el bassaire

mercredi 10 février 2016

حكم الاغتسال من الجماع

الـمُخْتَلِفُ مِنْ أَحَادِيثِ الطَّهَارَةِ / حكم الاغتسال من الجماع
للشيخ إبراهيم الصبيحي

http://al-bassair.blogspot.com


هناك أحاديثَ، وردت متعارضة في حكم الاغتسال من الجماع، جاء من حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ1رضي الله عنه، أنه قال: «يَا رَسُولَ اللهِ! إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْـمَرْأَةَ، فَلَمْ يُنْزِلْ؟»، قَالَ: «يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْـمَرْأَةَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي»2 [متفقٌ عليه]، هذا الحديث فيه دليل على أنَّ مَن جامع ولـم يحصلْ له إنزالٌ؛ أنه لا يلزمُه الاغتسالُ، ويشهد لهذا حديث في «الصحيح»(3) أيضًا: «إِنِّمَا الْـمَاءُ مِنَ الْـمَاءِ»(.4).
إذنْ؛ هذا الحديث الذي نصُّه: (يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْـمَرْأَةَ مِنْهُ)، يعني: ذكره، ثم يتوضأ وُضُوءَ الصلاة..
هذا الحديث قد خالفه حديث آخر، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ؛ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ»(5)، وهو في «مسلم»، والمراد: تَمَكُّنُ الرجل من المرأةِ، و(وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ)، المرادُ به: إيلاجُ حَشَفَةِ الذكر؛ لأنَّ موضع الختان من الرجل بعد الحَشَفَةِ، وأما موضع الختان من المرأة فمقدمة الفَرْجِ، فلا يحصل مسُّ الختان للختان إلا بعد إيلاجه، والحديث لـم يذكر الإنزالَ، فمجردُ إيلاج الحَشَفَةِ كافٍ في وجوب الاغتسال.
أهل العلم اختلفوا في الجمع بين هذين الحديثين..
فذهب الجمهور إلى: أن الحديثَ الأولَ منسوخٌ، وهو غسلُ ما مسَّ المرأةَ، ما الناسخ؟ الحديث الثاني؛ ولذا فيجبُ على قولهم: إذا جامع يجبُ الاغتسالُ ولو لـم ينزلْ، وهذا ما عليه الفتوى بين الناس، ولكنَّ الحديث المخالِف موجودٌ، حملوه على أنَّه منسوخ، وقالوا: يُؤكد القولَ بالنسخِ ما جاء عن أبي هريرة (6) رضي الله عنه، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ؛ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَإِنْ لَـمْ يُنْزِلْ»(.7)، هذه اللفظة في «مسلم» أيضًا، «إِذَا مَسَّ الخِتَانُ الخِتَانَ؛ وَجَبَ الغُسْلُ»(8) لـم يذكر الإنزال، وهنا نصَّ عليه الصلاة والسلام على أنه ولو لـم ينزل؛ وجب الغُسْلُ، ويُؤكد ذلك أن الفُتيا في عهد الصحابة رضي الله عنهم كانوا يذهبون إلى أن حديث: «الْـمَاءُ مِنَ الْـمَاءِ»(9)، رُخصة في أول الإسلام؛ يعني هذا فيه تدرج في التشريع، ثم أُمِر بالاغتسال بعدها.
هذا هو القول الأول؛ حملوا الحديث الأول على أنه منسوخ.
ذهب جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، والظاهريَّةُ إلى: أنَّه لا يجب الاغتسال إلَّا إذا وقع الإنزال، فمَن يقرأ لابن حزم؛ يرى هذا الرأي؛ حجتهم حديث: (الْـمَاءُ مِنَ الْـمَاءِ)، وحديث: (الْـمَاءُ مِنَ الْـمَاءِ) متعارض مع حديث: (وَإِنْ لَـمْ يُنْزِلْ)، والتوفيق بين الحديثين: أن حديث: (الْـمَاءُ مِنَ الْـمَاءِ) هو غير منسوخ، وإن قيل بأنه منسوخ، فغير منسوخ، لماذا؟ لأن وجوب الماء من الماء مستقر في الإسلام؛ فكلٌّ يرى أنه إذا أنزل الإنسان عليه الاغتسال.
إذن؛ الحديث له دلالتان: دلالةُ منطوقٍ، ودلالةُ مفهومٍ. (الْـمَاءُ مِنَ الْـمَاءِ) هذا منطوقٌ، والعمل عليه محلُ إجماع، لكن المفهوم ما هو؟ أنه إذا لـم يحصل إنزالٌ؛ فلا اغتسالَ، وتعارضَ منطوقُ: (وَإِنْ لَـمْ يُنْزِلْ)، ومنطوق: (إِذَا الْتَقَى الخِتَانَان)(10)، مع مفهوم: (الْـمَاءُ مِنَ الْـمَاءِ)؛ فأيهما يُقدَّم؟ قالوا: يُقدَّم المنطوق، لماذا؟ أمَا قلنا بأن المفهوم يُخَصِّصُ العُمومَ؟ إذا كان المنطوق عام؛ فإن المفهوم يخصصه، وإذا كان المنطوق خاصًّا لا عمومَ فيه؛ فإنه يُقدَّم على ماذا؟ على المفهوم، مرَّت معنا أمثلة، خصَّصْنا العمومَ بالمفهومِ؛ مثال المفهوم، حديث: «القُلَّتَيْنِ»(11)، خصصنا به عموم: «الْـمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»(.12)؛ لكن هنا الأمر مخالف فقدمنا المنطوق هنا على المفهوم، لماذا؟ لأنه لا يُمكن الجمع، النبي صلى الله عليه وسلم لَـمَّا قال: (وَإِنْ لَـمْ يُنْزِلْ)، هذا لا يحتمل أننا نخصصه، «إِذا جَاوَزَ الخِتَانُ الخِتَانَ وَجَبَ الغُسْلُ»(13)، فإن لفظة: (وَإِنْ لَـمْ يُنْزِلْ) صريحة؛ لأنها منطوق خاص، فيُقَدَّمُ على المفهوم.
والجمع بين الأدلة أيُّها الأخوة، تارَّة يكون بالتوفيق، بمعنى أنك تعمل بالدليلين معًا، وتارة يكون بتقديم المنطوق على المفهوم إذا كان المنطوق خاصًّا، وأيُّهما أقوى المنطوق أو المفهوم؟ عند التعارض المنطوق، لماذا؟ لأن كلمات النبي صلى الله عليه وسلم دلَّت عليه؛ لكن المفهوم يفهمه المخاطَب من أسلوب المُتكلِّم؛ ولذلك تارَّة يكون المفهوم غير مراد، وتارة يكونوا مرادًا، لكن المنطوق كلَّه مرادٌ إن لـم يكن منسوخًا.
فإذا تعارض منطوق مع منطوق إن لـم نُوَفِّق بينهما؛ نقول بالنسخ، وإذا تعارض منطوق خاص مع مفهوم لا نقول بالنسخ؛ نقول بالتقديم، ما السبب؟ أن المنطوق مع المنطوق قوتهما في الدلالة واحدة، هذا منطوق قوته ظاهرة وذا قوته ظاهرة، إذن المنطوق مع المنطوق القوة واحدة، ولا يُمكن الجمع؛ فلابد من المصير إلى النسخ.
أما إذا تعارض منطوق خاص مع المفهوم؛ فإن المنطوق أقوى، فلا نقول بالنسخ، لماذا؟ لأننا لو قلنا بالنسخ لجعلنا المفهوم ينسخ المنطوق، وهذا لا يصح؛ فإن المفهوم أضعف في الدَّلالة من المنطوق، فإذا تعارض منطوق خاصٌّ؛ قدَّمنا المنطوق، ولا يمكن أن نقول: إن المنطوق منسوخ، أو المفهوم منسوخ، لا يدخل النسخ بين تعارض منطوق ومفهوم؛ إنما يدخل النسخ بين منطوقات خاصة، فإذا لـم يُمكن الجمع؛ قلنا بالنسخ بعد معرفة التاريخ، أو ما يدل على نسخه، كقوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِنْ لَـمْ يُنْزِلْ). ظاهر إن شاء الله هذا المعنى؟ نعم.



([1]) هو: الصحابي الجليل أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، سيد القراء، أبو منذر، الأنصاري، النجاري، المدني، المقرئ، البدري، ويكنى أيضًا: أبا الطفيل. شهد العقبة وبدرًا، وجمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعُرض على النبي عليه السلام وحفظ عنه علمًا مباركًا، وكان رأسًا في العلم والعمل رضي الله عنه. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ليهنك العلم أبا المنذر». مات سنة اثنتين وثلاثين.
انظر: [«الاستيعاب»، ص: (42 ترجمة 2)، و«أُسْد الغابة»: (1/168 ترجمة 34)].
(2) أخرجه البخاري في كتاب «الغسل»، باب: «غسل ما يصيب من فرج المرأة» (293)، ومسلم في كتاب: «الحيض» ـ باب: «إنما الماء من الماء» (346)].
(3) هكذا قال الشيخ، والصواب: في «صحيح مسلم».
(4) أخرجه مسلم، في كتاب: «الحيض» ـ باب: «إنما الماء من الماء» (343)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(5) أخرجه مسلم، في كتاب: «الحيض» ـ باب: «نسخ الماء بالماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين» (349).
(6) هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الملقب بأبي هريرة: صحابي، كان أكثر الصحابة حفظًا للحديث وروايةً له. نشأ يتيمًا ضعيفًا في الجاهلية، وقَدِمَ المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسلم سنة: (7 هـ)، ولزم صحبة النبي، فروى عنه (5374 حديثًا)، وولي إمرة المدينة مدة. وكان أكثر مقامه في المدينة وتوفي فيها سنة (59هـ). انظر: [«تهذيب الكمال»: (34/366)].
(7) أخرجه مسلم، في كتاب: «الحيض» ـ باب: «نسخ الماء من الماء، ووجوب الغسل بالتقاء الختانين» (348).

(8) أخرجه مسلم، في كتاب: «الحيض» ـ باب: «نسخ الماء بالماء ووجوب الغسل...» (348).
(9) تقدَّم تخريجه.
(10) أخرجه أبو داود، في كتاب: «الطهارة» ـ باب: «في الإكسال» (214)، والترمذي، في كتاب: «الطهارة» ـ باب: «إذا التقى الختانان؛ وجب الغسل» (110)، وابن ماجه، في كتاب: «الطهارة وسنها» ـ باب: «ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان» (609)، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود»].
(11) أخرجه أبو داود، في كتاب: «الطهارة» ـ باب: «ما ينجس الماء» (63)، والنسائي، في كتاب: «الطهارة» ـ باب: «التوقيت في الماء» (52)، والترمذي، في كتاب: «الطهارة» ـ باب: «منه آخر» (67)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (416)].
(12) أخرجه أحمد في «مسنده»: (3/31، 86)، وأبو داود، في كتاب: «الطهارة» ـ باب: «ما جاء في بئر بضاعة» (66، 67)، والترمذي، في كتاب: «الطهارة» ـ باب: «ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء» (66)، والنسائي، في كتاب: «المياه» ـ باب: «ذكر بئر بضاعة» (326، 327)، وابن أبي شيبة في «مصنفه»: (1505، 36092)، وابن الجارود في «المنتقى»: (47)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»: (1/11)، والدارقطني في « سننه»: (1/29 ـ 31)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (1/257)، وأورده الزيلعي في «نصب الراية»: (1/112).
(13) أخرجه الترمذي، في كتاب: «الطهارة» ـ باب: «ما جاء في التقى الختانان وجب الغسل» (109)، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي».






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire