el bassaire

samedi 28 décembre 2013

باب اللعان



باب اللعان

من اللعن لأن الملاعن يلعن نفسه في الخامسة وقيل لأن اللعن الطرد والإبعاد وهو مشترك بينهما، واللعان شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة بلعنة وغضب، ويشترط كونه بين زوجين مكلفين وسبق قذفه منها بزنى، وأن تكذبه وأن يستمر إلى انقضاء اللعان، وأن يكون بحكم حاكم، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.
 (قال تعالى: }وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ{) أي يقذفون نساءهم ويعسر على أحدهم إقامة البينة، }وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ{ يشهدون على صحة ما قالوا }إِلَّا أَنْفُسُهُمْ{ أي غير أنفسهم فلهم إسقاط الحد باللعان }فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ{ التي تدرأ عنه الحد إذا قذف امرأته }أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ{ أي يشهد أربع شهادات بالله بأن يقول: أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه وذلك في مقابلة أربعة شهداء }إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ{ أي فيما رماها به من الزنى وعند الشيخ وغيره أنه لا يلزم قول فيما رماها به وهذا فرج من الله للأزواج إذا قذف أحدهم زوجته وعسر عليه إقامة البينة لنفي الولد وإسقاط الحد عنه أن يلاعنها كما أمر الله وقدم لأن جانبه أرجح من جانب المرأة قطعًا فإن إقدامه على إتلاف فراشه ورميها بالفاحشة على رءوس الأشهاد وتعريض نفسه لعقوبة الدنيا والآخرة مما تأباه طباع العقلاء وتنفر عنه نفوسهم لولا أن الزوجة اضطرته بما رآه وتيقنه منها إلى ذلك.
وجوز طائفة من العلماء ملاعنة الرجل امرأته إذا رأى رجلاً يعرف بالفجور يدخل عليها ويخرج من عندها نظرًا إلى الأمارات والقرائن، وقال النووي: يجوز مع غلبة الظن بالزنى ومع العلم ويحرم مع عدمها، (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) أي ويزيد شهادة خامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين عليها فيما رماها به من الزنى وحكمه سقوط الحد عنه وبينونتها منه. }وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ{ أي يدفع عنها الحد }أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ{ أي ثم تقول هي أربع مرات أشهد بالله }إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ{ أي عليها فيما رماها به من الزنى، وذلك أن تقول أربع مرات أشهد بالله لقد كذب علي فيما رماني به من الزنى (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) أي فيما رماها به من الزنى.
وذلك أنه حيث لا شاهد له إلا نفسه مكنت المرأة أن تعارض أيمانه بأيمان مكررة مثلها وسن أن يأمر الحاكم من يضع يده على فم زوج وزوجة عند الخامسة ويقول: اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وذكر ابن رشد وغيره أن صفة اللعان عند جماهير العلماء على ما تضمنته ألفاظ الآيات الكريمة وإذا تم اللعان سقط عنه الحد إن كانت محصنة، والتعزير إن كانت غير محصنة بلا نزاع، أو كانت ذمية أو أمة، وثبتت الفرقة بينهما بتحريم مؤبد، وخصها بالغضب لأن المغضوب عليه هو الذي يعرف الحق ويحيد عنه، ولعظم الذنب بالنسبة إليها، واختير في حقه اللعن لأنه قول وهو الذي بدأ به.

ويسن تلاعنهما قيامًا لما يأتي، ولأنه أبلغ في الردع بحضرة جماعة لحضور ابن عباس وغيره، فإن نكلت صارت أيمانه مع نكولها بينة قوية لا يعارض لها. قال ابن القيم: والذي يقوم عليه الدليل أن الزوجة تحد وتكون أيمان الزوج بمنزلة الشهود، كما قاله مالك والشافعي، قال: ويحكم بحدها إذا نكلت عن الأيمان، وهو الصحيح وهو الذي يدل عليه القرآن في قوله }وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ{ والعذاب ههنا هو العذاب المذكور في أول السورة، فأضافه أولاً وعرفه، باللام ثانيًا، وهو عذاب واحد، اهـ، وجزم به الشيخ وغيره.
وإن قذف الصغيرة أو المجنونة عزر ولا لعان، لأنه أيمان لا تصح من غير مكلف وإن قال وطئت زوجته بشبهة أو مكرهة أو نائمة فلا لعان بينهما، لأنه لم يقذفها بما يوجب الحد، وإن قال لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه.
(وعن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: سأل فلان) وفي رواية رجل من الأنصار وفي حديث ابن عباس هلال بن أمية، وفي لفظ أنه أول من سأل عن ذلك (رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، أي أخبرني عن حكم من يقع له ذلك (كيف يصنع) قاله غيره منه على فساد فراشه، وفي لفظ حديث سهل في قصة عويمر العجلاني لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً كيف يصنع (إن تكلم تكلم بأمر عظيم) وهو قذف زوجته (وإن سكت سكت على مثل ذلك) أي على أمر عظيم. وفي قصة عويمر إن تكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ (فلم يجبه) وثبت أن سعدًا قال: يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلاً لم أمسه حتى أتى بأربعة شهداء قال رسول الله صلى الله عليه و سلم «نعم » قال كلا والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك، فقال: «اسمعوا إلى ما يقول سيدكم إنه لغيور، وأنا أغير منه والله أغير مني».
والجمهور على منع الإقدام على قتله، وقالوا يقتص منه إلا أن يأتي ببينة الزنى، أو يعترف المقتول وأن يكون محصنًا، وقال بعض السلف لا يقتل ويعذر إذا ظهرت أمارات صدقه (فلما كان بعد) أي بعد أيام (أتاه فقال إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله الآيات) وأكثر الروايات وقول الجمهور أن سبب نزول الآيات قصة هلال بن أمية وزوجته، وكانت متقدمة على قصة عويمر، وإنما تلاها عليه لأن حكمها عام للأمة، وفي لفظ فقال اللهم افتح، وجعل يدعو فنزلت آية اللعان، وقيل سنة سبع، وللبخاري وغيره من حديث أنس أن هلالاً لما قذف امرأته بشريك بن سحماء قال صلى الله عليه و سلم «البينة أو حد في ظهرك» فنزلت الآية، فدلت الآية والأحاديث على أنه إذا قذف زوجته بالزنى وعجز عن إقامة البينة وجب عليه الحد.
وإذا وقع اللعان سقط عنه الحد وهو مذهب الجمهور، والملاعنة من فرج الله له فإنه يلحق بزناها من العار والمسبة وفساد الفراش، وإلحاق ولد غيره به، وغير ذلك ما هو معروف، فهو محتاج إلى قذفها، وتخلصه من العار، وأن لا يكون زوج بغي، ولا يمكنه إقامة البينة على زناها في الغالب، وهي لا تقربه، وقوله عليها غير مقبول، فلم يبق سوى تحالفهما بأغلظ الأيمان، وتأكيدها بدعائه على نفسه باللعنة، ودعائها على نفسها بالغضب إن كانا كاذبين، ثم يفسخ النكاح وينتفي هو من الولد.
(فتلاهن) أي آيات اللعان المتقدمة عليه (ووعظه) ولأبي داوود وغيره عن ابن عباس فذكرهما (وذكره) والعطف هنا عطف تفسير إذ الوعظ هو التذكير (وأخبره أن عذاب الدنيا) وهو الحد (أهون من عذاب الآخرة) الموعود به في قوله تعالى }لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ وفي حديث أنس «إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب» (قال والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها أي فيما رماها به من الزنى (ثم دعاها فوعظها كذلك) كما وعظ الرجل وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة (قالت والذي بعثك بالحق إنه لكاذب) أي عليها فيما رماها به من الزنى.
(فبدأ بالرجل) فقال: «قم فاشهد أربع شهادات بالله إنك من الصادقين» (فشهد أربع شهادات بالله) إنه لمن الصادقين فدل الحديث على أنه يبدأ به كما تقدم في الآية الكريمة وهو قياس الحكم الشرعي، لأنه المدعي، وأجمعوا على أن تقديمه سنة، والجمهور على وجوبه لخبر "البينة وإلا حد في ظهرك" فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين (ثم ثَنى بالمرأة) "فشهدت أربع شهادته بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، وفي حديث أنس فلما كانت عند الخامسة وقفوها فقالوا إنها موجبة، فلتكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفصح قومي سائر اليوم، فالمعتبر التصريح لا الدلالات الظنية ولا الشبه (ثم فرق بينهما رواه مسلم).
فدل الحديث كالآيات على صفة اللعان، ودل على أن الفرقة بينهما لا تقع إلا بتفريق الحاكم وهو مذهب كثير من العلماء لا بنفس اللعان، والجمهور أن الفرقة تقع بنفس اللعان كما في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه و سلم «ذاكم التفريق بين كل متلاعنين» وقوله الآتي «لا سبيل لك عليها» ولأبي داود عن ابن عباس «وقضى أن ليس عليه قوت ولا سكنى» من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق، وهو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان.
(ولهما عنه) أي البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر أنه صلى الله عليه و سلم قال: «لا سبيل لك عليها» أي لا ملك لك عليها، ولا يجوز لك أن تكون معها، بل حرمت عليك أبدًا، وهذا إبانة للفرقة بينهما كما تقدم (قال: مالي) يريد به الصداق الذي سلمة إليها، يعني إذا حصلت الفرقة فأين ذهب ما أعطيتها من المهر (قال: إن كنت صدقت عليها) فيما رميتها به (فهو بما استحللت من فرجها) أي فالمهر في مقابلة وطئك إياها (وإن كنت كذبت عليها) فيما رميتها به (فذلك أبعد لك منها) أي فأيضًا مهرك في مقابلة وطئك إياها، كما لو صدقت فعود المهر إذا كنت كذبت عليها أبعد، لأنه لم يعد المهر مع صدقك، فلأن لا يعود إليك مع أنك كاذب أولى.

فدل الحديث على الفرقة باللعان، وأن أحدهما كاذب في نفس الأمر، وحسابه على الله، وأنه لا يرجع بشيء من الصداق، لأنه إن كان صادقًا في القذف فقد استحقت المال بما استحل منها، وإن كان كاذبًا، فقد استحقته أيضًا بذلك، ورجوعه إليه أبعد، لأنه هضمها بالكذب عليها، فكيف يرتجع ما أعطاها، وهو إجماع في المدخول بها، وغير المدخول بها الجمهور: أن لها النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول.
(ولأبي داود) والنسائي وغيرهما، ووثقه الحافظ (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر رجلاً أن يضع يده عند الخامسة على فيه وقال إنها الموجبة) أي للعذاب والفرقة، فدل الحديث على أنه يشرع للحاكم المبالغة في منع الحلف خشية أن يكون كاذبًا، فإنه صلى الله عليه و سلم منع بالقول والتذكير والوعظ كما تقدم، ثم منع في هذا الخبر بالفعل، وكما تقدم في حديث أنس أنهم وقفوها عند الخامسة وقالوا إنها الموجبة، ودل على أن اللعنة الخامسة واجبة.
(وله) أي لأبي داود وغيره (عن سهل) بن سعد الساعدي رضي الله عنه (قال مضت السنة بعد في المتلاعنين أنه يفرق بينهما).
ولمسلم في قصة عويمر كان فراقه إياها سنة في المتلاعنين أي تفريقًا مؤبدًا (ثم لا يجتمعان أبدًا) فيه تأبيد الفرقة، وأخرجه البيهقي بلفظ فرق رسول الله صلى الله عليه و سلم بينهما وقال: «لا يجتمعان أبدًا» وفي الصحيحين في قصة عويمر قال النبي صلى الله عليه و سلم «ذاكم التفريق بين كل متلاعنين» وعن علي وابن مسعود قالا مضت السنة بين المتلاعنين أن لا يجتمعان أبدًأ، وعن عمر يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدًا، ولأبي داود عن ابن عباس " وقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا مبيت لها عليها ولا قوت من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق ولا متوفى عنها" فدلت الأحاديث والآثار على التحريم المؤبد، وهو مقتضى حكم اللعان، ومذهب جمهور العلماء، فإن لعنة الله وغضبه قد حلت بأحدهما لا محالة ومذهب الجمهور أنه فسخ.

(ولهما) أي البخاري ومسلم في صحيحيهما (عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: فرق النبي صلى الله عليه و سلم بينهما) أي المتلاعنين (وألحق الولد بالمرأة) أي صيره لها وحدها، ونفاه عن الزوج، فلا توارث بينهما، وأما الأم فترث منه ما فرض الله لها وتقدم ولأبي داود من حديث سهل فكان الولد ينسب لأمه وفي رواية: يدعى لأمه وفي الصحيحين من حديث أنس ما يدل على أنه ينتفي باللعان، وإن لم يذكر النفي في اليمن وفيهما في قصة هلال وزوجته أنها كانت حاملاً وأنه نفى الحمل، فدلت الأحاديث على مشروعية اللعان لنفي الولد، وعلى صحته قبل الوضع، ونفي الحمل، وإن لم يذكر في اللعان صريحًا أو تضمنًا، أو كذب نفسه بعد ذلك لحقه نسبه، وإلا انتفى لكن بشرط أن لا يتقدمه نفي أو إقرار به أو بما يدل عليه. (ولأبي داود) في حديث طويل (عن ابن عباس) رضي الله عنهما

 قال: (وقضى) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم في ولد المتلاعنين إذا نفاه الزوج (أن لا يدعى ولدها لأب) لانتفائه منه (ولا يرمى ولدها) أي أنه ولد زنى (ومن رماها) أي بالزنى (أو رماه) بذلك (فعليه الحد) أي حد القذف، ورواه أحمد وغيره، وله من حديث عمرو بن شعيب "قضى في ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه ومن رماها به جلد ثمانين جلدة ومن دعاه ولد زنى جلد ثمانين" قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميرًا على مصر ولا يدعى لأب.

(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: جاء رجل) اسمه ضمضم بن قتادة (من بني فزارة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: ولدت امرأتي غلامًا أسود) وهو حينئذ يعرض بأنه ينفيه (فقال) رسول الله صلى الله عليه و سلم «هل لك من إبل) ليمثل له بها (قال: نعم» لي إبل (قال: ما ألوانها؟) حمر بيض سود؟ (قال: حمر) أي أكثرها (قال: هل فيها من أورق) وهو الذي في لونه سواد ليس بحالك (قال: نعم قال: فإنى ذلك) جاءها أي إذا كان ألوان غبلك الحمرة فمن أين ترى حصل الأوراق (قال لعله نزعه عرق) أي جذبه إلى اللون الأورق والمراد بالعرق الأصل من النسب (قال فلعل ابنك) الذي ولدته امرأتك أسود (نزعه عرق) أي فكما أن هذا عرق نزعها فلون ولدك أيضًا نزعه عرق، ولم يرخص له في انتفائه (متفق عليه) ولأبي داود إن امرأتي ولدت غلامًا أسود وإني أنكره وأنا أبيض فكيف يكون مني؟

فدل الحديث على أنه لا يرخص لمن جاء في ولده لون يخالف لون أبيه أو أمه أن ينفيه بمخالفة صورتهما فإنه صلى الله عليه و سلم حكم بأن الولد للفراش ولم يجعل خلاف الشبه واللون دلالة يجب الحكم بها، وضرب له المثل بما يوجد من اختلاف الألوان في الإبل ولقاحها واحد، وحكي الإجماع على أنه لا يجوز نفي الولد باختلاف الألوان المتقاربة إن لم ينضم إليه قرينة زنى، وإن اتهمها بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز، والمذهب يجوز مع القرينة مطلقًا، ولا يجب الحد بالكنية والتعريض بالقذف، وإنما يجب في القذف الصريح، وهذا مذهب الجمهور.

وقال النووي إذا كان على جهة السؤال لا حد فيه، وإنما يجب الحد في التعريض إذا كان على المواجهة والمشاتمة وفرق بعضهم بين الزوج والأجنبي في التعريض، أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة، والزوج قد يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب.
(ولهما عن عائشة) رضي الله عنها (قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم مسرورًا) وقال بعض الرواة تبرق أسارير وجهه، أي من السرور (فقال: ألم تري) أي لم تعلمي يا عائشة (أن مجززًا المدلجي) القائف المشهور، ومجزز اسم فاعل من الجز، لأنه جز نواصي قوم (نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد) بن حارثة ابن شراحيل الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وذلك أن أمه زارت قومها وهو معها فأغارت خيل لبني القين في الجاهلية على أبيات بني معن فاحتملوه وعرضوه في عكاظ فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، ثم وهبته لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقدم أبوه بفدائه فاختار رسول الله صلى الله عليه و سلم وزوجه زينب وقيل بمولاته أم أيمن فولدت له أسامة وكان أسود قالت: (فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض) أي أسامة من زيد، وكان زيد أبيض غاية البياض وأسامة أسود غاية السواد.
وأما أسامة أم أيمن جارية حبشية الأصل، ورثها النبي صلى الله عليه و سلم من أبيه عبد الله فأعتقها، فدل الحديث على ثبوت العمل بالقافة، وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد، لأنه صلى الله عليه و سلم لا يظهر عليه السرور إلا بما هو الحق عنده، وكان الناس قد أرتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة وكان زيد أبيض، وأسامة أسود فتمارى الناس في ذلك وتكملوا فيه، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم قول المدلجي فرح به.
فالقافة والقرعة طريقان شرعيان أيهما حصل وقع به الإلحاق فإن حصلا معًا فمع الاتفاق لا إشكال ومع الاختلاف فالاعتبار بالأول منهما لأنه طريق شرعي يثبت به الحكم، ولا ينقضه طريق آخر يحصل بعده.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال) لما نزلت آية المتلاعنين «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم» بأن تنسب إلى زوجها ولدها من غيره (فليست من الله في شيء) بريئة من الله، وهذا وعيد شديد (ولن يدخلها جنته) بل يعذبها، وهذا أيضًا وعيد فيعد ذلك من الكبائر «وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه» أي يعلم أنه ولده «احتجب الله عنه» وعيد شديد «وفضحه على رءوس الأولين والآخرين» بجحوده ولده وهو ينظر إليه ويتحقق ذلك (رواه أبو داود) ورواه النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان وغيره، ولأحمد من حديث مجاهد عن ابن عمر نحوه والبزار عن ابن عمر، وفيه أن الله يرى في الآخرة وأنه لا غاية في النعيم أعظم من النظر إلى وجه الله الكريم.
وعبر بالجحود ليفيد مع الوعيد على النفي الوعيد على قذف الزوجة فباء بأعظم الإثم، نعوذ بالله من غضبه، وعن ابن عمر: من أقر بولده طرفة عين فليس له أن ينفيه، رواه البيهقي، وأجمعوا على أنه لا يصح النفي للولد بعد الإقرار به، ومن ولدت زوجته من أمكن أنه منه لحقه نسبه لخبر «الولد للفراش» وذلك بأن تلده بعد نصف سنة منذ أمكن وطؤه، أو دون أربع سنين منذ أبانها.
وذكر ابن القيم أنه وجد لأكثر لكن بشرط أن يكون ممن يولد بمثله. واتفقوا على أن الأمة تصير فراشًا بوطء السيد، فمن أقر بوطء أمته فولدت لنصف سنة فإنه يلحقه إلا أن يدعي الاستبراء ويحلف عليه.
ومن أقر بنسب أو شهدت به بينة فشهدت بينة أخرى أن هذا ليس من نوع هذا بل هذا رومي وهذا فارسي فقال الشيخ: التغاير بينهما إن أوجب القطع بعدم النسب فهو كالبينة، مثل أن يكون أحدهما حبشيًا والآخر روميًا ونحو ذلك فهذا ينتفي النسب، وإن كان أمرًا محتملاً لم ينفه لكن إن كان المقتضي للنسب الفراش، لم يلتفت إلى المعارضة، وإن كان المثبت له مجرد الإقرار أو البينة فاختلاف الجنس معارض ظاهر.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire