el bassaire

vendredi 3 janvier 2014

فصل في الضيف


فصل في الضيف

أي في بيان حكم الضيف، وضيافته، ومن تجب عليه، وله، والضيف يطلق على الواحد والجمع، وقد يجمع على أضياف وضيوف وضيفان، والضيف هو المجتاز بالقرى والأمصار وغيرها فتجب للمسلم المجتاز بالقرى دون الأمصار عند الأكثر، لأن الأمصار يكون فيها السوق والمساجد وغيرها، فلا يحتاج مع ذلك إلى الضيافة، بخلاف القرى فإنه يبعد فيها البيع والشراء، فوجبت ضيافة المجتاز بها، وإيواؤه لوجوب حفظ النفس، ودل على مشروعية الضيافة الكتاب والسنة.

(قال تعالى: }هَلْ أَتَاكَ{ أي هل جاءك يا محمد }حَدِيثُ{ أي خبر }ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ{ سموا ضيفًا لأنهم كانوا في صورة الضيف، ولأن الخليل حسبهم كذلك، وسماهم مكرمين، أي عند الله لقوله }بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ{ أو عند الخليل حين أكرمهم بنفسه، وعجل لهم القرى، وقرئ (مكرمين) بالتشديد }إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا{ أي نسلم عليك سلامًا }قَالَ سَلَامٌ{ أي عليكم سلام قيل: أي نحن وأنتم سلم و }قَوْمٌ مُنْكَرُونَ{ أي للسلام الذي هو علم الإسلام، أو لأنهم ليسوا ممن عهدهم من الناس، أو قاله لهم للتعرف.

(فراغ إلى أهله) أي ذهب إليهم على خفية من ضيفه (فجاء بعجل) هو ولد البقرة (سمين) ممتلئ الجسد من الشحم واللحم (فقربه إليهم) وضعه لديهم، ففيه أن من إكرام الضيف أن يقدم له أكثر مما يأكل، وأن لا يوضع بموضع ثم يدعي إليه (قال ألا تأكلون) قيل عرض للأكل، وقيل إنكار لعدم تعرضهم للأكل، ولا ريب أنه تلطف وعرض حسن، وتضمنت هذه الآية آداب الضيافة.

(وقال) تعالى: }وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ{ يقدمون المهاجرين على أنفسهم، فيما عندهم من الأموال }وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ{ حاجة إلى ما عندهم، نزلت في الأنصاري الذي قدم للضيف قوته وعياله، والإيثار هو تقديم الغير على النفس في حظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة النفس، والصبر على المشقة، قال: }وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ{ أي من سلم من الحرص الشديد، الذي يحمله على ارتكاب المحارم }فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ .

(وفي الصحيح) أي صحيح البخاري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه قال: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه، فلم يجد عندهن شيئًا فقال:  "ألا رجل يضيفه الليلة يرحمه الله" إلى آخر الحديث، وذلك (أنها نزلت في أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري، يعني قوله (ويؤثرون على أنفسهم) قال أبو طلحة: أنا يا رسول الله؛ ثم (قال لامرأته) أم سليم بنت ملحان الأنصارية (هذا ضيف
رسول الله
صلى الله عليه و سلم) أي نزل به وليس عنده ما يضيفه، لا تدخريه شيئًا.

(فقالت: والله ما عندي) أي ليس لدي (إلا قوت الصبية) أي ما يقوت الصغار (فقال: نومي صبيانك) أرقديهم يقال: نومه فنام سكن (وأطفئي السراج) لئلا يروا ما يصنعون ونطوي بطوننا الليلة (وقدمي ما عندك) من القوت (للضيف) وهو يقال للمفرد وللجمع، والنازل بك (ونوهمه أنا نأكل) ليأكل والوهم ما يقع في القلب من الخاطر، وفيه "لقد عجب الله من فلان وفلانة في صنيعهما البارحة".

(وله عنه) أي وللبخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه (في قصة قدح اللبن) وكان قد اشتد به الجوع فمر به النبي صلى الله عليه و سلم وعرف ما به فدعاه، وإذا قحد لبن أهدي إليه فقال له: ادع أهل الصفة وأخذوا مجالسهم فقال: "خذ فاعطهم" فجعل يعطي الرجل منهم فيشرب حتى يروى، حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه و سلم (قال له) أي قال لأبي هريرة «اقعد فاشرب فشربت» أي من ذلك القدح (فقال اشرب فشربت، فما زال يقول: اشرب حتى قلت: لا أجد له مسلكًا) قال: «فأرنيه» فأعطيته القدح فحمد الله وأثنى عليه، وشرب الفضلة.

ففي الحديث علم من أعلام النبوة، وتقديم أهل الصفة، فهم كالضيوف.

(وعن أبي شريح) خويلد بن عمرو الخزاعي (مرفوعًا) على النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال }مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ{ يعني الإيمان الكامل، المنجي من عذاب الله }وَالْيَوْمِ الْآخِرِ{ أي بيوم القيامة، المستعد المجتهد في فعل ما يدفع به أهواله، فيأتمر بما أمر الله به، وينتهي عما نهى عنه، ومن جملة ما أمر به قوله (فليكرم ضيفه) وهو القادم من السفر، النازل عند المقيم، ويطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى، والضيافة من مكارم الأخلاق، ومحاسن الدين، واستدل الجمهور بقوله (جائزته) أنها ليست واجبة، وفسروها بالعطية، والصلة التي أصلها على الندب وأن معناه الاهتمام بالضيف في اليوم والليلة (قالوا) يا رسول الله وما جائزته؟ قال: يومه وليلته).

والحديث دليل على وجوبها، لتأكد ذلك بقوله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر» فإن فعل خلاف ذلك، فعل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، وفروع الإيمان مأمور بها، ثم تعليق ذلك بإكرام الضيف، وهو أخص من مطلق الضيافة، فدل على لزومها، ولغير ذلك مما يأتي وغيره، قال: (والضيافة أي القرى ثلاثة أيام) أي طعام الضيف وشرابه، ومسكنه وعلف دابته (فما كان وراء ذلك فهو صدقة) أي معروف، إن شاء فعل، وإن شاء ترك، فصرح أن ما قبل ذلك واجب شرعًا (ولا يحل له أن يثوي) أي يقيم (عنده حتى يحرجه، متفق عليه) أي حتى يوقعه في الحرج وهو الإثم، لأنه قد يكدره، فيقول: هذا الضيف ثقيل، أو قد ثقل علينا بطول إقامته، أو يتعرض له بما يؤذيه، أو يظن به ما لا يجوز.

قال النووي: وهذا محمول على ما إذا أقام بعد الثلاثة بغير استدعائه، وأما إذا استدعاه وطلب منه إقامته، أو علم أو ظن منه محبة الزيادة على الثلاث أو عدم كراهته فلا بأس بالزيادة لأن النهي إنما جاء لأجل كونه يؤثمه فلو شك لم يحل له.

(ولهما) أي البخاري ومسلم وغيرهما (عن عقبة) بن عامر رضي الله عنه قال: 0قلت يا رسول الله إنك تبعثنا) في العمل (فننزل بقوم لا يقرونا) أي لا يضيفونا (فما ترى) أي أن نفعل إذا لم يضيفونا (فقال: إن نزلتم بقوم، فأمروا لكم بما ينبغي للضيف) أي من الإكرام بما لا بد منه من طعام وشراب، وما يلتحق بهما (فاقبلوا) أي ما ينبغي للضيف من القرى (وإن لم يفعلوا) أي فلم يقروكم (فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم).

فدل على وجوب حق الضيف مع ما تقدم، وقيل هذا حيث لم يكن بيت المال، وقيل حيث كانت المواساة واجبة، والتأويل وتخصيص ما شرع الله لأمته لا يقبل إلا بدليل وليس في هذه الأدلة ما يخالف القواعد الشرعية، لأن مؤونة الضيافة بعد شرعتها قد صارت لازمة على المضيف، لكل نازل عليه، فللنازل المطالبة بهذا الحق الثابت شرعًا كالمطالبة بسائر الحقوق، فإذا أساء إليه وأهمل حقه، كان له مكافأته بما أباح له الشارع.

(ولأحمد من حديث المقدام) أبي كريمة (سمعته) يعني رسول اله صلى الله عليه و سلم (يقول: ليلة الضيف) أي ويومه (واجبة على كل مسلم فإن أصبح بفنائه) أي المتسع أمام الدار وما امتد من جوانبها (محرومًا) أي من الضيافة (كان دينًا له عليه، إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه) أي الأخذ بمثل قراه (وله أن يعقبهم بمثل قراه) فيأخذه، ورواه أبو داود وغيره، وإسناده على شرط الصحيح، وله أيضًا "أيما رجل استضاف قومًا، فأصبح الضيف محرومًا، فإن نصره حق على كل مسلم، حتى يأخذ بقرى ليلته، من زرعه وماله" وله شواهد، وقال أحمد له أن يأخذ من أرضهم وزرعهم ما يكفيه بغير إذنهم، وفي رواية عنه على أهل القرى دون الأمصار.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire