el bassaire

samedi 4 janvier 2014

كتاب الحدود

كتاب الحدود

الحد في اللغة المنع، ومنه يقال للبواب حداد، لأنه يمنع الناس من الدخول، وحدود الله هي ما يمنع الناس من مخالفتها، والحدود في الشرع عقوبة مقدرة لأجل حق الله تعالى أوجبها تعالى على مرتكبي الجرائم التي تتقاضاها الطبائع، وليس عليها وازع طبيعي زواجر للنفوس وعقوبة ونكالاً فهي من أعظم مصالح العباد في المعاش والمعاد، بل لا تتم سياسة ملك من ملوك الأرض إلا بزواجر وعقوبات لأرباب الجرائم، قال الشيخ: العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله بعباده، فهي صادرة عن رحمة الخلق، وإرادة الإحسان إليهم ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض.
(قال تعالى: }تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا{ أي هذه الشرائع التي شرع الله هي حدوده فلا تتجاوزها فحدوده، ما منع المجاوزة عنه، وقد توعد من تعدى حدوده بدخول النار وأخبر أن من تعدى حدوده فقد ظلم نفسه وفي الصحيح "إن الله حد حدودًا فلا تعتدوها، وحرم محارم فلا تنتهكوها" ثم قال تعالى: }وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *{.
(وقال) تعالى: }تِلْكَ حُدُودُ اللهِ{ أي أوامره ونواهيه }فَلَا تَقْرَبُوهَا{ أي فلا تأتوها }كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ *{ أي يتقون تلك الحدود فينجون من العذاب، وقال الشيخ: معنى حدود الله أي معصية الله فليست الحدود المقدر فيها حد، بل المحرمات لأن حدود الله محارمه.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: حد يعمل به الأرض) أي يقام على من استوجبه (خير لأهل الأرض من أن يمطروا) أي أنفع من ذلك (أربعين صباحًا) وذلك لئلا تنتهك حقوق الله (رواه أحمد) والنسائي وابن ماجه، وللطبراني نحوه من حديث ابن عباس بلفظ "حد يقام في الأرض بحقه أزكى من مطر أربعين صباحًا" فدل على الترغيب في إقامة الحدود ووجوب تنفيذها، ولا تجب إقامتها: إلا على بالغ عاقل ملتزم أحكام المسلمين عالم بالتحريم، ولا يقيمها إلا الإمام أو نائبه، ليؤمن الاستيفاء من الحيف، ولا يحد الخليفة ولو لقذف، لأن الحد له وإقامته إليه دون غيره، ولا يمكنه على نفسه، ويقتص ويؤخذ بالمال لأنهما من حقوق العباد، ويستوفي ولي الحق إما بتمكينه أو الاستعانة بمنعة المسلمين.
وقال الشيخ: الحقوق التي ليست لقوم معينين تسمى حدود الله، وحقوق الله، مثل قطاع الطريق والسراق والزناة ونحوهم، ومثل الحكم في الأموال السلطانية، والوقوف والوصايا التي ليست لمعين، فهذه من أهم أمور الولايات يجب على الولاة البحث عنها وإقامتها من غير دعوى أحد بها وتقام الشهادة فيها من غير دعوى أحد بها، و إن كانوا اختلفوا في القطع، لكنهم متفقون على أنه لا يحتاج إلى مطالبة المسروق منه بالحد بل اشترط بعضهم المطالبة بالمال، لئلا يكون للسارق شبهة، وهذا القسم تجب إقامته على الشريف والوضيع والقوي والضعيف.

(وله) أي لأحمد -رحمه الله- (عن ابن عمر) رضي الله عنهما (مرفوعًا) أي إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال (من حالت شفاعته) أي طلبه التجاوز (دون حد من حدود الله) أي دون عقوبات وزواجر (فهو مضاد لله في أمره) ورواه أبو داود والحاكم، وصححه، وابن أبي شيبة موقوفًا، ونحوه للطبراني من حديث أبي هريرة وفيه: "فقد ضاد الله في ملكه" وفي الصحيحين في قصة المخزومية قال: "أتشفع في حد من حدود الله؟ " وفي لفظ "لا أرك تشفع في حد من حدود الله".

فدل الحديث على تحريم الشفاعة في الحدود قال الشيخ لا يحل تعطيل حد من حدود الله بشفاعة ولا هدية ولا غيرهم ولا تحل الشفاعة فيه، ومن عطله لذلك وهو قادر على إقامته فعليه لعنة الله، قال: والمال المأخوذة لتعطيل حد سحت خبيث، وإذا فعل ولي الأمر ذلك جمع بين فسادين عظيمين، تعطيل الحد، وأكل السحت وترك الواجب وفعل المحرم، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من السارق والزاني والشارب ونحو ذلك لتعطيل الحد سحت خبيث، وأكثر ما يوجد من إفساد أمور المسلمين هو تعطيل الحد بمال أو جاه، وهذا من أكبر الأسباب في فساد البوادي والقرى والأمصار.

وهو سبب سقوط حرمة المتولي وسقوط قدره من القلوب، وانحلال أمره فإنه إذا ارتشى وتبرطل على تعطيل حد ضعفت نفسه أن يقيم حدًا آخر، وصار من جنس اليهود الملعونين، وإذا كان النبي صلى الله عليه و سلم قال: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ورسوله في أمره» فكيف بمن منع الحدود بقدرته ويده، واعتاض عن المجرمين بسحت مال يأخذه، سواء كان المأخوذ لبيت المال أو للولي سرًا أو علانية، فذلك حرام بإجماع المسلمين اهـ.

وينبغي أن يقيد المنع من الشفاعة بما إذا كان بعد الرفع إلى ولي الأمر، لقوله "هلا كان قبل أن تأتيني به" ولخبر «إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع» ووجوب إقامتها إذا بلغت السلطان لا نزاع فيه.


(وفي الصحيحين) أن أبا شريح الخزاعي قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث لمكة: "إن مكة حرمها الله" الحديث
 فقال عمرو أنا أعلم منك بذلك.
(إن الحرم لا يعيذ عاصيًا) فيخلي سبيله ومعصيته، بل يردع أو يعزر بما يستوجبه (ولا فارًا بدم) وجب عليه حد القتل فهرب على مكة مستجيرًا بالحرم (ولا خربة) أصلها سرقة الإبل ثم استعملت في كل سرقة، وقال الخليل: الخربة الفساد، وقال السهيلي: فيه أن الكعبة لا تعيذ عاصيًا، ولا تمنع من إقامة حد واجب، واستدل بعضهم بقصة ابن خطل على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة، ونقل ابن الجوزي وغيره الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها، وخص الخلاف عمن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم.
وعن مالك والشافعي يجوز إقامة الحد مطلقًا فيها لأن العاصي هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعل الله له من الأمن، فأما من أوقع فيها فلو لم يقم الحد عليه لعم الفساد وعظم الشر في حرم الله، فإن أهل الحرم كغيرهم في الحاجة إلى صيانة نفوسهم وأموالهم وأعراضهم، وأما من أوقع في الحل ولجأ إلى الحرم فالأولى أن لا يقام عليه فيه، لأنه لم يزل يعيذ العصاة من لدن الخليل، وقام الإسلام على ذلك، وقال تعالى: }وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا{ وفي الحديث "إن الله حرم مكة" فاللاجئ إليه لا يتعرض له ما دام فيه، وذكر عن عمر وابن عباس أن أحدهما لو لقي فيه قاتل أبيه ما هيجه، وأنه قول جمهور التابعين.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire