el bassaire

samedi 4 janvier 2014

باب التعزير

باب التعزير
التعزير مصدر عزره يعزره تعزيرًا من العزر وهو الرد والمنع واللوم وشرعًا تأديب على ذنب لا حد فيه، ويسمى تعزيرًا لدفعه، ورده عن فعل القبيح، ويكون بالقول والفعل على حسب ما يقتضيه حال الفاعل، بخلاف الحد، ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، فتعزير ذوي الهيئات أخف، ويستوون في الحدود مع الناس، وتجوز فيه الشفاعة دون الحدود، والتألف به مضمون عند الشافعي وأحمد، وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، راجع إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور، بحسب الحاجة والمصلحة في كل زمان ومكان، وهو أصل من أصول الشريعة الآتية بالحكم والمصالح، والغايات المحمودة في المعاش والمعاد.

(عن أبي بردة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يجلد) روي مبنيًا للمجهول وللمعلوم ومجزومًا ومرفوعًا (فوق) أي أعلى من (عشرة أسواط) وفي رواية: عشر جلدات، وفي رواية: لا عقوبة فوق عشر ضربات، (إلا في حد من حدود الله) أي إلا ما عين الشارع فيه عددًا من الضرب (متفق عليه) فدل الحديث على أنه لا يجوز التعزير بما فوق عشرة أسواط، وهو مذهب أحمد وغيره، وذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى جواز الزيادة، وهو رواية عن أحمد إلا أنه لا يبلغ بها أدنى الحدود ويحتمل كلام أحمد أنه لا يبلغ بكل جناية حدًا مشروعًا في جنسها
ورجح الشيخ وابن القيم وغيرهما أن التعزير بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة، فيجوز قتل الجاسوس المسلم إذا اقتضت المصلحة قتله، فقد قتل عمر بن عبد العزيز غيلان القدري، وكذا من لا يزول فساده إلا بالقتل، قال ابن القيم: والمنقول عنه صلى الله عليه و سلم يوافق ذلك، فإنه أمر بالذي وطئ جارية امرأته، وقد أحلتها له مائة جلدة، وأبو بكر وعمر أمرا بجلد من وجد مع امرأة أجنبية في فراش مائة، وعمر ضرب الذي زور عليه خاتمه، فأخذ من بيت المال مائة ثم مائة، ثم في اليوم الثالث مائة، وعليه يحمل خبر «من شرب الخمر في الرابعة فاقتلوه» اهـ.
ومما يجب فيه التعزير كمباشرة دون فرج، وسرقة لا قطع فيها، وجناية لا قود فيها، والقذف بغير الزنى، وشتم بغير الزنى، وإتيان المرأة المرأة، وكالغضب والنهب والاختلاس ونحو ذلك، ولا يحتاج في إقامته إلى مطالبة، وأما الحدود المتفق عليها فحد الزنى والسرقة، وشرب الخمر، وحد المحارب وحد القذف بالزنى، والقتل في الردة، والقصاص في النفس، وأما سوى ذلك، كالقصاص في الأطراف واللواط ونحوه فاختلف فيه أهل العلم وتقدم.
(وللبخاري) في صحيحه (عن علي) رضي الله عنه (قال: ما كنت لأقيم على أحد حدًا) ممن اقترف ما يوجبه (فيموتَ) بالنصب وكذا (فأجد في نفسي) أي حزنًا عليه (إلا صاحب الخمر) أي شاربها (فإنه لو مات وديته) بتخفيف الدال وسكون الياء، أي غرمت ديته لمن يستحق قبضها، فدل الحديث على أن الخمر لم يكن فيه حد محدود من رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو من باب التعزيرات فإن مات ضمنه الإمام، وكذا كل
معزر يموت بالتعزير يضمنه الإمام، وهذا مذهب جمهور العلماء، فإنه إذا أعنت في التعزير وهو غير مأذون فيه من أصله يضمن، بخلاف الإعنات في الحد، للإذن فيه من أصله لأن الإعنات للخطأ في صفته، وفي آخر الحديث: «لأن
 رسول الله
صلى الله عليه و سلم لم يسنه» يريد والله أعلم أنه صلى الله عليه و سلم جلد جلدًا غير مقدر، ولا تقررت صفته بالجريد والنعال والأيدي، وأما من مات في حد من الحدود غير الشرب، فقال النووي: أجمع العلماء على أنه إذا جلد الإمام أو جلاده فمات فإنه لا دية ولا كفارة على الإمام ولا على جلاده، ولا بيت المال.

(وخبر النعمان) بن بشير الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه جاء من طرق بألفاظ متعددة (فيمن وطئ جارية امرأته) قال صلى الله عليه و سلم «إن كانت أحلتها لك» أي جعلت جاريتها حلالاً لك وأذنت لك فيها «جلدتك مائة» قال ابن العربي: يعني أدبته تعزيزًا وأبلغ به الحد تنكيلا، وفي لفظ لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه و سلم، وفيه فوجدوها قد أحلتها له فجلد مائة.

(رواه أبو داود) وأحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه، وروي عن غير واحد أن عليه الرجم، وقال ابن مسعود: ليس عليه حد ولكن يعزر وذهب الإمام أحمد إلى ما رواه النعمان وقال الشوكاني، هو الراجح لأن الحديث وإن كان فيه مقال فأقل أحواله أن يكون شبهة: يدرأ بها الحد اهـ ولا يسقط حد بإباحة في غير هذا الموضع، قال الشيخ: لو أحلت المرأة لزوجها أمتها إن ظن جوازه لحقه الولد، وإلا فروايتان، ويكون حرًا على الصحيح إن ظن حلها بذلك.

(وقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (في رجل وطئ أمة له فيها شرك) أي حصة ونصيب (يجلد الحد إلا سوطًا) أي فلا يبلغ به الحد كاملاً، لشبهة الشركة، فجعله تعزيزًا رادعًا لهذا وأمثاله، وتقدم أن التعزير بحسب المصلحة.

(وروي أنه) أي أن عمر رضي الله عنه (ضرب رجلاً مائة) أي مائة جلدة (على عملة خاتمًا على نقش خاتم بيت المال) وأخذ من بيت المال (وكلم فيه) إذا لم ينته (فضربه أخرى) فلم ينته عن الأخذ من بيت المال (ثم نفاه) فدل على أن التعزير بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة، قال الشيخ وتلميذه وغيرهما من السلف: التعزير منه ما يكون بالتوبيخ، ومنه ما يكون بالحبس ومنه ما يكون بالنفي من الوطن، ومنه ما يكون بالضرب، وإذا كان على ترك واجب كأداء الديون والأمانات والزكاة والصلاة فإنه يضرب مرة بعد مرة، حتى يؤدي الواجب، وعلى جرم ماض فعل منه مقدار الحاجة، وليس لأقله حد.

واختلف في أكثره على أقوال، أحدها أنه عشر جلدات، والثاني أقل الحدود، والثالث أنه بحسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، فيجتهد فيه ولي الأمر، والرابع وهو أحسنها أنه لا يتقدر لكن إن كان التعزير فيه مقدر فلا يبلغ على المباشرة حد الزنا، ولا السرقة من غير قطع حد القطع ونحو ذلك، وهذا أعدل الأقوال، وعليه دلت سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وسنة خلفائه الراشدين، فقد أمر صلى الله عليه و سلم بضرب الذي أحلت له امرأته جاريتها مائة جلدة، ودرأ عنه الحد بالشبهة، وأمر أبو بكر وعمر بضرب رجل وامرأة وجدا في لحاف واحد مائة مائة، وأمر بضرب الذي نقش على خاتمه وأخذ من بيت المال مائة، ثم في اليوم الثاني مائة، وفي الثالث مائة، وضرب صبيغًا ضربًا كثيرًا لم يعد.

ومن لم يندفع فساده في الأرض، إلا بالقتل يسوغ بالقتل مثل المفرق لجماعة المسلمين، والداعي إلى غير كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم، وقال «العمل في السلطنة الشرعية بالسياسة هو الحزم، فلا يخلو منه إمام ما لم يخالف الشرع، فإذا ظهرت أمارات العدل وتبين وجهه بأي طريق فثم شرع الله، فلا يقال إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل موافقة لما جاء به، بل جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعًا لمصطلحكم، وإنما هي شرع حق، فقد حبس صلى الله عليه و سلم في التهمة وعاقب في التهمة لما ظهرت آثار الريبة، فمن أطلق كلا منهم وخلا سبيله أو حلفه مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض، فقوله مخالف للسياسة الشرعية».
وقال: يجوز التعزير بأخذ المال وإتلافه، فالتعزير بالعقوبات المالية مشروع في مواضع مخصوصة، كسلب الذي يصطاد في حرم المدينة، وكسر دنان الخمر، وشق ظروفه، وكهدم مسجد الضرار، وتضعيف الغرم على من سرق من غير حرز، وإحراق متاع الغال، وحرمان القاتل سلبه لما اعتدى على الأمير، قال: ومن ادعى أنه منسوخ بالإجماع فقد غلط، ومحال أن الإجماع ينسخ السنة، ولو ثبت لكان دليلاً على نص ناسخ، وقول عمر وعلي والصحابة ومالك وأحمد أولى بالصواب بل هو إجماع الصحابة، فإن ذلك اشتهر عنهم في قضايا متعددة جدًا ولم ينكره منهم منكر.

وعمر يفعله بحضرتهم وهم يقرونه و يساعدونه عليه، ويصوبونه في فعله، وذلك في تحريقه قصر سعد بن ابي وقاص لما احتجب فيه عن الرعية، وتحريقه هو وعلي المكان الذي يباع فيه الخمر، وقال ابن القيم وغيره: من استمنى بيده بغير حاجة عزر إذا قدر على التزوج أو التسري، وقال ابن عقيل: إذا كان بغير شهوة حرم عليه، لأنه استمتاع بنفسه، والآية تمنع منه، وإن كان مترددًا بين الفتور والشهوة كره، وإن كان مغلوبًا يخاف العنت كالأسير والمسافر والفقير جاز، نص عليه أحمد، وروى أن الصحابة كانوا يفعلونه في غزواتهم وأسفارهم.

قال ابن القيم: والصحيح أنه لا يباح أنه صلى الله عليه و سلم إنما أرشد صاحب الشهوة إلى الصوم، وكذا قال الشيخ يحرم عند عامة العلماء، لكن إن اضطر إليه مثل أن يخاف الزنا أو المرض إن لم يفعله فرخص فيه في هذه الحال طوائف من السلف، وذكر غير واحد من الفقهاء أنه يحبس العائن وجوبًا، ولا ينبغي أن يكون فيه خلاف، لأنه من نصيحة المسلمين وكف الأذى عنهم.

(وعن عائشة) رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: أقيلوا) أمر من الإقالة أي أعفوا (ذوي الهيئات) أي ذوي الأقدار بين الناس، وأصحاب المروءات، والخصال الحميدة (عثراتهم) أي زلاتهم والهيئة الحالة التي تكون على الإنسان من الأخلاق المرضية، فإن الله خصهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم فمن كان منهم مستورًا مشهورًا بالخير، حتى كبا جواده، ونبا عضب صبره، وأديل عليه، غلبة شيطانه، فلا يسارع إلى تأديبه وعقوبته، بل تقال عثرته (إلا الحدود) أي إلا ما يوجب الحدود فإنه يتعين استيفاؤها من الشريف، كما يتعين أخذها من الوضيع (رواه أبو داود) وأحمد والنسائي والبيهقي وله طرق يشد بعضها بعضًا.

(وقال) صلى الله عليه و سلم (لرجل) قيل هو كعب بن عمرو (أصاب من امرأة ما دون الوطء) ولفظه: أصبت منها ما دون الوطء (فقال: أصليت معنا؟) وفي لفظ: أليس قد صليت معنا؟ (قال: نعم) أي صليت معكم (فتلى عليه) }أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ الليْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ{ فقال رجل من القوم أله خاصة أم للناس كافة؟ فقال: «للناس كافة» وأصله في الصحيحين وغيرهما إن كانت القصة واحدة.

وما في الصحيحين من حديث أنس: أصبت حدًا ولم يسمه ولم يسأله، ومن حديث أبي أمامة نحوه ومن حديث ابن مسعود معناه ما تقدم، ومذهب الجمهور أن المراد بالحد المطلق غير حد الزنا ونحوه، وحديث ابن مسعود مفسر ما أبهم وإن كانت متعددة فظاهر الحديث الصحيح يوجب العمل بالظاهر، وأن الصلاة تكفر ما يصدق عليه أنه يوجب الحد وأن من أقر بحد ولم يفسره لا يطالب بالتفسير، ولا يقام عليه الحد.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire