el bassaire

vendredi 3 janvier 2014

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة

جمع طعام وهو ما يؤكل ويشرب، قال تعالى في النهر }وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي{ والأصل في الأطعمة الحل، وقال الشيخ للمسلم، لأن الله أحل الطيبات لمن يستعين بها على طاعته لا على معصيته، لقوله تعالى: }لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ{ فلا يستعان بالمباح على الفواحش، كمن يعطي الخبز واللحم لمن يشرب عليها الخمر، ويستعين بها على الفواحش، ومن أكل من الطيبات ولم يشكر فمذموم قال تعالى: }لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{ أي عن الشكر عليه.

(قال تعالى: }هُوَ الَّذِي خَلَقَ{ ) لأجل انتفاعكم }مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا{ مطعومًا كان أو مشروبًا أو غيرهما لما إحتج تعالى على وجوده وقدرته، وأنه الخالق المتصرف المحيي المميت، قال: }هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا{ تشاهدون ذلك، ولكي تعتبروا وتستدلوا ولكي تنتفعوا بما خلقه لكم فيها.

(وقال)تعالى: }كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا{ لما بين تعالى أنه لا إله إلا هو وأنه المستقل بالخلق والتدبير، بين أنه الرازق لجميع خلقه، وذكر في مقام الامتنان على خلقه أنه أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض، في حال كونه حلالاً من الله طيبًا أي مستطابًا في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول، ولمسلم " يقول الله إن كل مال منحته عبادي فهو لهم حلال " وفي طيب المطعم أحاديث كثيرة، وتأثيره عظيم في صفاء القلب، واستجابة الدعاء وغير ذلك وأكل الحرام ضرره عظيم، وأي لحم نبت على الحرام فالنار أولى به، ولو دعا لم يستجب له، كما تواترت بذلك الأخبار.

ثم قال تعالى: }وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ{ أي في تحريم ما أحل الله وغيره }إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ{ تنفير وتحذير منه، وفي صحيح مسلم " يقول الله تعالى: إن كل مال منحته عبادي فهو لهم حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما حللت لهم " قيل نزلت هذه الآية في الذين حرموا على أنفسهم ما أباح لهم الله من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، إلى أن قال تعالى: }وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{ من تحريم الحلال من الطيبات وغير ذلك، وقال الوزير: اتفقوا على أن ما لا يحتاج من الأطعمة إلى ذكاة كالنبات وغيره من الجامدات والمائعات، فإنه يحل أكله ما لم يكن نجسًا بنفسه أو مخالطا لنجس أو ضارًا اهـ. أي كالسم ونحوه لقوله: }وَلَاتُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ{.

 (وقال) تعالى: }أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ{ ما يصاد منه طريًا مما لا يعيش إلا في الماء في جميع الأحوال (وطعامه) أي ما يتزود منه يابسًا مالحًا، أو ما لفظ ميتًا، وقال ابن عباس صيده ما أخذ منه حيًا، وطعامه ما لفظه ميتًا، وقال أبو بكر: طعامه كل ما فيه، ثم قال تعالى: }مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ{ أي منفعة وقوتًا لكم أيها المخاطبون، والمراد بالبحر جميع المياه.

واستثنى بعض أهل العلم الضفدع ويأتي، والسرطان، وذكر البغوي أن غير السمك قسمان، قسم يعيش في البر كاضفدع والسرطان، فلا يحل أكله، وقسم لا يعيش في البر إلا عيش المذبوح، وذكر منه حية الماء، وهي على شكل حية، قال: وأكله مباح بالاتفاق، وذكره قول أبي بكر وعمر وغيرهما، ومالك وظاهر مذهب الشافعي، واستثنى أخرون التمساح والحية، لأن التمساح ذو ناب، والحية مستخبثة.

(وقال) تعالى: }وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ{ أي ويحل الرسول صلى الله عليه و سلم للذين يتبعونه، ما كان أهل الجاهلية حرموه على أنفسهم، من البحائر والسوائب والوصائل والحام، ونحو ذلك مما ضيقوا به على أنفسهم، وما حرم عليهم في التوارة من لحوم الإبل والشحوم وغير ذلك، من الطيبات، وكل ما أحل الله من المأكل والمشرب فهو طيب نافع في البدن والدين، وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ{ وقال صلى الله عليه و سلم ‘" إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين " فقال: }يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ{ وقال }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ{

وقال تعالى: }وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ{ وقال صلى الله عليه و سلم " وما سكت عنه فهو عفو " ثم قال تعالى: }وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ{ كالميتة والدم ولحم الخنزير والزنى وغير ذلك من المحرمات، وكل ما حرم الله فهو خبيث ضار في البدن والدين، ثم قال تعالى: }وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ{ فقد جاءنا صلوات الله وسلامه عليه بالتيسير والسماحة، وقال: " بعثت بالحنيفية السمحة " وكانت الأمم قبلنا في شرائعهم ضيق، فوسع الله على هذه الأمة ببركة نبيها صلى الله عليه و سلم، }فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ في الدنيا والآخرة.

فدلت الآية على أن الله تعالى أحل لنا الطيبات، وهي كل طيب من المطاعم والمشارب والملابس والفروج، وحرم الخبائث كالميتة والدم ولحم الخنزير والنجاسات، وما لم يرد فيه نص تحريم أو تحليل، وكان مما أمر الشرع بقتله كالفواسق، أو نهى عن قتله كالنحلة والنملة فهو حرام، وقال بعض أهل العلم: وما سوى ذلك فالمرجع فيه إلى الأغلب من عادات العرب، فما يأكله الأغلب منهم فحلال، وإلا فحرام لأن الله خاطبهم بهذه الآية فما استطابوا حلال.

وقال الشيخ: وعند أحمد وقدماء أصحابه لا أثر لاستخباث العرب، وأن ما يحرمه الشرع حلال، واختاره وقال: أول من قال يحرم الخرقي، ولعل مراده ما يأكل الجيف، لأن الشافعي حرمه بهذه العلة، قال الشيخ: وما يأكل الجيف فيه روايتا الجلالة، وعامة أجوبة أحمد ليس فيها تحريم.

(وقال) تعالى: (قل) أي يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله }قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا{ أي لا أجد شيئًا مما حرمتم على أنفسكم حرامًا }عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ{ أي آكل يأكله }إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً{ وهي ما مات حتف أنفه من غير ذكاة ولا اصطياد، لما فيها من المضرة من الدم المحتقن، فهي ضارة للدين وللبدن، ولهذا حرمها الله عز وجل، ويستثني من ذلك الجراد والحوت.

ثم قال: }أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا{ يعني مهراقًا سائلاً، وجاء عن ابن عباس إنما حرم عليكم الدم المسفوح، وعن عائشة إنما نهي عن الدم السافح، وقال ابن عباس أيضًا: يريد ما خرج من الحيوان وهن أحياء، وما خرج من الأوداج عند الذبح، ولا يدخل فيه الكبد والطحال، لأنهما جامدان، وقد جاء الشرع بإباحتهما، ولا ما اختلط باللحم من الدم لأنه غير سائل.

وقال الشيخ: إنما حرم الله الدم المسفوح المصبوب الهراق، فأما ما يبقى في عروق اللحم فلم يحرمه أحد من العلماء (أو لحم خنزير) أي وحرم عليكم لحم الخنزير، وهو حيوان خبيث، حرم على لسان كل نبي، (فإنه) أي لحم الخنزير (رجس) حرام (أو فسقًا) عطف على لحم خنزير }أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ{ صفة له موضحة لتوغله في باب الفسق، أو هو ما ذبح على غير اسم الله.

وجمهور أهل العلم على أن التحريم لا يختص بهذه الأشياء، بل المحرم بنص الكتاب ما ذكر هنا، وقد حرمت السنة أشياء يجب القول بها مما سيأتي وغيره.

(وعن سلمان) الفارسي رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن السمن) وهو ما يخرج من اللبن بالمخض (والجبن) وهو ما يجمد من اللبن (والفراء) وهو حمار الوحش، صيد معروف (فقال: الحلال) أي ما جعله الله لنا حلالاً هو (ما أحل الله في كتابه) ضد ما حرمه (والحرام ما حرمه الله في كتابه) كالميتة والدم ولحم الخنزير وغيرهما مما حرمه الله (وما سكت عنه) فلم يحرمه (فهو مما عفا لكم، رواه الترمذي) والحاكم وغيرهما وفيه مقال، وله شواهد تدل على حصر التحريم والتحليل على الكتاب العزيز، وهو باعتبار اشتماله على جميع الأحكام، ولو بطريق العموم أو الإشارة، أو باعتبار الأغلب، لحديث "أوتيت القرآن ومثله معه" وقال تعالى: }وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ{ .

 فكل ما لم يبين الله ولا رسوله تحريمه من المطاعم والمشارب والملابس والعقود والشروط فلا يجوز تحريمها، فإن الله قد فصل لنا ما حرم علينا، فما كان من هذه الأشياء حرامًا فلا بد أن يكون تحريمه مفصلاً، وكما أنه لا يجوز إباحة ما حرم الله فكذلك لا يجوز تحريم ما عفا الله عنه ولم يحرمه، فيباح كل طاهر لا مضرة فيه، وقال الوزير: اتفقوا على أن ما لا يحتاج من الأطعمة إلى ذكاة كالنبات وغيره من الجامدات والمائعات، فإنه يحل أكله، ما لم يكن نجسًا بنفسه أو مخالطًا لنجس أو ضارًا أي كسم ونحوه وتقدم.

(وعن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية) وفي لفظ الإنسية وفي رواية أنه وجد القدور تغلي بلحمها فأمر بإراقتها، وقال: "لا تأكلوا من لحومها شيئًا" وفي رواية "إنها رجس" وتقدم ما يدل على تحريم لحوم الحمر الأهلية، وهو مذهب جمهور العلماء، وما روي في خلاف ذلك لا يلتفت إليه مع صريح النهي من الشارع، ومنه إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، وإنها رجس من عمل الشيطان" وقال ابن المنذر: لا خلاف اليوم بين أهل العلم في تحريمها، ومفهومه حل الحمر الوحشية، وهو إجماع ثم قال: (وأذن في لحوم الخيل متفق عليه) وللترمذي وصححه: أطعمنا لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر، فدل الحديث أيضًا على تحريم لحوم الحمر الأهلية، و حل لحوم الخيل.

 (ولهما عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: (ذبحنا فرسًا) وفي لفظ: نحرنا، وتقدم أن النحر في اللبة، والذبح قطع الأوداج في غير الإبل، وفي الكتاب العزيز }فَذَبَحُوهَا{ وثبتا في السنة، والجواز مذهب الجمهور (على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكلناه) ولأحمد "نحن وأهل بيته" وورد فيها غير ذلك، فدل الحديثان وغيرهما على حل لحوم الخيل، وقال عطاء لابن جريج: لم يزل سلفك يأكلونه، قال ابن جريج: أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "نعم" ؛ ولم يثبت ما نقل عن ابن عباس في كراهتها، لاستدلاله بقوله }قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا{ الآية، وخالف أبا حنيفة صاحباه في كراهتها، فالجمهور على حلها للأخبار المتواترة في ذلك، وما تولد بين حمار وحشي وفرس فهو بغل حلال، بخلاف المتولد بين حمار إنسي وفرس فحرام.

(ولهما) أي البخاري ومسلم أيضًا (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه قال (رأيته صلى الله عليه و سلم يأكل لحم دجاج) فدل الحديث على حله، ولا نزاع فيه، وفي الحديث قصة، وذلك أن رجلاً امتنع منه وحلف فأخبره أبو موسى بذلك.

(وعن أنس) بن مالك رضي الله عنه قال: أنفجنا أرنبًا وهي دويبة معروفة تشبه العناق، رجلاها أطول من يديها –بمر الظهران، فسعى القوم فلغبوا، فأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها قال: و (بعث أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه و سلم بورك أرنب) الورك هو ما فوق الفخذ (وفخذها فقبله متفق عليه) ولفظ أبي داود: صدت أرنبًا فشويتها، فبعث معي أبو طلحة بعجزها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم.

فدل الحديث على جواز أكل الأرنب، وهو إجماع إلا ما روي عن عبد الله بن عمر وأبي حنيفة، لما روي أنه صلى الله عليه و سلم لم يأكلها، وأمر أصحابه أن يأكلوها، ولا يدل على الكراهة لو صح، فما فعله صلى الله عليه و سلم لا كراهة فيه، ما لم ينسخ أو يكن من خصائصه صلى الله عليه و سلم وقال النووي: أكلها حلال عند الأئمة الأربعة والعلماء كافة إلا ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه.

(ولهما) أي البخاري ومسلم وغيرهما (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال أكل الضب) دويبة معروفة أكبر من الحرذون يقال إنه يعيش طويلا، حنذ ووضع (على مائدة رسول الله صلى الله عليه و سلم) وذلك أنه لما أخبر به رفع يده، وفيه قال خالد: أحرام؟ قال: "لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه) قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه و سلم ينظر فلم ينهني ولمسلم من حديث ابن عمر "كلوا فإنه حلال" فدل الحديث على أن الضب حلال، وهو إجماع إلا ما روي عن بعض الحنفية من كراهته، وقال النووي: لا يصح كراهته عن أحد، وإن صح فمحجوج بالنصوص، وإجماع من قبله، وكونه صلى الله عليه و سلم عافه لا ينافي كونه لا يعيب طعامًا قط، لأن عدم العيب إنما هو فيما صنعه، وما ذكر أنه  مسخ فثبت أن الممسوخ لا عقب له.

(وعن ابن أبي عمارة) واسمه عبد الرحمن بن عبد الله، وثقه النسائي وغيره (قلت لجابر) بن عبد الله رضي الله عنه (الضبع صيد) أي صيد حلال، يحل أكله والواحد هو الذكر والأنثى ضبعان وتقدم (قال: نعم) أي هو صيد (قلت: آكلها، قال: نعم) أي فهي حلال (قلت: قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قال: نعم) أي قال هي صيد حلال (رواه الخمسة، وصححه الترمذي) والبخاري وابن حبان وغيرهم، ولفظ أبي داود عن جابر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الضبع، فقال: "هي صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم" ولأحمد من حديث جابر أمرنا بأكل الضبع، واحتج به أحمد.

والحديث وغيره دليل على جواز أكل الضبع، وهو مذهب الشافعي وأحمد لهذا الحديث وغيره، وقال الشافعي مازال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير، وقال الشيخ: مباحة عند الجماهير مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، لقوله "إنها صيد وأمر بأكلها" اهـ. ولأن العرب تستطيبه وتمدحه، واستدل من منع منه بحديث: "كل ذي ناب من السباع" وجميع أسنانها عظم واحد، كصفيحة نعل الفرس، فلا يدخل في عموم النهي، وقال ابن القيم: إنما حرم ما له ناب من السباع العادية بطبعها كالأسد، وأما الضبع فإنما فيها أحد الوصفين وهو كونها ذات ناب، وليست من السباع العادية والسبع إنما حرم لما فيه من القوة السبعية، التي تورث المغتذي بها شبهها، ولا تعد الضبع من السباع، لا لغة ولا عرفًا.

(وتقدم) أي في باب محظورات الإحرام من حديث أبي قتادة في قصة صيده الحمار الوحشي (أمره) أصحابه (بالأكل من الحمار الوحشي) قال أبو قتادة فقال النبي صلى الله عليه و سلم لأصحابه –وكانوا محرمين- " هل منكم أحد أمره أو أشار إليه؟ فقالوا: لا، قال: "فكلوه" والحديث متفق عليه ولا نزاع في حله.

(وعن ابن أبي أوفى) رضي الله عنه (قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سبع غزوات نأكل الجراد، وهو معروف والواحدة جرادة (متفق عليه) وتقدم قوله تعالى: }إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً{ واستثناء الجراد والحوت منها، والحديث دليل على حل الجراد وهو إجماع وللبخاري، نأكل الجراد معه، ولابن ماجه كان أزواج النبي صلى الله عليه و سلم يتهادين الجراد في الأطباق.

(وعن ابن عمر) رضي الله عنه (مرفوعًا) أي إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال «أحلت لنا ميتتان ودمان» وأخرجه ابن مردويه
وغيره بلفظ "يحل من الميتة اثنتان، ومن الدم اثنتان" (أما الميتتان" أي المحللتان (فالجراد) واحدته جرادة وسمي بذلك لأنه يجرد الأرض من النبات، (والحوت) السمك، وقد غلب في الكبير منه.

والجمهور على إباحة ميتة البحر، سواء ماتت بنفسها أو ماتت بالاصطياد، وقال أبو بكر: الطافي على البحر حلال، ولا خلاف بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواع، لقوله تعالى: }أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ{ وحديث "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" واستثنى الضفدع للخبر، والسرطان والتمساح ونحوه للاستخباث، والضرر اللاحق من السم، (وأما الدمان) أي المحللتان (فالطحال) لحمة معروفة كالغدة، لازقة في الجنب الأيسر من الحيوان (والكبد) معروفة من سائر الحيوان، وهما دمان مباحان (رواه أحمد) وابن ماجه والدارقطني وفيه مقال وصححه غير واحد موقوفًا وله حكم الرفع.

(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن كل ذي ناب من السباع) رواه البخاري، ولمسلم من حديث أبي ثعلبة " كل ذي ناب من السباع فأكله حرام" وله من حديث أبي هريرة نحوه، والناب السن خلف الرباعية جمعه أنياب، والسباع جمع سبع، وهو المفترس من الحيوان، قال ابن الأثير: نهى عن كل ذي ناب من السباع، وهو ما يفترس من الحيوان، ويأكله قهرًا وقسرًا، كالأسد والذئب والنمر ونحوه، وتقدم قول ابن القيم في اعتبار هذين الوصفين، وإسلام أبي هريرة بعد نزول: }قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا{ فالحديث مفسر ومبين لما حرم من السباع، وإليه ذهب جمهور العلماء، أبو حنيفة والشافعي وأحمد، وروي عن مالك الكراهة.

 (و) نهى عن (كل ذي مخلب من الطير) المخلب بكسر الميم، وهو لما يصيد من الطير، قال النووي: وتحريمه مذهب الجمهور أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم، وقال مالك يكره، والحديث (رواه مسلم) وغيره، وله نحوه من حديث أبي ثعلبة، وأبي هريرة، ولأحمد من حديث العرباض: "حرم يوم خيبر كل ذي مخلب من الطير" فاستفاضت السنة بالنهي عنه، والنهي يقتضي التحريم، وحكى بعض المالكية عن مالك مثل قول الجمهور، تحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير.

وقال ابن القيم: وقد تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه و سلم بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وصحت صحة لا مطعن فيها، من حديث علي وابن عباس وأبي هريرة وأبي ثعلبة، وقال الشيخ: إن الغاذي شبيه بالمغتذي فيصير في نفسه من الظلم والعدوان بحسب ما اغتذى به اهـ. وما له مخلب يصيد به كالبازي والصقر والشاهين والباشق ونحوها فحرام، لهذه النصوص وغيرها.

(زاد الترمذي من حديث جابر: ولحوم البغال) ولفظه: حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم -يعني يوم خيبر- لحوم الحمر الإنسية، ولحوم البغال، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير" وسنده لا بأس به، وأصله في الصحيحين فدلت الأحاديث على تحريم ما ذكر، ومنها تحريم لحوم البغال، وهو قول جمهور العلماء وروي عن الحسن خلافه، ولعله لم يبلغه النهي.

(وله عنه) أي وللترمذي من حديث جابر (نهى عن أكل الهر) واسمه أيضًا السنور والقط، معروف وهو عند مسلم من حديث جابر أيضًا أنه صلى الله عليه و سلم "نهى عن ثمن الكلب والسنور" وظاهر الأحاديث تحريم أكله، سواء كان أهليًا وفاقًا، أو وحشيًا عند الجمهور، وقد يقال؛ يعمها اللفظ ولأنه من ذوات الأنياب.

وروي من طريق عيسى بن نميلة، وهو ضعيف أن أبا هريرة قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه و سلم القنفذ، فقال: "خبيثة من الخبائث" فقال ابن عمر إن كان قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو كما قال، وكرهه مالك وأبو حنيفة، ورخص فيه الشافعي، وقال بعض أهل العلم: الأصل الحل حتى يقوم دليل على الحرمة، وقيل أو يتقرر أنه مستخبث في غالب الطباع، وقال الشيخ حرم الله الخبائث من المطاعم إذ هي تغذي تغذية خبيثة، توجب للإنسان الظلم والعدوان.

وقال الخبائث نوعان: ما خبثه لعينه ولمعنى قام به كالدم والميتة ولحم الخنزير، وما خبثه لكسبه، كالمأخوذ ظلمًا، أو بعقد محرم كالربا والميسر فالأول كل ما حرم ملامسته كالنجاسات حرم أكله، وليس كل ما حرم أكله حرم ملامسته كالسموم.

 (وعن عبد الرحمن) بن عثمان بن عبد الله (التيمي) القرشي ابن أخي طلحة بن عبيد الله الصحابي، قيل إنه أدرك النبي صلى الله عليه و سلم وليست له رؤية، أسلم يوم الفتح، وقتل مع ابن الزبير رضي الله عنهما، قال: (إن طبيبا سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن الضفدع) بزنة الخنصر، مائية معروفة (يجعلها في دواء) أي يجعل لحمها مع أشياء ترياقًا وكذا شحمها (فنهى عن قتلها، رواه أحمد) وصححه الحاكم، ورواه أبو داود والنسائي والبيهقي بلفظ: ذكر طبيب عند النبي صلى الله عليه و سلم دواء، وذكر الضفدع يجعلها فيه، فنهى عن قتل الضفادع، وللبيهقي أيضًا من حديث ابن عمرو: "لا تقتلوا الضفادع، فإن نقيقها تسبيح" وقال: إسناده صحيح، وهو دليل على تحريم قتل الضفادع، وتحريم أكلها، والتداوي بها، وفي الإنصاف محرمة بلا خلاف أعلمه.

(وتقدم) أي في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها (قوله صلى الله عليه و سلم: خمس فواسق) فلا حرمة لهن بحال لفسقهن (يقتلن في الحل) ضد الحرم (و) يقتلن في (الحرم) وهو الذي لم يحل انتهاكه بقتل صيد ونحوه، ولفظه "الغراب والفأرة والعقرب والحدأة والكلب العقور" فدل الحديث على أن هذه الخمس محرمة، لأنه أباح قتلها في الحرم، ولا يجوز قتل صيد مأكول في الحرم، فدل على حرمتها، وسميت فواسق لخبثها، ولخروجها عن خلق معظم الحشرات ونحوها، بزيادة الضرر والأذى، فأما الغراب فالمراد منه ما يأكل الجيف، كالأبقع والغداف، والأسود.

 الكبير لا غراب الزرع، والفأرة دويبة في البيوت معروفة، والعقرب وفي لفظ "والحية" مكان الفأرة والحدأة بكسر الحاء وفتح الدال وهي أيضًا من الجوارح.
والكلب العقور وهو كل سبع يعقر أي يجرح ويقتل ويفترس كالأسد والنمر والذئب وغلب اسم الكلب على الحيوان النابح، وإلا فالكلب يقع على كل سبع يعض، وقال أبو المعالي: الأمر بقتل الكلاب منسوخ، وصح أنه أمر به ثم نهى عنه، واستقر الشرع على التفصيل، مثل إن كان عقورًا، وأمر بقتل الأسود البهيم، وهو في الابتداء، وهو الآن منسوخ، قال النووي: ولا مزيد عليه واتفقوا على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة مثل أن يقتني كلبًا إعجابًا بصورته أو للمفاخرة فهذا حرام بلا خلاف وحكاه الوزير وغيره.

والترخيص لثلاثة: الزرع والماشية والصيد، وهذا جائز بلا خلاف، وأما العقرب وكذا الحية فقال الشيخ: أكل الحيات والعقارب حرام مجمع عليه، فمن أكلها مستحلاً لها استتيب ومن اعتقد التحريم وأكلها فهو فاسق، عاص لله ورسوله.

(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما (نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن قتل أربع من الدواب) وهن مما يدب من الحيوان، إحداهن (النملة) وحكي أن تحريمها إجماع، وذكر البغوي والخطابي أن المراد به السليماني لانتفاء الأذى منه، دون الصغير (والنحلة)  وهي نوع من الحيوان معروف، حريص على جمع الغذاء (والهدهد) وهو طائر معروف، ذو خطوط وألوان كثيرة، (والصرد) وهو طائر فوق العصفور (رواه أبو داود) ورواه أحمد، وصححه ابن حبان وقال البيهقي؛ هو أقوى ما ورد في هذه الباب، ورجاله رجال الصحيح، والحديث دليل على تحريم قتل الأربع المذكورة، ويؤخذ منه تحريم أكلها، لأنه لو حل لما نهى عن القتل، وفي الرعاية: ويحرم الخفاش وهو الوطواط وقال أحمد: ومن يأكل الخفاش؟.

(وعن أم شريك) القرشية العدوية رضي الله عنها (مرفوعًا) أنه (أمر بقتل الوزغ) جمعه أوزاغ وهو من الحشرات المؤذية، قال ابن عبد البر؛ مجمع على تحريمه وسام أبرص جنس منه وهو كباره (متفق عليه) زاد البخاري: "وكان ينفخ على إبراهيم عليه السلام" يعني في النار، لما جبل عليه من العداوة لنوع الإنسان ولمسلم من حديث أبي هريرة من قتله في أول ضربة كان له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك، حسب المبادرة بقتله.

وقال الوزير: اتفقوا على أن حشرات الأرض محرمة إلا مالكًا فإنه كرهها (ونهى) يعني النبي صلى الله عليه و سلم من حديث ابن عباس، وابن عمر، وعمرو بن شعيب وغيرهم (عن أكل الجلالة) وهي الحيوان الذي يأكل العذرة، وكذا بيضها (وألبانها، ورواه الخمسة) وسواء في ذلك الإبل والبقر والغنم والدجاج والأوز وغيرها، مما يلتقط العذرة، وجزم النووي وغيره أنه إذا كان أكثر علفها، وإن كان أكثر الطاهر فليست جلالة، وقيل الاعتداد بالرائحة والنتن، فإن تغير ريح مرقها أو لحمها أو طعمها أو لونها فهي جلالة.

والنهي حقيقة في التحريم، والأحاديث الواردة في ذلك ظاهرة في تحريم أكل لحم الجلالة وشرب لبنها ومتى علفت طاهرًا، فطاب لحمها حل، لأن علة النهي التغير، وقال الجمهور: لا تؤكل حتى تحبس أيامًا، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد يباح أكل لحم الجلالة وأكل بيضها وإن لم تحبس مع استحبابهم حبسها، وكراهيتهم لأكلها بدون حبسها وكذا عند الجميع أكل الثمار والزروع والبقول، وإن كان سقيها بالماء النجس، وقال الشيخ وابن القيم وغيرهما: أجمع المسلمون على أن الدابة إذا أعلفت بالنجاسة، ثم حبست وأعلفت بالطاهرات حل لبنها ولحمها، وكذلك الزروع والثمار إذا سقيت بالماء النجس، ثم سقيت بالطاهر، حلت لاستحالة وصف الخبث، وتبدله بالطيب اهـ.

وكره بعض أهل العلم أكل تراب وفحم وطين وغدة وأذن قلب، وبصل وثوم ونحوهما ما لم ينضج بطبخ، وقال الخلوتي: كدخان ما لم يضر، فإن ضر حرم إجماعًا، وقال بحرمته جماعة من أتباع الأئمة وأهل الطب.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire