el bassaire

lundi 14 octobre 2013

فصل في غسل الميت




أي في أحكام غسل الميت وما يتعلق به. وهو فرض كفاية إجماعا على من علم به وأمكنه حكاه النووي وغيره وهو حق لله تعالى. فلو أوصى به لم يسقط وإن لم يعلم به إلا واحد تعين عليه. وخالف بعض المالكية. ورد ابن العربي وغيره على من لم يقل به وقال. قد توارد به القول والعمل ويأتي الأمر به.
 (عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله  عليه و سلم: ليله) أي ليل غسل الميت (أقربكم إن كان يعلم) فدل الحديث على أن الأحق بغسل الميت من الناس الأقرب إلى الميت بشرط أن يكون عالما بما يحتاج إليه من العلم فيه "فإن لم يكن يعلم فمن ترون عنده حظا من ورع وأمانة" (رواه أحمد) والطبراني (وفيه ضعف) فإن في إسناده الجعفي وفيه مقال.
والجمهور على تقديم الاقرب فالأقرب. والأقرب الأب لاختصاصه بالحنو والشفقة. ثم الجد وإن علا لمشاركته الأب في المعنى. ثم الابن فابنه وإن نزل. ثم الأخ لأبوين. ثم لأب. وهكذا على ترتيب الميراث. ثم ذووا أرحامه. ثم الأجانب ويقدم الأصدقاء منهم ثم غيرهم الأدين. ويقدم الجار على الأجنبي اتفاقا لا على صديق.
وإن كان الميت أوصى لمن يغسله قدم فأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين. وأوصى غيره بذلك. ولأن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء أخرجه مالك. وأوصى جابر وعبد الرحمن بن الأسود امرأتيهما أن تغسلاهما رواه سعيد. وروى ابن المنذر أن عليا غسل فاطمة ولم ينكر. وغسل أبو موسى زوجته وغيرهم. ولا خلاف في جوازه إلا ما روي عن أبي حنيفة في المنع من تغسيل الزوج امرأته والمعتمد القياس على غسلها له وهو إجماع.
ويشهد لذلك قول عائشة لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله  عليه  و سلم إلا نساؤه رواه أحمد. وله عنها أنه قال "ما يضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك" فدلت هذه الآثار على جواز تغسيل أحدهما لصاحبه وإن لم يوص به قال النووي وغيره: إنما المنع رواية عن أحمد فإن ثبتت فمحجوج بالإجماع اهـ. وأكثر الأصحاب لم يذكرها عنه منهم القاضي والشريف وأبو الخطاب والشيرازي وغيرهم.
وأما إذا أوصى به لعدل زوجا كان أو غيره تعين. لأن حق للميت فقدم فيه وصية على غيره كباقي حقوقه. ولم يزل المسلمون يقدمونه من غير نكير فكان إجماعا. والأولى بغسل أنثى وصيتها العدل ثم القربى فالقربى من نسائها. ويجوز للرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين. قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه أن المرأة تغسل الصبي الصغير فتغسله مجردا من غيرسترة وتمس عورته لأنه لا عورة له. قيل إن إبراهيم بن النبي صلى الله  عليه  و سلم غسله النساء كما يأتي. وذكرابن كثير وغيره أن عليًّا هو الذي غسله ورواه أحمد وغيره.
وقال بعضهم إن مات رجل بين نسوة ليس فيهن زوجة له ولا أمة مباحة يمم اتفاقًا. وكذا إن ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوج ولا سيد لها يممت. ولا تشترط مباشرة الغاسل. فلو ترك تحت ميزاب ونحوه وحضر من يصلح لغسله ونوى وسمى وعمه الماء كفى. أو يغسل في ثوب واسع ويلف الغاسل على يده خرقة.
ويحرم أن يغسل مسلم كافرا أو يدفنه إجماعا للآية وإنما يوارى لعدم من يواريه لإلقائهم في القليب وقوله لعلي لما أخبر بموت أبي طالب "أذهب فواره" ويشترط لغسل الميت إسلام غاسل. فلا يصح من كافر إجماعا ويشترط عقل اتفاقا. لا بلوغ ويشترط طهورية ماء. ولا يكره من حائض وجنب عند الجمهور. وكره مالك تغسيل الجنب.
 (وله) أي لأحمد وأبي داود وغيرهما (عنها) أي عائشة رضى الله عنها (قالت: لما أرادوا غسل النبي صلى الله  عليه  و سلم قالوا والله ما ندري نجرد رسول الله صلى الله  عليه  و سلم كما نجرد موتانا) وذلك أنهم اختلفوا كما في سنن أبي داود وغيرها فألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم من أحد إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: اغسلوا رسول الله صلى الله  عليه  و سلم في ثيابه فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم. وفي لفظ يفاض عليه الماء والسدر ويدلك الرجال بالقميص.
ولابن ماجه وغيره عن بريدة ناداهم مناد من الداخل لا تنزعوا عن النبي صلى الله  عليه  و سلم قميصه. ولابن حبان من حديث عائشة وكان الذي أجلسه في حجره علي بن أبي طالب. وللحاكم أيضا من حديث عبد الله بن الحارث قال: غسل النبي صلى الله  عليه  و سلم علي. وعلى يد علي خرقة فأدخل يده تحت القميص فغسله والقميص عليه. ولابن أبي شيبة والبيهقي والشافعي وغيرهم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال غسل النبي صلى الله  عليه  و سلم ثلاثا بسدر. وغسل وعليه قميص وولي سفلته علي والفضل محتضنه والعباس يصب الماء. قال الحافظ: مرسل جيد والرواية الأولى أن عليا أسنده إلى صدره فالله أعلم.
والحديث يدل على تجريد الميت وأنه كان معلوما عندهم بأمره صلى الله  عليه  و سلم وإقراره. وحكي أنه إجماع منهم فيستحب للغاسل إذا أخذ في غسل الميت ستر عورته وجوبا وستره عن العيون وتجريده ندبا لأنه أمكن في تغسيله وأبلغ في تطهيره وأشبه بغسل الحي وأصون له من التنجيس إذ يحتمل خروجها منه وتلويثه ويدل على رفع رأسه بحيث يكون كالمحتضن في صدر غيره.
وينبغي عصر بطنه برفق ليخرج ما هو مستعد للخروج ويكون هناك بخور لئلا يتأذي برائحة الخارج ويلف الغاسل على يده خرقة خشنة أو يدخل يده في كيس لئلا يمس عورته الممنوع من مسها فينجيه. وذكر المروذي عن ابن سيرين أن عليا لف على يده خرقة حين غسل فرج النبي صلى الله  عليه  و سلم ويستحب أن لا يمس سائره إلا بخرقة لفعل علي.
 (وعن أم عطيه) الأنصارية رضى الله عنها (قالت: دخل علينا النبي صلى الله  عليه  و سلم ونحن نغسل ابنته) ولمسلم أنها زينب زوج أبي العاص وكانت وفاتها سنة ثمان. وفي رواية أنها أم كلثوم زوج عثمان بن عفان وكان وفاتها سنة تسع (فقال اغتسلنها ثلاثا) وهو سنة إجماعا وتغسل الحائض والجنب غسلا واحدا في قول أهل العلم إلا ما روي عن الحسن أنها تغسل غسلين وتداخل الأغسال وغيرها معلوم (أو خمسا) للتخيير وإن لم ينق الغسل الوسخ بثلاث زيد حتى ينقي. وذكره في الفروع اتفاقا.
 (أو أكثر من ذلك) بكسر الكاف خطاب للمؤنث وفي لفظ "اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو سبعا) زاد البخاري وغيره "أو أكثر من ذلك" ـ وإن خرج منه شئ بعد سبع حشي المحل بقطن. وغسل المتنجس إجماعا ووضئ كالجنب إذا أحدث بعد الغسل. وإن خرج شئ بعد تكفينه لم يعد الغسل للمشقة.
 (إن رأيتن ذلك) والمراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا فإن احتجتن إلى زيادة عليها للإنقاء فليكن خمسا. فإن احتجتن إلى زيادة الإنقاء فليكن سبعا. ورجع الشارع النظر إلى الغاسل ويكون ذلك بحسب الحاجة لا التشهي لقوله "إن رأيتن" اي احتجتن. والحاصل أن الثلاث مأمور بها ندبا. فإن حصل الإنقاء بها لم تشرع الرابعة ولاخامسة. وإلا زيد حتى يحصل الإنقاء. ويندب كونها وترا.
واتفق أهل العلم على استحبابه وكرهوا الاقتصار على المرة الواحدة للأمر بالثلاث. ولأنه لا يحصل بها كمال النظافة وتجزئ كالحي وحكي إجماعا (بماء وسدر) عين السدر لأن فيه مادة حادة تشبه الصابون. وتقدم جعلهم له في غسل النبي صلى الله  عليه  و سلم. ويأتي الأمر به في غسل الذي وقصته دابته. ويغسل برغوته رأسه ولحيته لأنها لا تعلق بالشعر. بخلاف التفل قال القرطبي يجعل السدر في ماء ثم يخضخض إلى أن تخرج رغوته ثم يدلك به جسد الميت.
 (واجعلن في الغسلة الآخرة كافورا متفق عليه) ورواه الخمسة وغيرهم وجعل الكافور في الماء هو قول الجمهور وقالت الحنفية: يجعل في الحنوط والحديث حجة عليهم. واختار جمهور الأصحاب جعله مع السدر. قال الخلال والعمل عليه. والحكمة في الكافور كونه يصلب الجسد ويطيبه ويبرده ويطرد عنه الهوام برائحته. ويمنع ما يتحلل من الفضلات. ويمنع أيضا إسراع الفساد. ويطيب رائحة المحل. وذلك وقت تحضر فيه الملائكة وهو أقوى الأراييح الطيبة في ذلك وكونه في الآخرة لئلا يذهب به الماء. وإن عدم قام غيره مقامة مما فيه هذه الخواص أو بعضها. وإن احتيج إلى الماء الحار والأشنان لإزالة وسخ ونحوه. جاز للحاجة إليه. وإلا كره لعدم ورود السنة به. (وفي رواية ابدأن بميامنها) أي ما يلي الجانب الأيمن وهو مذهب جمهور أهل العلم وخالفت الحنفية في البداءة بالميامن والحديث نص في ذلك فيسن البداءة بالشق الأيمن المقبل من عنقه. وصدره. وفخذه وساقه. ثم يغسل شقه الأيسر كذلك مرة في دفعتين وقيل: مرة في أربع، يده اليمنى وصفحة عنقه وشق صدره. وفخذه وساقه ثم الأيسر كذلك. ثم يرفعه من جانبه الأيمن. فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه. ثم الأيسر كذلك قال أبو البركات: والأول أقرب إلى قوله ابدأن بميامنها. وأشبه بغسل الجنابة وكيف ما فعل أجزأ.
 (ومواضع الوضوء منها) ولا تنافي بين الأمرين لإمكان البداءة بمواضع الوضوء وبالميامن معا فيوضيه ندبا كوضوئه للصلاة ويدخل إصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما ولا يدخلهما الماء خوف تحريك النجاسة بدخول الماء جوفه وينجيه كما يستنجي الحي اتفاقا بعد لف خرقة على يده كما تقدم. وينوي غسله ويسمي كغسل الجنابة.
 (وفيه فضفرنا شعرها ثلاثة قرون) أي ثلاث ضفائر قرنيها وناصيتها وأصل الضفر الفتل قالت: مشطناها ثلاثة قرون. وروي سعيد بن منصور عنها قال لنا: "اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر". ولابن حبان "واجعلن لها ثلاثة قرون" (وألقيناه) أي شعرها ثلاثة القرون (خلفها) أي خلف ظهرها وهذا مذهب الجمهور. قال ابن المنذر ليس في  أحاديث الغسل للميت أعلى من حديث أم عطية وعليه عول الأئمة. وذهبت الحنفية إلى إرساله مفرقا.
وهذه الأحاديث تدل على استحباب جعله ثلاث ضفائر من خلفها. ولا يسرح شعره لما فيه من تقطيع الشعر من غير حاجة إليه. ومرت عائشة بقوم يسرحون شعر ميتهم فنهتهم عن ذلك ويحرم حلق رأس الميت لأنه إما لزينة أو نسك. وشعر عانة لما فيه من مس عورته. كما يحرم ختن الميت الأقلف. ولا يقص شاربه. ولا تقلم أظفاره.لأن أجزاء الميت محترمة فلا تنتهك بذلك. ولم يصح عنه صلى الله  عليه  و سلم ولا عن الصحابة في هذا شئ فيكره فعله اتفاقا.
 (ولهما عن ابن عباس أن النبي صلى الله  عليه  و سلم قال في محرم مات) قال ابن عباس رضي الله عنهما. بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله  عليه  و سلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته يعنى صرعته فدقت عنقه فذكر ذلك للنبي صلى الله  عليه  و سلم فقال (اغسلواه بماء وسدر) فدل على تأكد استحباب جعل سدر في ماء الغسل وتقدم (وكفنوه في ثوبيه) لكونه مات فيهما وهو متلبس بتلك العبادة الفاضلة.
 (ولا تحنطوه) من الحنوط وهو الطيب الذي يوضع للميت ذكرا كان أو أنثى. وللنسائي "ولا تمسوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة محرما" وفي رواية "ولا تمسوه طيبا فإنه يبعث يوم  القيامة ملبيا" (ولا تخمروا رأسه) أي لا تغطوه. وفي رواية ولا تغطوا وجهه والأشهر في أكثر الروايات ذكر الرأس فقط. فقال أحمد: يغطى وجهه وسائر بدنه وتجوز الزيادة على ثوبيه إذا كفن كبقية كفن حلال.
وفيه دليل على بقاء حكم الإحرام وعلله بقوله فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" وفي رواية "محرما" وهذا مذهب الشافعي وأحمد وجمهور السلف والخلف. وقال الداودي عن مالك لم يبلغه هذا الحديث. وجامع الكلام فيه أنه يجب تجنيبه ما يجب اجتنابه حال إحرامه وهو مذهب الجمهور. ولا تمنع معتدة من طيب لسقوط الأحداد بموتها.
 (ولهما عن جابر في قتلى أحد) سنة ثلاث من الهجرة (وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم" قال إمام الحرمين: معتمدنا الأحاديث الصحيحة أنه لم يصل عليهم ولم يغسلوا قال الشافعي جاءت من وجوه متواترة ولعل الحكمة في ترك الغسل والصلاة أن يلقوا الله بكلومهم لما جاء أن ريح دمهم ريح المسك. واستغنوا بإكرام الله لهم عن الصلاة مع التخفيف على من بقي من المسلمين لما يكون فيمن قاتل في الزحف من الجراحات وخوف عود العدو ورجاء طلبهم وهمهم بأهلهم وهم أهلهم بهم.
ولأحمد أن النبي صلى الله  عليه  و سلم قال في قتلى أحد "لاتغسلوهم فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة ". فالصحيح أن لا يغسلوا لئلا يزول أثر العبادة المطلوب بقاؤها كما دلت عليه الأخبار. وقطع الموفق وغيره بالتحريم وهو مذهب جمهور أهل العلم ولا يوضأ حيث لا يغسل. ولو وجب قبل لأنه أثر العبادة والشهادة.
وقال ابن القيم: حديث جابر في ترك الصلاة عليهم صحيح صريح والذي يظهر من أمر شهداء أحد أنه لم يصل عليهم عند الدفن. وذكر ما ورد في الصلاة ثم قال والصواب أنه مخير في الصلاة عليهم وتركها لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين. وأصح الأقوال أنهم لا يغسلون ويخير في الصلاة عليهم. وبهذا تتفق جميع الأحاديث وقال في موضع آخر: السنة في الشهيد أن لا يغسل ولا يصلى عليه، اهـ.ـ.
فإن كان جنبا قبل أن يقتل فقيل يغسل. ومذهب مالك وغيره لا يغسل. ولأبي داود، إن صاحبكم يعني حنظلة لتغسله الملائكة فسألوا أهله فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهائعة.
فقال رسول الله صلى الله  عليه  و سلم: "فلذلك غسلته الملائكة" وأسلم أصيرم بني عبد الأشهل يوم أحد ثم قتل ولم يأمر صلى الله  عليه  و سلم بغسله. ولو كان شهيد المعركة أنثى أو غير مكلف فكالذكر المكلف فيما تقدم عند الجمهور وصاحبي أبي حنيفة لأنهم مسلمون أشبهوا المكلف.
وشذ أبو حنيفة في غير المكلف واحتج بأنه لا ذنب له وهو باطل من وجوه. وإن سقط عن دابته أو شاهق بغير فعل العدو أو وجد ميتا ولا أثر به أو مات حتف أنفه أو برفسة. وقيل أو عاد سهمه عليه غسل وصلي عليه لأنه لم يمت بفعل العدو ولا مباشرته ولا تسببه وهو مذهب جمهور أهل العلم أبي حنيفة وأحمد وغيرهما.
ومذهب الشافعي ونصره القاضي لا يغسل إن عاد عليه سهمه ولا يصلى عليه لأن عامر بن الأكوع بارز رجلا يوم خيبر فعاد عليه سهمه فقتله فلم يفرد عن الشهداء بحكم.
وإن حمل فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم وطال بقاؤه عرفا بعد حمله غسل وصلي عليه. لأن سعد بن معاذ أصابه سهم يوم الخندق فحمل إلى المسجد ثم مات بعد ذلك "فغسله رسول الله صلى الله  عليه  و سلم وصلى عليه" وإن كانت هذه الأمور قبل حمله من المعركة ثم مات فيها فكشهيد المعركة إلا أن يطول مكثه فيها.
والمقتول بمثقل يغسل ويصلى عليه إجماعا. وقيس عليه المقتول ظلما كمن قتله نحو لص أو الكفار صبرا في غير الحرب أو في البلد بحديد أو غيره وهو مذهب جماهير أهل العلم مالك والشافعي وأحمد وغيرهم لقصة عمر وعلي وابن الزبير وغيرهم وكل شهيد غسل صلي عليه وجوبا. ويدفن شهيد المعركة وجوبا بدمه إلا أن تخالطه نجاسة فيغسل الدم والنجاسة لأن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ويدفن في ثيابه التي قتل فيها. قال النووي وغيره: هو قول العلماء كافة بعد نزع السلاح والجلود عنه لما روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلى الله  عليه  و سلم "أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم" وله شواهد في الصحيح وغيره تقضي بمشروعية دفن الشهيد بما قتل فيه من الثياب ونزع الحديد والجلود عنه وكل ما هو آلة حرب.
وعن علي ينزع من الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلا أن يكون أصابها دم.
وإن سلبها كفن بغيرها وجوبا كغيره. والشهداء ثلاثة. شهيد في الدنيا والآخرة. وهو من قاتل في سبيل الله حتى قتل.
لترتب أحكام الشهداء عليه من ترك تغسيل، ونحوه لإرادته وجه الله والدار الآخرة. وشهيد في الآخرة فقط من أصابه جرح في سبيل الله ثم مات منه بعد مدة. وشهيد في الدنيا فقط من قاتل في سبيل الله وسريرته باطلة فتجري عليه أحكام الشهيد من ترك غسل وغيره.
ولأبي داود والترمذي وصححه عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله  عليه  و سلم يقول: "من قتل دون دينه فهو شهيد. ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد" قال شيخ الإسلام وقد صح عن النبي صلى الله  عليه  و سلم أنه قال: "الغريق شهيد. والمبطون شهيد. والحريق شهيد. والنفساء شهيدة. وصاحب الهدم شهيد" وجاء ذكر غير هؤلاء. وذكر أن من غلب على ظنه عدم السلامة ليس له ركوب البحر للتجارة فإن فعل فغرق فيه لا يقال له إنه شهيد. وذكر بعض أهل العلم غير ذلك. منهم متمني الشهادة. والمتجرد لله في جهاد نفسه. ومن مات وهو يطلب العلم إلى أربعين وإلى خمسين والمراد أنهم شهداء في ثواب الآخرة لا في أحكام الغسل والصلاة.
وقال غير واحد: ويغسل الباغي ويصلى عليه. ويقتل قاطع الطريق ويغسل ويصلى عليه بلا نزاع ثم يصلب. والسقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه وإن لم يستهل عند أحمد والشافعي لما يأتي من قوله عليه الصلاة والسلام "والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة"رواه أحمد وأبو داود وغيرهما ولأنه نسمة نفخ فيها الروح وقد كتب عليه الشقاوة أو السعادة ولأنه يبعث فيسمى.
وفي الصحيحين أنه ينفخ فيه يعني بعد الأربعة الأشهر وأما دونها فلا يصلى عليه قال العبدري: بلا خلاف. وإن كان له أربعة أشهر ولم يتحرك لم يصل عليه عند جمهور العلماء. قال بعضهم لأنه لا يبعث قبلها واختار الأكثر يبعث. قال الشيخ وهو قول كثير من الفقهاء وتستحب تسميته وأما الطفل فللترمذي وصححه "والطفل يصلى عليه" ولابن ماجه
"صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم".
وحكى غير واحد إجماع المسلمين على وجوب الصلاة على الطفل لهذه الأخبار ولعموم النصوص الواردة بالصلاة على المسلمين وهو داخل في عمومهم. والتغسيل والصلاة على الميت متلازمان في الجملة. قال ابن كثير غسل علي إبراهيم بن النبي صلى الله  عليه  و سلم وذكر ابن عبد البر وغيره أن مرضعة إبراهيم بن النبي صلى الله  عليه  و سلم هي التي غسلته. وقال صلي عليه وكبر أربعا" وأنه قول جمهور أهل العلم وهو الصحيح. وأما من تعذر غسله فييمم أو بعضه فيغسل ما أمكن وييمم للباقي كالحي.

يجب على الغاسل ستر ما رآه من الميت إن لم يكن حسنا لما رواه أحمد وغيره عن عائشة مرفوعا "من غسل ميتا وأدى فيه الأمانة ولم ينشر عيبه، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" ولقوله "من سترة مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة" وقال جمع إلا على مشهور ببدعة أو فجور ليرتدع نظيره.
ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء ولا نشهد لأحد بجنة أو نار إلا من شهد له النبي صلى الله  عليه  و سلم. قال الشيخ أو اتفقت الأمة على الثناء عليه أو الإساءة. وظاهر كلامه ولو لم تكن أفعال الميت موافقة لقولهم وإلا لم تكن علامة مستقلة. وفي الصحيحين أنه مر بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال رسول الله صلى الله  عليه  و سلم  "وجبت" ثم بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال "وجبت" فقال عمر ما وجبت قال: "هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة. وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض". والحديث على عمومه.
فلما ألهم الناس الثناء عليه كان دليلا. سواء كانت أفعاله تقتضيه أولا. وهذا إلهام يستدل به على تعيينها ولأحمد "ما من مسلم يموت فيشهد له ثلاث أبيات من جيرانه الأدنين بخير إلا قال الله قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا وغفرت له ما لم يعلموا" وللحاكم نحوه قال الشيخ وتواطؤ الرؤيا كتواطئ الشهادات. ويحرم سوء الظن بمسلم ظاهره العدالة. بخلاف من ظاهره الفسق فلا حرج بسوء الظن به. ويستحب ظن الخير بالمسلم للأخبار.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire