el bassaire

mercredi 10 février 2016

ما جاء في تطهير موضع النجاسة من المسجد

الـمُخْتَلِفُ مِنْ أَحَادِيثِ الطَّهَارَةِ / ما جاء في تطهير موضع النجاسة من المسجد
للشيخ إبراهيم الصبيحي
http://al-bassair.blogspot.com

ما جاء في تطهير موضع النجاسة من المسجد، وجاء في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعاه، ثم قال: «إِنَّ هَذِهِ الْـمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِي لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»1.
الحديث أيها الأخوة فيه حكمان، بيان حكمين:
الحكم الأول: ما لا يصلح في المساجد.
والحكم الثاني: ما بُنيت المساجد من أجله.
فالبول والقذر يجب تنزيه المساجد منهما، وذكر الله والصلاة وقراءة القرآن بُنيت المساجد من أجلها كما في الحديث.
إذن؛ هناك أمور منهي عنها، وأمور بُنيت المساجد من أجلها، وهناك أمور مسكوت عنها، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر صنفين، هل هذان الصنفان استغرقا كل ما يحصل في المسجد؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنه هناك أشياء تُشبه المنهي عنها، كالقذى والبصاق، البصاق غير النخامة، النخامة منهي عنها، ورفع الصوت في المسجد، والخصومات، والبيع والشراء، وسائر العقود، عقود الإيجارة، وإنشاد الضالة منهي عنها، والكلام الذي ليس بذكر، وجميع الأمور التي لا طاعة فيها، هذه تلحق بماذا؟ بالمنهي عنه.
ومنها ما يُشبه الأمور التي بُنيت المساجد من أجلها؛ لأنها من أعمال الطاعات؛ كالجلوس في المسجد للاعتكاف، والذكر، وقراءة العِلم، القرآن وَرَد؛ لكن العِلم لـم يردْ في الحديث، وسماع الموعظة، ونحو ذلك؛ فهذه الأمور، وإن لـم تدخل في المحصور فيه؛ لكن قد أجمع المسلمون على جوازها، كما حكاه النووي.
إذن؛ عندنا دلالات: أشياء منهي عنها، وأشياء مأمور بها، فما يُشبه المأمور بها محل إجماع أنها مشـروعة؛ فلا يمكن أحد يعترض على دروس العلم في المساجد؛ فهذه من الأشياء المُجمع عليها. قالوا: فيخصص مفهوم الحصر الوارد في الحديث، الحديث يقول: «هَذِهِ الْـمَسَاجِدُ إِنَّمَا عُمِرَتْ لِذِكْرِ اللهِ»2، فهل الحصر خاصٌّ، أو أُريد به تحديد ما يُمكن أن يدخل في الطاعة؟ هذا الذي عليه الجمهور.
أما الأمور التي لا طاعة فيها؛ فهي محل المنع، مثل البيع والشراء، العرض؛ تُعرَض كتب، صحيح هو بيع كتب عِلم، لكن الأصل أنهم يريدون ماذا؟ الربح، خلاف الكتب التي توضع للإهداء. وقد يُوجد في بعض المساجد كتب للبيع، وهذا لا يصح، والإعلانات، إعلانات للتسجيل في المدارس، أو دعاية مدارس؛ يضعون حكمة، ويضعون اسم المدرسة والتليفون، لماذا يضع اسم المدرسة؟ مدرسة أهلية بفلوس؟ إذن؛ جعل المسجد محل دعاية لمدارسهم ومراكزهم وتجاراتهم، وهذا لا يجوز؛ لأنها إنما عمرت لذكر الله تعالى .
إذن؛ هذه هل أداة الحصر الموجودة في الحديث على بابها، أو أنهم قاسوا، ما جاء مذكورًا بأداة الحصـر قاسوا عليه ما أشبهه؛ من باب إلحاق الأحكام بالقياس؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا هِي لِذِكْرِ اللهِ»، (إِنَّمَا) تدلُّ على الحصر، فهل المفترض أنها نلتزم بهذه الأنواع المذكورة من ذكر الله وقراءة القرآن والصلاة فقط؟ أو أننا نُلحِق بها ما يشبهها؟ لأن الحديث جاء لبيان ما بُنيت المساجد لأجله، وما لا يجوز أن يدخل في المساجد. وذلك يُشْكِل على التَّكَسُّبِ في المساجد، يسأل في المسجد ويتكسب، هذا يشكل على الأمر، نعم.
هناك حديثان أيضًا متعارضان في الترجل: عن عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعقلٍ3 رضي الله عنه، قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا»4 «رواه الخمسة»، والترجل معناه تصفيف الشعر، إصلاح شعر الرأس وغيره من شعور كشعر اللحية غِبًّا، هذا حديث فيه حصر الترجل يوم بعد يوم، يعني ما يضيع الإنسان وقته في كل يوم يترجل، إن جاز للنساء فلا يليق بالرجال، بأن يضيعوا أوقاتهم؛ إنما غِبًّا من أجل أن يظهر بمظهر حسن، لكن خالفه حديث أبي قَتَادَةَ5 رضي الله عنه أنه كانت له جُمَّة ضخمة، الجُمَّة المراد بها الشعر الذي لـم يصل أو وصل إلى حد الأكتاف، يعني مرسل لشعره، ويكره زيادته أو إنزاله عن الأكتاف، كان صلى الله عليه وسلم إذا وصلت جُمته إلى كتفيه قصها إلى حد شحمة الأذنين؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم6.
إذن عندنا حديثان: حديث الترجل كل يوم، وحديث «غِبًّا»؛ فبأي الحديثين نعمل؟ واضح التعارض؛ في الحديث الأول النهي عن الترجل إلَّا غِبًّا، والثاني ورود فيه الأمر في الترجل كل يوم، وهنا لا يمكن حمل المطلق على المقيد، وقد ذهب الشوكاني إلى الترجيح، ترجيح رواية على رواية، لكن الجمع ممكن، يرى الشوكاني رحمه الله عدم إمكان الجمع؛ لأن حديث يقول: «غِبًّا» وحديث: «كل يوم»، والجمع ممكن، ما وجه الجمع؟ على تعدد الأحوال، على تعدد الأحوال، ما معنى تعدد الأحوال؟ الحديث جاء في الترجل، واحد قال: «تَرَجَّلْ غبًّا»، وآخر قال: «تَرَجَّلْ كُلَّ يَوْمٍ»، الذي أُمر فيه بالتَّرَجُّل كل يوم كان صاحبه له جُمة كثيفة ضخمة؛ فجاء الأمر والإذن بما يُناسب حاله بما يناسب الحال؛ لأن هذه الجمة، ربما حصل فيها أذى، وذاك صاحب الغِبِّ جُمَّتُه أقل؛ فالجمع بين الحديثين لا عن سبيل الترجيح؛ لكن عن سبيل تنزيل كل حديث على حاله، فمن كانت له جُمَّة ضخمة ويحتاج إلى التَّرَجُّل يوميًّا؛ أُذن له فيها، ومن لـم تكن له جمة ضخمة؛ فعليه أن يتَرَجَّل يومًا بعد يوم، ويتفق مسار الأحاديث ما نقول: «هذا الحديث يعارض هذا الحديث، هل نحتاج إلى النسخ، نحتاج إلى الترجيح»، وإنما يُوضع كل حديث على حسب ما ورد فيه من حال؛ فحال صاحب الجُمَّة الضخة يحتاج إلى أن يترجل كل يوم، وصاحب الجمة الخفيفة يكفيه أن يترجل يومًا بعد يوم.
ونرى الفروق بين الناس في لحاهم، وفي شعر رؤوسهم، يُوجد مَن له جُمَّة ضخمة إن لـم يُرجلها يوميًّا؛ فربما آذته، أو أظهرته بمظهر لا يرغب أن يكون هو فيه؛ فتأتي أحاديث وتُحمل على تعدد الأحوال، وهذا من هذا الباب؛ من باب تعدد الأحوال، ويكون في هذا جمع بين الأحاديث، وهو حمل الجُمَّة التي تُرَجَّل يوميًّا على ماذا؟ على الجُمَّة الضخمة، واضح إن شاء الله؟ وأما الجُمَّة الخفيفة فيترجل بها يومًا بعد يوم.
والأحاديث ـ يا إخوان ـ في الطهارة وغيرها التي فيها التعارض كثيرة، وهي سبب من أسباب الاختلاف بين الفقهاء؛ ولذلك تجد أن إمامًا يأخذ بحديث، وآخرَ يأخذ بحديث آخر، وهكذا؛ فيحصل طالب العلم على تنوع في الفهم، واتساع في المدارك؛ فالنظر والاجتهاد في فهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يُولِّد الخير والفقه في الدين.
ولعل ما قدمته لكم في هذه الأيام الخمسة يُضيء الطريق ـ بإذن الله ـ لـمن أراد المواصلة في التفقه في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأُجيب في هذا اليوم على الأسئلة قدر المستطاع، ولعل هذا آخر لقاء بيني وبينكم، إلى إن شاء الله لقاء آخر يجمعنا الله بكم في مستقبل الأيام.

([1]) أخرجه البخاري في كتاب: «الوضوء» ـ باب: «صب الماء على البول في المسجد» (221)، ومسلم في كتاب: «الطهارة» ـ باب: «وجوب غسل البول وغيره من النجاسات» (285)].
(2) أخرجه مسلم في كتاب: «الطهارة» ـ باب: «وجوب غسل البول وغيره من النجاسات» (285).
(3) هو: عبد الله بن مغفل بن عبد غنم، وقيل: عبد نهم بن عفيف بن أسحم بن ربيعة بن عدي، وقيل: عدي بن ثعلبة بن ذؤيب، وقيل: دويد بن سعد بن عداء بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة المزني أبو سعيد وأبو زياد، وعن بعض ولده أنه كان يكنى بهما، له صحبة سكن البصرة وهو أحد البكائين في غزوة تبوك وشهد بيعة الشجرة ثبت ذلك في الصحيح، وهو أحد العشرة الذين بعثهم عمر ليفقهوا الناس بالبصرة، وهو أول من دخل من باب مدينة تستر ومات بالبصرة سنة تسع وخمسين.
انظر: [«الإصابة»: (4/242/ترجمة 4975)، و«أسد الغابة»: (3/409)].
(4) أخرجه أبو داود، في كتاب: «الترجل» (4159)، والترمذي في كتاب: «اللباس» ـ باب: «ما جاء في النهي عن الترجل إلا غبًا» (1756)، والنسائي في كتاب: «الزينة» ـ باب: «الترجل غبًا» (5055)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع»: (6870)].
(5) هو: الصحابي الجليل الحارث بن ربعي، أبو قتادة، الأنصاري، السلمي، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد أحدًا والحديبية، وله عدة أحاديث. اسمه: الحارث بن ربعي على الصحيح، وقيل: اسمه النعمان. وقيل: عمرو. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ فِرْسَانِنَا: أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رِجَّالَتِنَا: سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ». اختلف في وقت وفاته؛ فقيل: مات بالمدينة سنة أربع وخمسين. وقيل: بل مات في خلافة علي بالكوفة، وهو ابن سبعين سنة، وصلى عليه علي، وكبر عليه سبعًا.
انظر: [«أُسْد الغابة»: (4/210 ترجمة 3921)، و«الاستيعاب»، ص: (146 مختصرًا، وص: 845 مطولًا ترجمة 427، 3108)].
(6) أخرجه مالك في «موطئه» (1769)، والنسائي، في كتاب: «الزينة» ـ باب: «تسكين الشعر» (5237).


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire