولهذا قطع النباش، وجاءت السنة بقطع جاحد العارية وتقدم وقال: قصر طائفة في لفظ السارق حيث أخرجوا منه نباش القبور، ولو أعطوا لفظ السارق حقه لرأوا أنه لا فرق في حده ومسماه بين سارق الأثمان، وسارق الأكفان، وأن إثبات هذا ونحوه بالنصوص اهـ.
وقطع النباش هو مذهب مالك والشافعي وأحمد وقالا يجب على من سرق من أستار الكعبة ما يبلغ ثمنه نصابًا، وقال الوزير: لا خلاف أنه لا يحل أخذ شيء من ذلك فهذا الذي يأخذ منه الجهال يزعمون أنهم يتبركون به فإنهم يأثمون به، وهو من المنكرات التي يجب إنكارها والأمر بردها إلى حيث أخذت منه.
(ولهم) أي لأهل السنن وأحمد (عن رافع) بن خديج رضي الله عنه (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه و سلم وذلك أن عبدًا سرق وديًا فرفع إلى أمير المدينة، فجاء سيده إلى رافع فمشى معه إلى مروان وأخبره أنه صلى الله عليه و سلم قال: «لا قطع في ثمر» المراد ما كان معلقًا في النخل قبل أن يجذ ويحرز، كما قال الشافعي وغيره، وقال: حوائط المدينة ليست بحرز وأكثرها تدخل من جوانبها، والثمر اسم جامع لليابس والرطب، من الرطب والعنب وغيرهما (ولا كثر) بفتح الكاف والثاء وبضم الكاف طلع النخل أول ما يبدو، أو جمار النخل وهو شحمه الذي في وسط النخلة، وللنسائي: ولا جمار، والجمار شحم النخل (صححهما) أي صحح حديث جابر وحديث رافع (الترمذي) وابن حبان وغيرهما، وقال الطحاوي في حديث رافع: تلقته الأمة بالقبول.
فدل الحديث على أنه لا قطع في سرقة الثمر والكثر والجمار، ومذهب الجمهور ما لم يحرز، فإن أحرز فعليه القطع، سواء كان على أصله باقيًا أو قد جذ وسواء كان أصله مباحًا كالحشيش ونحوه، أو لا لعموم الآية والأحاديث الواردة في اشتراط النصاب، وهذا الحديث أخرج على ما كان عليه عادة أهل المدينة من عدم إحراز حوائطها، فترك القطع لعدم الحرز فإذا أحرزت الحوائط كانت كغيرها، قال الوزير: أجمعوا على أنه يسقط القطع عن سارق الثمر المعلق على رءوس النخل، إذا لم يكن محرزًا اهـ وكالثمر والكثر البطائح والشواء والهرائس ونحوها، إذا لم تحرز وأما إذا أحرزت فيجب فيها القطع، وهو مذهب الجمهور.
(ولهم) أي للخمسة وغيرهم (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنه (مرفوعًا ليس في شيء من الماشية قطع) سواء كانت في المرعى أو غيره (إلا فيما أواه المراح) أي إلا فيما ضمه المبيت والمأوى (فبلغ ثمن المجن) الترس سمي بذلك لأنه يواري حامله (ففيه القطع) أي قطع السارق ما أواه المراح (وما لم يبلغ) أي ثمن المجن (ففيه غرامة مثليه) على الأخذ (وجلدات) نكال وفي رواية وضرب نكال.
(وقال في الثمر المعلق) يعني من خرج بشيء منه فعليه (هو ومثله معه) وفي لفظ: "غرامة مثليه (والنكال) وفي لفظ "غرامة مثليه والعقوبة" (وليس في شيء منه قطع) أي ليس من الثمر المعلق قطع وحكاه الوزير إجماعًا واختاره الشيخ وغيره (إلا فيما أواه الجرين) وهو موضع تجفيفه لكونه معدًا حرزًا له (فأخذ منه ثمن المجن ففيه القطع) لكمال شروط القطع (وما لم يبلغ ففيه غرامة مثليه) والعقوبة، وهو قول الجمهور، وذهب بعض أهل العلم، إلى أن التضعيف خاص بالثمر والكثر والجمار والماشية، للأخبار، وما عداها يضمن بمثله إن كان مثليًا أو بقيمته إن كان متقومًا، لأنه الأصل، كالمتلف والمغصوب وغيرهما مما تجب غرامته.
واختار الشيخ وجوب غرامة المثلين في كل سرقة لا قطع فيها، وأما المختلس والمنتهب والخائن وغيرهم فلا يغرم إلا مثله أو قيمته، لأنه الأصل فدل الحديث على أن لكل مال حرز يخصه، فحرز الماشية الصير، وفي المرعى بالراعي ونظره إليها، وحرز الثمار الجرين ونحوه، وحرز البقل ونحوه الشرائج والحطب الحظائر ويعتبر العرف في الكل، غير حرز الذهب والفضة ففي الأبنية الحصينة.وأسقط عمر القطع زمن المجاعة وقال: لا تقطع اليد في الغزو، ولا عام سنة، وأسقط القطع عن غلمان حاطب، لما سرقوا ناقة لرجل من مزينة، وقال: إنكم تستعملونهم وتجيعونهم، وأضعف قيمتها، ووافق أحمد على سقوط الحد في المجاعة، قال ابن القيم: وهو محض القياس ومقتضى قواعد الشرع، وهي شبهة قوية، تدرأ القطع عن المحتاج ونص العلماء، على أن الحدود لا تقام في أرض العدو وحكى أبو محمد المقدسي إجماع الصحابة.
(ولهم) أي وللخمسة (عن صفوان) بن أمية رضي الله عنه ومالك والشافعي، وصححه ابن الجارود والحاكم (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أمر بقطع الذي سرق رداءه) وكان نائمًا عليه في المسجد وسرق (فشفع فيه) بعد أن رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: «هلا كان ذلك» أي شفاعتك.
وفي رواية قال: أنا أهبها له أو أبيعها له، قال: فهلا كان ذلك (قبل أن تأتيني به) ولأحمد وغيره فقطعه، وذلك أن صفوان اضطجع بالبطحاء، إذ جاء إنسان فأخذ بردة من تحت رأسه، فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأمر بقطعه فقال: إني أعفو وأتجاوز، فقال: فهلا قبل أن تأتيني به.
فدل على أن يد السارق تقطع فيما إذا كان مالك المسروق حافظًا له، وإن لم يكن مغلقًا عليه في مكان وهو مذهب الجمهور، قال ابن رشد: إذا توسد النائم شيئا فتوسده، حرز على ما جاء في رداء صفوان، ويقطع الطرار وهو الذي
يبط الجيب ويأخذ ما فيه، وقال الوزير: اتفقوا على أن الحرز معتبر في وجوب القطع اهـ، ومذهب مالك والشافعي وأحمد أن الحرز يختلف باختلاف الأموال، وأن العرف معتبر في ذلك، ويختلف بعدل السلطان وجوره، وقوته وضعفه، و هذا أحد شروط وجوب القطع في السرقة.
والثاني أن تنتفي الشبهة، فلا يقطع بالسرقة من مال أبيه أو ولده أو مال له فيه شرك، وأن يكون المسروق محترمًا فلا قطع بسرقة آلة لهو ولا محرم كالخمر، وأن يكون المسروق نصابًا وهو كما تقدم ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، وأن يثبت بشهادة عدلين، أو بإقراره، واشترط بعضهم مطالبة المسروق منه بماله، وتقدم قول الشيخ، وإذا تمت الشروط قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت كما تقدم مفصلاً واتفقوا على أنه إذا كانت العين قائمة، فإنه يجب ردها، وإن كانت تالفة وجب الغرم والقطع عند الشافعي وأحمد.
(ولأبي داود) وغيره (عن النعمان) بن بشير رضي الله عنه (في الذين اتهموا قومًا) من الحاكة وذلك أن طائفة من الكلاعيين سرق لهم متاع، فأتوا النعمان فحبس الحاكة أيامًا ثم خلى سبيلهم، فقال الكلاعيون: خليت سبيلهم من غير ضرب ولا امتحان، فقال: إن شئتم (اضربهم) وفي رواية ما شئتم إن شئتم أن أضربهم (فإن خرج متاعكم) فذاك (وإلا أخذت لهم من ظهوركم) مثل ما أخذت من ظهورهم فقالوا: هذا حكمك، فقال: هذا حكم الله ورسوله صلى الله عليه و سلم مستدلاً بما رواه النسائي وغيره أنه صلى الله عليه و سلم حبس ناسًا في تهمة وفي رواية: رجلاً في تهمة.
فدل الحديث على أنه لا يجوز امتحان السارق بالضرب، بل يحبس بحسب ما يراه الحاكم، لفعل النبي صلى الله عليه و سلم وإن فتش عليه لقصة المخزومية جاز، أو دلت قرائن عوقب لما تقدم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire