el bassaire

lundi 30 mai 2016

الوضوء

الوضوء
شرحُ عُمدةِ الأحكامِ
للشّيخِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُحسنِ التّويجريّ
http://al-bassair.blogspot.com

عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي اللهُ عنهما: "أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ - لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ - غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»".([1])
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الحديث يتضمن صفة وفضلا، الصفة هي صفة وضوء النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهذا أكمل حديث جاء في صفة وضوء النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حديث عثمان رضي الله عنه، وفيه التثليث؛ يعني تكرار الغسلات ثلاث مرات، إذ هي أكمل الوضوء، لأن من زاد عن الثلاث فقد أساء وتعدى وظلم([2]) بنص النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يعني لا يجوز الزيادة على الثلاث، الواجب مرة واحدة وأكمل منها اثنتان، والثلاث هذه أكمل صفات الوضوء؛ ما عدا عضو واحد وهو مسح الرأس فلا خلاف - والخلاف الذي جاء خلاف شاذ - أنه يسمح ثلاثا، لا خلاف بين أهل العلم أن مسح الرأس مرة واحدة سواء مسحه باتجاه واحد أو باتجاه ثم عاد، لأنه ورد في صفة مسح النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه أقبل بهما وأدبر، لكنها تعتبر مسحة واحدة لأنه لا يرفع يديه لكن فيه عملية تبليغ، لكن يمسح مرة ومرتين وثلاث! لا، هذا خلاف السُّنَّة، فعثمان رضي الله عنه أراد أن يُعَلِّمَ الناس عمليا صفة وضوء النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهذا أكمل من مجرد القول لأنه يجتمع فيه القول مع الفعل فيكون التصور شاملا، فعثمان رضي الله عنه دعا بوَضوء والوَضوء بفتح الواو هو الماء أما بضمها فهو الفعل، إذا ننتبه الفرق بين الوَضوء وبين الوُضوء، فالوضوء الذي دعا به عثمان رضي الله عنه هو مقدار من الماء يكفي للطهارة، فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات، هذا الفعل قال العلماء مستحب، وإنما يجب عند القيام من النوم، أما من دون القيام من النوم فهو مستحب غسل اليدين، إذًا فأفرغ من الإناء لأنه يريد أن يدخل يده في الإناء فقَبل أن يدخل يده في الإناء غسلها ثلاثا، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا، طبعا ورد تثليث الاستنشاق والاستنثار في أحاديث أخرى أنه ثلاثا، لكن اختُلِف في صفة الاستنشاق والاستنثار، فجاءت الروايات تفيد ثلاثة معاني، وبعضها صريح هذه الروايات، فالرواية التي أوردت مثل هذه الأفهام الثلاثة قالوا: إنه تمضمض واستنشق من كف واحدة ثلاث مرات، تمضمض واستنشق من كف واحدة ثلاث مرات، ففهم بعض أهل العلم أن هذا المقدار من الماء الذي حمله في كفه وتمضمض واستنشق وتمضمض واستنشق وتمضمض واستنشق كله من غرفة واحدة، وهناك من قال: لا، غرفة واحدة يتمضمض منها ويستنشق ثم الغرفة الثانية للمضمضة والاستنشاق ثم المرة الثالثة، وهناك من قال: لا، الصحيح أنه تتمضمض ثلاثة مرات بثلاثة كفوف وتستنشق أيضا ثلاث مرات، يعني تأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق، بالطبع أقرب هذه الصفات هي أنه يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة يجمع بها بين المضمضة والاستنشاق لأن هذه أقرب لدلالة النصوص، ثم غسل وجهه ثلاثا، الواجب غسله من الوجه هو من منابت شعر الرأس الطبيعي لأن بعض الناس قد ينزل عنده الشعر إلى بعض من الجبهة وبعض الناس يكون عنده صلع، فمن منابت الشعر الطبيعي إلى أسف الذقن وهو الذي تنبت عليه اللحية، وما بين الأذنين عرضا، بالنسبة إلى اللحية قال بعض أهل العلم بوجوب غسلها والصحيح أنه لا يجب وإنما يُسن تخليلها، والإمام أحمد رحمه الله قال: لا يثبت في تخليل اللحية حديث، كأنه يرى أنه لم يثبت عنده سنية واستحباب سنية تخليل اللحية بالماء، ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين، والمرفق هو المفصل بين العضد والذراع هذا هو المرفق، الصحيح أن المرفق داخل في الغسل، لأن إلى أو حتى تفيد الغاية، ثم هو أكمل وأحوط، وسآتي أنا إلى الزيادة على هذه الأعضاء الواجبة بعد أن أنتهي من الكلام على غسل القدمين، ثم مسح برأسه، وبيّنت لكم أن الأصل تعميم الرأس، فيمسح رأسه وأذنيه - ظاهر الأذنين - الأفضل أن يُقْبِلَ بهما ويدبر، يعني يبدأ من مقدمة رأسه إلى قفاه ثم يعود إلى المكان الذي بدأ به – هذه أكمل الصفات -، ولو عَمَّمَ رأسه بأي طريقة بدأ من الجنبين أو من الخلف كله جائز، لو أنه اكتفى بمسحه باتجاه واحد أيضا كافي، هل يجوز مسح جزء من الرأس - مثل ما يفعل بعض أصحاب المذاهب - وبعضهم قال: يكفي ثلاث شعرات؟ الصحيح أنه لا، وإنما يجب تعميم الرأس، لا يلزم إصابة كل شعرة لأن هذا قد يكون متعذرا، لكن بنفس الوقت لا يكفي مسح جزء من الرأس، يحتجون هم بحديث مسح النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا مسح وعلى رأسه العمامة قالوا: إنه مسح الناصية وأمر بيده على العمامة، لكن هذا في حال أن العمامة موجودة والعمامة جعلها العلماء كالخفين لأنه يشق نزعها وحينئذ فيصح المسح عليها، أما إذا كان لا يشق نزعها مثل الطاقية أو الغطاء الذي نضعه نحن على رؤوسنا؛ هذا ينزع، لكن العمامة التي تحتاج إلى حل وفيها مشقة فهذه يجوز المسح عليها، ثم غسل كلتا رجليه، طبعا في اليدين وفي الرجلين يبدأ باليمنى ثم اليسرى، غسل كلتا رجليه إلى الكعبين ثلاثا، والكعب المفصل بين القدم والساق، هو هذا العظم الناتئ البارز، ثم قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتوضأ نحو وضوئي هذا، لاحظ هذه الدقة وهذا التفصيل؛ ومع ذلك يتورع رضي الله عنه أن يقول مثل وضوئي هذا، قال: نحو، يخشى أنه حصل عنده تغيير ولو يسير؛ فيكون نسب إلى النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا لم يره من فعل النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو أنه نقص، قال: نحو وضوئي، يعني قريبا منه، مع أن النصوص التي جاءت عن الصحابة في صفة وضوء النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دلت على أن عثمان ذكر الصفة الكاملة للوضوء، ثم قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى كعتين - لا يحدث فيها نفسه - غفر له ما تقدم من ذنبه» وهذا فضل عظيم، أن تتوضأ وضوء كامل ثم تقوم إلى ركعتين لكن بشرط أن تُقْبِل على الله إقبالا كاملا، لا يكون لنفسك حظا وتفكيرا وحديثا مع نفسك، لا، تُقْبِل على الله، الجزاء والنتيجة والثمرة أن الله يغفر لك، عمل يسير، وهذه تسمى سُنَّة الوضوء التي قال عنها لبلال رضي الله عنه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إني سمعت خشخشة نعليك في الجنة»([3]) يعني شهادة له بالجنة، سمعت صوت نعليك في الجنة؛ فما أرجى عمل عندك؟ والجواب: أنه في تقديري أنني لم أتوضأ إلا وصليت ركعتين، فبإمكانك في أوقات غير النهي أن تتوضأ مثل هذا الوضوء الكامل وتقوم وتجهز نفسك على أن تقبل على الله سبحانه وتعالى إقبالا كاملا لتحظى بهذه المغفرة، لكن هذه المغفرة يا إخوان هي لصغائر الذنوب وليست للكبائر، لأن الكبائر تحتاج إلى توبة صالحة.
أعود إلى مسألة العدد فأقول: إن الواجب أن يغسل المسلم غسلة واحدة، وأفضل منها اثنتين، وأكمل ذلك ثلاث، وأن يغسل المقدار الذي ورد في هذا الحديث، أما الزيادة سواء كانت في العدد أو في المقدار فإنه لا يجوز، وهذا مخالفة للنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي جعله الله مُعلما لهذا الدين، قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»([4]) يعني: اتبع في دينك مثل ما جاء عن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، «من رغب عن سنتي فليس مني»([5]) لا يعني الزيادة أنك تحصل على أجر أفضل؛ لا، بل إن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قصة الثلاثة الذين سألوا عن عبادته أخرهم أنه لا ينفعهم هذا الاجتهاد الذي يزيد على السُّنَّة، لذا قال في الوضوء: «فمن زاد على هذا فقد تعدى وأساء وظلم» كما سيأتينا في حديث أبي هريرة في هذا وسأبين وأعلق عليه، لكن هنا لا يجوز أن تزيد في مقدار المغسول من الوجه ولا اليدين ولا الرجلين ولا مسح الرأس والرقبة، الدين ليس بالرأي ولا بالاستحسان وإنما باتباع النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في القليل والكثير، عندما يقول صلّى الله عليه وسلّم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» هذا فيه بيان أن العبادات توقيفية، وقال لهم في الحج: «خذوا عني مناسككم»([6])،  لا تجتهد، لذا فبعض الناس يبتلى بشيطان الوضوء ورأيت أنا بعضهم، بل من عجيب ما حصل؛ كنت مرة أتوضأ وبجواري رجل عليه سمة الصلاح وأنا أراه كثيرا داخل الكلية وكنا نتوضأ استعدادا لصلاة الظهر وما شاء الله عليه سمت الصلاح والسُّنَّة، فتوضأتُ وبعدما انتهيت التفت إليَّ وقال لي: أنت مطمئن لهذا الوضوء الذي أنت توضأته؟ قلت: نعم والحمد لله، قال: فاحمد الله؛ فإني أعاني من الوضوء، مسكين مع أنه رجل صالح وظاهره الخير لكنه ابتلي بهذا الشيطان، وترك له المجال، ولذا ننتبه الشيطان أحيانا يأتيك من جهة النقص يريدك أن تنقص من دينك وتقع في الشهوات والذنوب لكن قد يجد فيك صلابة وقوة فما يستطيع، يقول: طالما لديه هذه القوة والصلابة؛ نريد أن نوظف هذه القوة ونفسد عليه دينه، كيف؟ بالزيادة، يتعدى هدي النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيفسد، فنحن ننتبه، ولذا قال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للبراء بن عازب في دعاء النوم عندما علمه الورد؛ فقال اجتهادا منه - البراء رضي الله عنه – في آخر الحديث: «وبنبيك الذي أرسلت» ويعرف أن مقام الرسالة أعلى من مقام النُّبوة وأشرف وأكرم، فقال عليه الصلاة والسلام: «اعرض عليّ» يعني أعد عليَّ ما علمتك، فأعاد عليه مثل ما تعلم منه ولكن عندما جاء إلى هذه الكلمة رأى أن من إكرامه للنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يقول (وبرسولك الذي أرسلت) بدل «ونبيك الذي أرسلت» فقال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قل «ونبيك الذي أرسلت»([7]) كما علَّمتك، لا تُزِد ولا تُعدل، دائما نحرص على أن نتبع السُّنَّة، لأنه هنا نقترب من النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لكن إذا زدنا أو نقصنا نبتعد بقدر الزيادة والنقص فقط.





([1]) صحيح البخاري (159).
([2]) صحيح. النسائي (140). الصحيحة (2980).
([3]) صحيح. الترمذي (3689). صحيح وضعيف سنن الترمذي (3689).
([4]) صحيح البخاري (631).
([5]) صحيح البخاري (5063).
([6]) صحيح مسلم (1297).
([7]) صحيح البخاري (247).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire