el bassaire

samedi 28 décembre 2013

باب الربا




أي باب ما يذكر فيه أحكام الربا والصرف. والربا لغة عبارة عن الزيادة يقال ربا الشيء يربو إذا زاد. ومنه (اهتزت وربت) أي زادت. وأربى الرجل إذا عامل في الربا }وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ{ أي ليكثر. وشرعًا زيادة في شيء مخصوص. وهو الكيل والوزن. ويطلق الربا على كل بيع محرم. وهو نوعان: ربا نسيئة، وربا فضل. والأول جلي. والثاني خفي. فالجلي حرم لما فيه من الضرر العظيم. والخفي حرم لأنه ذريعة إلى الجلي. فتحريم الأول قصدًا. وتحريم الثاني وسيلة وتحريمه من باب سد الذرائع. لكونه أخذ مال من غير عوض. ومال الإنسان متعلق حاجته. وله حرمة عظيمة فقد قال صلى الله عليه و سلم "حرمة ماله كحرمة دمه" فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرمًا.
(قال تعالى: }وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا{ وذلك أن المشركين لما اعترضوا على أحكام الله في شرعه. وذلك الذي حل بهم أنهم قالوا }إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا{ لا فرق إن زدنا في الثمن في أول البيع أو عند محله. فلم أحل هذا وحرم هذا فأكذبهم الله وأبطل قولهم. وأول الآية }الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا{ أي يعاملون به }لاَ يَقُومُونَ{ أي يوم القيامة من قبورهم مما يصيبهم بسبب أكل الربا }إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ{ أي إلا كما يقوم المصروع حال صرعه

وتخبط الشيطان له. وهذا رد على ما قالوه من الاعتراض. مع علمهم بتفريق الله بين البيع والربا حكمًا.
وهو العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه. العالم بحقائق الأمور ومصالح العباد. وما ينفعهم فيبيحه لهم. وما يضرهم فينهاهم عنه. ولهذا قال تعالى: }فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ{ أي بلغه من ربه تذكير وتخويف عن الربا }فَانتَهَىَ{ عن أكل الربا حال وصول الشرع إليه }فَلَهُ مَا سَلَفَ{ أي مضى من ذنبه بسبب المعاملة بالربا. لقوله تعالى: عفا الله عما سلف }وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ{ إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه }وَمَنْ عَادَ{ بعد التحريم إلى أكل الربا مستحلًا له }فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون{ وهذا أبلغ وعيد.
}يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا{ أي ينقصه ويهلكه أو يذهب ببركته من يد صاحبه. أو يحرمه بركة ماله. ويعاقبه عليه يوم القيامة.
وفي الخبر "الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل" }وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ{ أي يثمرها ويبارك فيها في الدنيا. ويضاعف بها الأجر والثواب في العقبى. }وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم{ فاجر بأكل الربا وقد بالغ تعالى في الزجر عن الربا.
ثم قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ{ أي خافوه وراقبوه فيما تفعلون }وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا{ أي اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس أموالكم بعد هذا الإنذار والإعذار }إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين{ بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك. لما بين تعالى أن من انتهى عن الربا (فله ما سلف) فقد كان يجوز أن يظن أنه لا فرق بين المقبوض منه وبين الباقي في ذمة الغريم فقال }اتَّقُواْ اللّهَ{ واتقاؤه ترك ما نهى عنه }وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا{ وبين به الفرق بين المقبوض وما لم يقبض، فالزيادة تحرم، وليس لهم أن يأخذوا إلا رؤوس أموالهم.
وإنما شدد في ذلك لأن من انتظر مدة طويلة في حلول الأجل، ثم حضر الوقت وظن نفسه على أن تلك الزيادة قد حصلت له، فيحتاج في منعه عنه إلى تشديد عظيم، فقال }اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا{ يعني إن كنتم قد قبضتم شيئًا فمعفو عنه وإن لم تقبضوه أولم تقبضوا بعضه فذلك الذي لم تقبضوه من الربا، كل كان أو بعضًا، فإنه محرم قبضه فذروه إن كنتم مؤمنين }فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ{ أي إذا لم تذروا ما بقي من الربا }فَأْذَنُواْ{ أي فاعلموا أنتم واستيقنوا }بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ{ وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن استمر على تعاطي الربا. قيل حرب الله النار وحرب رسوله السيف.
}وَإِن تُبْتُمْ{ أي تركتم استحلال الربا ورجعتم عنه }فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ{ }لاَ تَظْلِمُونَ{ بأخذ الزيادة }وَلاَ تُظْلَمُون{ بوضع رؤوس الأموال. بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه. قال ابن عباس هذه آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم.
وفي الحديث أنه قال في حجة الوداع "ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع" أي مبطل (لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً{ لا تزيدوا زيادات مكررة }وَاتَّقُواْ اللّهَ{ في أمر الربا فلا تأكلوه }لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون{ وهو مجرب لسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك.
(وعن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اجتنبوا) أبعدوا وهو أبلغ من لا تفعلوا ودعوا واتركوا (السبع الموبقات) أي المهلكات جمع موبقة. سميت بذلك لأنها تهلك فاعلها في الدنيا لما يترتب عليها من العقوبات. وفي الآخرة من العذاب (وذكر منها) أي من السبع الموبقات (أكل الربا) وهو: فضل مال بلا عوض، وأكله تناوله بأي وجه كان. ولفظه قالوا وما هن يا رسول الله قال "الشرك بالله" بدأ به لأنه أعظم ذنب عصي الله به "والسحر" وحد الساحر القتل عند الجمهور "وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق" وفيه الوعيد الشديد بأن جزاءه جهنم. ثم عطف عليه أكل الربا "وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات" (متفق عليه) وأجمعوا على أنها من الكبائر.

ومر صلى الله عليه و سلم ليلة أسري به على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم فقال "من هؤلاء يا جبرئيل" قال أكلة الربا. وقال صلى الله عليه و سلم "الربا سبعون حوبًا أيسرها" أي في الإثم "مثل أن ينكح الرجل أمه علانية" شبهة به لاستقباحه في العقل. والأحاديث في النهي عنه وذم فاعله مشهورة كثيرة جدًا.
(ولهما) من حديث أبي جحيفة وجابر رضي الله عنهما. وأهل السنن من حديث ابن مسعود (أنه صلى الله عليه و سلم قال لعن الله آكل الربا) أي آخذه وإن لم يأكله. وإنما خص الأكل لأنه أعظم أنواع الانتفاع. وسبب إتلاف أكثر الأشياء وإلا فالوعيد حاصل لكل من عامل به سواء أكل منه أو لا (وموكله) أي معطيه لمن يأخذه فيأكله أو يبيعه وغير ذلك. والحديث دليل على تحريم تعاطيه وكاتبه أي كاتب الربا.
(وشاهديه) وقال "هم في الإثم سواء" وللنسائي "ملعونون على لسان محمد –صلى الله عليه و سلم" وفيه التصريح بتحريم الكتابة للمترابين والشهادة عليهما وتحريم الإعانة على الباطل. وقال الشيخ وأما الشهادة على العقود المحرمة على وجه الإعانة عليها فحرام.
(وعن عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الذهب بالذهب) بجميع أنواعه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء. ومكسر وحلي وتبر وخالص ومغشوش مثلًا بمثل يدًا بيد ونقل النووي وغيره الإجماع على ذلك (والفضة بالفضة) أي مثلًا بمثل يدًا بيد إجماعًا. ويدخل في ذلك أنواع الفضة مضروبة أو غير مضروبة (والبر بالبر) بضم الباء وهو الحنطة بجميع أنواعها ومنه السلت. وفي لفظ "مدًا بمد" أي مكيالًا بمكيال (والشعير بالشعير) فيه أنه صنف غير البر.
(والتمر) بجميع أنواعه (بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل) في المقدار (سواء بسواء) لقصد التأكيد أو للمبالغة. فلا يباع موزون بجنسه إلا وزنًا. ولا مكيل بجنسه إلا كيلا اتفاقًا. حكاه الوزير وغيره. لعدم تحقق التماثل بغير معياره الشرعي. وما لا يتهيأ فيه الكيل كالتمور التي تغشاها المياه فالوزن. فإن النبي صلى الله عليه و سلم لما ثبت عنده كيل التمر بالمدينة استفيد منه تأصيل المماثلة. وفي الاختيارات وما لا يختلف فيه الكيل والوزن مثل الأدهان يجوز بيع بعضه ببعض كيلًا ووزنًا (يدًا بيد) أي حالًا مقبوضًا في المجلس قبل افتراق أحدهما عن الآخر.
وحكى الوزير وغيره الإجماع على أنه لا يجوز بيع جنس منها بجنسه إلا مثلًا بمثل يدًا بيد. وأنه لا يباع غائب منها بناجز. وقد حرم في هذا الجنس الربا من طريق الزيادة والنساء. ولهما عن عمر "إلا ها وها، أو هات وهاك". ومن حديث أبي هريرة "يدًا بيد" وزيد بن أرقم والبراء "نهى عن بيع الذهب بالفضة دينًا" وأجمع العلماء على تحريمه. وإنما يشترط التقابض في الشيئين المختلفين جنسًا، المتفقين تقديرًا، كالذهب بالفضة والبر بالشعير إذ لا يعقل التفاضل والاستواء إلا فيما كان كذلك. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه و سلم "اشترى من يهودي طعامًا بنسيئة".

وأجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلًا أو مؤجلًا. كبيع الذهب بالحنطة. وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل قال الجمهور العلة في الدراهم والدنانير الثمنية. وصوبه ابن القيم وغيره. فإنهم أجمعوا على إسلامها في الموزونات من النحاس والحديد وغيرهما. فلو كان النحاس والحديد ربويًا لم يجز بيعها إلى أجل بدراهم نقدًا. والتعليل بالوزن ليس فيه مناسبة. وذكر نحوًا من ثلاثين دليلًا على صحة هذا القول.
والمكيلات خصته طائفة بالقوت. وما يصلحه وهو قول مالك. قال ابن القيم وهو الصواب. وفي الاختيارات العلة في تحريم ربا الفضل الكيل مع الطعم. وهو رواية عن أحمد. وقال غير واحد إذا اتفقا في العلة واختلفا في الجنس منع النساء. وجاز التفاضل. وإن اختلفا أيضًا في العلة جاز النساء والتفاضل. واستثنى النقدان من الموزونات لئلا ينسد باب السلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف) الستة. وكذا ما في معناها (فبيعوا كيف شئتم) أي بيعوا بعضها ببعض من غير تقييد بصفة من الصفات.
(إذا كان يدًا بيد، رواه مسلم) وللترمذي وغيره "بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدًا بيد. وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدًا بيد" قال والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون أن يباع البر بالبر إلا مثلًا بمثل. والشعير بالشعير إلا مثلًا بمثل. فإذا اختلفت الأصناف فلا بأس أن يباع متفاضلًا إذا كان يدًا بيد. وهذا قول أكثر أهل العلم. وقال الوزير اتفقوا على أنه يجوز الذهب بالفضة وعكسه متفاضلين. وكذا التمر بالحنطة أو الشعير أو الملح.
ولا بد في بيع بعض الربويات ببعض من التقابض. ولا سيما في الصرف وهو بيع الدراهم بالذهب وعكسه. فإنه متفق على اشتراطه. فلو افترق المتصارفان قبل قبض البعض أو الكل بطل العقد فيما لم يقبض. واتفقوا على أنه لا يجوز بيع الجيد بالرديء من جنس واحد إلا مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد.
والمراد بالصنف الجنس وهو ما له اسم خاص يشمل أنواعًا كبر ونحوه. وفروع الأجناس أجناس باختلاف أصولها.
(ولهما من حديث أبي سعيد نحوه) أي نحو حديث عبادة في "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل" وهو أصل في باب الربا (وفيه فمن زاد أو استزاد) أي أعطي الزيادة أو طلب الزيادة (فقد أربى) أي أوقع نفسه في الربا أو أتى الربا وتعاطاه. والمراد أخذ أكثر مما أعطاه وهو ربا (الآخذ والمعطي فيه سواء) أي في الإثم.
فدلت هذه الأحاديث وما في معناها على تحريم ربا الفضل. وهو مذهب جمهور العلماء. للأخبار المستفيضة في ذلك الثابتة عن جماعة من الصحابة. القاضية بتحريم بيع هذه الأجناس بعضها ببعض متفاضلًا. وقال صلى الله عليه و سلم في الذي أتاه بتمر جنيب "أكل تمر خيبر هكذا"؟ قال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة. فقال "لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا".

فيحرم التفاضل ولو اختلفا في الجودة والرداءة. ولا يجوز بيع شيء منها ببعضه على التحري على الإطلاق. وقال ابن القيم حرم التفريق في الصرف وبيع الربوي بمثله قبل القبض لئلا يتخذ ذريعة إلى التأجيل الذي هو أصل باب الربا. فحماهم عن قربانه باشتراط التقابض في الحال. ثم أوجب عليهم فيه التماثل. وأن لا يزيد أحد العوضين على الآخر إذا كانا من جنس واحد. حتى لا يباع مد جيد بمدين رديئين. وإن كانا يساويانه. سدًا لذريعة ربا النساء الذي هو حقيقة الربا. وأنه إذا منعهم من الزيادة مع الحلول حيث تكون الزيادة في مقابلة جودة صفة ونحوها. فمنعهم منها حيث لا مقابل لها إلا مجرد الأجل أولى. فهذه حكمة تحريم ربا الفضل التي خفيت على كثير من الناس اهـ.
ولا يجوز بيع حب بدقيقه ولا سويقه. ولا نيئه بمطبوخه ولا أصله بعصيره. ولا خالصه بمشوبه. واتفقوا على أن الربا المحرم يجري في غير الأعيان الستة المنصوص عليها. وأنه متعد منها إلى كل ملحق بشيء منها. ولا ربا فيما لا يوزن عرفًا لصناعته كفلوس. ومعمول صفر ونحاس ورصاص عند الجمهور مالك وأبي حنيفة والشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد. وغير ذهب وفضة فلا يصح مطلقًا. ولا ربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن كبيض وجوز.
(وللأربعة) وغيرهم (عن سعد) يعني ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه قال (نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن بيع الرطب بالتمر) وفي رواية سمعته "يسأل عن اشتراء التمر بالرطب" فقال: "أينقضي الرطب إذا يبس" قالوا نعم "فنهى عن ذلك" صححه ابن المديني والترمذي. وقال العمل عليه عند أهل العلم. ولأن أحدهما أزيد من الآخر قطعًا بلينته فهو أزيد أجزاء من الآخر زيادة لا يمكن فصلها وتمييزها. ولا يمكن أن يجعل في مقابلة تلك الأجزاء من الرطب ما يتساويان به.
فدل على أن الشرط تحقق المماثلة حال اليبوسة. فلا يكفي تماثل الرطب والتمر على رطوبته. ولا على فرض اليبوسة. لأن تخمين فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر. وهذا قول أكثر أهل العلم. وجوز أبو حنيفة بيع الرطب بالتمر إذا تساويا كيلًا. وحمل الحديث على البيع نسيئة. كما جاء في بعض الروايات. وصرح الحافظ المنذري وغيره أنها غير محفوظة.
وفي الصحيحين عن ابن عمر "نهى عن بيع الرطب بالتمر كيلًا" وعن بيع العنب بالزبيب كيلا وعن بيع الزرع بالحنطة كيلا" والعلة في ذلك هو الربا لعدم التساوي. ويدل على تحريمه أيضًا النهي عن بيع المحاقلة والمزابنة الآتي. وفيه دليل على جواز بيع الرطب بالرطب، وهو مذهب الجمهور.
(ولمسلم عن جابر) -رضي الله عنه- (نهى) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم (عن بيع الصبرة) وهي ما جمع من الطعام بلا كيل ولا وزن (من التمر لا يعلم كيلها) يعني الصبرة. وهذه صفة كاشفة للصبرة. لأنه لا يقال لها صبرة إلا إذا كانت مجهولة الكيل فلا يجوز بيعها (بالكيل المسمى من التمر) فدل الحديث أنه لا يباع جنس بجنسه وأحدهما مجهول المقدار. لأن العلم بالتساوي مع الإتفاق في الجنس شرط لا يجوز البيع بدونه. ولا ريب أن الجهل بكلا البدلين أو بأحدهما مظنة للزيادة والنقصان. وما كان مظنة للحرام وجب تجنبه. والقاعدة أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
(وفي الصحيحين) من حديث جابر وزيد بن أبي أنيسة وغيرهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه (نهى عن بيع المحاقلة) من الحقل وهو بيع ثمر النخل بالتمر كيلًا وبيع العنب بالزبيب كيلاً وبيع الزرع بالحنطة كيلاً. والعلة في ذلك هو الربا. لعدم التساوي (و) أنه نهى عن بيع (المزابنة) مفاعلة من الزبن وهو الدفع الشديد. قيل للبيع المخصوص مزابنة. لأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه. أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع لفسخه وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع.
وفي خبر زيد ""المحاقلة أن يبيع الحقل بكيل من الطعام معلوم. والمزابنة أن يباع النخل بأوساق من التمر" وقال الترمذي المحاقلة بيع الزرع بالحنطة. والمزابنة بيع التمر على رؤوس النخل بالتمر. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم كرهوا بيع المحاقلة والمزابنة وألحق الشافعي وغيره بذلك كل بيع مجهول أو معلوم من جنس يجري الربا في نقده. وهو قول الجمهور.
(ولهما عن زيد بن ثابت) -رضي الله عنه- (أن النبي صلى الله عليه و سلم رخص في العرايا) أي في بيع تمر العرايا جمع عرية. والعرية هي النخلة. وفي الأصل عطية ثمر النخلة. سميت بذلك لأنها أعريت من أن تخرص في الصدقة. فرخص لأهل الحاجة الذي لا نقد لهم وعندهم فضول من تمر قوتهم. والترخيص في الأصل التسهيل والتيسير. وفي العرف ما شرع من الأحكام لعذر مع بقاء دليل الإيجاب والتحريم. لولا ذلك العذر (أن تباع بخرسها كيلًا) أي أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها. وللبخاري عن رافع وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم "نهى عن المزابنة بيع التمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم".
(وفي لفظ يأخذها أهل البيت) يعني الذين لا نقد لهم وعندهم فضول من تمر قوتهم (بخرصها) أي بقدر ما فيها إذا كان تمرًا والخرص هو التخمين والحدس كما تقدم (يأكلونه رطبًا) وفي لفظ "رخص في بيع العرية بالرطب أو الثمر. ولم يرخص في غير ذلك" ولهما عن سهل "نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا أن تشتري بخرصها يأكلها أهلها رطبًا" قال غير واحد العرية أن يشتري الرجل تمر النخلات لطعام أهله رطبًا بخرصها تمرًا. يقول هذا الرطب الذي عليها إذا يبس يحصل منه ثلاثة أوسق مثلًا. فيبيعه بثلاثة أوسق تمرًا ويتقابضان في المجلس. فيسلم المشتري التمر. ويسلم البائع النخل. ولا يجوز في غير الرطب والعنب من الثمار.
وأخرج الشافعي عن زيد بن ثابت أنه سمى رجالًا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبًا ويأكلون مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر. فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها. من التمر. فدلت هذه الأحاديث وما في معناها على أن حكم العرايا مخرج من بين المحرمات مخصوص بالحكم. وللبخاري من حديث جابر "نهى عن بيع الثمر حتى يطيب. ولا يباع شيء منه إلا بالدنانير والدراهم إلا العرايا".

(ولهما من حديث أبي هريرة فيما دون خمسة أوسق) أو في خمسة أوسق فيبقى الشك ويعمل بالمتيقن وهو الأربعة فما دونها. وهذا مذهب الجمهور. قال ابن حبان الاحتياط أن لا يزيد على الأربعة. قال الحافظ يتعين المصير إليه. فيشترط للعرية خمسة شروط: أن تكون بمثل ما يؤول إليه. وفيما دون خمسة أوسق. ولمحتاج لرطب ولا ثمن معه. بشرط الحلول والتقابض. وزيد أن يكون الرطب على رؤوس النخل. فلو كان على وجه الأرض لم يجز لأن الرخصة وردت في بيعة على رؤوس النخل ليؤخذ شيئًا فشيئًا وأن يكون التمر معلومًا بالكيل. والثامن الحلول على قول أنهما شرطان.
(وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره أن يجهز جيشًا) أي أن يهيء ما يحتاج إليه العسكر من مركوب وسلاح وغيره (فنفدت الإبل) بفتح فكسر أي فنيت أو نقصت.
والمعنى أنه أعطى كل رجل جملًا وبقيت بقية من الناس بلا مركوب. فقال يا رسول الله قد نفدت الإبل. وقد بقيت بقية من الناس لا ظهر لهم أي ليس لهم إبل (فأمره أن يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة) أي مؤجلًا إلى أوان حصول إبل الصدقة (رواه أبو داود) والحاكم وغيرهما والدار قطني وصححه.
وقال ابن القيم حديث عبد الله بن عمرو صريح في جواز التفاضل والنساء. وهو حديث حسن وقال الحافظ إسناده قوي. وفي السنن وصححه الترمذي أنه صلى الله عليه و سلم اشترى عبدًا بعبدين. وللبيهقي قال عمرو بن حريث لعبد الله بن عمرو إنا بأرض ليس فيها ذهب ولا فضة أفأبيع البقرة بالبقرتين والبعير بالبعيرين والشاة بالشاتين. فقال أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم الحديث. وفي لفظ لأحمد وغيره فقال لي "ابتع علينا إبلًا بقلائص الصدقة إلى محلها حتى تنفذ هذا البعث" قال فكنت أبتاع البعير بقلوصين وثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها. حتى نفذت ذلك البعث. فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه و سلم.
والحاصل أنه أمره أن يبتاع عددًا من الإبل حتى يتم ذلك الجيش ويرد بدلها من إبل الصدقة وفي قصة وفد هوازن " ومن لم تطب نفسه فله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا" وعن علي أنه باع جملًا يدعى عصيفيرًا بعشرين بعيرًا إلى أجل. رواه مالك والشافعي وغيرهما. واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة.
ورافع بن خديج بعيرًا ببعيرين وأعطاه أحدهما. وقال آتيك بالآخر غدًا. وقال ابن المسيب وغيره لا ربا في البعير بالبعيرينوالشاة بالشاتين إلى أجل. وورد في ذلك آثار كثيرة. وعلل أحمد أحاديث المنع. وأنه ليس فيها حديث يعتمد عليه.

وقال أبو داود إذا اختلفت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم نظرنا إلى ما عمل به أصحابه من بعده. وذكر هو وغيره آثارًا عن الصحابة في جواز ذلك متفاضلًا ونسيئة. وذهب جمهور العلماء إلى جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة متفاضلًا. وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب الأصح يجوز مع الحاجة. وأما مع الاختلاف في الأجناس كالعبيد بالثياب والشاة بالإبل فإنه يجوز عند جمهور الأمة التفاضل فيه والنساء. وأما بيع الحيوان بالحيوان يدًا بيد متفاضلًا وغير متفاضل فلا نزاع فيه.
(وعن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (نهى) يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم (عن بيع الكالئ بالكالئ رواه الدارقطني وفيه ضعف) وقد صححه الحاكم على شرط مسلم. ولكنه تفرد به موسى بن عبده الربذي. وقال فيه أحمد لا تصلح الرواية عنه عندي. ولا أعرف هذا الحديث عن غيره. وليس في هذا أيضًا حديث صحيح. لكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين. قال نافع الكالئ بالكالئ هو بيع الدين بالدين. وقال أبو عبيد هو بيع النسيئة بالنسيئة.
وقد دل الحديث على عدم جواز بيع الدين. وهو إجماع أهل العلم كما حكاه أحمد وابن عبد البر والوزير وغيرهم وله صور منها بيع ما في الذمة بثمن مؤجل لمن هو عليه أبو بحال لم يقبض أو جعله رأس مال سلم. وقال ابن القيم الكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض. كما لو أسلم شيئًا في شيء في الذمة وكلاهما مؤخر. فهذا لا يجوز بالاتفاق. وكذا لا يجوز بيع كل معدوم بمعدوم.
وقال بيع الدين بالدين ينقسم إلى بيع واجب بواجب وهو ممتنع. وإلى بيع ساقط بساقط. وساقط بواجب. وواجب بساقط. فالساقط بالساقط في صورة المقاصة. والساقط بالواجب كما لو باعه دينًا له في ذمته بدين آخر من جنسه فسقط الدين المبيع ووجب عوضه. وهو بيع الدين ممن هو في ذمته.
وأما بيع الواجب بالساقط. فكما لو أسلم إليه في كر حنطة مما في ذمته. وقد حكى الإجماع على امتناعه. ولا إجماع فيه. واختار الشيخ جوازه. قال ابن القيم وهو الصواب إذ لا محذور فيه. وليس بيع كالئ بكالئ فيتناوله النهي بلفظه. ولا في معناه فيتناوله بعموم المعنى. فإنه المنهي عنه قد اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة. وأما ما عداه من الثلاث فلكل منهما غرض صحيح. وذلك ظاهر في مسألة التقاص، فإن ذمتهما تبرأ من أسرها وبراءة الذمة مطلوب لهما. وللشارع. فأما في الصورتين الأخيرتين فأحدهما يعجل براءة ذمته. والآخر يحصل على الربح.

وإن كان بيع دين بدين فلم ينه الشارع عنه لا بلفظه ولا بمعنى لفظه. بل قواعد الشرع تقتضي جوازه اهــ. لكن المنع هو قول الجمهور. لا سيما في الاحتيال على المعسر في قلب الدين إلا معاملة أخرى بزيادة مال. وذكر الشيخ أنه حرام باتفاق المسلمين. ويحرم أن يمتنع من إنظار المعسر حتى يقلب عليه الدين. ومتى قال إما أن تقلب وإما أن تقوم عند الحاكم وخاف أن يحبسه لعدم ثبوت إعساره عنده وهو معسر كانت المعاملة حرامًا غير لازمة باتفاق أهل العلم. وللنهي عن بيع المضطر.
(وعن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- (قال اشتريت قلادة) وهي ما يعلق في العنق ونحوه. وذلك يوم خيبر باثني عشر دينارًا (فيها خرز) هو بالفارسية مهرة (وذهب) وفي رواية "خرز معلق بذهب" وفي رواية ذهب وجوهر (فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا حتى تفصل رواه مسلم) وأهل السنن وغيرهم.
وصححه الترمذي وغيره. ولأبي داود قال إنما أردت الحجارة. فقال "حتى تميز بينهما" قال فرده حتى ميز بينهما.
فدل الحديث وما في معناه مما تقدم وغيره من النهي عن بيع الجنس بجنسه متفاضلًا على تحريم بيع الذهب مع غيره بذهب حتى يفصل من ذلك الغير ويميز عنه ليعرف مقدار الذهب المتصل بغيره. ومثله الفضة مع غيرها بفضة. وكذلك سائر الأجناس الربوية لاتحادها في العلة. وهو بيع الجنس بجنسه متفاضلًا. لعدم التمكن من معرفة التساوي على التحقيق. كما تعذر الوقوف على التساوي في القلادة من غير فصل. وهذا مذهب جمهور أهل العلم وهو المفتي به.
(وعن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (قلت يا رسول الله إني أبيع الإبل بالبقيع) بالباء وللبيهقي في بقيع الغرقد وكانوا يقيمون فيه السوق قبل أن يتخذ مقبرة (فأبيع بالدنانير) ضرب من الذهب (وآخذ الدراهم) ضرب من الفضة (وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير) وفي لفظ أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير. (فقال لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء رواه الخمسة) وصححه الحاكم. فدل على جواز قضاء الذهب عن الفضة والفضة عن الذهب بسعر يومها. وهو مذهب أحمد وغيره. ودل على أن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض في المجلس. وبسعر يومها. لا يقبض البعض دون الكل. لأن ذلك من باب الصرف ومن شرطه أن لا يفترقا بينهما شيء وحكاه ابن المنذر وغيره إجماعًا.
* * *


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire