el bassaire

samedi 4 janvier 2014

كتاب الجنايات

كتاب الجنايات

جمع جناية مصدر من جنى الذنب يجنيه جناية جره إليه، وجمعت وإن كانت مصدرًا لاختلاف أنواعها وهي لغة التعدي على بدن أو مال أو عرض، واصطلاحًا التعدي على البدن بما يوجب قصاصًا أو مالاً، والجنايات عند الجمهور على ثلاثة أضرب "عمد" يختص القود به، وهو أن يقصد آدميًا معصومًا بما يقتل غالبًا "شبه عمد" وهو أن يقصد جناية لا تقتل غالبًا ولم يجرحه بها و "خطأ" وهو أن يفعل ما له فعله كأن يرمي صيدًا فيصيب آدميًا معصومًا، والأصل في تحريم القتل بغير حق الكتاب والسنة والإجماع.
(قال تعالى: }وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ{ تعالى عن قتل النفس بغير حق شرعي فقال: }وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ{ قتله }إِلَّا بِالْحَقِّ{ بردة أو زنا بعد إحصان أو قتل معصوم عمدًا، ويأتي قوله صلى الله  عليه  و سلم «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث» وفي السنن «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم» ومن قتل مسلمًا عمدًا عدوانًا فسق عند أهل السنة والجماعة، وغلت الخوارج فكفروه بذلك، وعند أهل السنة أمره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذَّبه.
(وقال) تعالى: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً{ أي ليس لمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن بوجه من الوجوه إلا خطأ أي لكن إن وقع خطأ فجزاؤه ما يذكر من قوله }وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا{ أي يعفو ولا قود في قتل الخطأ إجماعًا، وقال صلى الله  عليه  و سلم في الذي قال ما قصدت قتله قال: «إن كان صادقًا فقتلته دخلت النار».
(وقال) تعالى: }وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا{ بما يغلب على الظن موته به }فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا *{ وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن قتل مؤمنًا متعمدًا بل قرن تعالى قتل النفس المؤمنة بغير حق بالشرك فقال: }وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ{ وفي الوعيد على قاتل النفس بغير حق أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن وغيرها، حتى قال ابن عباس وغيره: لا توبة له، ولأحمد وغيره "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا أو الرجل يقتل مؤمناً متعمدًا" ومذهب أهل السنة والجماعة وجمهور السلف والخلف أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله تعالى، فإن تاب وأناب وعمل صالحًا بدل الله سيئاته حسنات وعوض المقتول من ظلامته كما قال تعالى: }إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا{ وقال: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا{.
وهذا عام في جميع الذنوب فكل من تاب تاب الله عليه قال تعالى، في الذين قالوا إن الله ثالث ثلاث: }أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ{ وقد قال }إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{ وهي في هذه السورة قبل آية القتل وبعدها وقال صلى الله  عليه  و سلم «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة» وثبت في صحيح مسلم في الذي قتل تسعة وتسعين وسأل هل له من توبة وفيه: ومن يحول بينك وبين التوبة، قال بعض السلف في الآية هذا والله أعلم جزاؤه إن جازاه الله.
ومذهب أهل السلف: أن التوبة ليست مانعة من وجوب القصاص ولا يسقط حتى المقتول في الآخرة بمجرد التوبة كسائر حقوقه بل يأخذ المقتول من حسنات القاتل بقدر مظلمته إلا أن يعطيه الله من عنده، وكذا القصاص أو العفو لا يكفر ذنب القاتل بالكلية، وإن كفر ما بينه وبين الله، بل يبقى حق المقتول كما تقدم.
وقال ابن القيم: التحقيق: أن القتل تتعلق به ثلاثة حقوق حق لله، وحق للمقتول وحق للولي، فإذا أسلم القاتل نفسه طوعًا إلى الولي ندمًا وخوفًا من الله وتوبة نصوحًا سقط حق الله بالتوبة وحق الأولياء بالاستيفاء أو الصلح أو العفو و بقي حق المقتول يعوضه الله يوم القيامة عن عبده التائب ويصلح بينه وبينه.
(وعن ابن مسعود) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله  عليه  و سلم قال: «لا يحل دم امرئ») أي إراقته (مسلم) فأخرج الكافر فإنه يحل دمه لغير الثلاث المذكورة (يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) وهذا وصف كاشف للحكم لأن المرء لا يكون مسلمًا إلا إذا كان يشهد تلك الشهادة فهي العمدة في حقن الدم ثم لا يحل دمه (إلا بإحدى ثلاث) أي خصال ذكرها وعمومه مخصص بما ورد من الأدلة الدالة على أنه يحل بغير هذه الثلاث المذكورة قتل نفس بغير حق وزنا المحصن والارتداد، فصل ذلك بتعداد المتصفين به فقال: (الثيب الزاني) أي المحصن بالرجم وهذا لا نزاع في حل دمه بالزنا كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
(والنفس) أي المقتولة (بالنفس) والمراد به القصاص بشرطه أي يحل قتل نفس القاتل عدوانًا قصاصًا بنفس المقتول عدوانًا، وهو الشاهد من الحديث ومخصوص بولي الدم (والتارك لدينه) أي المرتد عن الإسلام بأي ردة كانت يحل دمه بأي نوع كان من أنواع الكفر إن لم يرجع إلى الإسلام، ولمسلم «أو كفر بعد إسلام» وفي لفظ «أو رجل يخرج من الإسلام»
(المفارق للجماعة) أي جماعة المسلمين ولا يكون ذلك إلا بالكفر لا بالبغي والابتداع ونحوهما من الخصال للإجماع على أنه لا يجوز قتل العاصي بترك أي خصلة من خصال الإسلام فإنه، وإن كان في ذلك مخالفة للجماعة فليس فيه ترك للدين فإن المراد الكفر كما يدل عليه قوله "أو كفر بعد إسلام" وقوله "أو رجل يخرج من الإسلام" ويتناول كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي كالخوارج إذا قاتلوا وأفسدوا وسيأتي والحديث (متفق عليه).
فدل الحديث على أنه لا يباح دم المسلم إلا بإتيانه بإحدى الثلاث، والمراد هنا النفس بالنفس، ولمسلم وغيره نحوه من حديث عائشة ولفظه: "ورجل يقتل مسلمًا متعمدًا فيقتل" وهذا فيه قيد لمطلق الحديث، واتفق أهل العلم على أن الذي يجب به القصاص هو العمد، وهو أحد شروط القصاص التي لا يقتص إلا بحصولها.
(ولهما عنه) أي عن ابن مسعود رضي الله عنه (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله  عليه  و سلم أنه قال: «أول ما يقضى بين الناس في الدماء» فدل على عظيم أمر الدماء وتأثير خطرها وجاء في الخبر «لو اجتمع أهل السماء والأرض في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» «ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه يقول يا رب سل هذا فيم قتلنى؟» ومن حديث ابن عباس: «ويأتي المقتول معلقًا رأسه بإحدى يديه، ملببًا قاتله بيده الأخرى، يتشحط أوداجه دمًا حتى يقفا بين يدي الله عز وجل».
وفيها أيضًا دليل على عظم شأن دم الإنسان فإنه لا يقدم في القضاء إلا الأهم وإن كان في السنن "أول ما يحاسب العبد عليه صلاته" فإن هذا الحديث فيما يتعلق بحقوق المخلوق، وفي أولية القضاء، وكذا في الحساب، وللنسائي من حديث ابن مسعود «أول ما يحاسب العبد عليه صلاته، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء» وفي الصحيح «أول من تجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة في قتلى بدر» فدل ما تقدم وغيره على عظيم قتل المسلم بغير حق وأنه من أكبر الكبائر.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire