el bassaire

vendredi 3 janvier 2014

باب حكم المرتد



باب حكم المرتد

أي باب بيان حكم المرتد وما يوجب الردة من الأقوال والأفعال وغيرها، ومن يجب استتابته ومن يجوز قتله بدونها، وغير ذلك، والأصل في قتل المرتد الكتاب والسنة والإجماع والمرتد لغة الراجع واصطلاحًا الكافر بعد إسلامه طوعًا ولو هازلاً بنطق أو اعتقاد أوشك أو فعل (قال تعالى: }وَمَنْ يَرْتَدِد{ أي يرجع }مِنْكُمْ{ أيهما المسلمون }عَنْ دِينِهِ{ إلى دين اليهودية أو النصرانية أو المجوسية، أو الوثنية أو على غير دين }فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ{ أي يرجع عن دين الإسلام ثم يموت على الكفر }فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ{ النافعة }فِي الدُّنْيَا{ لما يفوتهم بالردة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام }وَالْآخِرَةِ{ بسقوط الثواب }وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{.

فدلت الآية على كفر من ارتد عن دين الإسلام بأي نوع مما يوجب الردة، ولو كان إسلامه بحق، كمن أكره على النطق بالشهادتين فنطق بهما ثم ارتد، وسواء كان رجلاً أو امرأة لقصة أم مروان، وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد إن لم يتب.

(وقال) تعالى: }إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ{ أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به }وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ{ أي ويغفر تعالى ما دون الشرك أكبره وأصغره }لِمَنْ يَشَاءُ{ من عباده ثم قال }وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا *{ وقال: }إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{ وفي الصحيحين لما قيل له: أي الذنب أعظم؛ قال " أن تجعل لله ندًا وهو خلقك" وقال "أكبر الكبائر الإشراك بالله" ولأحمد " الدواوين ثلاثة؛ فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله" وله أيضًا "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا".

(وقال) تعالى: }إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ{ فيعبد معه غيره }فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ{ فلا يدخلها من أشرك بالله }وَمَأْوَاهُ النَّارُ{ أي فقد أوجب له النار، وحرم عليه الجنة }وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ *{ أي وما للمشرك بالله الظالم المعتدي من ناصر ولا معين، ولا منقذ مما هو فيه، وفي الصحيح «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار» وروى عبد بن حميد من حديث جابر قال رجل: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك به شيئًا دخل النار" فدلت هذه الآية والأحاديث وما في معناها على عظم الشرك، وأن من أشرك بالله فقد كفر، ومن كفر بعد إسلامه وجب قتله إن لم يتب.

وقال الشيخ: ومن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم أو يتوكل عليهم كفر إجماعًا ومن جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته كفر؛ وقال: ومن شك في صفة من صفاته ومثله لا يجهلها فمرتد، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد، ولهذا لم يكفر النبي صلى الله عليه و سلم الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة

(وقال) تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ{ أي فأولئك هم الكافرون حقًا }وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ{ بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله }وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ{ أي يؤمنون ببعض رسله ويكفرون ببعضهم بمجرد التشهي والعادة، وما ألْفوا عليه آباءهم، قيل نزلت في اليهود آمنوا بموسى، وكفروا بعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء، فإن الإيمان بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض واجب فمن رد نبوة نبي من الأنبياء حسدًا أو عصبية أو تشهيًا تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعيًا إنما هو عن غرض وهوى وعصبية

ولهذا وسمهم الله تعالى بالكفر به وبرسله، وأنهم يريدون أن يفرقوا بين الله وبين رسله في الإيمان، فيقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض }وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا{ دينًا ومذهبًا يذهبون إليه، وطريقًا غير طريق الرسل، ومسلكًا، سوى مسلكهم }أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا{ أي كفرهم محقق لا محالة.بمن ادعوا الإيمان به، لأنه ليس إيمانًا شرعيًا، إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسوله، لآمنوا بنظيره، وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهانًا منه، وإنما حقق تعالى كفرهم ليعلم أن الكفر ببعضهم كالكفر بجميعهم، ثم قال: }وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا{ كما استهانوا بمن كفروا به.
فدلت الآيات وما في معناها على أن من كفر برسول من رسله، أو سبه فقد كفر، وقال الشيخ: بالإجماع، وقال: معلوم بالاضطرار من دين المسلمين، وباتفاق جميع المسلمين، أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه و سلم، فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، وقال من أطلق لعن التوراة يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وأما إن لعن دين اليهود الذي هم عليه في هذا الزمان فلا بأس عليه، ثم قال تعالى: }وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ{ أي بإيمانهم بالله وكتبه ورسله، وهم المؤمنون كما ذكر الله عنهم، يقولون: }لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ{ .
(وقال) تعالى: }ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ{ أي لا يريدونه ولا يحبونه }فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{ وسماهم تعالى كفارًا، فأول الآية قوله تعالى: }وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ{ أي سقوطًا لهم وشقاءً لهم وهلاكًا ثم قال: }وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ{ أحبطها وأبطلها بسبب كراهتهم لما أنزل الله، وقال الشيخ: أو كان مبغضًا للرسول صلى الله عليه و سلم ولما جاء به فقد كفر، وقال: ومن شفع عنده في رجل فقال: لو جاءني محمد يشفع فيه ما قبلت منه، إن تاب بعد القدرة عليه قتل، لا قبلها في أظهر قولي العلماء

(وقال) تعالى: }وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ{ أي المنافقين في غزوة تبوك لما قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء، وقيل غير ذلك، فأنزل الله }وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ{ ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم }قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ{ محمد صلى الله عليه و سلم }كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ{ توبيخ وتقريع لهم، فإنهم كاذبون في اعتذارهم وقولهم: نخوض ونلعب ونتحدث نقطع به الطريق }لَا تَعْتَذِرُوا{ فإني أعلم كذبكم }قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{ أي بهذه المقالة التي استهزأتم بها، وأظهرتم الكفر بعدما أ ظهرتم الإيمان.

(إن نعف عن طائفة منكم) فنتوب عليهم قيل إنه مخشي ابن حمير، كان يضحك ولا يخوض، وينكر بعض ما يسمع، فلما نزلت هذه الآية تاب من نفاقه، وسأل الوفاة قتلاً في سبيل الله }نُعَذِّبْ طَائِفَةً{ منكم أي: لا يعفى عن جميعكم ولا بد من عذاب بعضكم }بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ{ بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.

فمن أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين كفر بالإجماع، وقال الموفق: ينبغي أن لا يكتفى من الهازل بذلك بمجرد الإسلام حتى يؤدب أدبًا يزجره عن ذلك.

(وقال) تعالى: }وَمِنْ آيَاتِهِ الليْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ{ لما نبه تعالى على قدرته العظيمة وأن }مِنْ آيَاتِهِ{ الدالة على ذلك }الليْلُ{ الباهر بظلامه }وَالنَّهَارِ{ بضيائه }وَالشَّمْسُ{ بنورها }وَالْقَمَرُ{ بضيائه وكانا أحسن الأجرام المشاهدة في العالم العلوي والسفلي، نبه على أنهما مخلوقان عبدان من عبيده، تحت قهره تعالى وتسخيره، ونهى عن السجود لهما، وإشراكهما في عبادته.
ثم قال }وَاسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ{ فهو المستحق أن يعبد وحده }إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{ فلا تشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره، فإن الله لا يغفر أن يشرك به، ثم قال: }فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا{ عن إفراده بالعبادة، وأبو إلا أن يشركوا معه غيره }فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ{ كما قال }فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ{ فمن سجد للشمس أو للقمر أو للصنم أو نحوهما كفر بإجماع المسلمين.

(وقال) تعالى }وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ{ أي من دون الله (أولياء) يعني الأصنام }مَا نَعْبُدُهُمْ{ أي قالوا ما نعبدهم }إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى{ تقريبًا ويشفعوا لنا عند الله إلى قوله }إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ{ أي لا يرشد لدينه من كذب فقال إن الآلهة تشفع، وكفى باتخاذه الآلهة من دون الله كذبًا وكفرًا، فكفرهم تعالى باتخاذهم الشفعاء وسائط بينهم وبينه، وأخبر أنه يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون، فيفصل بين الخلائق يوم معادهم، ويجزي كل عامل بعمله، ولا يهدي من كفر بآياته وحججه، وتقدم قول الشيخ: من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم، ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم، كفر إجماعًا.



(وقال) تعالى }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا{ بالله ورسله }ثُمَّ كَفَرُوا{ أي ارتدوا عن الإسلام }ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا{ ثم ارتدوا }ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا{ على كفرهم بتكرر ردتهم، واستمرارهم على ضلالهم، وموتهم عليه، ولهذا قال: }لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ{ لموتهم على كفرهم، أو لإقامتهم عليه بدون توبة، وحكي أنه لا تقبل توبتهم، وأكثر أهل العلم على قبول توبتهم، وإنما المراد لا يغفر الله لهم ما أقاموا على كفرهم، وتقدم قوله تعالى: }إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ{ ولا يجعل لهم فرجًا ولا مخرجًا }وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا{ طريقاً إلى الحق، قال ابن عباس: }ازْدَادُوا{ تمادوا على كفرهم حتى ماتوا.

ثم قال تعالى: }بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ{ إلى قوله: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا{ من كفرهم ونفاقهم }وَأَصْلَحُوا{ أعمالهم }وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ{ اتقوا الله }وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلهِ{ الآية أراد تعالى الإخلاص بالقلب، لأن النفاق كفر القلب، فزواله يكون بإخلاص القلب }فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ{ وفي زمرتهم يوم القيامة }وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ{ أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله }وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا *{ بمن شكره، ومن آمن به جازاه أوفر الجزاء والشكر ضد الكفر، وهذه الآيات كقوله تعالى: }كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ{ إلى قوله }إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{.

(وقال) تعالى: }وَمَا يُعَلِّمَانِ{ يعني هاروت وماروت }مِنْ أَحَدٍ{ من الناس }حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ{ امتحان وابتلاء }فَلَا تَكْفُرْ{ ففيها أن تعلم السحر وعمله كفر، فمن أراد الله شقاوته تعلم السحر منهما فيكفر به، ومن سعد يتركه فيبقى على الإيمان بالله، قال ابن العباس: إذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهي، وقالا له }إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ{ وذلك أنهما علما الخير والشر، والكفر والإيمان، فعرفا أن السحر من الكفر، قال فإذا أبي عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا، فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه، فإذا تعلمه خرج من النور، فنظر إليه ساطعًا في السماء، فيقول يا حسرتاه يا ويله ماذا صنع.
}فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ{ أي فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر ما يتصرفون به }وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ{ من الأفاعيل المذمومة ما إنهم ليفرقون بين الزوجين ويؤخذ كل منهما عن صاحبه، ويبغض كل منهما إلى صاحبه، مع ما بينهما من الائتلاف وهذا من صنيع الشياطين، وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء المنظر أو الخلق ونحو ذلك أو عقدًا وبغضه ونحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة. }وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ{ بقضاء الله وقدره، ثم أخبر أنهم }وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ{ أي يضرهم في دينهم وليس له نفع }وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ{ حظ ولا نصيب }وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{

(وقال) تعالى: }مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ{ وتبصره وشرح صدره بالكفر واطمئنانه به، فله العذاب العظيم في الدنيا والآخرة، لارتداده عن دين الإسلام بعد الدخول فيه، لاستحباب الدنيا على الآخرة، وأخبر أنه طبع على قلبه وسمعه وبصره وأنه من الغافلين، وفي الآخرة هم الخاسرون }إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ{ فهو استثناء ممن كفر بلسانه، ووافق المشركين بلفظه مكرهًا، لما ناله من ضرب وأذى، وقلبه يأبى ما يقول، وهو مطمئن بالإيمان بالله والرسول.

نزلت في عمار بن ياسر أخذه المشركون فعذبوه، فوافقهم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان وأجمع أهل العلم على أن من أكره على كلمة الكفر، يجوز له أن يقول بلسانه غير معتقد بقلبه، وإن أبى حتى يقتل كان أفضل.

(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: من بدل دينه فاقتلوه) أي من بدل دين الإسلام، لأن الدين في الحقيقة هو دين الإسلام، قال تعالى: }إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ{ وقال: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ{ وللطبراني من حديث ابن عباس: من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه، وتقدم ما يحل به دم المرء وهو التارك لدينه.
فدل الحديث على أن كل من وقع منه التبديل يقتل، ومن ترك دينه يجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام، قال النووي هو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فأما من بدله في الظاهر بلا إكراه فلا نزاع في قتله، ومن بدل في الباطن ولم يثبت عليه في الظاهر فإنها تجري عليه أحكام الظاهر، ومن بدل دينه في الظاهر لكن مع الإكراه على ما تقدم فتقدم.

واستدل الجمهور بالحديث على قتل المرتدة كالمرتد، وخالفت الحنفية، وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء، وحمله الجمهور على الكافرة الأصلية، إذا لم تباشر القتال، لقوله «ما كانت هذه لتقاتل» ثم نهى عن قتل النساء، وابن عباس راوي الحديث أمر بقتل المرتدة، وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت والصحابة متوافرون، فلم ينكر ذلك أحد منهم، وفي حديث معاذ وحسنه الحافظ أنه صلى الله عليه و سلم قال له لما أرسله إلى اليمين أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وايما امرة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها، ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها، كالزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف، وقال الوزير: اتفقوا على أن المرتد عن الإسلام يجب قتله، ومذهب مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي أنه يستتاب، فإن تاب في الحال قبل منه وإلا أجل للاستتابة ثلاثًا، فإن تاب وإلا قتل.

قال: (ولا تعذبوا بعذاب الله) أي فلا تحرقوا بالنار (رواه البخاري) قال الشيخ: إذا أسلم المرتد عصم دمه وماله، وإن لم يحكم بصحة إسلامه حاكم باتفاق الأئمة، بل مذهب أحمد المشهور عنه وأحد قولي أبي حنيفة والشافعي، أن من شهد عليه بالردة فأنكر حكم بإسلامه، ولا يحتاج أن يقر بما شهد به عليه، بل بين تعالى أنه يتوب على أئمة الكفر.

(وعن معاذ بن جبل) رضي الله عنه (في رجل أسلم ثم تهود) قال الحافظ لم أقف على اسمه، وذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث أبا موسى إلى اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه إذا عند رجل موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم ثم تهود؛ فقال معاذ (لا أجلس حتى يقتل) وذلك أنا أبا موسى وضع له وسادة وقال: أنزل. فأبى حتى يقتل (قضاء الله ورسوله) وفي رواية لأحمد: قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه، ولأبي داود أن أبا موسى دعاه عشرين ليلة أو قريبًا منها، فجاء معاذ فدعاه فأبى فضرب عنقه، ولفظ الصحيحين وغيرهما (فأمر به فقتل متفق عليه) وتقدم حكاية الإجماع على قتل المرتد عن الإسلام، واختلفوا في استتابة من تكررت ردته، وفي الزنديق وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ومذهب مالك وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة، وأحمد أنه يقتل بكل حال، لفساد عقيدته، وقلة مبالاته بالإسلام.

(وقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه لما أتاه رجل من قبل أبى موسى، في رجل كفر بعد إسلامه – ما فعلته؟ قالوا: قربناه فضربنا عنقه.

فقال عمر (فهلا حبستموه) ثلاثًا وأطعمتموه كل يوم رغيفًا (واستتبتموه) لعله يتوب ويراجع أمر الله، اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني؛ رواه مالك والشافعي، وللبيهقي قال عمر: يا أنيس ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بالمشركين قال: يا أمير المؤمنين قتلوا بالمعركة فاسترجع قلت: وهل كان سبيلهم إلا القتل؟ قال: نعم كنت أعرض عليهم الإسلام، فإن تابوا وإلا أودعهم السجن.
فدل خبر عمر مع ما تقدم على استتابة المرتد، وهو قول الجمهور وحكي إجماعًا سكوتيًا، لأن عمر كتب في أمر المرتد، هلا حبستموه ثلاثة أيام، وخبر "من بدل دينه فاقتلوه" وللآية المتقدمة وغيرها، فكأن الصحابة فهموا من الخبر وغيره إن لم يرجع لقوله تعالى: }فَإِنْ تَابُوا{ وغيرها.

وعلى هذا فمن ارتد عن الإسلام وهو مكلف مختار، رجل أو امرأة، دعي إليه ثلاثة أيام، وضيق عليه وحبس لعله أن يتوب ويراجع، فإن أسلم لم يعزر، وإن لم يسلم قتل بالسيف، إلا رسول كفار فلا يقتل للخبر، ولا يقتل المرتد إلا إمام أو
نائبه.
وتوبة المرتد وكذا كل كافر بأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، لقصة اليهودي وغيره، ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه فتوبته إقراره بالمجحود به أو براءته من كل دين يخالف دين الإسلام.

(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال (إن أعمى كانت له أم ولد) أي غير مسلمة (تشتم النبي صلى الله عليه و سلم) تسبه (وتقع فيه) أي تعيبه وتذمه (فينهاها فلا تنتهي) وفي لفظ: يزجرها فلا تنزجر والمراد أنه يمنعها فلا تمتنع (فلما كان ذات ليلة) أي لما كان الأمر في ذات ليلة (أخذ المعول) بكسر فسكون المهملة سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه، أو حديدة دقيقة لها حد ماض (فجعله في بطنها واتكأ عليه) أي تحامل عليه (فقتلها) من أجل شتمها لرسول الله صلى الله عليه و سلم (فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال: ألا اشهدوا) أي على ما أحكم به (أن دمها هدر) باطل لا قصاص فيه ولا دية (رواه أبو داود) والنسائي وغيرهما، وقال الحافظ رواته ثقات.

فدل الحديث على أن من سب النبي صلى الله عليه و سلم يقتل، أما إذا فعل ذلك المسلم فقال الخطابي: لا أعلم فيه خلافًا وأما الذمي فإنه إذا لم يكف لسانه عن الله ورسوله فلا ذمة له؛ فيحل قتله، وكذا من سب نبيًا أو رسولاً أو ملكًا، لما تقدم، وقال الشيخ: من سب الصحابة أو أحدًا منهم أو اقترن بسبه دعوى أن عليًا إله أو نبي أو أن جبرائيل غلط، فلا شك في كفره.

(وعن جندب) بن عبد الله رضي الله عنه (مرفوعًا) يعني إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: «حد الساحر ضربه بالسيف» وجاء من طريق آخر أن جندب الخير جاء إلى ساحر فضربه بالسيف، وقال: سمعت رسول الله، الحديث (رواه الترمذي) وروي من حديث بريدة «حد الساحر ضربة واحدة» وبهذا الحديث أخذ أبو حنيفة ومالك وأحمد، وقال الشافعي: إن عمل ما يبلغ به الكفر، وقول الجمهور أسعد بالدليل.

(وكتب عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، رواه البخاري) عن بجالة بن عبدة، وزاد فيه قال: فقتلنا ثلاث سواحر، وقال أحمد: صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يعني عمر وجندب وحفصة، فإنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، والسحر عقد ورقي وكلام يتكلم به فاعله أو يكتبه، أو يعمل شيئًا يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة، فمنه ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه كما تقدم، وتعلمه وتعليمه وفعله حرام بلا نزاع، ويقتل الساحر المسلم، ومعتقد حله لا ذميًا إلا أن يقتل بسحره.

ويحرم طلسم، وهو خطوط وكتابة يستعملها الساحر يزعم أنها تدفع عنه كل مؤذ، ورقية بغير العربية، قال الشيخ: كل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقي به، ولو عرف معناه وجعل الألفاظ الأعجمية شعارًا ليس من دين الإسلام.

(ولهما عن ابن عمر) رضي الله عنه (مرفوعًا) أي أنه صلى الله عليه و سلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس) أي المشركين منهم (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) والمراد العلم بمعناها، والعمل بمقتضاها (وأن محمدًا رسول الله) ومن قال: إنه مسلم ولم ينطق بالشهادتين لم يحكم بإسلامه }وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ{ فهما ركنان لا يستقيم إسلام العبد إلا بهما (فإذا فعلوا ذلك) أي شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة (عصموا مني دماءهم وأموالهم) فلا يحل قتالهم حتى يأتوا بمناف للشهادتين (إلا بحق الإسلام) وهو التزام شرائعه قال أبو بكر: لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على ذلك.

ولأحمد من حديث ابن مسعود في قصة اليهودي الذي يقرأ التوراة حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه و سلم وأمته وقال هذه صفتك وأمتك أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله فقال: «آووا أخاكم» ومن كانت ردته بجحد رسالة محمد صلى الله عليه و سلم إلى غير العرب، فلا بد أن يشهد أن محمدًا صلى الله عليه و سلم بعث إلى الناس كافة، ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه فتوبته مع الشهادتين إقراره بما جحده من ذلك، وإن قال: أنا مسلم، ولا أنطق بالشهادتين لم يحكم بإسلامه، وإن أسلم المرتد وإلا صار ماله فيئًا من موته مرتدًا..

ومن جحد عبادة من الخمس أو حكمًا ظاهرًا مجمعًا عليه إجماعًا قطعيًا كفر، ومن جحد شيئًا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها، أو شيئًا من الحلال المجمع عليه ومثله لا يجهله كفر، لمعاندته الإسلام، وامتناعه من التزام أحكامه، وعدم قوله لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم، وإجماع الأمة وإن كان مثله يجهله عرف حكم ذلك ليرجع عنه، قال الشيخ أو ترك إنكار منكر بقلبه

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire