el bassaire

mercredi 10 février 2016

حكم أخذ غير شعر الرأس أثناء الإحرام

الـمُخْتَلِفُ مِنْ أَحَادِيثِ الطَّهَارَةِ / حكم أخذ غير شعر الرأس أثناء الإحرام
للشيخ إبراهيم الصبيحي
http://al-bassair.blogspot.com

والحمد لله، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا مُحمد، وعلى آله وصحبه ومَن وَالَاه ..
أما بعدُ ..
فكنت تحدَّثت لكم عن ما سُئل عن ابن عمر رضي الله عنه من أخذه من لحيته، وبيَّنت لكم السبب، ويبقى عندنا قضية مُتعلِّقة بالموضوع، وهي حكم أخذ غير شعر الرأس أثناء الإحرام، كقص الأظفار، وأخذ الشعر غير المرغوب فيه من البدن، هل يحرُم أخذه كحرمة شعر الرأس أو لا يحرم؟
جماهير العلماء على حُرمته، ومن باب أولى أخذ شيء من اللحية، فإذا كان أخذ الشعر من الشارب، أو الإبط، أو العانة، أو قص الأظفار، لا يجوز، فمن باب أولى تحريم أخذ شيء من اللحية؛ إلا أنه وُجد في الآونة الأخيرة ـ ولعل بعضكم وقف على شيء من هذا ـ مَن لا يرى حرمة أخذ الشعر غير شعر الرأس، وهذا ربما يكون موجودًا في بعض المراجع التي تُتداول في هذا العصر.
أما شعر الرأس؛ فمُجْمَعٌ عليه، وفيه حكمان: حكم التحريم أثناء الإحرام، وحكم وجوب الأخذ منه من أجل التحلل، أما بالنسبة للتحريم فمحل إجماع، تحريم الأخذ، أما الوجوب فالجماهير على وجوبه، وللمالكية رأي في هذا وأنه إطلاق من محظور، ليس هذا محل التنبيه، إنما محل التنبيه: ما حكم أخذ سائر الشعور أثناء الإحرام؟
الجماهير على التحريم، ووُجد في هذا العصر مَن يرى بأن شعر البدن غير شعر الرأس، وكذا الأظفار ليس من المحظورات، بينما الفقهاء يعدُّون سائر شعر البدن والأظفار من المحظورات، ما دليله؟ قال عدم الدليل، يقول: من قال بالتحريم عليه ماذا؟ الدليل، ومن لـم يأتِ بدليل، فدَلَّ على ضعف رأيه، وهذا الرأي سبق إليه ابن حزم في «المُحلى»، والسؤال هو: أين الدليل على تحريم أخذ سائر الشعور أثناء الإحرام؟
الدليل ما جاء في قول الله ـ تعالى ـ ، وهي الآية التي كنت وعدتكم بها، لعلَّ بعضكم يذكر هذا: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾، ثم: للتراخي، عاطفة مع التراخي، وقد جاءت بعد الأمر بالحظر؛ فدَلَّ على أن أخذ سائر الشعور أثناء الإحرام لا يجوز؛ لأن الجواز إنما جاء للتحلل، لقوله: «ثم»، يعني: بعد أن يتحللوا ﴿لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾، إذن معنى الآية أنه قبل «حال ثم» لا يجوز، والتفث: لفظة لـم ترد في القرآن إلا في موضع واحد، وقد نصَّ أهل اللغة على أن المراد بالتفث: أوساخ الإنسان من ظُفر وشعر.
فالآية إذن فيها إباحة ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا﴾ أمر، والأمر بعد الحظر يكون لماذا؟ للإباحة، فلا نقول: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا﴾ أمرٌ، والأمر للوجوب؛ لأنه جاء بعد الحظر، وكلُ أمرٍ بعدَ حظرٍ؛ فهو للإباحة..
إذن؛ الدليل على اعتبار سائر شعر البدن من محظورات الإحرام هو القرآن الكريم، وقد فات ابنَ حزمٍ رحمه الله ومَن تابعه الاستدلالُ بالآية، لكنَّ الآية دليلٌ ظاهرٌ، وقد تَكلَّم أهل اللغة بكلام نفيس، ويُمكن الرجوع إليه في «لسان العرب».
إذن؛ هذه المناسبة.. السؤال عن فعل ابن عمر، وأنه كان يفعل القصَّ بعد التَّحَلُّلِ؛ لِيجمعَ بين ماذا؟ بين «الحَلْقِ والتَّقصِير»، وليس من باب مخالفة الراوي لِـمَا رواه، ولذا وُجد من بعض أهل العلم مَن يستحبُّ هذا فقط عند التحلل، والجمهور على عدم متابعة ابن عمر رضي الله عنه على ذلك للاختلاف في تفسير الآية، هذه الآية هي التي كنت وعدتكم بها وهي مهمة؛ لأنها تدُلُّ دليل على محظورات، على أن أخذ شعر البدن والأظفار من محظورات الإحرام، وهي ليست ظاهرة! كم من إنسان يقرؤها ولا يظهر له الحكم؟! لكن هذا من العِلم الذي استنبطه العلماء، وإلَّا؛ فأنت تقرأ الآية وتحفظها، ويقال: أين الدليل؟ فلا تجد الدليل، لماذا؟ لأنَّ الآية ليست نصّ في الموضوع، بل يحتاج المُستنبِطُ منها فهم القرآن، فهم الآية.
وفهم القرآن يا إخوان أمرٌ عظيم، وقد أمر الله بالتدبر والترتيل من أجل استنباط الأحكام؛ لأن هذا القرآن العظيم إنما جاء للعمل والهداية.
إذن هذه الآية: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ دليلٌ على أنَّ الشعر من محظورات الإحرام، نعم في شعر البدن حكم واحد بخلاف شعر الرأس، الرأس له حكمان: التحريم أثناء الإحرام، ووجوب الأخذ من أجل التَّحَلُّل؛ لذلك عدُّوه نُسُكًا، أما أخذ سائر شعر البدن؛ فمَحظورٌ أثناء الإحرام، مُباحٌ بعد ذلك، مباحٌ؛ لأن الأمرَ بعد النهي للإباحة.. واضح إن شاء الله؟ على بركة الله.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire