el bassaire

vendredi 3 janvier 2014

فصل في عدد الشهود

فصل في عدد الشهود

لاختلاف الشهود باختلاف المشهود به، وعدها بعضهم سبعة تعلم بالاستقراء.

(قال تعالى: لولا) أي هلا }جَاءُوا عَلَيْهِ{ أي على ما قالوه }بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ{ يشهدون على صحة ما جاؤا به }فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ{ أي أربعة يشهدون على ما زعموه }فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{ أي في حكم الله كاذبون فاجرون فدلت الآية الكريمة على اعتبار أربعة شهداء يشهدون على وقوع الفعل، واعتبر العلماء صفة الفعل وزمانه ومكانه وغير ذلك، وتقدم في حد الزنا.

قال ابن رشد وغيره: اتفق المسلمون على أنه لا يثبت الزنا بأقل من أربعة عدول ذكور اهـ، لأنه مأمور فيه بالستر ولهذا غلظ فيه النصاب، فإنه ليس هناك حق يضيع، وإنما حد وعقوبة، والعقوبات تدرأ بالشبهات، بخلاف حقوق الله، وحقوق عباده التي تضيع إذا لم يقبل فيها قول الصادقين.

وقال ابن القيم: اشتراط الأربعة بالنص والإجماع، وأما اللواط فقالت طائفة: هو مقيس عليه في نصاب الشهادة، كما هو مقيس عليه في الحد، وقالت طائفة هو داخل في حد الزنا، لأنه وطء في فرج محرم، وقالت طائفة: بل هو أولى بالحد من الزنا فإنه وطء في فرج لا يستباح بحال، والداعي إليه قوي، فهو أولى بوجوب الحد فنصابه نصاب حد الزنا، قال:  وبالجملة فلا خلاف بين من أوجب عليه حد الزنا أو الرجم بكل حال، أنه لا بد فيه من أربعة شهداء أو إقرار، اهـ ويكفي على من أتى بهيمة رجلان، لأنه موجبه التعزيز، ومن عرف بغنى وأدعى الفقر ليأخذ من الزكاة لم يقبل إلا بثلاثة لخبر "حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى" و تقدم.

(وقال: }وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ{ أي أشهدوا من رجالكم يعني المسلمين المكلفين، وهو قول جمهور أهل العلم، واستثنى بعضهم العبيد، وقال أنس بن مالك: ما علمت أحدًا رد شهادة العبيد، وحكاه أحمد إجماعًا قديمًا وقال ابن القيم: قبول شهادة العبد هو موجب الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، وصحيح القياس، وأصول الشرع، وليس مع من ردها كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس قال تعالى: }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ{ .

فلا ريب في دخول العبد في هذا الخطاب، فهو عدل بنص القرآن وقد عدله الله ورسوله في قوله: "يحمل هذا الدين من كل خلف عدو له" والعبد من حملة العلم، فهو عدل بنص الكتاب والسنة، وأجمع الناس على أنه مقبول الشهادة على رسول الله صلى الله عليه  و سلم إذا روى عنه الحديث، فكيف يقبل عليه، ولا يقبل على الناس.

(فإن لم يكونا رجلين) أي فإن لم يكن الشاهدان رجلين
 
}فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ{ أي فليشهد رجل وامرأتان، وأجمع المسلمون على أنه يقبل في المال وما يقصد به المال رجل وامرأتان، قال ابن القيم: إنما جعلت المرأة على النصف من الرجل لحكمة أشار إليها، وهي أنها ضعيفة العقل، قليلة الضبط لما تحفظه، وقد فضل الله الرجال عليهن في العقول والفهم والحفظ والتمييز، فلا تقوم المرأة في ذلك مقام الرجل، وفي منع قبولها بالكلية إضاعة لكثير من الحقوق، فكان من أحسن الأمور أن ضم إليها في قبول الشهادة نظيرتها، لتذكرها إذا نسيت فتقوم شهادة امرأتين مقام شهادة الرجل ويقع من العلم أو الظن بشهادتهما ما يقع بشهادة الرجل.

وقال: قد جعل الله المرأة على النصف من الرجل في عدة أحكام (أحدها) هذا. و (الثاني) في الميراث و (الثالث) في الدية و (الرابع) في العقيقة و (الخامس) في العتق وقال: تنازعوا في العتق والوكالة في ا لمال والإيصاء إليه فيه، ودعوى قتل الكافر، لاستحقاق سلبه، ودعوى الأسير الإسلام السابق لمنع رقه، وجناية الخطأ، والعمد التي لا قود فيها، والنكاح والرجعة هل يقبل فيها رجل وامرأتان؟ أم لا بد من رجلين على قولين، وهما روايتان عن أحمد، فالأول قول أبي حنيفة، والثاني قول مالك والشافعي.

قال: وقد استقرت الشريعة على أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، فالمرأتان في الشهادة كالرجل الواحد، بل هذا  أولى، فإن حضور النساء عند الرجعة أيسر من حضورهن عند كتابة الوثائق بالديون، وكذلك حضورهن عند الوصية وقت الموت، فإذا سوغ فيها فهنا أولى، يوضحه أنه قد شرع في الوصية شهادة آخرين من غير المسلمين عند الحاجة، فلأن يجوز شهادة رجل وامرأتين بطريق الأولى والأحرى، بخلاف الديون، قال: "أليس شهادتها بنصف شهادة الرجل" فأطلق ولم يقيد.

وقال للمدعي: "شاهداك أو يمينه" وقد عرف أنه لو أتى برجل وامرأتين حكم له، ولو لم يأت المدعي بحجة حلف المدعى عليه، وأن المقصود بالشهادة ثبوت المشهود به، وأنه حق، فإذا عقلت المرأة وحفظت، وكانت ممن يوثق بدينها، فإن المقصود حاصل بخبرها، ولهذا تقبل شهادتها وحدها في مواضع.

قال شيخنا: ولو قيل يحكم بشهادة امرأة ويمين الطالب لكان متوجهًا، فالطرق التي يحكم بها الحاكم أوسع من الطرق التي أرشد الله صاحب الحق إلى أن يحفظ حقه بها، وقال: وهذا أصل عظيم يجب أن يعرف، غلط كثير من الناس فيه }مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ{ يعني ممن كان مرضيًا في ديانته وأمانته.

فدلت الآية على اشتراط العدالة في الشهود، تقيد بها كل مطلق في القرآن من الأمر بالإشهاد من غير اشتراط، ثم قال تعالى: }أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى{ قال ابن القيم: أي إن ضلت، وذلك لضعف العقل، قال الشيخ: فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط، فما كان فيه من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة لم تكن فيه على نصف الرجل، قال ابن القيم: وفيه دليل على أن الشاهد إذا نسي شهادته فذكره بها غيره لم يرجع إلى قوله حتى يذكرها، وليس له أن يقلده.

(وقال) تعالى }وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ{ أي صاحبي عدل من المسلمين في المقال، وهو الصدق والبيان الذي هو ضد الكذب والكتمان كما قال تعالى: }وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا{ وتقدم }وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ{ أيها الشهود عند الحاجة }لِلهِ{ خالصة لوجهه }ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ{ .

فدلت الآية على أنه يقبل في الرجعة اثنان عدلان، وتقدم أن العدل بحسبه في كل زمان ومكان، قال الشيخ: وشهادة الفاسق مردودة بنص القرآن، واتفاق المسلمين، وقد يجيز بعضهم الأمثل فالأمثل في الفساق عند الضرورة إذا لم يوجد
عدول.

(وقال) تعالى }اثْنَانِ{ أي ليشهد ذكران، لفظ خبر ومعناه الأمر }ذَوَا عَدْلٍ{ وصفهما بأن يكونا عدلين أهل أمانة وعقل }مِنْكُمْ{ أي من المسلمين.

فدلت الآية: أنه يقبل في الوصية عدلان، واتفقوا أنه لا  يقبل في الحدود والقصاص إلا رجلان عدلان، وأن جميع الحقوق ما عدا الزنى بشاهدين عدلين ذكرين، وأما الزنى فلعظم أمره اجتمع على ستره الشرع والقدر، فلم يقبل فيه إلا أربعة، ينتفى معها الاحتمال.

(أو آخران) أي أو ليشهد مع عدم عدم حضور المسلمين يشهدون على وصية مسلم رجلان (من غيركم، الآية) أي من غير دينكم وملتكم، فيعم أهل الكتابين وغيرهم، وذلك فيما }إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ{ والجمهور أنها ثابتة غير منسوخة، وعمل بها الصحابة وفقهاء الحديث، وبين تعالى جواز شهادة الآخرين فقال: }إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ{ أي سافرتم }فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ{ وهذا شرطان لجواز شهادة الذميين عند فقد المؤمنين، أن يكون ذلك في سفر وأن يكون في وصية.

والجمهور أن يكونا شاهدين، فإن لم يكن معهما وصي اجتمع فيهما الوصفان، الوصاية والشهادة، كما في قصة تميم الداري وعدي بن بداء، أوصى إليهما رجل من المسلمين ومعه جام من فضة، يريد به الملك، فباعاه، ولما أسلم تميم تأثم ورد نصيبه، وأمرهم النبي صلى الله عليه  و سلم أن يستحلفوا ابن بداء، فنزلت هذه الآية، وهو حكم مستقل بنفسه، لا يلزم أن يكون جاريًا على قياس جميع الأحكام، بل حكم خاص، بشهادة خاصة، في محل خاص، وقد اغتفر فيه من الأمور ما لم يغتفر في غيره، وقالالشيخ: قول أحمد أقبل أهل الذمة إذا كانوا في سفر ليس فيه غيرهم، هذه ضرورة، يقتضي هذا التعليل قبولها في كل ضرورة، حضرًا وسفرًا، وصية وغيرها، كما تقبل شهادة النساء في الحدود إذا اجتمعن في العرس والحمام اهـ.

فإذا قامت قرينة الريبة حلف هذا الشاهد لقوله: }تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ{ قيل صلاة العصر، والمقصود صلاة اجتمع الناس فيها بحضرتهم، قال ابن االقيم: فإن الله حكم بأنه إن اطلع على أن الشاهدين والوصيين ظلما وغدرا، أن يحلف اثنان من الورثة على استحقاقها، ويقضي لهم، فإن لوث الظلم والغدر أثرا في وصايتهماوشهادتهما، قال تعالى: }فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ{ أي ظهرت لكم منهما ريبة أنهما خانا أو غلا فيحلفان بالله }لَا نَشْتَرِي بِهِ{ أي بأيماننا }ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى{ أي ولو كان المشهود عليه قريبًا لنا }وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ{ تعظيمًا لأمرها }إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ{ .

}فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا{ أي فإن تحقق أنهما خانا }فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا{ أي لقولنا أنهما خانا أثبت، وهذا تحليف للورثة }وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا
إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ
عَلَى وَجْهِهَا{ أي: أن يأتوا بها على وجهها }أَوْ يَخَافُوا
أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ{ أي أقرب إلى أن يخافوا رد اليمين بعد يمينهم على المدعين، فيحلفوا على خيانتهم فينفضحوا ويغرموا }وَاتَّقُوا اللهَ{ أن تحلفوا أيمانًا كاذبة }وَاسْمَعُوا{ الموعظة }وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{ .

وذكر ابن القيم أن التحليف ثلاثة أقسام، تحليف المدعي، وتحليف المدعى عليه، وتحليف الشاهد، وتحليف المدعي في صور القسامة، وهي نوعان، قسامة في الدماء أن يبدأ بأيمان المدعي، وقسامة مع اللوث في الأموال، قال الشيخ: لما ادعى ورثة السهمي الجام المفضض، فأنكر الوصيان الشاهدان، وذكر المشتري أنه اشتراه منهما، صار لوثًا، فإذا حلف الأولياء بأن الجام كان لصاحبهم صدقًا، لكن هنا ردت اليمين على المدعي بعدما حلف المدعي عليه، وفي كلا الموضعين يعطي المدعي بدعواه مع يمينه، وإن كان المطلوب حالفًا أو باذلاً للحلف.

قال ابن القيم: والحكم باللوث في الأموال أقوى منه في الدماء، وهو علامة ظاهرة لصدق المدعي، وقد أعتبرها الشارع في اللقطة والنسب، واستحقاق السلب، قال: والثانية إذا ردت عليه اليمين، والثالثة إذا شهد شاهد واحد، والرابعة في مسألة تداعي الزوجين والصانعين، والخامسة تحليفه مع شاهديه، وذكر أثارًا ثم قال: وهذا القول ليس ببعيد من قواعد الشرع، ولاسيما مع احتمال التهمة، وقال أحمد: فعله علي الصحابة قال ابن القيم: وهذا يقوى مع وجود التهمة، وأما بدونها فلا وجه له.

وإذا كان للحاكم أن يفرق الشهود إذا ارتاب بهم، كما صرح به الفقهاء، بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود فرقهم وسألهم كيف تحملوا الشهادة، وأين تحملوها، وإذا ارتاب بالدعوى، سأل المدعي عن سبب الحق، وأين كان، ونظر في الحال هل تقتضي صحة ذلك، وكذا إذا ارتاب بمن القول قوله، والمدعي عليه، و جب عليه أن يستكشف الحال، و يسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال.

قال: ومنه لو ادعى عليه شهادة فأنكرها، فهل يحلف وتصح الدعوى بذلك؟ قال شيخنا: لو قيل إنه تصح الدعوى بالشهادة لتوجه، لأن الشهادة سبب موجب للحق، فإذا ادعى على رجل أنه شاهد له بحق، وسأل يمينه كان له ذلك، وإذا نكل عن اليمين لزمه ما ادعى بشهادته، إن قيل إن كتمان الشهادة موجب للضمان لما تلف، وما هو ببعيد، لكن لو ادعت الطلاق على زوجها، فقال: لا يحلف بدعواها، فإذا أقامت على ذلك شاهد واحدًا لم تحلف مع شاهدها، ولم يثبت الطلاق على زوجها، لا نعلم فيه نزاعًا بين الأئمة الاربعة، وهل يحلف لها زوجها فيه قولان أحدهما يحلف، وهو مذهب الشافعي ومالك، وأبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد.

وإن نكل فهل يقضي عليه؟ فيه روايتان عن مالك "إحداهما" يطلق عليه بالشاهد والنكول، وهذا في غاية القوة، وهو مقتضى الأثر والقياس "والثانية" يحبس وقال الشيخ: من قبلت شهادته للضرورة استحلف، وقاسه على الكافر في الوصية والمرأة في الرضاع.

(وتقدم) في باب حد القذف (أربعة) كما في الآية، وفي قصة هلال "البينة" أي ائت بأربعة شهود، يشهدون على أن شريك بن سحماء زنا بامرأتك، وفي لفظ "أربعة وإلا حد في ظهرك" أي: حدًا لقذفه بالزنا، وشهد أربع شهادات بالله، قامت مقام البينة أربعة شهود، فدل على وجوب أربعة يشهدون، وأنه إن نقص العدد حدوًا حد القذف، كما فعله الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه.

(وقوله) أي وتقدم قوله (شاهداك أو يمينه) في باب آداب القاضي، وذلك أنه كان بين الأشعث وبين رجل خصومة في بئر فقال صلى الله عليه  و سلم للأشعث "شاهداك" لأن خصمه أنكر دعواه، ولما لم يكن للأشعث بينة، قال: "ليس لك إلا ذلك" أي ليس لك إلا يمينه، فدل على صحة البينة بشاهدين، وثبوت القضاء بهما وتقدم }وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ{ وإذا لم يكن للمدعي بينة فيمين المدعى عليه، وهذا قول أهل العلم من الصحابة والتابعين، إلاما ذكر في العبيد، وتقدم قبول
شهادتهم.

(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: قضي النبي صلى الله عليه  و سلم بيمين وشاهد، رواه مسلم) ولأبي داود والترمذي نحوه وصححه، وقال أبو حاتم: وهو صحيح، وقد أخرج الحديث عن أكثر من عشرين من الصحابة، فدلت على أنه يثبت القضاء بشاهد ويمين، وهو مذهب الجماهير من الصحابة والتابعين وغيرهم، وهو مذهب فقهاء المدينة قال الشافعي: وعمدتهم هذه الأحاديث، واليمين وإن كان حاصلها تأكيد الدعوى، لكن يعظم شأنها فإنها إشهاد لله تعالى أن الحقيقة كما يقول.

ولو كان الأمر على خلاف الدعوى لكان مفتريًا على الله أنه يعلم صدقه، فلما كانت بهذه المنزلة هابه المؤمن بإيمانه، وعظمه شأن الله عنده، أن يحلف به كاذبًا، وهابه الفاجر لما يراه من تعجيل عقوبة الله لمن حلف يمينًا فاجرة، فلما كان بهذا الشأن، صلحت للهجوم على الحكم، كشهادة الشاهد، قال الخطابي: وهذا خاص بالأموال، ولا يخرج والله أعلم من الحكم بالشاهد واليمين إلا الحد والقصاص، للإجماع أنهما لا يثبتان بذلك، ولا تثبت دية، ويثبت بها المال في السرقة دون القطع، وقال ابن القيم: الذي يحكم فيه بالشاهد واليمين المال، وما يقصد به المال، كالبيع والشراء وتوابعهما، من اشتراط صفة في المبيع، أو نقد غير نقد البلد، والإجارة والجعالة والمساقاة والمزارعة والمضاربة والشركة والهبة.

قال: والحكم بالشاهد واليمين حكم بكتاب الله فإن الله أمر بالحكم بالحق، والرسول صلى الله عليه  و سلم وأصحابه حكموا به، ولا يحكمون بباطل، وقال تعالى: }وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ{ وهو مما حكم به فهو عدل مأمور به من الله ولا بد، ولا يعارض واليمين على المدعى عليه" فإن المراد به إذا لم يكن مع المدعي إلا مجرد الدعوى، فإنه لا يقضى له بمجرد الدعوى، فأما إذا ترجح جانبه بشاهد أو لوث أو غيره لم يقض له بمجرد دعواه، بل بالشاهد المجتمع من ترجيح جانبه ومن اليمين، قال: ومن شرطها تقدم الشهادة عليها، فيشهد الشاهد أولاً، ثم يحلف صاحب اليمين، وقال: الحكم بهما تقوية، فلو رجع الشاهد كان الضمان عليه.

وقال: إذا عدمت امرأتان قامت اليمين مقامهما والشاهد واليمنى سكت عنه القرآن، وفسرته السنة، وقال: قد ذهب طائفة من قضاة السلف العادلين إلى الحكم بشهادة الواحد إذا ظهر صدقه من غير يمين، فإذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد، جاز له الحكم بشهادته، وإن رأى تقويته باليمين فعل، وإلا فليس ذلك بشرط، والنبي صلى الله عليه  و سلم لما حكم بالشاهد واليمين لم يشترط اليمين بل قوى بها شهادة الشاهد.

وأجاز شريح وزرارة شهادة شاهد واحد علما صدقة وعدل النبي صلى الله عليه  و سلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين، وقبل شهادة الأعرابي وحده على هلال رمضان، وأجاز شهادة الشاهد الواحد في قصة السلب، ولا استحلفه، وهو الصواب، ولا معارض لهذه السنة، ولا مسوغ لتركها، قال: فالبينة تطلق على الشاهد الواحد، وهو أحد الوجوه في هذه المسألة، وهو الصواب، وقال: الحكم بشهادة امرأتين ويمين المدعي، في الأموال وحقوقها، وهو مذهب مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد، وحكاه شيخنا، واختار.

وظاهر القرآن والسنة يدل على صحة هذا القول، فإن الله أقام المرأتين مقام الرجل، والنبي صلى الله عليه  و سلم قال في الحديث الصحيح «أليس شهادة المرأتين مثل شهادة الرجل» ولا في القرآن ولا في السنة، ولا في الإجماع ما يمنع من ذلك، بل القياس الصحيح يقتضيه لأن ذكر البينة اسم لما يبين الحق، وهو أعم من أن يكون برجال أو نساء، أو نكول أو يمين أو أمارات ظاهرة، والحكم بشهادة امرأتين فقط من غير يمين، في إحدى الروايتين عن أحمد فيما لا يطلع عليه الرجال، وبشهادة واحدة، وهي أشهر والرجل فيه كالمرأة، ولم يذكروا يمينًا والفرق بين هذا وبين الشاهد واليمين، حيث اعتبرت، أن المغلب في هذا هو الإخبار عن الأمور الغائبة، التي لا يطلع عليها الرجال، فاكتفي بشهادة النساء، وبالشاهد واليمين في الشهادة على أمور ظاهرة، يطلع عليها الرجال في الغالب، فإذا انفرد الشاهد الواحد احتيج إلى تقويته باليمين.

(وتقدم في الرضاع) يعني حديث عقبة بن الحارث، وهو في الصحيح، أن أمة سوداء قالت: قد أرضعتكما، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه  و سلم فقال: «كيف وقد زعمت ذلك» أي أن قد أرضعتكما قال الزهري: قد مضت السنة أنها تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن، وقال الوزير: اتفقوا على أنه تقبل شهادتهن فيما لا يطلع عليه الرجال، كالولادة والرضاع والبكارة وعيوب النساء، وما يخفى على الرجال غالبًا وقال ابن رشد: لا خلاف في هذا إلا في الرضاع فإن ابا حنيفة قال مع الرجال، لأنه عنده من حقوق الأبدان التي يطلع عليها الرجال والنساء والحديث حجة عليه.

وقال ابن القيم: يجوز القضاء بشهادة النساء منفردات في غير الحدود والقصاص، عند جماعة من السلف والخلف، وذكر أنه أرجح الأقوال، و قال: ما كان لا يخاف فيه الضلال في العادة تقبل شهادتين فيه منفردات، إنما هو أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها، من غير توقف على عقل كالولادة والرضاع والاستهلال والبكارة والثيوبة، و الحيض وعيوب النساء تحت الثياب ونحو ذلك، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى كمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذا له معان معقولة، ويطول العهد بها في الجملة، قال: والرجل فيه كالمرأة ولم يذكروا ههنا يمينًا.

وظاهر نص أحمد أنه لا يفتقر إلى اليمين، والفرق بينه وبين الشاهد واليمين، حيث اعتبرت اليمين هناك، أن المغلب في هذا الباب هو الإخبار عن الأمور الغائبة، التي لا يطلع عليها الرجال، فاكتفي بشهادة النساء، وفي باب الشاهد واليمين، الشهادة على أمور ظاهرة، يطلع عليها الرجال في الغالبن فإذا انفرد بها الشاهد الواحد احتيج إلى تقويته باليمين.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire