el bassaire

lundi 14 octobre 2013

فصل في التعزية



أي في بيان التعزية وأحكامها ووجوب الصبر على المصيبة وتحريم الندب والنياحة وما يتعلق بذلك قال تعالى: }وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{ على الرزايا والبلايا وقال: }وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{ وقال: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{ ذكره في أكثر من تسعين موضعا من كتابه ووصفهم في هذه الآية بقوله }الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ{ فجيعة في نفس أو مال }قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ{ عبيد له وملك له يفعل فينا ما يشاء }وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {يوم القيامة فيجازي كلا بعمله.
قال ابن كثير وغيره تسلوا بقولهم هذا عما أصابهم وعلموا أنهم ملك لله عبيد له يتصرف فيهم بما يشاء وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة فأحدث لهم اعترافهم بأنهم عبيده وراجعون إليه في الدار الآخرة. ثم أخبرهم بما وعدهم على صنيعهم بقوله تعالى: }أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{ في الدنيا والآخر.
وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب وأنفعه له في العاجلة والآجلة فإنه إذا تحقق بمعرفتها تسلى عن مصيبته. وإذا علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه هانت عليه المصيبة والصبر المطلوب المبشر عليه بالصلاة والرحمة هو ما وقع عند الصدمة الأولى لما في الصحيحين وغيرهما أنه قال "إنما الصبر عند الصدمة الأولى" وفي رواية "عند أول صدمة" يعني إذا وقع الثبات عند أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع وذلك هوالصبر الكامل المرتب عليه الأجر الجزيل الذي وعد الله به.
والصبر واجب إجماعا حكاه شيخ الإسلام وغيره. وذكر في الرضى قولين ثم قال وأعلى من ذلك أن يشكر الله على المصيبة لما يرى من إنعام الله عليه بها اهـ.ـ. والصبر المنع والحبس منع النفس عن الجزع وحبس اللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود والجيوب ونحو ذلك وهو خلق فاضل يمتنع به من فعل ما لا يحسن فعله وقوة به صلاح العبد ووعد الله عليه جزيل الثواب.
وأما الرضا بالقضاء فمنزلة فوق الصر يوجب الله به رضاه ولا يجب بمرض وفقر ونحوهما ويحرم الرضى بفعل المعصية منه أو من غيره إجماعا حكاه ابن عقيل وغيره لوجوب إزالتها. وأما الرضى بالكفر فكفر إجماعًا.
 (وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله  عليه  و سلم قال ما من عبد تصيبه مصيبة) بلية أو محكروه في نفس أو ولد أو مال أو غيرها (فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون) ملك له وراجعون إليه في الآخرة (اللهم آجرني) بالمدو القصر وكسر الجيم (في مصيبتي) ولابي داود وغيره اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها ومعنى آجره الله أعطاه أجره وجزاه صبره وهم في مصيبته (وأخلف) بقطع الهمزة وكسر اللام (لي خيرا منها) أي مما أصبتني به.
يقال لمن ذهب منه مال أو ولد أو قريب أو شيء يتوقع حصول مثله. أخلف الله عليك أي: رد الله عليك مثله. وما لا يتوقع مثله خلف الله عليك أي كان الله لك خليفة منه عليك (إلا آجره الله في مصيبته) أثابه عليها والأجر والثواب والمكافأة قال النووي وغيره هو بقصر الهمزة ومدها والقصر أفصح فيها وأشهر (وأخلف له) أي عوضه عنها (خيرا منها) في العاجل والآجل (رواه مسلم).
قالت أم سلمة فلما توفي أبو سلمة قلت من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله  عليه  و سلم قالت ثم عزم الله لي فقلت اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله  عليه  و سلم. فدل الحديث وغيره على مشروعية الاسترجاع عند المصيبة وهو سنة إجماعا. ولأحمد وغيره عن الحسن مرفوعا "ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها فيحدث عند ذلك استرجاعا إلا جدد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب".
 (وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله  عليه  و سلم قال يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن جزاء) مكافأة وأجرا وثوابا (إذا قبضت صفيه) أي حبيبه وصديقه. وصفيه: الرجل الذي يصافيه الود ويخلص له (من أهل الدنيا ثم احتسبه) طلبا لوجه الله وثوابه واعتد صبره حال مباشرة المصيبة لله فليس له عنده جزاء (إلا الجنة رواه البخاري) وغيره وفي معناه أحاديث كثيرة.
ولهما عن أنس وغيره من غير وجه "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد" وفي "اثنان فتمسه النار إلا تحله القسم" وفيها "وكانوا حجابا له من النار". وفيهما "ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة" قال ابن المنير ويدخل الكبير في ذلك بطريق الفحوى.
وللترمذي وغيره وحسنه "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم. فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم. فيقول فماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد، وفي الصحيح عن صهيب مرفوعا "عجبا للمؤمن إن أمر المؤمن له خير ولي ذلك لأحد إلا المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" ولهما عن أبي سعيد مرفوعا "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".
وللترمذي وغيره "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم" الحديث والأحاديث في الصبر عليها أكثر من أن تذكر. وثبت أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. يبتلى المرء على حسب دينه ولا يزال به حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة. وأيضا من نظر في كون المصيبة لم
تكن في دينه هانت عليه مصيبته.
 (وعن عمرو بن حزم أن النبي صلى الله  عليه  و سلم قال "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة" أي يسليه فيها ويحثه على الصبر بوعد الأجر والدعاء للميت والمصاب وأصلها التصبير لمن أصيب بمن يعز عليه وعزاه تعزية سلاه وصبره وأمره بالصبر وقال له أحسن الله عزاك أي رزقك الصبر الحسن وإن قال أحسن الله عزاك وأعظم أجرك وغفر لميتك ونحوه فحسن. قاله شيخ الإسلام وغيره ولا يتعين شيء في ذلك ولأحمد أنه صلى الله  عليه  و سلم قال لرجل رحمه الله وآجرك وإن شاء أخذ بيد من عزاه.
وذكر صلى الله  عليه  و سلم ما أعد الله للمعزي من الجزاء فقال: (إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة رواه ابن ماجه) وله عن ابن مسعود مرفوعا "من عزى مصابا بأن عمد إلى قلبه فداواه فله مثل أجره لأن كلا منهما رفع الجزع" ورواه الترمذي وغيره عن معاذ أنه مات ابن له فكتب إليه رسول الله صلى الله  عليه  و سلم "إني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر ورزقنا وإياك الشكر فإن أنفسنا وأهلينا وأولادنا من مواهب الله عز وجل وعطاياه وعواريه المستودعة متعك الله به في غبطة وسرور وقبضه منك في أجر كبير الصلاة والرحمة والهدى فالصبر لا تحبط به جزعك فتندم واعلم ان الجزع لا يرد شيئًا ولا يدفع قدرًا وما هو نازل فكائن لا محالة".
وله "من عزى ثكلى كسي بدرا في الجنة" والثكلى المرأة تفقد ولدها أو من يعز عليها وللطبراني "من عزى مصابًا كساه الله حلتين من حلل الجنة لا تقوم بهما الدنيا" والأحاديث في التعزية مستفيضة وهي سنة متبعة وفي الصحيحين أنه صلى الله  عليه  و سلم لما أرسلت إليه إحدى بناته تخبره أن صبيا لها في الموت قال "أخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب".
وتسن لصغير لعموم الأخبار وصديق للميت وجار ونحوهما. وسواء قبل الدفن أو بعده من حين الموت. والأولى بعده لاشتغال أهل الميت بتجهيزه إلا أن يرى منهم جزعا. ولا بأس بالجلوس بقرب دار الميت ليتبع جنازته أو يخرج وليه فيعزيه. قال في الإنصاف وغيره فعله السلف وظاهر الأخبار تستحب مطلقا. وقال بعضهم ما لم ينس المصيبة ويرد معزى بقوله استجاب الله دعاك ورحمنا وإياك. ونحوه لا تعيين في ذلك. وإن جائته التعزية في كتاب ردها على الرسول لفظا.
(وعن أسامة بن زيد) بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى الكعبي الحب بن الحب. زارت أم زيد أهلها فأغار عليهم خيل لبني القين فاحتملوه فباعوه بعكاظ. فاشتراه حكيم لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله  عليه  و سلم وأتى أبوه فخيره رسول الله صلى الله  عليه  و سلم فاختار زيد رسول الله صلى الله  عليه  و سلم فقال ابني. وطابت نفس أبيه به وأنزل الله (ادعوهم لآبائهم) استشهد زيد بمؤتة. وأسامة سنة أربع وخمسين.
قال رضي الله عنه (في قصة وفاة ابن بنت النبي صلى الله  عليه  و سلم) ولابن أبي شيبة أنه ابن لزينب فأرسلت إليه تخبره أن صبيا لها في الموت فقال رسول الله صلى الله  عليه  و سلم: "ارجع إليها فأخبرها أن الله ما أخذ وله ما أعطى" نحو ما تقدم فعاد الرسول فقال إنها أقسمت لتأتينها فقام النبي صلى الله  عليه  و سلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل قال أسامة فانطلقت معهم (فرفع إليه الصبي) قيل هو علي بن أبي العاص بن الربيع ولكن ذكر أنه أردفه النبي صلى الله  عليه  و سلم يوم فتح مكة. ولأحمد أنه صبية ورجحه الحافظ ويؤيده ما في سنن أبي داود أن ابنتي قد حضرت.
 (ونفسه تقعقع) كأنها في شنة أي لها صوت وحشرجة كصوت ما ألقي في قربة بالية. والقعقعة حكاية صوت الشن اليابس (ففضات عيناه) أي النبي صلى الله  عليه  و سلم (فقال سعد ما هذا يا رسول الله؟ أي قاله سعد بن عبادة سيد الخزرج المتوفى سنة خمس (قال رحمة جعلها الله في قلوب عباده) أي هذه الدمعة أثر رحمة (وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) جمع رحيم من صيغ المبالغة. أي إنما تختص رحمة الله بمن اتصف بالرحمة (متفق عليه).
ولهما عن ابن عمر قال اشتكى سعد بن عبادة فأتاه النبي صلى الله  عليه  و سلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشية. فقال: "قد  قبض فقالوا لا يا رسول الله فبكى رسول الله صلى الله  عليه  و سلم" فلما رأى القوم بكاءه بكوا قال: ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم.
وقال: "العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا" ولما قتل زيد وجعفر وابن رواحة جلس صلى الله  عليه  و سلم يعرف في وجهه الحزن وحزن لما قتل القراء. وقال تعالى عن يعقوب }إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ{ والبث شدة الحزن، ولأحمد عن ابن عباس لما ماتت زينب بكت النساء فجعل عمر يضربهن فقال "مهلا يا عمر ثم قال إياكن ونعيق الشيطان. ثم قال إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان". وله عن عائشة أنه لما حضر موت سعد بن معاذ ومعه أبو بكر وعمر قالت إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر.
فالبكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب وجائز مجرد الحزن والهم. ولا باس بيسير الندب إذا لم يخرج مخرج النوح ولا قصد نظمه كفعل أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما.
ولا ينافي الصبر بل ولا الرضى وكان رسول الله صلى الله  عليه  و سلم أرضى الخلق عن الله في قضائه وأعظمهم له حمدا. وكذلك أصحابه من بعده.
وما ورد من قوله "لا تبكين على هالك بعد اليوم" رواه أحمد وقوله "إذا وجب فلا تبكين باكية" رواه أبو داود فمحمول على بكاء معه ندب أو نياحة أو أنه كثرة البكاء والدوام عليه أيامًا كثيرة. قال الشيخ ولا بد من حمل الحديث على البكاء الذي معه ندب ونياحة ونحو ذلك وما هيج المصيبة من وعظ وإنشاد شعر فمن النياحة.
وأما البكاء فيستحب رحمة للميت وهو أكمل من الفرح لقوله "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده" وقوله "مهما كان من العين والقلب فمن الله وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان" والاعتدال في الأحوال هو المسلك الأقوم. فمن أصيب بمصيبة عظيمة لا يفرط في الحزن حتى يقع في المحذور من اللطم والشق. ولا يفرط في التجلد حتى يفضي إلى القسوة والاستخفاف بقدر المصاب، اهـ.ـ.
ويكره تغير حال المصاب من خلع رداء ونحوه وغلق حانوت وترك عمل ونحو ذلك ما فيه إظهار الجزع وهجر للزينة وحسن الثياب ثلاثة أيام وجعل علامة يعرف بها فإن السلف لم يكونوا يفعلون شيئا من ذلك، قال الشيخ وغيره وكل ذلك مناف للصبر والآثار صريحة في النهي عن ذلك. وصرح غير واحد من الأصحاب وغيرهم بكراهة لبس خلاف زيه المعتاد.
 (ولهما عن ابن مسعود مرفوعًا: ليس منا) هذا من أبلغ الوعيد ومذهب أهل السنة والجماعة إمرار أحاديث الوعيد كما جاءت واعتقاد معانيها حقيقة من غير تعرض لها بتأويل فإنه أبلغ في الزجر وأنكى في الردع عن الوقوع في مثل ذلك (من ضرب الخدود) وفي لفظ لطم الخدود وخص الخد لكونه الغالب في ذلك. وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك.
 (وشق الجيوب) أي خرقها مزقها وجيب القميص طوقه وما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس وكل ذلك من علامات السخط (ودعا بدعوى الجاهلية) من النياحة ونحوها وكذا الندبة كقولهم واجبلاه، واناصراه. وكذا الدعاء بالويل والثبور، والجاهلية ما كان في الفترة قبل الإسلام. ولمسلم "بدعوى أهل الجاهلية".
ولهما عن أبي بردة قال وجع أبو موسى فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فأقبلت تصيح برنة فلم يستطع أن يرد عليها فلما أفاق قال: أنا بريء مما بريء منه رسول الله صلى الله  عليه  و سلم "إنه بريء من الصالقة" وهي التي ترفع صوتها عند المصيبة؛ "والحالقة" هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، "والشاقة" وهي التي تشق ثيابها عند المصيبة، ولمسلم "لعن النائحة والمستمعة" وفي الصحيحين "أخذ علينا أن لا ننوح".
وأجمع أهل العلم على تحريم النياحة إلا ما روي عن بعض المالكية لحديث أم عطية والحديث حجة عليهم. يقال ناحت المرأة علىالميت إذا ندبته بكت عليه وعددت محاسنه. ويقال بكاء وصراخ، وقال القاضي النوح والنياحة اجتماع النساء للبكاء على الميت متقابلات ثم استعمل في صفة بكائهن بصوت ورنة وندبة والمراد التي تنوح على الميت وعلىما فاتها من متاع الدنيا فإنه ممنوع منه، وكذا المستمعة التي تقصد بسماعها. وقال عليه الصلاة والسلام "الناحئة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب".
 (وعن ابن عمر مرفوعا) أي إلى النبي صلى الله  عليه  و سلم أنه قال (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه متفق عليه) وتظاهرت الأخبار بتعذيب الميت بالنياحة عليه والبكاء عليه فيتألم من ذلك ولا يقال إنه يعاقب بذنب الحي.
قال شيخ الإسلام والصواب أنه يتأذى بالبكاء عليه كما نطقت به الأحاديث الصحيحة من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه. وفي لفظ "من نيح عليه يعذب بما نيح عليه" وأنكرت ذلك طوائف من السلف والخلف واعتقدوا أنه من باب تعذيب الإنسان بذنب غيره، وتنوعت طرقهم في ذلك بما لا يرد بمثله تلك الأحاديث الصحيحة. والشارع قال "يعذب" ولم يقل يعاقب ولاعذاب أعم من العقاب فإن العذاب هو الألم وليس كل من تألم بسبب كان ذلك عاقاب له على ذلك السبب، وذكر الشارع أن "السفر قطعة من العذاب" والإنسان يعذب بالأمور المكروهة التي يشعر بها مثل الأصوات الهائلة والأرواح الخبيثة و الصور القبيحة فهو يتعذب بذلك ولم يكن عملا له عوقب عليه. فكذا الإنسان في قبره يعذب بكلام بعض الناس ويتألم برؤية بعضهم وبسماع كلامه. فيتألم إذا عملت عنده المعاصي كما جاءت به الآثار كتعذيبهم بنياحة من ينوح عليهم، ثم النياحة تسبب العذاب، وقد يندفع حكم السبب بما يمانعه، اهـ.
وينبغي أن يوصي بترك النياحة إذا كان من عادة أهله لأنه متى غلب على ظنه فعلهم لها ولم يوص بتركها مع القدرة فقد رضي بها.
 (وللبخاري عن عائشة مرفوعا: لا تسبوا الأموات) وظاهره النهي عن سبهم على العموم وهو مخصوص بما في حديث أنس وغيره بالثناء بالخير الشر وقال "أنتم شهداء الله في أرضه" وكجرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتًا للإجماع ومساويء الكفار والفساق للتحذير منهم وما ذكره الله عن الأمم الماضية تحذيرًا للأمة من تلك الأفعال.
وأما المسلم فيحرم إلا لضرورة (فإنهم قد أفضوا) أي وصلوا (إلى ما قدموا) من خير وشر، ولأحمد وغيره عن ابن عباس (فتؤذوا الأحياء) أي يتسبب عن سبهم أذية الأحياء من قراباتهم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire