el bassaire

jeudi 18 février 2016

أحكام العبادات المترتبة علي الطلوع الفجر الثاني

دراسة فقهية تأصيلية الموازنة
الدكتور ناصر بن محمد بن المشري الغامدي

http://al-bassair.blogspot.com

تعريف الفجر، وبيان نوعيه، والفرق بينهما

الفجر في اللغة: قال ابن فارس الرازي رحمه الله: "فَجَرَ: الفاء، والجيم، والراء: أصل واحد؛ وهو التفتح في الشيء، ومن ذلك الفجر؛ انفجار الظلمة عن الصبح، ومنه انفجر الماء  انفجارًا: تفتح.
والفجر: ضوء الصباح، وهو حمرة الشمس في سواد الليل؛ والفجر في آخر الليل كالشفق في أوله، وقد انفجر الصبح وتفجَّر وانفجر عنه الليل، وانفجروا: دخلوا في الفجر، كما تقول: أصبحنا من الصبح، والفجر: انكشاف ظلمة الليل عن نور الصبح؛ وشق الشيء شقًا واسعًا كفجر الإنسان سَكْرَ النهر الذي يُسَّدُّ به، ويقال: طريق فجْر، واضح، وفَجَرْتُهُ فانفجر، وفَجَّرْتُهُ فتَفَجَّر؛ قال الله تعالى: }وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا{ [القمر: 12] وقال تعالى: }وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا{ [الإسراء: 90].
ومنه قيل للصبح: فجْر؛ لكونه فَجَرَ الليل؛ قال تعالى: }وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا{  [الإسراء: 78].
وقيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلعها: فجْر؛ لانبعاث ضوئه ونوره عليهم بطرقهم وفجاجهم. وهذا ابتداء تنفس الصبح، قال الحق سبحانه }وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ{ [التكوير: 18]
وهما فجران: أحدهما المستطيل؛ وهو الكاذب الذي يسمى ذنب السرحان. والآخر المستطير؛ وهو الصادق المنتشر في الأفق؛ ولا يكون الصبح إلا الصادق.
وكانت العرب تسمي الفجر (أول بياض النهار) الخيطَ الأبيض والصَّديع؛ ومنه قولهم: انصدع الفجر، ويقولون للأمر الواضح: هذا كفلق الصبح، وكانبلاج الفجر، وتباشير الصبح
وأما تعريف الفجر في اصطلاح أهل العلم: فلا يخرج عن معناه في لغة العرب؛ فهو عند الفقهاء فجران:
الفجر الأول: وهو البياض المستدق المتنفس صُعُدًا من غير اعتراض كذنب السرحان (وهو الذئب) ويسمى الفجر الكاذب؛ لأنه يضيء ثم يسود، ويسمى الخيط الأسود، ولا يتعلق به حكم.
والفجر الثاني: هو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمى الخيط الأبيض، والفجر الصادق؛ لأنه صدَقَك عن الصبح وبيَّنه لك، والصبح: ما جمع بياضًا وحمرة  .
وظهور الفجر بعد الظلام الدامس من آيات الله عز وجل العظيمة التي تستحق الشكر والثناء؛ فإن هذا النور الساطع بعد الظلام الدامس لا أحد يستطيع أن يأتي به إلا الله سبحانه؛ قال تعالى: }قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ الليْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ{ [القصص: 71].
مر معنا في تعريف  الفجر: أن الفجر في لغة العرب، وفي اصطلاح أهل العلم نوعان؛ الفجر الأول: وهو الفجر الكاذب، والفجر الثاني: وهو الفجر الصادق.
وقد أشار الله سبحانه إلى هذين النوعين في قوله تعالى: }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ{ [البقرة: 187].
قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: لما نزلت }حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ{ عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت انظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت له ذلك، فقال: «إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار».
وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، رحمه الله تعالى عليه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «الفجر فجران؛ فالذي كأنه ذنب السرحان، لا يحرم شيئًا، وأما المستطير الذي يأخذ الأفق، فإنه يحل الصلاة، ويحرم الطعام».
والتفريق بين الفجرين: الأول، والثاني (الكاذب والصادق) من المسائل الشرعية الدقيقة التي يحتاج إلى معرفتها كل مسلم؛ لما ينبني على ذلك من صحة إيقاع العبادات المحددة المرتبة على طلوع الفجر في وقتها الشرعي الصالح لها؛ ولأن التشابه بين الفجرين يخدع من ليس عنده خبرة للتمييز بينهما، ويغره؛ ولأجل هذا فقد نبه المصطفى صلى الله عليه و سلم إلى هذا في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا؛ يعني: معترضًا».
وفي رواية عنه قال: «لا يغرنكم نداء بلال، ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر، أو قال: حتى ينفجر الفجر».
وعن طلق بن علي، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر».
قال الإمام الترمذي رحمه الله: "والعمل على هذا عند أهل العلم؛ أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض، وبه يقول عامة أهل العلم.
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: "قوله: (لا يهيدنكم) معناه: لا يمنعكم الأكل، وأصل الهَيْد: الزجر؛ يقال: هِدْتُ الرجل، أَهِيدُه هيْدًا، إذا زجرته، ويقال في زجر الدواب: هَيْدَ هَيْدَ، والساطع المرتفع، وسطوعها ارتفاعها مصعدًا، مثل أن يعترض، ومعنى الأحمر ههنا، أن يستبطن البياض المعترض أوائل الحمرة؛ وذلك أن البياض إذا تتام طلوعه، ظهرت أوائل الحمرة، والعرب تشبه الصبح بالبلق في الخيل، لما فيه من بياض وحمرة
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «إن الفجر ليس الذي يقول هكذا؛ وجمع أصابعه، ثم نكسها إلى الأرض، ولكن الذي يقول هكذا؛ ووضع المُسَبِّحة على المُسَبِّحة، ومد يديه» وفي لفظ: «الفجر هو المعترض وليس بالمستطيل».
واستنادًا إلى هذه النصوص الشرعية: وغيرها مما هو في معناها، فقد ذكر أهل العلم جملة من الفروق بين الفجرين؛ الكاذب والصادق، يتبين من خلالها صفات كل منهما؛ بيانها على النحو التالي.
1- أن الفجر الكاذب مستطيل ساطع، ممتد من الشرق إلى الغرب، مصعد كالعمود إلى أعلى، جهته وسط السماء، أو يميل قليلاً.
أما الفجر الصادق فإنه يخرج معترضًا مستطيرًا في الأفق، معترضًا من الجنوب إلى الشمال، يملأ بياضه وضوؤه الطرق والأسواق.
2- أن الفجر الكاذب ساطع له بياض ونور، لكن بياضه ونوره يزول بالظلمة التي تعقبه، وتكون في أسفله مما يلي المشرق في الأفق.
أما الفجر الصادق فإن نوره وبياضه يزداد وربما كان في نوره توريد بحمرة بديعة، خاصة إذا كانت السماء صافية، وقد تظهر هذه الحمرة كما لو كانت كدرًا وغالبًا ما يكون في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس، وينتقل بانتقالها، وهو مقدمة ضوئها.
3- أن الفجر الكاذب له رأس مستدق إلى أعلى في السماء يشبه ذنب السرحان (الذئب) والفجر الصادق ليس كذلك.
4- أن الفجر الكاذب يتشكل في الفلك، وليس في  الأفق القريب من الأرض، بخلاف الفجر الصادق؛ فإنه يتشكل في الأفق القريب.
5- أن الفجر الكاذب يؤثر فيه ضوء القمر، وفي ليالي وجود القمر جهة الشرق آخر الليل تصعب معرفته إلا على من لديه خبرة ودراية كافية بأوصافه وأحواله.
أما الفجر الصادق فإن تأثير ضوء القمر عليه محدود وضعيف، حتى لو كان القمر في جهة الشرق آخر الليل.
6- أن الفجر الكاذب يخرج قبل الفجر الصادق بنحو ساعة، أو ساعة، إلا ربعًا، أو قريبًا من ذلك.
بينما يكون خروج الفجر الصادق بعد الكاذب، وقبل طلوع الشمس بوقت محدود، يزيد هذا الوقت وينقص بمقدار معلوم حسب دورة الشتاء والصيف.
وإذا تقررت هذه الفروق المهمة بين الفجرين الكاذب والصادق (الأول والثاني) فإن جميع الأحكام الشرعية المنوطة بطلوع الفجر إنما تتعلق بطلوع الفجر الصادق (الثاني) باتفاق أهل العلم، وأما الفجر الكاذب (الأول) فلا يتعلق بطلوعه حكم شرعي، وقد نصت الأحاديث السابقة على هذا.
كان المسلمون على مدى أربعة عشر قرنًا مضت يعتمدون في تحديد وقت صلاة الفجر على الرؤية بالعين المجردة حيث لم يكن يوجد ما يشوش عليهم رؤية ضوء الفجر، ولكن بعد ظهور الكهرباء وانتشار الضوء الصناعي لم يعد بالإمكان تحديد وقت صلاة  الفجر داخل المدن والقرى، مما اضطر الناس إلى الاستعانة بالتقاويم شيئًا فشيئًا حتى أصبح الاعتماد عليها في تحديد مواقيت الصلاة اعتمادًا كليًا.

ومعظم التقاويم المستخدمة حاليًا لم تبن على دراسات ميدانية، إنما بنيت على ما يعرف عند الفلكيين بالشفق الفلكي، الذي يبدأ في الظهور عندما تكون الشمس على (18) درجة تحت الأفق، ورغم اتفاق الفلكيين على تعريف وتحديد أنواع الشفق، إلا أنه لا توجد دراسة فلكية علمية عملية مؤصلة تحدد الوقت الذي يبدأ أو ينتهي عنده الشفق

الأول: الشفق المدني (civil twilight) ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق بست درجات قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب؛ أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (96 درجة).

الثاني: الشفق البحري (Nautical Twilightويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق باثنتي عشرة درجة قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب؛ أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (102 درجة).
الثالث:  الشفق الفلكي (Astronoomical Twilight) ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق بثماني عشرة درجة قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب، أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (108 درجات).
ويعتبر الشفق الفلكي أول إضاءة من جهة الشرق، بينما الشفق البحري تظهر خلال مدته الخطوط الخارجية للأشكال دون الحاجة إلى الاستعانة بالضوء، كما تتلألأ نجوم القدر الأول في صفحة السماء. بينما يتميز الضوء خلال مدة الشفق المدني بأنه ضوء النهار، ولكنه مشوب بحمرة.
ومعظم التقاويم وضعت بداية توقيت صلاة الفجر على الشفق الفلكي، وبعضها يقدمه إلى (19 درجة) كتقويم أم القرى، من باب الاحتياط لعبادة الصيام، أو إلى (19.5 درجة) كتقويم هيئة المساحة المصرية
وأشهر التقاويم التي يعتمد عليها الناس في مواقيت الصلاة في الوقت الراهن ما يلي:
1- تقويم أم القرى؛ وهو أشهرها وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (19) درجة.
2- تقويم رابطة العالم الإسلامي؛ وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (18 درجة).
3- تقويم المساحة العامة المصرية؛ وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (19.5 درجة).
4- تقويم جامعة العلوم الإسلامية بباكستان كراتشي، وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (18 درجة).
5- تقويم الجمعية الإسلامية بأميركا الشمالية (المعروفة بالإسنا)؛ وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (15 درجة).
ويلاحظ التفاوت الكبير بين هذه التقاويم؛ ما بين (19.5 إلى 15 درجة) وهذا يدل على أن هناك خللا فيها؛ إذ لا يعقل أن يبلغ التفاوت بين تقويمين قرابة عشرين دقيقة؛ ولعل السبب في هذا التفاوت الكبير والخلل أن معظم هذه التقاويم قد وضعت على الفجر الكاذب المعروف بـ (الشفق الفلكي) مع تقديم يسير في بعضها
وهذه الإشكالية تفطن لها بعض أهل العلم المحققين، ونبهوا إلى وجودها، وأنه ينبغي عدم التعجل في إقامة صلاة الفجر اعتمادًا عليها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة؛ لتمكين الوقت زعموا، فأخروا الفطر، وعجلوا السحور وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير وكثر فيهم الشر
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "وقد رأيت ذلك بنفسي مرارًا، من داري في جبل هملان، جنوب شرق عمان، ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين، أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة؛ أي قبل الفجر الكاذب أيضًا! وكثيرًا ما سمعت إقامة صلاة الفجر في بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبلها بنصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة أيضًا قبل وقتها في شهر رمضان.. وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام، وتعريض لصلاة الفجر للبطلان، وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي، وإعراضهم عن التوقيت الشرعي....
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بالنسبة لصلاة الفجر، المعروف أن التوقيت الذي يعرفه الناس ليس بصحيح، فالتوقيت مقدم على الوقت بخمس دقائق على أقل تقدير، وبعض الإخوان خرجوا إلى البر، فوجدوا أن الفرق بين التوقيت الذي بأيدي الناس، وبين طلوع الفجر نحو ثلث ساعة فالمسألة خطيرة، ولهذا لا ينبغي للإنسان في صلاة الفجر أن يبادر في إقامة الصلاة، وليتأخر نحو ثلث ساعة أو (25) دقيقة، حتى يتيقن أن الفجر قد حضر وقته (
ونظرًا لخطورة هذه المسألة وتعلقها بالصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين؛ فقد اهتم بها أهل العلم قديمًا وحديثًا، وعقد من أجلها العديد من الندوات والمؤتمرات، وصدر فيها العديد من الفتاوى من الهيئات العلمية الشرعية المتخصصة.
نذكر منها بعض ما صدر في هذه البلاد المباركة؛ حيث أصدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم (61) وتاريخ (12/4/1398 هـ) بعد دراسة أعدتها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء جاء فيه مختصرًا:
أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس، إلا أن نهارها يطول جدًا في الصيف ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعًا.
ثانيًا: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفًا، ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب  عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها، معتمدين في ذلك على أقرب البلاد إليهم، تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض
وأما المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي فقد أولى هذا الموضوع عنايته الفائقة؛ فدرسه في الدورة الخامسة المنعقدة في الفترة (8-16/ 1402 هـ) وأصدر بشأنه قرارًا. ثم أعاد دراسته في الدورة التاسعة المنعقدة في الفترة (12-19/ 7/ 1406 هـ) وأصدر بشأنه قرارًا، ولا زالت بعض إشكالات هذا الموضوع قائمة لدى المسلمين المقيمين في البلاد ذات خطوط العرض العالية؛ ولأجل هذا فقد أعاد المجمع الفقهي دراسة الموضوع في دورته التاسعة عشرة المنعقدة في الفترة (22-27/ 10/ 1428 هـ) وأصدر بشأنه القرار الثاني، والذي جاء فيه مختصرًا ما يلي:
يؤكد المجلس على ما جاء في القرار الثالث في دورته الخامسة، والقرار السادس في دورته التاسعة؛ حيث قسم القرار المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاث مناطق، وذكر أحكامها.
الأولى: البلاد الواقعة: ما بين خطي العرض (45) و (48) درجة شمالاً وجنوبًا، وتتميز فيها العلامات الظاهرة للأوقات في (24 ساعة) طالت الأوقات أو قصرت؛ فهذه يجب على أهلها الالتزام بالصلاة في مواقيتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبين الفجر الصادق إلى غروب الشمس، عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة والصوم.
الثانية: البلاد الواقعة: ما بين خطي العرض (48 درجة) و (66 درجة) شمالاً وجنوبًا، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من الأيام؛ كأن لا يغيب الشفق الذي يبتدئ به العشاء، وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر؛ فالحكم في هذه البلاد أن تقدر مواقيت الصلاة فيها بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض (45 درجة) باعتباره أقرب الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز؛ فإذا كان العشاء يبدأ مثلاً بعد ثلث الليل في خط عرض (45 درجة) يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر.
والثالثة: البلاد الواقعة: فوق خط عرض (66) درجة شمالاً وجنوبًا إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهارًا أو ليلاً، فتقدر فيها جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها، في خط عرض (45 درجة) وذلك بأن تقسم الأربع والعشرون ساعة في المنطقة من (66 درجة) إلى القطبين، كما تقسم الأوقات الموجودة في خط عرض (45 درجة) فإذا كان وقت الفجر في خط عرض (45 درجة) في الساعة الثانية صباحًا مثلاً كان الفجر كذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وبديء الصوم منه حتى وقت المغرب المقدر.
ويوصي مجلس المجمع برابطة العالم الإسلامي بإنشاء مركز في مكة المكرمة للعناية بالعلوم الشرعية الفلكية؛ ليكون مرجعًا للمسلمين في مواقيت الصلاة في جميع مدن العالم، وخاصة البلاد غير الإسلامية، ولإصدار تقويم هجري موحد لجميع المسلمين، وللسعي إلى التقريب بين بلدان العالم الإسلامي في شأن رؤية الهلال، والتعاون مع المراصد الفلكية في سبيل تحقيق هذا الغرض. كما يرى المجلس تكليف الأمانة العامة للمجمع بتكوين لجنة شرعية فلكية لإعداد تقويم للصلوات في البلاد ذات خطوط العرض العالية، على ما ورد في القرار.
وبعد هذا العرض الملخص عن الموضوع، فإن تحديد الفجر الصادق يختلف عما هو مثبت في التقاويم، ولم يصدر بحقه إلى الآن تقويم زمني شامل معتمد موحد، وأقرب التقاويم إلى تحديده: تقويم رابطة العالم الإسلامي، وتقويم جامعة العلوم الإسلامية بالباكستان.
ومن خلال بعض القواعد والضوابط التي وضعها أهل العلم والمختصون، يمكن تحديد وقت طلوع الفجر الصادق على ما يلي:
أولا: من خلال كلام الشيخين  الجليلين؛ الألباني، وابن عثيمين عليهما رحمة الله، فيما سبق، فإن الفجر الصادق يكون بعد وقت الأذان المحدد في التقاويم (خصوصًا تقويم أم القرى) بمدة تتراوح بين (20 إلى 30 دقيقة) حسب اختلاف الصيف والشتاء
ثانيًا: من خلال الاستقراء والتجارب التي قام بها بعض علماء الفلك المختصين، تبين أن وقت الفجر والعشاء يرتبطان بانتشار الضوء في ظلام الليل أو اختفائه كليًا، نتيجة انعكاس ضوء الشمس غير المباشر على طبقات الغلاف الجوي، المحيطة بالكرة الأرضية.
وأن وقت الشفق الأبيض والفجر الصادق يتساويان في المكان الواحد تقريبًا، وأنهما يرتبطان بحركة الشمس الظاهرية  تحت الأفق. وأن ضوء الشمس غير المباشر والمنعكس على الغلاف الجوي ينتهي أو يبدأ عندما تصل درجة ميل الشمس تحت الأفق بما يعادل (18 درجة)
وأن الشعاع الضوئي عندما يقابل الغلاف الجوي، بزاوية أكبر من (18 درجة) وهي ما يعرف بالزاوية الحرجة، فإنه ينعكس إلى الفضاء الخارجي، ولا يصل إلى سطح الأرض؛ وهو ما يعرف بالفجر الكاذب، ويستمر هكذا مع حركة الشمس الظاهرية، حتى تكون هذه الزاوية مساوية (18 درجة) وعند ذلك ينعكس الشعاع الشمس على الطبقة الهوائية، ويتجه إلى سطح الأرض حيث يبدأ ظهور الفجر الصادق.
إذًا من خلال ذلك فإن الفلكيين يرون أن الفجر الصادق يبدأ عندما تكون زاوية الشمس تحت الأفق الشرقي (18 درجة) ويوافق بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره عرضًا في الأفق، وهو ما حدده قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي رقم (6) في دورته التاسعة المنعقدة في الفترة (12-19/ 7/ 1406هـ)
وقد اعتمدت بعض التقاويم على هذا التحديد؛ منها: تقويم رابطة العالم الإسلامي؛ ويتطابق معها في ذلك: تقويم العجيري؛ وتقويم جامعة العلوم الإسلامية بكراتشي بالباكستان.
ثالثًا: قام فضيلة الدكتور سليمان بن إبراهيم الثنيان، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين، بجامعة القصيم، برصد طلوع الفجر الصادق لمدة عام كامل، فثبت له أن وقت الفجر حسب تقويم أم القرى متقدم عن التوقيت الشرعي للفجر ما بين (15 دقيقة) إلى (24 دقيقة) حسب فصول السنة.
رابعًا: قامت لجنة علمية من ثمانية علماء متخصصين في علوم الشريعة والفلك، يمثلون قسم الفلك بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض، ورئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، ووزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة، بدراسة علمية شرعية فلكية، استخدمت فيها المعايير الدقيقة في رصد وقت الفجر مكانًا وزمانًا، وبعد عام كامل من الرصد الميداني لتحديد بداية الفجر الصادق (الشفق الشرعي) في منطقة الرصد، تبين أنه ينضبط باستخدام المعيار الفلكي، عندما تكون الشمس تحت الأفق بمقدار (14.6) درجة قوسية، وانحراف معياري بمقدار (.3) درجة قوسية  فالله أعلم.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire