el bassaire

lundi 15 février 2016

الوضوء / شرحُ عُمدةِ الأحكامِ

الوضوء / شرحُ عُمدةِ الأحكامِ
للشّيخِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُحسنِ التّويجريّ



*4- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الإِنَاءِ ثَلاثاً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ».
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمِنْخَرَيْهِ مِنَ الْمَاءِ» وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الحديث اشتمل على عدة مسائل، وقبل أن أدخل إلى المسائل أُبيّن بعضَ المعاني التي وردت في هذا الحديث، فقوله «فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر» وفي بعض الروايات «ليستنثر» أي ليخرج الماء، الاستنشاق هو جذب الماء إلى داخل الأنف، والانتثار هو إخراجه، والاستجمار هو إزالة الخارج من السبيلين سواء كان من القُبُل أو الدُبُر بالحجارة ونحوها كالخشب والخرق، يعني يزيله بغير الماء، لكن بشرط أن لا يكون نجسا، لأن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ألقى الروثة وقال: «فإنها ركس» لما جيء بها ليستجمر، إذا لا بد أن يكون الاستجمار الذي هو يقابل الاستنجاء والاستنجاء هو إزالة الخارج من السبيلين بالماء، والاستجمار هو الإزالة بغيره كالأحجار والخرق والخشب ونحوها، قال: «وإذا قام أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده» البيات معناه في اللغة النوم في الليل، النوم في النهار لا يُعتبر مبيتا.
المسائل التي اشتمل عليها هذا الحديث هي وجوب المضمضة والاستنشاق لأن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فليجعل في أنفه ماء» هذا استنشاق ولفظ مسلم «فليستنشق بمنخريه الماء» وفي بعض الأحاديث «إذا توضأ أحدكم فليمضمض»([1]) وقد اختلف العلماء هل المضمضة والاستنشاق واجبة الوضوء أو هي سُنَّة؟ القائلون بالاستحباب وأنها ليست بواجبة يحتجون أنها لم ترد في الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾([2]) قالوا: الواجب هو الغسل، والقائلون بالوجوب - وأنه لا يصح الوضوء إلا بها - يستندون إلى مثل هذه الأدلة التي فيها الأمر بالمضمضة والاستنشاق، ويضيفون إلى ذلك من الحُجج أن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حافظ على المضمضة والاستنشاق، فجميع النصوص التي جاءت وسيَرِدُ بعضُها في وصف وضوء النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلها ذكرت المضمضة والاستنشاق، فهذه المداومة تدل على لزومها، والحجة الثالثة قالوا: إن غسل الوجه الوارد في القرآن يتضمن المضمضة والاستنشاق لأن هذه فتحات موجودة في الوجه تحتاج أيضا أن يصل الماء إليها، ليست كبقية أجزاء الوجه المغلقة، لا، هذه يجب، فهي جزء من غسل الوجه، وهذا القول هو الراجح، ولو لم يكن فيه إلّا مثل هذه النصوص التي جاء فيها الأمر بالاستنشاق والمضمضة، فإذا أضيف إلى ذلك مداومةُ النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليه عرفنا أن تفسير المراد (اغسلوا وجوهكم) في القرآن فسرها النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفعله لأن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نزل عليه القرآن ليُبَيّن للناس، فهو يُبَيّن للناس بالقول والفعل والتقرير، قالوا: ومن استجمر فليوتر، بالطبع الإيتار في الاستجمار ليس بواجب ولكنه مستحب، فالوتر هو ضد الشفع وهو من الأرقام: واحد وثلاثة وخمسة وسبعة وهكذا، فيستجمر مرة واحدة أو ثلاث مرات أو خمس أو سبع، والحكمة في ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله وتر يحب الوتر»([3]).
أيضا مسألة غسل اليدين بعد القيام من النوم، النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيَّنَ العلةَ، واخْتُلِف هل الحكم بالغسل هذا للوجوب أو الاستحباب؟ الصحيح أنه للوجوب، وبيّن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم العلةَ في ذلك فقال: «فإنه لا يدري أين باتت يده؟» فقد تكون باتت في مكان تلوثت فيه بنجاسة، وفي أقل الأحوال أن تكون مرَّت على مكان مما تستقذره نفسُه، ولذا ذكر العلماءُ من العلل أن غسل اليدين قبل إدخالهما فيه محافظة على نظافة وطهارة الماء الذي في الإناء لأنه لو بادر ويده قد تكون تلوثت بنجاسة أو بما تستقذره النفوس فإنه قد ينجس ما في الإناء والناس في حاجة إليه يريدون أن يتوضؤوا منه، فهو ينسجه على نفسه هو، فهو يريد أن يستكمل بقية أعضاء الوضوء، وأيضا قد يستقذر هو أو غيره استخدامَ هذا الماء إذا ظهر أن هذه اليد تلوثت بشيء يستقذر.
اختلف أهل العلم في مشروعية هذا الغسل لكل نوم، الإمام أحمد رحمه الله يذهب إلى أن هذا الحكم متعلق بغسلهما بعد نوم الليل، لأنه قال: قوله صلّى الله عليه وسلّم «فإن لا يدري أين باتت» المبيت لا يكون إلا في نوم الليل، لكن الصحيح أن هذا شامل وذِكْرُ البَيَات خرج مخرج الغالب، ثم إن العلة في نوم الليل ونوم النهار واحدة؛ وهي أن الانسان يفقد الشعور، فالذي قد تَمُرُّ يدُه على مكان نجاسة في نوم الليل أيضا يحصل في نوم النهار، وإن كان نوم الليل الغلب عليه الاستغراق؛ لكن لا يمنع من وجود هذه العلة، فيقال: ذكر البيات هنا خرج مخرج الغالب.



([1]) صحيح. أبو داود (144). صحيح سنن أبي داود الكبير (132).
([2]) المائدة: 6.
([3]) صحيح البخاري (6410).




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire