el bassaire

lundi 30 mai 2016

دخول الخلاء


دخول الخلاء
شرحُ عُمدةِ الأحكامِ
للشّيخِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُحسنِ التّويجريّ

http://al-bassair.blogspot.com


 أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ».([1])
الخبث: بضم الخاء جمع خبيث والخبائث: جمع خبيثة، استعاذ
من ذكران الجن واناثهم.
...........................................
أولًا قوله باب الاستطابة هي مأخوذة من مادة طَيَبَ: يعني استطاب، أي طيَّب المكان بالاستنجاء أو الاستجمار بعد خروج النجاسة منه، وهو مأخوذ من قوله صلّى الله عليه وسلّم «لا يستطب أحدكم بيمينه»([2]) فالاستطابة هي تطييب المحل من النجاسة بعد خروجها منه، وإعادته طيبا كما كان، هذا الذكر مشروع إذا أراد المسلم أن يدخل الخلاء.
والخلاء على نوعين: الخلاء الذي يكون في الصحراء؛ والخلاء الذي يكون في البنيان، وقديما لم يكن الناس يضعون أماكن لقضاء الحاجة وإنما كانوا يخرجون إلى خارج البنيان، فمثلا في المدينة كانوا يخرجون إلى البقيع ولم يكونوا اتخذوا الكنف - التي هي مكان قضاء الحاجة - إلا بعد ذلك، إذًا عندنا خلاء خارج البنيان في الصحراء، وعندنا خلاء داخل البنيان - وهو ما يخصص لقضاء الحاجة - وكلا النوعين يطلق عليه خلاء؛ لأن الإنسان يخلو بنفسه لقضاء حاجته، وحينها يتيسر له كشف عورته دون أن يتعرض للمحظور من النهي عن كشف العورة، ويشرع له هذا الذكر سواء كان في الخلاء الذي خارج البنيان أو داخل البنيان، والفرق بينهما هو قضية الدخول لأنه في البنيان متصور الدخول أما في الصحراء فغير متصور، ولذا حمله العلماء حملوا هذا النص - أنه إذا أراد الدخول وليس بعد الدخول أو أثناء الدخول فإذا أراد أن يجلس لقضاء حاجته في الخلاء الذي في الصحراء قال هذا الدعاء، وإذا أراد أن يدخل المكان المخصص لقضاء الحاجة في البنيان قال هذا الدعاء، ويُنْهى أن يقوله داخل الخلاء؛ لأنه مكان للشياطين وقضاء الحاجات ولذا استعاذ النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من ذكران الشياطين وإناثهم، والمسلم على خطر من أن يصاب بضرر من هؤلاء، فإذا استعاذ بالله من هؤلاء أعاذه الله وحماه.
12- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ، فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا»([3]).
قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: "فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ".
الغائط: الموضع المطمئن من الأرض؛ كانوا ينتابونه للحاجة فكنّوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره بخاص اسمه، والمراحيض: جمع مرحاض وهو المغتسل وهو أيضا كناية عن موضع التخلي.
13- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما قَالَ: "رَقِيْتُ يَوْماً عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامَ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ".([4])
وَفِي رِوَايَةٍ "مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ".([5])
...........................................
هذان الحديثان فيهما حكم استقبال القبلة واستدبارها أثناء قضاء الحاجة، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فمنهم من ذهب إلى النهي في كلا الأمرين - الاستقبال والاستدبار - ومنهم من ذهب إلى الجواز واعتبر هذا الحكم منسوخ حيث رُئِي النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قبل وفاته بشهر مستدبر الكعبة، ومنهم من فرَّق بين الاستقبال والاستدبار، فحرم الاستقبال وأجاز الاستدبار، ومنهم من فصَّل فمنعه في الخلاء أو في الصحراء وأجازه في البُينان وهذا هو القول الراجح الذي تجتمع به الأدلة، والحكمة في النهي هو التكريم وتشريف قبلة الله سبحانه وتعالى، أما قول النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا» فهذا في حق أهل المدينة ومن كان على مثل حالهم ممن يكون الشرق والغرب ليس في اتجاه القبلة، لأن المدينة تقع شمال مكة، فإذا اتجه إلى جهة الشرق أو الغرب فإنه حينئذ يكون انحرف عن جهة القبلة، فِعْلُ أبي أيوب رضي الله عنه لما قال: وجدنا مراحيض في الشام قال: فننحرف ونستغفر الله؛ هذا فيه دلالة على أنه يرى أن النهي عام حتى في البنيان ولذا ينحرف عن جهة القبلة ويستغفر الله لما قد يحصل بسبب ذهولهم أو نسيانهم فيقع في هذا الأمر المنهي عنه، واختلف فقيل النهي للتحريم وقيل إن النهي للكراهة، والله أعلم بالصواب.
14- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَدْخُلُ الْخَلاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ".([6])
العَنَزَة: الحرْبة الصغيرة، والاداوة: إناءٌ صغير من جلد.
...........................................
هذا فيه دلالة على جواز استعانة المسلم بغيره على ما يتعلق بطهارته ووضوئه خصوصا إذا كان الدافع إلى ذلك الحاجة وليس إهانة الآخرين أو التكبر عليهم أو تعاظم نفس، وكونهم يحملون هذه العنزة التي يطرح عليها ثوبا يستتر به؛ قالوا: هذا إذا كان قضاء الحاجة في مكان بارز كالصحراء أو خارج البنيان، وإلا فلا يحتاج إلى هذه العنزة أثناء وجوده في الخلاء الذي داخل البنيان.
15- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَلا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ».([7])
...........................................
بالطبع هنا عدة أحكام في هذا الحديث، الحكم الأول هو إمساك الذَّكَر؛ ويفهم من هذا مسّ الفرج عموما - سواء كان قبلا أم دبرا - أن يمسّه بيمينه، والعلة في ذلك تكريم اليمين، لأن اليمين جعلها الله سبحانه وتعالى للأشياء الكريمة، وقد اختلف أهلُ العلم؛ فمنهم من ذهب إلى تحريم ذلك، والجمهور يرون أنه للكراهة لأن هذه من باب الآداب، خصوصا وأن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ عن مسّ الفرج فقال: «إنما هو بضعة منك»([8])، يعني هو كقطعة لحم كبقية أجزاء الجسد، ومنهم من خصصه بالمس بعد البول وجعل القيد الذي في الحديث معتبرا لأنه وردت رواية مطلقة «لا يمس ذكره بيمينه» لكن هنا قيده بالبول أو أثناء قضاء الحاجة، قال: ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، يعني لا يستنجي ولا يستجمر باليمين - تكريما لها - ولا يتنفس في الإناء، قالوا: والعلة في ذلك أنه قد يظهر مع هذا النَّفَسِ شيءٌ يُقَذِّرُهُ على نفسه أو على غيره، والإنسان قد يحتاج إلى التَّنَفّس لأنه قد تطول مدة الشرب لذلك هدي النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يشرب في ثلاثة أنفاس، يعني يُبِيْنُ القدحَ عن فمه ثلاث مرات ويتنفس ثم يشرب، وهذا هو السُّنَّة التي ينبغي العناية بها والاقتداء بالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها.
16- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، فَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا».([9])
...........................................
هذا الحديث يتعلق بالتَّنَزُّهِ من البول، أورده المؤلف للتَّنبيه على خطورة الاستهانة بالبول أو بالنجاسة وعدم التنزه منها، فالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرَّ بقبرين فقال: «إنهما ليعذَّبان - وما يعذبان في كبير» جاء في بعض الروايات أنه استدرك «بلى إنه كبير»([10]) قال أهل العلم: المقصود أنهما ما يعذبان في كبير في نظرهما، أنهما يستهينان بهذا الذنب أو هذا الأمر ثم استدرك النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بلى إنه كبير» والدليل على أنه كبير أنهما يعذبان في القبر بسببه، فذكر أن أحدهما كان يمشي بالنميمة وهي الوشاية وهي الكلام بين الناس على جهة الإفساد، وهذا مع الأسف يستهين به بعض الصالحين ويجد لنفسه مسوغات يسوغ لنفسه هذا الفعل، والأمر خطير جدا ولا يقتصر الأمر على كونه يعذب في القبر لأجل هذا الذنب الذي استهان به، فالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبر انه لا يدخل الجنة نمَّام([11])، إذا هناك عذاب في القبر وهناك حرمان من دخول الجنة، ولذا يجب على المسلم أن يتنبَّه ويحتاط لهذا المرض الخطير الذي بيَّن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن النفوس قد تستهين به ثم قال: «أما أحدهما فكان لا يستتر من البول واما الآخر فكان يمشي بالنميمة» فالاستتار من البول قالوا: له أحد احتمالين، الأول: أنه كان لا يبالي بكشف عورته أثناء قضاء الحاجة أو أثناء البول، ولكن الأقرب أنه كان لا يتنزه من البول يعني من إصابة النحاسة له لبدنه أو لثوبه لا يبالي، فأخبر النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن هذين الذنبين وهاتين المخالفتين وإن كانتا صغيرتين في أعينهما فهما ذنبان عظيمان استحقا عليه هذه العقوبة، ما هي هذه العقوبة؟ أنهما يعذبان في القبر قبل أن يأتي يوم القيامة، وهناك عذاب آخر، وأخذ من هذا الحديث الدلالة على عذاب القبر وهذا من عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة؛ لأن هناك من يخالف ويشكك ويُلبِّس على الناس، وله في ذلك حجج عقلية يظن أنها تغني من الحق شيئا، فيقول: افتحوا القبور؛ تجد الميت لا يعذب، أين العذاب الذي تتحدثون عنه؟ أولا: إن عذاب القبر من الغيب؛ والله سبحانه وتعالى أمرنا بالإيمان بالغيب، وهو أعلم سبحانه بكيفية هذا العذاب، لكن عندنا نحن مثال واقعي، ألا ترى النائم يرى في منامه أحوالا مزعجة ويتعذب وربما بكى في أثناء النوم إما أَلَمٌ أو خوف أو حزن مع أن الوضع حوله طبيعي وهو ساكن هو، وبعضهم يستيقظ من نومه متعب ومرهق، فأين ذلك؟ هو كان يتعذب والناس حوله لا يشعرون، هذه صورة مبسطة فكيف بعالم الغيب وما تحويه القبور، ولذا فالواجب على المسلم مادام أنه ثبت مثل هذا في الكتاب والسُّنَّة أن يقول: سمعنا وأطعنا ويُسَلَّم وينقاد، وهذه ميزة المؤمن عن غيره أنه يُصَدِّق ويؤمن ويتيقن ولا يجعل العقل والوساوس هي التي تحكم على الشرع كحال الذين يريدون أن يعرضوا سُنَّة النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وما جاءت به على عقولهم؛ فإن وافقت قَبِلُوْه وإن خالفت عقولهم رَدُّوه، وهذه مرحلة وبعدها سينتقلون إلى آيات القرآن فالذي لا يوافق عقولهم مما جاء في القرآن سيرُدُّوْنَه؛ لأن العقل عندهم هو الأصل والشرع هو الفرع، وهذا باب الإلحاد والزندقة في دين الله سبحانه وتعالى، وهذه جادة الانحراف تبدأ لكن تنحدر بصاحبها إلى ما لا نهاية، ونظرا لسهولة التواصل ووجود مثل هؤلاء الزائغين عن الحق مجالا عبر وسائل الاتصال من القنوات الفضائية وشبكة المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي وجدوا مساحة يتحركون فيها بكل حرية؛ يجب على المسلم أن يحتاط وأن يتحفظ لدينه وعقيدته ولا يقول: أنا على علم لأنه قد يزيغ قلبه وقد تزل قدم بعد ثبوتها، وقد ألحد في دين الله من كان على صلة بالعلم الشرعي ولديه حصيلة طيبة من العلم الشرعي ولكن لما وَلَجَ هذا الباب زاغ قلبه وانحرف وغلبته الشبهات فعلى المسلم أن يتنبَّه وأن يحتاط.
هناك أيضا قضية أخرى تتعلق بهذا الحديث وهو وأن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذ جريدة نخل وشقها نصفين وغرز على كل قبر جزء وقال: «لعله أن يُخفف عنهما ما لم ييبسا»، بعض الضالين احتج بهذا على زراعة القبور ووضع النباتات عليها، وهذا انحراف لسببيين:
السبب الأول: أين غاب ذلك عن أصحاب النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وسلف الأمة، فلو كان هذا سائغ جائز وفيه مصلحة كانوا وضعوا النباتات على قبور آبائهم وأحبابهم وهم أعرف الناس بسُنَّة النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
السبب الثاني: النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أُعلم بالوحي أنهما يعذبان، أنت ما الذي أدراك؟ يأتيك وحي أو تعرف ما في القبور! حتى لو افترضنا أن في ذلك دلالة على وضع النباتات وزراعتها للتخفيف عن أصحابها، فما الذي أدراك أنهم يُعذبون؟ وعلى كل حال يكفي في ذلك ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وسلف هذه الامة




([1]) صحيح البخاري (142).
([2]) صحيح. أبو داود (8). صحيح الجامع (2346).
([3]) صحيح البخاري (394).
([4]) صحيح البخاري (148).
([5]) صحيح البخاري (149).
([6]) صحيح البخاري (152).
([7]) صحيح مسلم (267).
([8]) صحيح. الترمذي (85). صحيح وضعيف سنن الترمذي (85).
([9]) صحيح البخاري (218).
([10]) صحيح البخاري (218).
([11]) صحيح مسلم (105).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire