el bassaire

lundi 14 octobre 2013

فصل في دفن الميت



فصل في دفن الميت
أي في صفة حمل الميت ودفنه والقيام عليه وأحكام القبور ووصول الثواب إلى الميت وغير ذلك ودفن الميت المسلم مشروع بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وفرض كفاية إجماعا. وكذا حملة ومؤونتهما والمراد على علمه كباقي مؤن التجهيز. و فعلها بر وطاعة وإكرام للميت. ويكره أخذ الأجرة على ذلك ويسقط بفعل كافر وغيره كتكفينه لعدم اعتبار النية اتفاقا.
 قال تعالى: }أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا{ وعاء ومعنى الكفت الضم والجمع }أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا{ تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم وتكفتهم أمواتا في بطنها أي تحوزهم إذ يدفنون فيها.
 (وقال: ثم أماته فأقبره) أي جعل له قبرًا يوارى فيه. ولم يجعله ملقى للسباع والطيور. أو أقبره أي ستره الله بحيث يقبر وجعله ذا قبر يدفن وهذه مكرمة لبني آدم على سائر الحيوانات.
 (وقال: وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) أي لا تقف عليه ولا تول دفنه. وقال أكثر المفسرين لا تقم على قبره بالدعاء والاستغفار بعد الفراغ من دفنه وذلك أنه كان عادة النبي r في المسلمين وتقدم أصل القصة. قال شيخ الإسلام لما نهى نبيه r عن القيام على قبور المنافقين كان دليل الخطاب أن المؤمنين يقام على قبورهم بعد الدفن واستحبه هو وغيره من أهل العلم وفعله علي وغيره ويأتي.
 (وقال ابن مسعود: من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها) فيضع قائمة السرير اليسرى في المقدمة على كتفه الأيمن ثم ينتقل إلى المؤخرة ثم يضع قائمته اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى المؤخرة فتكون البداءة من الجانبين بالرأس والخاتمة من الجانبين بالرجلين وهو مذهب أبي جنيفة والشافعي وأحمد وأصحاب مالك. وقال مالك وهو وما بين العمودين سواء لما فيها من الموافقة لكيفية غسله. قال ابن مسعود رضي الله عنه (فإنه من السنة) وقول الصاحبي من السنة له حكم الرفع (رواه ابن ماجه) وابن أبي شيبة وغيرهما ورواته ثقات. وكره الآجري وغيره الازدحام عليها لمخالفة الإسراع المأمور به.
ويباح أن يحمل كل واحدة على عاتقه بين العمودين وهو الأفضل عند الشافعية لما روي أنه r حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين.وروي عن سعد وابن عمر وأبي هريرة أنهم فعلوا ذلك. وعثمان حمل سريرًا بين العمودين فلم يفارقه حتى وضع. ويبدأ من عند رأسه ثم من عند رجليه لكن المؤخر إن توسط بين العمودين لم ير ما بين قدميه فلا يهتدي إلى المشي فيحمله حينئذ ثلاثة.
ويستحب أن يكون على نعش بعد أن يغسل ويكفن مستلقيا على ظهره إن أمكن وتغطية نعشها بمكبة كالقبة لأنه أستر لها. ويروى أن فاطمة صنع لها ذلك بأمرها. قال ابن عبد البر هي أول من غطي نعشها في الإسلام. ثم زينب بنت جحش ويجعل فوق المكبة ثوب وكذا إن كان بالميت حدب. وكره تغطيته بغير أبيض ولا بأس بحمله على دابة لغرض صحيح كبعد قبره وسمن مفرط. ويجزئ الحمل على سرير أو لوح أو محمل وأي شيء حمل عليه ولا يحرم حمله على هيئة مزرية كفي قفة وغرارة وزنبيل ومكتل وعلى هيئة يخاف معها سقوطه بل يكره. وفي الفروع يتوجه احتمال يحرم وفاقا للشافعي. ولا بأس بحمله على الأيدي والرقاب كطفل.
 (وعن أبي هريرة أن النبي r قال أسرعوا بالجنازة) أي بحملها إلى قبرها والإسراع ضرب من العدو وهو عدو فسيح سريع دون العنق وفوق السعي والجمهور أن المراد بالإسراع ما فوق سجيه المشي المعتاد. قال الموفق وغيره هذا الأمر للاستحباب بلا خلاف بين العلماء وشذ ابن حزم فقال بوجوبه والمراد شدة المشي. ولأبي داود وغيره بأسانيد صحيحة عن أبي بكرة "لقد رأيتنا ونحن نرمل رملاً مع رسول الله r" وللبخاري في تاريخه عن محمود "أسرع النبي r حتى تقطعت نعالنا يوم مات سعد بن معاذ".
وذكر غير واحد من أهل العلم: لا يفرط في الإسراع فتمخض مخضا ويؤذي متبعها. ولأحمد عن أبي موسى أنه عليه الصلاة والسلام "مر بجنازة تمخض مخضا فقال عليكم بالقصد في جنائزكم" فيستحب الإسراع بها بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسد بالميت أو مشقة على الحامل و المتبع. وتراعى المصلحة والحاجة اتفاقا. فإن خيف عليه من الإسراع مشي به الهوينا.
ولا ينبغي الإبطاء في شيء من حالاتها من غسل ووقوف عند القبر. وقال ابن القيم وأما دبيب الناس اليوم خطوة خطوة فبدعة مكروهة مخالفة للسنة ومتضمنة للتشبه بأهل الكتاب.وأخبر عليه والسلام بالعلة في الإسراع فقال (فَإِنْ تَكُ) أي الجنازة والمراد به الميت (صالحة) ولفظ الترمذي خيرًا أي ذات خير (ف) ـهو (خير تقدمونها إليه) أي فأسرعوا به حتى يصل إلى تلك الحالة الطيبة.
 (وإن تك سوى ذلك) ولفظ الترمذي وغيره وإن تك شرا (فشر تضعونه عن رقابكم متفق عليه) وفي لفظ وإن كان غير ذلك وللطبراني من حديث ابن عمر يقول إذا مات أحدكم فلا تحبسوه. وأسرعوا به إلى قبره قال الحافظ إسناده حسن. وتقدم حديث "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله" وفيها المبادرة بتجهيز الميت ودفنه. وفيه دلالة على أن حمل الجنازة يختص بالرجال للإتيان فيه بضمير الذكور.
 (وعن المغيرة أن النبي r قال الراكب يمشي خلف الجنازة) قال الخطابي لا أعلمهم يختلفون أن يكون خلفها ولأن سيره أمامها يؤذي متبعها وقال النخعي كانوا يكرهونه وكره جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد وغيرهم ركوب تابع الجنازة لغير حاجة لما وراه الترميذي وغيره أنه عليه الصلاة والسلام "رأي رجلا راكبا مع جنازة فقال ألا تستحيون ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب".
ولأبي داود عن ثوبان أن رسول الله r "أتي بدابة وهو مع جنازة فأبى أن يركبها فلما انصرف أُتي بدابة فركب فقيل له فقال "إن الملائكة تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون فلما ذهبوا ركبت" وأما لحاجة فلا يكره وكذلك لا يكره رجوعه راكبا ولو لغير حاجة لما روى جابر أن النبي r "تبع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس" رواه مسلم (والماشي كيف شاء منها رواه الخمسة وصححه الترمذي) قال الموفق وغيره حيث مشى فحسن يمينها أو شمالها أو خلفها أو أمامها. ويؤيده سنية الإسراع وأنهم لا يلزمون مكانا واحدا يمشون فيه لئلا يشق عليهم أو على بعضهم.
وقال البيهقي وغيره الآثار في المشي أمامها أكثر وأصح وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء. قال ابن المنذر ثبت أن النبي r وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة ورواه الخمسة وغيرهم. وقال الترمذي روي عن بعض الصحابة أنهم يتقدمون الجنازة فيجلسون قبل أن تنتهي إليهم.
ولا يكره أن يكونوا خلفها. وقال الأوزاعي: إنه الأفضل لأنها متبوعة والقرب من الجنازة أفضل فإن بعد أو تقدم إلى القبر فلا بأس لكن بحيث أن ينسب إليها. وتقدم حديث "من تبعها وكان معها حتى يفرغ من دفنها فله قيراط". وفي الصحيحين من حديث البراء أمرنا رسول الله r باتباع الجنازة وهو من حقوق الإسلام لقوله للمسلم على المسلم ست وعدَّ منها اتباع جنازته وفي لفظ يشهدها أي يحضرها ليصلي عليه ويدفنه.
واتباعها سنة باتفاق المسلمين. وفي الرعاية فرض كفاية للأمر به وهو حق للميت وأهله. قال الشيخ لو قدر أنه لو انفرد الميت لم يستحق هذا الحق لمزاحم أو لعدم استحقاقه بتعه لأجل أهله إحسانا إليهم لتألف أو مكافأة أو غير ذلك وذكر فعل النبي r مع عبد الله بن أُبي وذكر الآجري أنه من القضاء لحق أخيه المسلم.
واتباعها على ثلاثة أضرب أحدها أن يصلي عليها، ثم ينصرف. والثاني أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن. والثالث أن يقف بعد الفن على القبر ويسأل له التثبيت ويدعو له بالمغفرة والرحمة.
 (وعن أم عطية نهينا) أي معشر النساء (عن اتباع الجنائز متفق عليه) أي أن نصل إلى القبور وظاهرة التحريم ولأبي يعلى من حديث أنس قال "أتحملنه قلن لا. قال أتدفنه قلن لا. قال فارجعن مأزروات غير مأجورات" ونقل النووي أنه لا خلاف في ذلك ولم يكن يخرجن على عهد النبي r ولا على عهد خلفائه.وقولها ولم يعزم علينا ظن منها رضي الله عنها أنه ليس نهي تحريم والحجة في قوله r لا في ظن غيره.
ويكره أن يتبعها مع منكر إن عجز عن إزالته. وقيل يتبعها وينكره بحسبه وإن قدر وجب الإنكار وتأكد الاتباع لحصول المقصودين. ويكره رفع الصوت معها ولو بقراءة أو تهليل حكاه الشيخ وغيره اتفاق المسلمين لأنه بدعة ولنهي النبي r أن تتبع الجنازة بصوت أو نار رواه أبو داود. قال ابن المنذر يكرهه كل من نحفظ عنه.
وكان من فعل أهل الكتاب وقد شرط عليهم أن لا يفعلوا ذلك. ونهينا عن التشبه بهم فيما ليس هو من سلفنا الأول فكيف. وقد نهينا عنه وحرمه جماعة من أصحاب أحمد وأبي حنيفة وغيرهم وكذا قوله (استغفروا له) ونحوه بدعة. قال ابن عمر وسعيد بن جبير لا غفر الله لك بعد وأجمعوا على النهي على اتباعها بنار إلا لحاجة.
وروى ابن ماجه عن أبي بردة قال. أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال لا تتبعوني بجمر فقالوا له أو سمعت فيه شيئا قال نعم من رسول الله r. وللترمذي عن أبي هريرة مرفوعا "لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار ولا يمشي بين يديها بصوت ولا نار" وله شواهد وذلك لأنه من شعار الجاهلية والنصارى ولما فيه من التفاؤل ومن ثم قالوا يحرم.(ولهما عن أبي سعيد أنه r قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا) ولمسلم "إن الموت فزع فإذا رأيتم الجنازة فقوموا" وروي غير ذلك وكلها ترجع لتعظيم أمر الله وتعظيم أمر القائمين به، وللترمذي "فقوموا حتى تخلفكم أو توضع" وفي الصحيح أنه r قام لجنازة يهودي وجاء عن علي أنه r "قام ثم قعد".
قال النووي المختار في القيام للجنازة أنه مستحب واختاره الشيخ وغيره وقال أحمد إن قام لم أعبه وإن قعد فلا بأس. وقال قوم بالتخيير وبه تتفق الأدلة (فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع) ولأحمد في الأرض وقال البخاري باب من شهد الجنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال وللنسائي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ما راينا رسول الله r "شهد جنازة قط فجلس حتى توضع" وللبيهقي عن أبي هريرة وابن عمران القائم مثل الحامل في الأجر.
قال النووي وغيره مذهب جمهور أهل العلم استحبابه وقد صحت الأحاديث باستحباب القيام إلى أن توضع، ولم يثبت في القعود شيء إلا حديث علي ويحتمل أنه لبيان الجواز أو نسخ قيام القاعد دون استمرار قيام مشيعها كما هو المعروف من مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة وإن سبق إلى القبر وشق جلس لما في انتظاره قائما حتى تصل إليه وتوضع من المشقة ولأبي داود وغيره عن البراء خرجنا مع رسول الله r في جنازة فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد فجلس مستقبلا القبلة وجلسنا معه وتقدم أن بعض الصحابة يتقدمون الجنازة فيجلسون قبل أن تنتهي إليهم.
واستحب الجمهور أن يسجى قبر المرأة لأنها عورة فلا يؤمن أن يبدو منها شيء فيراه الحاضرون ويكره لرجل بلا عذر كمطر ونحوه ولأنه ليس بعورة وكشفه أبعد عن التشبه بالنساء وقال علي رضي الله عنه وقد مر بقوم يدفنون ميتًّا وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال إنما يصنع هذا بالنساء رواه سعيد وغيره.
 (ولمسلم عن سعد) يعني ابن أبي وقاص رضي الله عنه (قال الحدوا) بوصل الهمزة وفتح الحاء (لي لحدا) وأصل اللحد الميل وسمي لحدا لأنه شق يعمل في جانب القبر فيميل عن وسطه وهو هنا الشق تحت الجانب القبلي من القبر يسع الميت، ولولا مزيد فضله ما عانوه وهو الذي اختاره الله لنبيه r ولا يختار له إلا الأفضل.
فإنه كان في المدينة رجلان أحدها يلحد والثاني يشق فأرسلوا إليهما وقالوا من جاء عمل عمله لرسول الله r فجاء الذي يلحد فأمروه أن يلحد للنبي r، وللخمسة "اللحد لنا والشق لغيرنا"، وللترمذي وصححه "فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، واتفق الأئمة وغيرهم على أن اللحد أفضل من الشق.
واتفقوا على أن السنة اللحد وأن الشق ليس بسنة. وأجمعوا على أن الدفن في اللحد والشق جائزان. والشق أن يحفر في وسط القبر كالنهر ويبني جانباه فإن كان ثم عذر بأن كانت الأرض رخوة لا يثبت فيها اللحد ولا يمكن رفع انهيارها بنصب لبن ولا حجارة ونحوها شق فيها للحاجة، وإلا كره كإدخاله خشبا وما مسته النار لكراهة السلف لذلك. وكذا دفن في تابوت ولو امرأة إجماعا ويسن أن يوسع ويعمق لقوله في قتلى أحد: "احفروا وأوسعوا وعمقوا" صححه الترمذي قال سعد رضي الله عنه (وانصبوا عليَّ اللبن) بفتح فكسر (نصبا كما فعل برسول الله r) وله شواهد. واتفق الصحابة على ذلك ونقلوا عددا اللبن تسعا.
فيسن نصب اللبن عليه نصبا اتفاقا. ويجوز ببلاط وغيره. ويتعاهد خلاله بالمدر ونحوه. ثم يطين فوق ذلك لئلا ينتخل عليه التراب منها لقوله "سدوا خلال اللبن" ثم قال "وليس هذا بشيء ولكن يطيب نفس الحي" رواه أحمد وغيره. ومن مات بسفينة ولم يمكن دفنه في البرية –ولو حبس يوما أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد- ألقي في البحر بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه وتثقيله بشيء ليستقرَ في قرار البحر.
وإن مات في بئر أُخرج وجوبا ليغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن وإلا طمت إن لم يحتج إليها. والسنة أن يسل في القبر وكذا في البحر من قبل رجلي القبر لأنه عليه الصلاة والسلام سل من قبل رأسه رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح. وأدخل عبد الله بن زيد بن الحارث من قبل رجلي القبر وقال هذا من السنة رواه أحمد وغيره.
وله عن أنس أنه كان في جنازة فأمر بالميت فسل من عند رجلي القبر وهو المعروف عن الصحابة والتابعين. قال الشافعي لا يختلفون أنه يسل سلا وإن لم يكن أسهل أدخل من حيث سهل. وقال أبو حنيفة يدخل معترضا وقال مالك هما سواء.
 (وعن ابن عمر كان r إذا وضع الميت في القبر قال بسم الله) أي وضعناك (وعلى ملة رسول الله) r أي دينه وشريعته. وفي رواية "وعلى سنة رسول الله r" أي سلمناك: وفي رواية "إذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا بسم الله وعلى ملة رسول الله" r رواه الخمسة و"حسنه الترمذي".
فيستحب هذا الذكر عند وضع الميت في قبره. وإن قرأ: }مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى { أو أتى بذكر أو دعاء لائق بالمحل فلا بأس لفعله r وفعل أصحابه.
ويقدم بدفن رجل من يقدم بغسله لأنه عليه الصلاة والسلام تولى دفنه العباس وعلي وأسامة وهم الذين تولوا غسله. ولأنه أقرب إلى ستر أحواله.
ويدفن امرأة محارمها الرجال الأقرب فالأقرب ممن يحل له النظر إليها. قال الزركشي لا نزاع في ذلك والترتيب مستحب. ثم أجانب لأنه r أمر أبا طلحة فنزل قبل امرأة وهو أجنبي.
(وعن عبيد بن عمير) بن قتادة بن سعد الليثي وعبيد تابعي مشهور وأبوه عمير له صحبة سكن مكة ولم يرو عنه غير ابنه (قال r في الكعبة) بعد أن ذكر الكبائر ثم قال "واستحلال البيت الحرام (قبلتكم أحياء وأمواتا، رواه أبو داود) والنسائي.
فأما التوجه إليها في الحياة في الصلاة فبالكتاب والسنة والإجماع. وأما إذا وضع في اللحد فبلا نزاع. وقد دل الحديث وغيره على سنية وضع الميت في لحده متوجها إلى القبلة ويكون على شقه الأيمن. والنبي r وصاحباه صُنِعَ بهم كذلك بلا نزاع وهو طريق المسلمين. بنقل الخلف عن السلف لا يمتري فيه مسلم. ولأنه يشبه النائم وسنته أن ينام على شقه الأيمن مستقبل القبلة.
وينبغي أن يدنى من الحائط لئلا ينكب على وجهه فيسند وجهه ورجلاه إلى جدار القبر أو يسند أمامه بتراب ومن ورائه لئلا ينقلب ويجعل تحت رأسه لبنة فإن لم توجد فحجر. وتكره المخدة والمضربة اتفاقا. وكذا قطيفة ونحوها وتحل العقد لما تقدم وللاستغناء عنها لأنها إنما تعقد لخوف الانتشار عند حمله ونحوه.
 (وعن أبي هريرة أنه r حثى عليه) أي على قبر الميت والحثو الأخذ بالكفين معا أو أحدهما (من قبل رأسه ثلاثا رواه ابن ماجه) بسند جيد ونحوه للدارقطني والبيهقي عن عامر بن ربيعة. ولأن مواراته فرض كفاية وبالحثو يكون فيمن شارك فيها. ولأن في ذلك أقوى عبرة واستذكار فاستحب ذلك.
ولأحمد بسند ضعيف أنه عليه الصلاة والسلام لما وضع ابنته في القبر قال }مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ{. وفَيهِا نعيدكم. ومنها نخرجكم تارة أخرى) واستحب بعض أهل العلم أن يقال بذلك عند حثي التراب استئناسا بهذا الخبر. وروي عن علي أنه كان إذا حثى على ميت قال اللهم إيمانا بك وتصديقا برسولك وإيقانا ببعثك "هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله رسوله" ثم يهال التراب على القبر.
 (وعن عثمان) بن عفان رضي الله عنه (قال كان رسول الله r إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه) أي على قبر الميت (وقال استغفروا لأخيكم سلوا له التثبيت) أي عند سؤال الملكين له (فإنه الآن) أي هذا الوقت (يسأل) من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ أو يقال له ما كنت تبعد. فيقول: أعبد الله فيقال له ما هذا الرجل لمحمد r فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله. أو يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أو يقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته أو يقول غير ذلك مما جاء عن النبي r (رواه أبو داود) وصححه البزار والحاكم وتقدم قوله تعالى: }وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ{ وقال تعالى: }رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ{ وقال: }اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ{ وقال ابن المنذر وغيره جمهور أهل العلم قالوا بمشروعية الوقوف على قبره والاستغفار له.
وقال الترمذي الوقوف على القبر والسؤال للميت مدد للميت بعد الصلاة عليه. لأن الصلاة بجماعة المسلمين كالعسكر له قد اجتمعوا بباب الملك يشفعون له والوقوف على القبر وسؤال التثبيت مدد للعسكر وهو ثمرة دعاء العسكر في الصلاة عليه وتلك ساعة شغل الميت لأنه استقبله هول المطلع وسؤال الفتانين كما هو مستفيض عن النبي r ومجمع عليه.
وقد أجلسته لتسأله فيستحب الوقوف عليه والدعاء له بالتثبيت فهو في قبره كالغريق ينتظر دعوة تلحقه من قريب أو صديق.
 (وعن جابر أن النبي r رُفِعَ قبره) أي رفعه الصحابة رضي الله عنهم (عن الأرض قدر شبر رواه الشافعي) محمد بن إدريس القرشي الشافعي الإمام الشهير المتوفى سنة أربع ومائتين. ورواه ابن حبان في صحيحه وأبو بكر الساجي وغيرهم. ولأبي داود وغيره بإسناد صحيح عن القاسم. قلت لعائشة اشكفي لي عن قبر رسول الله r وصاحبيه رضي الله عنهما فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.
فدلت هذه الأخبار مع ما يأتي من النهي عن رفع القبور والزيادة على ترابها أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر واستحبه أهل العلم ليعرف فيزار ويحترم. وما يأتي من الأمر بتسويتها محمول على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء. قال ابن القيم وهذه الآثار لا تضاد بينها. والأمر بتسوية القبور إنما هو تسويتها بالأرض وأن لا ترفع مشرفة عالية. وهذا لا يناقض تسنيمها يسيرا في الأرض ولا يزاد على الشبر. فإن الزيادة على المشروع محرم.
وينبغي أن يسنم لما روى البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي r مسنما. وعن الحسن مثله وهو مذهب الجماهير أبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم إلا ما ذهب إليه بعض الشافعية من التسطيح وينبغي وضع حصباء عليه لفعل الصحابة بقبره r. وللبزار أنه r أمر به أن يجعل على قبر عثمان بن مظعون. وللشافعي أنه وضع على قبر ابنه. ولابن ماجه أنه فعل بقبر سعد ولأنه أثبت له وأبعد لدروسه وأمنع لترابه من أن تذهب به الرياح واستمر عمل المسلمين عليه.
وينبغي رشه بماء لما روى الشافعي وغيره أنه عليه الصلاة والسلام رش على قبر ابنه إبراهيم ماء ولا بأس بتعليمه بحجر ونحوه لما رواه أبو داود وغيره أنه وضع حجرا عند رأس عثمان وقال: "أعلم به قبر أخي أدفن إليه من مات من أهلي" وليعرفه به إذا زاره.
 (وعنه) أي عن جابر رضي الله عنه قال (نهى النبي r أن يجصص القبر) أي يبيض بالجص أو بالجير وهو من البدع المحدثة ومن الوسائل المفضية إلى الشرك. وكذا تخليقه يعني طليه بالطيب وتزويقه. وتبخيره ووضع الستائر عليه. وأما تقبيله والتمسح به وكتابة الرقاع عليه ودسها في الأنقاب والاستشفاء به والطواف به والتبرك به والعكوف عنده وسؤاله النفع والضر فمن البدع المحدثة. ومن الشرك بالله. بل عبادة القبور أول شرك حدث على وجه الأرض.
 (و) نهى (أن يقعد عليه) وللترمذي وصححه "نهى أن تجصص وأن يكتب عليها وأن توطأ لما فيه من الاستخفاف. ولمسلم عن أبي هريرة مرفوعا "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر" وله عن أبي مرثد "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" قال الخطابي وغيره ثبت أنه نهى أن توطأ القبور وكذا يكره الاتكاء عليها عند الجمهور لما روى أحمد أنه عليه الصلاة والسلام رأى عمرو بن حزم متكئا على قبر فقال: "لا تؤذه" وأفظع منه التخلي عليها وبينها. ولا نزاع في تحريمه إذ هو بيت المسلم فلا يترك عليه شيء من النجاسات بالاتفاق. وكلما كان الميت أفضل كان حقه أوكد.
ويكره المشي في المقبرة بالنعل لقوله r: "ألق سبتيتيك" لئلا يطأ بها فوق رءوسهم إلا خوف نجاسة أو شوك ونحوهما مما يتأذى به. وذكر ابن القيم أن إكرامها عن وطئها بالنعال واحترامها من محاسن الشريعة. وقال من تدبر نهيه عن الجلوس على القبر والاتكاء عليه والوطء عليه علم أن النهي إنما كان احتراما لسكانها أن يوطأ بالنعال فوق رءوسهم. وأخبر أن الجلوس على الجمر حتى تخرق الثياب خير من الجلوس على القبر. ومعلوم أن هذا أحق من المشي بين القبور بالنعال. والقبور هي دار الموتى ومنازلهم ومحل تزاورهم وعليها تنزل الرحمة من ربهم. فهي منازل المرحومين ومهبط الرحمة ويلقى بعضهم بعضا على أفنية قبورهم يتجالسون ويتزاورون كما تظافرت به الآثار، اهـ.
قال مالك بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت. قال الشيخ: ولهذا روي أنها على أفنية القبور وأنها في الجنة والجميع حق اهـ. ولا يجاورون بما يؤذي الأموات من الأقوال والأفعال الخبيثة فإن لها من الحرمة ما جاءت به السنة.
 (وأن يبنى عليه رواه مسلم) وأبو داود والترمذي وغيرهم وصححه وللنسائي "نهى أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه" وظاهره تحريم الكتابة عليه. ولمسلم
 عن علي مرفوعا "لا تدعن صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته" والمشرف ما رفع كثيرا عن المأذون فيه. وأمر فضالة بقبر فسوي وقال سمعت رسول الله
r يأمر بتسويتها رواه مسلم.
والنهي عن البناء على القبور مستفيض عن النبي r من غير وجهه وأمر عليه الصلاة والسلام بهدمه. وقال الشافعي رأيت العلماء بمكة يأمرون بهدم ما يبنى عليها. والبناء عليها من وسائل وذرائع وعلامات الكفر وشعائره والمنع من ذلك كله قطع لتلك الذرائع المفضية إلى الشرك. والله جل ذكره بعث محمدا r بهدم الأوثان. ولو كانت على قبر رجل صالح. لأن اللات رجل صالح فلما مات عكفوا على قبره وبنوا عليه بنية وعظموها. قال تعالى }أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{ يعني التي كنتم تعبدونها هل نفعت أو ضرت؟ فلما أسلم أهل الطائف أمر r بهدمها فهدمت.
وفيه وفي غيره أوضح دليل على أنه لا يجوز إبقاء شيء من هذه القبب التي بنيت على القبور واتخذت أوثانا ولا لحظة واحدة. وإذا كانت تعبد فهي أوثان كاللات والعزى ومناة بلا نزاع وقال عليه الصلاة والسلام "لا تجعل قبري وثنا يعبد" وقال "لا تجعلوا قبري عيدا" بل تعظيم القبور بالبناء ونحوه هو أصل شرك العالم الذي أرسلت الرسل وأنزلت الكتب بالنهي عنه والوعيد على فاعله بالخلود في النار.
ويحرم إسراجها واتخاذ المساجد عليها. قال شيخ الإسلام: يتعين إزالتها لا أعلم فيه خلافا بين العلماء سواء كانت قبور أنبياء أو غيرها لما في السنن وغيرها "لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" وفي الصحيحين "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ولهما أيضا "قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" والنهي عنه مستفيض عن النبي r.
قال ابن القيم: لو وضع المسجد والقبر معا لم يجز. ولم يصح الوقف ولا الصلاة "وعن هشام" بن عامر الأنصاري استشهد في غزوة كابل بعد أن أبلى فيها "أن رسول الله r قال في قتلى أحد احفروا وأوسعوا" وتقدم الندب في توسيعه "وأحسنوا" وفيه الأمر بتحسين القبر "وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد" وذلك أنه شكي إلى رسول الله r كثرة الجراحات "رواه الأربعة وصححه الترمذي" وفي لفظ قالوا: الحفر علينا لكل إنسان شديد فقال "ادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد" وفي الصحيح عن جابر "كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد ثم يقول أيهم أكثر أخذا للقرآن؟ فيقدمه في اللحد" فيجوز دفن اثنين وثلاثة للضرورة عند الجمهور أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
وروى عبد الرزاق عن واثلة أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه. وكان يجعل بينهما حائلا من تراب ليصير كل واحد كأنه في قبر منفرد ولا سيما إن كانا أجنبيين. وإذا دفن اثنين فأكثر في قبر واحد فإن شاء سوى بين رءوسهم وإن شاء حفر قبرا طويلا وجعل رأس كل واحد عند رجلي الآخر أو وسطه كالدرج ويجعل رأس المفضول عند رجلي الفاضل.
ويكره دفن اثنين فأكثر معا من غير ضرورة وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد اختارها الشيخ وغيره. وكذا دفن واحد بعد واحد قبل بلاء السابق لأنه r كان يدفن كل ميت في قبر. وعلى هذا استمر فعل الصحابة ومن بعدهم من السلف والخلف. وإذا وجد عظام ميت دفنها في محلها.
ولا يدفن آخر عليه بل يحرم نبش قبر ميت باق لذلك. ومتى ظن أنه بلي جاز ومتى كان رميما جازت الزراعة والحرث وغير ذلك ما لم يخالف شرط واقف إجماعا وإلا فلا. وفي المدخل اتفق العلماء على أن الموضع الذي دفن فيه المسلم وقف عليه ما دام منه شيء ما موجودا فيه حتى يفنى فإذا فني حينئذ يدفن غيره فيه فإن بقي شيء ما من عظامه فالحرمة باقية كجميعه والعظام تبقى مدة طويلة ولا تأثير لتمزق اللحوم.
ولا يجوز أن يحفر عليه ولا يدفن معه غيره ولا يكشف عنه اتفاقا قال تعالى }أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا{ فالستر في الحياة ستر العورات. وفي الممات ستر جيف الأجساد وتغير أحوالها. فالبنيان في القبور ونحو ذلك سبب لخرق هذا الإجماع وانتهاك حرمة موتى المسلمين في حفرهم قبورهم والكشف عنهم، اهـ.
ومن نبش القبور التي لم تبل أربابها وأدخل أجانب عليهم فهو من المنكر الظاهر وليس من الضرورة المبيحة لجمع ميتين فأكثر في قبر. وكره الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها وقيامها. وتقدم الحديث في ذلك ويجوز ليلا ذكره النووي وغيره قول جماهير العلماء لأنه r لم ينكر عليهم إلا أنه كفن في ثوب غير طائل ولم يعلموه به.
ودفنوا أبا بكر ليلا. وفاطمة. وكان ذلك كالإجماع على الجواز. وذكر الوزير اتفاقهم على كراهته ليلا. ونهارا أولى إجماعا لحضور كثرة المصلين وتحسين الكفن وغير ذلك وللأحاديث الصحيحة. والخروج من الخلاف. وقال ابن القيم الذي ينبغي أن يقال إنه متى كان الدفن ليلا لا يفوت به شيء من حقوق الميت والصلاة عليه فلا بأس به. وعليه تدل أحاديث الجواز وإن كان يفوت بذلك حقوقه والصلاة عليه وتمام القيام عليه نهي عن ذلك. وعليه يدل الزجر. اهـ.
ودفن في صحراء أفضل من الدفن بعمران. لأنه r كان يدفن أصحابه بالبقيع واستمر عمل المسلمين على ذلك في سائر الأمصار سوى قبر النبي r فإنه قبر ببيته. وقالت عائشة خشي أن يتخذ قبره مسجدا رواه البخاري وغيره. ولما روي "تدفن الأنبياء حيث يموتون" وقال أبو بكر سمعته يقول "ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه". ورأى أصحابه تخصيصه بذلك.
واختار صاحباه الدفن عنده تشرفا به r. وجاءت أخبار تدل على دفنهم كما وقع ويستحب قريبا من الشهداء والصالحين لينتفع بمجاورتهم ولأنه أقرب إلى الرحمة. قال الشيخ إنه يخفف العذاب عن الميت بمجاورة الرجل الصالح كما جاءت بذلك الآثار المعروفة ولتناله بركتهم. ويستحب جمع الأقارب في بقعة لتسهل زيارتهم ولأنه أبعد لاندراس قبورهم. وتقدم قوله في قبر عثمان "لأدفن إليه من مات من أهلي". وكذا في البقاع الشريفة فقد سأل موسى ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة متفق عليه. وسأل عمر الشهادة في سبيل الله والموت في بلد الرسول r.
ولا بأس بتحويل الميت ونقله إلى مكان آخر لغرض صحيح كبقعة شريفة ومجاورة صالح مع أمن التغير لفعل الصحابة وغيرهم إلا القتلى في سبيل الله فلا يحولون لحديث ادفنوا القتلى في مصارعهم. وتدفن ذمية حامل من مسلم وحدها إن أمكن. قال الشيخ لا تدفن في مقابر المسلمين ولا في مقابر النصارى. لأنه اجتمع مسلم وكافر فلا يدفن الكافر مع المسلم. ولا المسلم مع الكافر. بل تدفن منفردة لأنها إذا دفنت في مقبرة المسلمين تأذوا بعذابها. وإذا دفنت في مقبرة النصارى تأذى الولد بعذابهم. وتأذيه بعذابها ضرورة وهو أخف من عذاب المجموع.
فإن لم يمكن دفنها وحدها فمعنا على جنبها الأيسر وظهرها إلى القبلة ليكون الجنين على جنبه الأيمن مستقبلا القبلة وهو مسلم بإسلام أبيه. وإن كانت أمه كافرة باتفاق المسلمين، وقال: لابد أن تكون مقابر المشركين متميزة عن مقابر المسلمين تميزًا ظاهرًا بحيث لا يختلطون بهم ولا يشبه المسلمين بقبور الكفار وهو أكبر من التميز بينهم حال الحياة فإن في مقابر المسلمين الرحمة وفي مقابر الكافرين العذاب.
 (وعن عائشة) رضي الله عنها (أن رجلا قال للنبي r: إن أمي لو تكلمت تصدقت) وذلك أنها افتلتت نفسها فلم توص بشيء من أعمال البر (فهل لها أجر إن تصدقت لها؟ قال: نعم متفق عليه) وللبخاري عن ابن عباس أن رجلا قال لرسول الله r إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: (نعم) قال فإن لي مخرفا أي حديقة من نخل وعنب أو غيرهما فإن أشهدك أني قد تصدقت بها عنها.
ولأحمد عن سعد بن عبادة أن أمه ماتت فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال"نعم قلت فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء" قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة وله من حديث عمرو بن العاص إن أباه نذر أن ينحر مائة بدنة فقال له النبي r "لو أقر أبوك بالتوحيد فصمت عنه أو تصدقت عنه نفعه ذلك" قال أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه.
وقال ابن القيم: من صلى أو صام أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة. وقال شيخ الإسلام اتفق أئمة الإسلام على انتفاع أهل الميت بالدعاء له وما يعمل عنه من البر وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام. وقد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع فمن خالف ذلك كان من أهل البدع.
وذكر استغفار الملائكة والرسل والمسلمين للمؤمنين. وما تواتر من الصلاة على الميت والدعاء له. وما صح عن النبي r فيمن توفيت أمه وقال أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال "نعم" وغير ذلك وذكر اتفاقهم على وصول الصدقة ونحوها وتنازعهم في العبادات البدنية كالصلاة والصوم والحج والقراءة. وذكر ما في الصحيحين من حديث عائشة "من مات وعليه صيام صام عنه وليه". وعن ابن عباس وفيه "فصومي عن أمك" وحديث عمر وإذا صاموا عن المسلم نفعه وما ورد في الحج وغير ذلك.
ثم قال. فهذا الذي ثبت بالكتاب والسنة والإجماع علم مفصل مبين. ثم قال ولم يخالف هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة من بلغته وإنما خالفها من لم تبلغه ولا ينافي قوله }وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى{ ولا قوله "إذا مات ابن آدم انقطع عمله" إلخ لأن ذلك ليس من عمله والله تعالى يثيب هذا الساعي وهذا العامل على سعيه وعمله يرحم هذا الميت بسعي هذا الحي وعمله بسعي غيره وليس من عمله.
ثم ذكر أن أفضل العبادات ما وافق هدي النبي r وهدي أصحابه وقول ابن مسعود من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب رسول الله r. وأن الذي كان معروفا بين المسلمين في القرون المفضلة أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها ويدعون للؤمنينن والمؤمنات كما أمر الله بذلك لأحيائهم وأمواتهم في قيام الليل وغيره. وفي صلاتهم على الجنائز وعند زيارة القبور وغير ذلك من مواطن الإجابة.
ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا وصاموا تطوعا وحجوا أو قرءوا القرآن يهدون ذلك لموتاهم المسلمين. بل كان من عادتهم الدعاء كما تقدم فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف إنه أفضل وأكمل. ولم ير هو وغيره من أهل التحقيق الإهداء للنبي r. وقال: فإن له كأجر العامل فلم يحتج إلى أن يهدى إليه ثواب صلاة أو صدقة أو قراءة من أحد.
ورآه هو وبعض الفقهاء بدعة. ولم يكن الصحابة يفعلونه وفي الاختيارات لا يستحب اهداء القرب للنبي r بل هو بدعة هذا هو الصوات المقطوع به، اهـ.
ومن البدع المحدثة القراءة علىالقبر والآثار في النهي عن العكوف على القبر واعتياده متظاهرة. وكان أحمد وغيره من السلف ينكر القراءة على القبر وكرهها أبو حنيفة ومالك بل عامة السلف أنكروها وشددوا فيها. قال شيخ الإسلام نقل الجماعة كراهتها وهو قول جمهور السلف وعليه قدماء الأصحاب. وعن أحمد بدعة وهو مذهب الشافعي لأنه ليس من فعله r ولا من فعل أصحابه فعلم أنه محدث.
وسأله عبد الله يحمل مصحفا إلى القبر فيقرأ عليه قال: بدعة. قال الشيخ ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أن القراءة عند القبر أفضل. ولا رخص في اتخاذها عنده أحد منهم كاعتياد القراءة عنده في وقت معلوم. أو الذكر أو الصيام. وقال: واتخاذ المصاحف عندها ولو للقراءة فيها بدعة. ولو نفع الميت لفعله السلف ولا أجر للميت بالقراءة عنده. ومن قال إنه ينتفع بسماعها دون ما إذا بعد القارئ فقوله باطل مخالف للإجماع. ولا ريب أن القراءة على القبر عكوف كما يعتاد عباد القبور العكوف عندها بأنواع القرب. وهذا العكوف يضاهي العكوف في المساجد بالطاعات.
 (وعن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب عم النبي r وعبد الله هو أول من ولد بالحبشة من المسلمين وتوفي سنة سبع وثمانين وله تسعون (أن النبي r قال: اصنعوا لآل جعفر) أي أهله الذين كانوا في نفقته أو الذي يأوون معه في بيته ويتولون أمره. والأول هو المعروف في اللغة أي اعملوا لهم "طعاما" ليشبعهم يومهم وليلتهم.
 (فقد أتاهم) أي دهمهم من المصيبة بموت جعفر رضي الله عنه (ما يشغلهم) عن أنفسهم بفتح الياء والغين. قال الزبير فعمدت سلمى مولاة الرسول r إلى شعير فطحنته وأدمته بزيت جعل عليه وبعث به إليهم (رواه الخمسة إلا النسائي وحسنه الترمذي) وصححه ابن السكن فدل على مشروعية القيام بمؤنة أهل الميت مما يحتاجون إليه من الطعام لاشتغالهم عن أنفسهم وهو مذهب الشافعي وأحمد. ويروى عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال. فما زالت تلك السنة فينا حتى تركها من تركها يعني من أمره عليه الصلاة والسلام بصنع الطعام لآل جعفر.
وكان قتل رضي الله عنه في جمادى سنة ثمان من الهجرة في غزوة مؤتة موضع معروف بالشام عند الكرك اقتحم عن فرسه فعقرها. وكان أول من عقر في الإسلام ثم قاتل حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه. ووجد فيما أقبل من جسده بضعا وتسعين ما بين طعنة ورمية. وسمي ذا الجناحين لأنه قاتل حتى قطعت يداه. قالت عائشة لما جاءت وفاته رئي في وجه رسول الله r الحزن. وهو أحد السابقين الأولين شقيق علي ولد قبله بعشر سنين. قال أبو هريرة إنه أفضل الناس بعد النبي r وفي الصحيح أنه قال له أشبهت خلقي وخلقي.
ويستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام يشبعهم. ويقصد بالطعام أهل الميت لا من يجتمع إليهم. قال شيخ الإسلام لكن إنما يطيب إذا كان بطيب نفس المهدي وكان على سبيل المعاوضة مثل أن يكون مكافأة عن معروف مثله. فإن علم الرجل أنه ليس بمباح لم يأكل منه وإن اشتبه أمره فلا بأس بتناول اليسير منه إذا كان فيه مصلحة راجحة مثل تأليف القلوب ونحو ذلك، اهـ.
ويكره لأهل الميت فعل الطعام للناس لما روى أحمد عن جرير قال. كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة وإسناده ثقات. قال أحمد هو من فعل أهل الجاهلية ولأنه معونة على مكروه. وهو اجتماع الناس عند أهل الميت. بل هو بدعة وخلاف السنة لأنهم مأمورون أن يصنعوا لأهل الميت طعاما فخالفوا الأمر وكلفوهم صنع الطعام لغيرهم. وقد علل r بما هم فيه من الشغل بمصابهم. قال الموفق وغيره إلا من حاجة كأن يجيء من يحضر ميتهم من أهل القرى البعيدة ويبيت عندهم فلا يمكن إلا أن يطعموه، اهـ.
وأما جمع أهل المصيبة الناس على طعامهم ليقرءوا ويهدوا له. فقال شيخ الإسلام ليس معروفا عند السلف. وقد كرهه  طوائف من العلماء من غير وجه وقرب دفنه منهي عنه وعده السلف من النياحة. وذكر خبر جرير وهذا في المحتسب فكيف بمن يقرأ بالكراء. قال وأكثر من يقرأ ويهدي للميت بدعة لم يفعلها السلف ولا استحبها الأئمة والفقهاء تنازعوا في جواز الاكتراء على تعليمه فأما اكتراء من يقرأ ويهدي فما علمت أحدا ذكره ولا ثواب له فلا شيء للميت. قاله العلماء ولا تنفذ وصية بذلك.
وقال الطرطوشي: فأما المآثم فممنوعة بإجماع العلماء. والمأتم هو الاجتماع على المصيبة وهو بدعة منكرة لم ينقل فيه شيء. وكذلك ما بعده من الاجتماع في اليوم الثاني والثالث والرابع والسابع والشهر والسنة فهو طامة. وإن كان من التركة وفي الورثة محجور عليه أو من لم يأذن حرم فعله وحرم الأكل منه.
ويحرم الذبح عند القبور والأكل منه. قال شيخ الإسلام: يحرم الذبح والتضحية عند القبر ولو نذره. ولو شرطه واقف فشرطه باطل لحديث أنس "لا عقر في الإسلام" رواه أحمد بسند صحيح وكان من فعل أهل الجاهلية إذا مات فيهم الميت عقروا عند قبره شاة أو بعيرا ويقولون إنه كان يعقر للأضياف أيام حياته فيكافئونه بمثل صنيعه بعد وفاته أو ليكون مطعما في حياته وبعد وفاته.
وفي معنى الذبح عند القبر الصدقة عنده. وقال الشيخ  إخراج الصدقة مع الجنازة بدعة مكروهة. وهو يشبه الذبح عند القبر ولا يشرع شيء من العبادات عند القبور الصدقة وغيرها. وأنكر أن يوضع الطعام أو الشراب عند القبر ليأخذه الناس.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire