el bassaire

mercredi 10 février 2016

لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ


الـمُخْتَلِفُ مِنْ أَحَادِيثِ الطَّهَارَةِ/ لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ
للشيخ إبراهيم الصبيحي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين


قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ فَوَجَدَ رِيحًا مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَخْرُجْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وفي رواية: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» هذا الحديث يدل على أنَّ الوضوء لا يُنْتَقَضُ إلّا إذا خرج شيء مِنَ الدُّبُر، لا وضوء، (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ فَوَجَدَ رِيحًا) فهل النواقض محصورة في الخارج مِنَ السبيلين؟ وبالأخصِّ في الريح وما يلحق بذلك مِنْ بَوْل وغائط، أو أنَّ النواقض أعمُّ مِنْ ذلك؟ فإذا كانت أعمَّ مِنْ ذلك؛ فما الجواب عن هذا الحديث؟!
نضرب مثالًا لما اختلف فيه الأئمة بسبب هذا الحديث: خروج الدم، هل هو ناقض أو ليس بناقض، مَنْ نظر إلى هذا الحديث قال: الدم لا ينقض؛ لأنه ليس بريح ولا بصوت، وممَّنْ قال بعدم نقْض الوضوء بالدم مطلقًا: المالكية، فلا يرون انتقاض الوضوء بالدم، ومِنْ أدلَّتهم هذا الحديث، فإنه لا وضوء إلّا مِنْ صوت أوريح، ووافقهم الشافعية، فقالوا: الدم لا ينقض إلّا إذا خرج مِنَ الفرْج، لماذا؟
قالوا قياسًا على البوْل -أكرمكم الله- لا أنَّ الدم بذاته ناقض، لماذا؟
لأنَّ الأصل: لا ينقض إلّا ما خرج مِنَ الفرْج، فقاسوا على البول خروج الدم، فإذا خرج الدم مِنَ الفرْج فإنه ينقض الوضوء، وإذا خرج مِنْ غيْر الفرْج كالرُّعَاف والجُرْح فإنه لا ينقض، وبعض المعاصرين مِنَ الحنابلة رجح هذا الرأي، لعلَّكم سمعتم في هذا أو حفظتموه: «أَنَّ الدَّمَ لَا يَنْقُضُ إِلَّا إِذَا خَرَجَ مِنَ الفَرْجِ»، أخْذًا مِنْ مِثْل هذا الحديث، وأنَّ الأصل أنَّ الطهارة باقية ما لَمْ يَرِدْ دليل على النقْض، فقال الشافعية بالقياس، ولَمْ يَرَ المالكية القياس؛ فقالوا بعدم النقض مطلقًا، واضح هذا الاستدلال وهذا التأصيل مِنْ هؤلاء السادة الأئمة -رحمهم الله-، وخالفهم الحنابلة والحنفية، لماذا؟!
قالوا لحديث الاستحاضة، وهو حديث في البخاري قال: «إِنَّمَا ذَاكَ عِرْقٌ» حديث المستحاضة معروف، حديث المستحاضة يعارض حديث: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ مِنْ رِيحٍ»، بينهما تعارض، فالذين قالوا بدلالة (لَا وُضُوءَ) عرفتموهم وعرفتم الحجة في ذلك، وهو حصْرُ النواقض بماذا؟ بما خرج مِنَ الفرْج. أمَّا الحنابلة والحنفية؛ فقالوا: نتمسك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للمستحاضة: «إِنَّمَا ذَاكَ عِرْقٌ فَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» إذا كان الأمر هكذا؛ فإنَّ الوضوء يجب بخروج الدم. بَيْنَ الحنابلة والحنفية خلاف في مَنْزَع الاستدلال وهو دقيق؛ فهل هذا الحديث مِنْ باب اللفظ العام (إِنَّمَا ذَاكَ عِرْقٌ) أو أنه مِنْ باب القياس المنصوص على علَّته؟! -المُعَلَّل يعني ما هو علَّة الوضوء- هل لكونه دم عِرْقٍ فيشمل العروق كلها؟ أو لكونه دم عِرْقٍ فيُقَاسُ عليه سائر العروق، لماذا قالوا هكذا؟ لأنَّ الحديث وَرَد في عِرْقِ الفرْج فالمرأة مستحاضة، ومعلوم أنَّ الاستحاضة غيْر الحيض، الحيض دم يتجمع خلال واحد وعشرين يوما في تجويفة الرَّحِم وينشأ كالحُبَيْبَات فإذا تمَّ نشء الدم الصالح للطفل للغذاء، فإنْ وُجِدَ حَمْلٌ خلال واحد وعشرين يومًا بدأ الجنين يتغذى مِنْ هذا الدم المُتَلبِّد على جوف الرَّحِم، وإنْ لَمْ يكن كذلك لم تحمل تخلَّص الرَّحِم مِنْ هذا الدم واستخرجه في سبعة أيام؛ إذنْ يجمعه في واحد وعشرين يومًا ويستخرجه في سبعة أيام، هذا دم الحيض مِنْ صفاته أنه لا يتجمد.
ويقال: لا يتجلط، والتجلط التحجر، أمَّا دم الاستحاضة؛ فهي كسائر الدماء تتجلط، ويجد الإنسان مِنْ نفْسه إذا أرعف لحظات وإذا بالدم صار كُتَلًا، وَتُسَمَّى هذه العملية بعملية التجلُّط.
الشاهد مِنْ هذا: اتفقنا أنَّ العِرْقَ المُشَار إليه عِرْقُ الفرْج؛ لأنها مستحاضة والدم يخرج مِنْ فرْجها، فهل هذا خاصٌّ بعِرْق الفرْج فيقاس عليه سائر العروق، أو أنَّ هذا عامٌّ لكُلِّ عِرْق؟ النتيجة عند الحنابلة والحنفية واحد، إنما اختلفوا في التعليل، وأنا ذكرت هذا لكم في التنبيه على أهمية الوقوف على كلام أهل العِلْم، يرون أنَّ الدماء تنقض ولو لَمْ تخرج مِنَ الفرْج؛ لهذه اللفظة المباركة (إِنَّمَا ذَاكَ عِرْقٌ)، ودم العِرْق يختلف عن دم الحيض؛ الحيض -كما تعلمون- يمنع الصلاة، ويمنع الجماع، ويجب عند الطهارة الاغتسال، وكذا الصوم، بخلاف الاستحاضة؛ فلا تمنع الصوم ولا الصلاة ولا الجماع ولا يجب الاغتسال منها؛ إنما يجب الوضوء عند كُلِّ صلاة كما في «صَحِيحِ البُخَارِيِّ».
كيف نُوَفِّق بيْن حديث: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» واللفظة الأخرى التي هي أصَحُّ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ فَوَجَدَ رِيحًا مِنْهُ؛ فَلَا يَخْرُجْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وحديث: «إِنَّمَا ذَاكَ عِرْقٌ»؟!
الحديث الأول حملوه على أنه جاء في حال المُوَسْوِسِينَ -يُخَيَّلُ إليه في الغالب- التَّخْيِيلُ إنما يحصل في ظنِّ خروج الريح، خَيَّلَ إليه، يأتي الشيطان للمقعدة فيُخَيِّلُ إليه أنَّ صلاته انْتُقِضَتْ، فنهاه النبي -صلى الله عليه وسلم- أنْ يخرج مِنَ الصلاة إلّا إذا شَمَّ ريحًا، أو سمع صوتًا؛ لَكِنَّ الشخص الذي سَلِيم مِنَ الوسواس، ويعلم أنها خرجت الريح ولَمْ يسمع صوتًا، وَلَمْ يشُمَّ ريحًا؛ فهل يبقى في صلاته؟ هذا سليم؛ إذَنْ هذا الحديث قالوا: خرج في حالٍ دون حال؛ فلا يَصْلُح التعميم، ويقال: لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج مِنَ الفرْج، بل هذا الحديث إنما جاء لحال دون حال، ما هذه الحال؟ حال المصاب بالوسواس، وما أكثرهم في هذا الزمان! يشتكون، وربما بكى بعضهم ممَّا يجد مِنَ الأثر النفسي لتلاعب الشيطان؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وضع حاجزًا؛ فمَنْ عنده بوادر ويَحُسُّ مِنْ نفسه فعليه بالعزيمة حتى يسمع صوتًا أو يَشُمَّ ريحًا.
أمَّا السليم؛ فإنَّ الحديث لا يدل عليه بدلالة أنَّ الإنسان إذا خرج منه البول يُنْتَقَضُ، وإذا خرج منه الغائط يُنْتَقَضُ، فليس الانتقاض محصورًا بالصوت أو الريح أو الشَّمِّ؛ بل قالوا: هذا الحديث جاء لبيان حال مَنْ يُخَيَّلُ إليه، أمَّا السليم؛ فإنَّ خروج أيِّ شيء مِنَ القُبُل أو الدُّبُر فإنه ناقض

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire