el bassaire

lundi 15 février 2016

الطهارة الماء / شرحُ عُمدةِ الأحكامِ

الطهارة  الماء / شرحُ عُمدةِ الأحكامِ
للشّيخِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُحسنِ التّويجريّ



5*- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي؛ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» وَلِمُسْلِمٍ: «لا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ»([1]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا مسالة تتعلق بالوضوء والاغتسال وبالماء، يعني بالفعل وبالماء، فالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم» فَسَّر الدائمَ بقوله «الذي لا يجري» وبهذا يفهم أنه سواء كان هذا الماء الدائم قُلَّتَين أو أقل أو أكثر؛ فمادام أنه دائم لا يجري فهناك نهي أن يبول المسلم فيه، قوله «ثم يغتسل منه» الصحيح أن هناك فصل بين هذا الحكم وما قبله، بمعنى أنه لو كان لا يريد أن يغتسل، مجرد يستقي وينصرف، هل يجوز له أن يبول فيه؟ لا، ولكن هذا النهي نظرا لعلاقته المباشرة بطهارة المسلم؛ قال العلماء: لأنه قد يُباشر الماء الذي تنجَّس بهذه النجاسة ويشرع هو في الاغتسال منه، هذا ذِكْرُ مسألة الاغتسال بهذا الماء الدائم الذي تم البول فيه، لأني سآتي أنا إلى مسألة نجاسة الماء بمخالطة النجاسة له، هذا قضية أخرى، إذا قوله «ثم يغتسل منه» ليست قيدا أو سببا متصلا بالحكم السابق، فـ «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري» هذا حكم، هنا جاء حكم جديد «ثم يغتسل» أيضا عطف عليه، فلا تغتسل من هذا الماء الذي أنت لِتَوِّكَ بلت فيه، لماذا؟ قالوا: لأنه قد يباشر الماء الذي لا يزال متصلا بالنجاسة متغيرا بالنجاسة؛ فيكون كأنه اغتسل بماء نجس، في رواية مسلم زيادة حكم جديد؛ فالنهي لا يقتصر على البول وإنما حتى الاغتسال وهو جنب، فطالما أنت جنب والماء دائم لا يجري فلا يجوز أن تغتسل به، لأن آثار الجنابة ستبقى في الماء، فماذا أعمل؟ يشرع لك الاستقاء من الماء وأن تغتسل بمكان آخر لا يعود الماء هذا إلى الماء الدائم، بالطبع يفهم من هذا الحديث أمور:
الأول: أنه إذا نهي عن البول فما هو أشد منه هو من باب أولى كالبراز والغائط، فلا يقول إنسان: النهي هو البول فأنا يجوز لي أن أتغوط، لا يجوز، لأنه من باب أولى وهذا يسمى عند الأصوليين القياس الجلي وهو من باب أولى، الله سبحانه وتعالى يقول – في علاقة الانسان بوالديه: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾([2])  هل يجوز الضرب أو القتل أو الإيذاء؟ لا، من باب أولى، حتى لو لم يرد النص عليها، فمادام نهيت عن الأقل فالأشد من باب أولى، وكذلك الحال في هذا الحديث.
وأيضا يفهم من هذا الحديث أنه لا يجوز أن تبول خارجا عنه في إناء أو وعاء ثم تأتي وتصبه فيه كما فقه الإمام ابن حزم رحمه الله، فالإمام ابن حزم يرى أن النهي أن تباشره بالبول لكن تبول في قارورة وتصبه فيه جائز! تتغوط فيه فهذا جائز! هذا من جموده على ظاهريته رحمه الله، وإلّا فالفقه والفهم، ولذا نجد مثل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله الذي أمعن النظر في الأدلة يقول: هذا يخالف مقتضى الشرع، الشرع له مقتضى له غاية له هدف يخالف هذا الهدف وإن لم يأت النص عليه، ولهذا يقول: هذا عبث في الدين، إذا فالنهي يشمل ما هو أشد، والنهي يشمل أن تأتي بالنجاسة وتلقيها فيه.
أيضا يُفهم من هذا الحديث أن الماء الذي يجري يجوز البول فيه ويجوز الاغتسال فيه من الجنابة كالأنهار والجداول والعيون الجارية، النهي خاص بالدائم الذي لا يجري، الحكمة في ذلك - من خلال النظر في الأدلة - هو إفساد الماء على الناس، لأنه لو سمحنا لهذا أن يبول فيه والثاني والثالث والرابع؛ لفسد هذا الماء، تنجس أو أنه استقذره الناس، وقد يصيبهم بالأمراض، كذلك الحال لو اغتسل من آثار الجنابة، إذا اغتسل الأول والثاني والثالث والعاشر والمئة فسد هذا الماء، لكن مادام أنه دائم فالمحافظة عليه تقتضي أن لا نبول فيه وإن كان البول يسيرا، وأن لا نغتسل فيه من الجنابة ليبقى طاهرا ومقبولا لا تستقذره النفوس لا في الشرب منه ولا في استخدامه.
سنأتي إلى مسألة وهي هل يتنجس الماء بملاقاة النجس؟ لأن المسألة فيها نصوص؛ فهناك ما هو أظهر في هذه المسألة من هذا الحديث كحديث أبي هريرة «الماء طهور لا ينجسه شيء»([3]) ويقابله حديث ابن عمر رضي الله عنه - وهو حسن - الذي يقول فيه النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إذا بلغ الماء قُلَّتين لم يحمل الخبث»([4])، عندنا حديث يقول: الماء كله طهور لا يتنجس، وعندنا حديث يقول: إذا بلغ الماء – جعل هناك غاية - معناه يفهم من الحديث أن ما دون القلتين فإنه يحمل الخبث وهو النجاسة، أريد أن أوضح أساسا وهو أنه أجمع العلماء على أنا الماء ينجس إذا تغيَّر أحدُ أوصافه الثلاثة: الطعم والرائحة واللون، إذا تغيّر أحد أوصافه الثلاثة بنجاسة فهو بإجماع أهل العلم، هذا خارج عن نطاق الخلاف، الخلاف فيما دون التغير، جاء الإنسان بقطعة من الماء بركة جاهل لا يعرف حديث أبي هريرة «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم» أو متهاون مستهتر قال: بدل أن أذهب وأبحث عن مكان للبول أبول في هذا الماء، فما حكم هذا الماء الذي لاقته هذه النجاسة؟ هذا خارج نطاق الإجماع، الإجماع لا بد من تغير، هذا لم يتغير الماء، لا لون ولا طعم ولا رائحة، فما حكمه؟ القائلون بمفهوم حديث ابن عمر رضي الله عنهما يقولون: نحن نُقَدِّر الماء؛ فإن كان الماء أقل من قلتين فإن الماء أصبح نجسا، قلنا: حتى لو لم يتغير أوصافه! قالوا: ولو كان قطرة واحدة، والقائلون بحديث أبي هريرة يقولون: الماء طهور لا ينجسه شيء، قالوا: وعندنا أيضا حديث يؤيد حديث أبي هريرة وهو ما جاء في الصحيحين من قصة الرجل الذي دخل المسجد - جاهل لا يعرف حرمة المسجد وحقوق المسجد يظن أن المسجد كأي بقعة من البقاع - حضره بولُه؛ فبحث عن زاوية لا أحد يراه فرفع ثوبه وبال في المسجد، فرآه الصحابة رضوان الله عليهم فابتدروه فقال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: دعوه فليكمل بوله([5])، انظر الخلق العظيم، هذا النَّبيّ الهادي الرحيم معلم، يعني كثير منا يحتاج لمثل هذه الأخلاق النبوية؛ لا تنفعل يا أخي حتى لو رأيت منكرا، هذا قد يكون انسان جاهلا، هناك فرق بين الفاسق والمعاند والجاهل، بعض الناس بمجرد ما يرى منكر ينفعل وربما يترتب على إنكاره مفسدة أعظم، فقال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه»، بالطبع هناك فوائد كثيرة من ترك النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليس هذا موضع عرضها، أكمل الرجل بوله ثم قام، الحل بسيط، ليس بحاجة إلى هذا الانفعال، قال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ائتوا بسجل أو دلو من ماء، السجل أو الدلو بمقدار أربع ليترات أو خمسة أو ستة ليترات من الماء وأريقوه على بوله، أصبح مثل بقية أجزاء المسجد، الذين قالوا بمقتضى حديث أبي هريرة قالوا: هذا فيه دلالة؛ بول هذا الأعرابي الذي خالطه هو مجرد دلو من ماء لا يصل عُشْرَ القُلتين ومع ذلك اعتبر النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن هذا الماء طهور وأزال أثر النجاسة أصبحت البقعة طهور وطاهرة كأن لم يصبها بول، فماذا رد عليهم أصحاب القول الأول: قالوا: هناك فرق بين أن ترد النجاسة على الماء وبين أن يرد الماء على النجاسة، وهذه الإجابة أو التوجيه ليس بقوي فيه نظر، لأن المهم أن النجاسة اختلطت بالماء أيهما الذي أضيف على الثاني فالنتيجة واحدة، فإذا قلنا: إن اختلاط الماء مع النجاسة إذا كان دون القلتين فإن الماء يتنجس فمعناه أن هذا الماء لو سكبوا عليه ثلاث دلاء وأربع وخمسة وستة كلما نزل يبقى حكم هذا الماء الذي امتزج بهذه النجاسة نجس، الماء صار نجسا فكيف يطهر وهو نجس، لأنه خالطته النجاسة، إذا فالصواب أن الماء طهور إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة ولا يُقاَبل مفهوم حديث ابن عمر بمنطوق حديث أبي هريرة سيما ومنطوق حديث أبي هريرة الذي يقول فيه صلّى الله عليه وسلّم «الماء طهور لا ينجسه شيء» بالطبع هناك حجج كثيرة لست بصددها، احتج القائلون بحديث أبي هريرة بحديث بئر بضاعة وهي بئر كان يُلقى فيها الحيض والقذر حتى إن ماءها قالوا كنقاعة الحناء وهو دون القلتين ينزل أحيانا الماء إلى ما دون القلتين، خصوصا أنه متأيد بحديث بول الأعرابي، حديث بول الأعرابي قوي وواضح وهو في الصحيحين، إذًا فالنهي هنا قول النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأن هذا مما احتج به القائلون بنجاسة ما دون القلتين لأن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم»، قلنا: هذا ليس لكم بحجة، لأن هذا الماء الدائم إذا كان أكثر من قلتين فأنتم لا تقولون بنجاسته والنهي باق، إذًا النهي ليس للتنجيس، التنجيس نتيجة من النتائج، علة من العلل، سبب من الأسباب، لكن ليس هو السبب الكامل، السبب الرئيس هو عدم إفساد الماء، حتى لا يُفْسد الماء بحيث يأتي ويبول فيه هذا ويغتسل فيه هذا؛ فيفسد ويستقذره الناس ولا يستطيعون أن يشربوا منه ولا يستخدمونه لا في غسل ولا في وضوء ولا في غير ذلك، إذا فالنهي ليس للنجاسة، وإنما حتى لا يفسد الماء، ولذا قوله «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب» ومعروف أن الجنابة ليست نجاسة وإنما قذارة، يعني جسم الجنب لو مسه الماء فليس بنجس وإنما شيء تستقذره النفوس.





([1]) صحيح مسلم (283).
([2]) الإسراء: 23.
([3]) صحيح. أبو داود (66). صحيح الجامع (6640).
([4]) صحيح. أبو داود (63). صحيح الجامع (416).
([5]) صحيح البخاري (6025).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire