el bassaire

mercredi 30 octobre 2013

كتابُ المناسِك



كتابُ المناسِك

جمع منسك المتعبدات كلها. وقد غلب إطلاقها على أفعال الحج لكثرة أنواعها. وفي المطالع مواضع متعبدات الحج. (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) المواضع التي تقصد في الحج. والأفعال التي تفعل هناك. كالطواف والسعي والوقوف والرمي. والحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام. ودعائمه الخمس. وفرض من فروضه بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. وهو من العلم المستفيض الذي توارثته الأمة خلفا عن سلف.

وقال ابن إسحاق لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا حج هذا البيت. وقال غيره ما من نبي إلا حج. ولأحمد وغيره بسند حسن عن ابن عباس مرفوعا "إن هذه الأمة لا تزال بخير ما عظموا هذه الحرمة" يعني الكعبة "حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك هلكوا" فهو خاصة هذا الدين الحنيف. وسر التوحيد (حُنَفَاءَ لِلَّهِ) أي حجاجًا (قِيَامًا لِلنَّاسِ) عمود العالم لو ترك خرت السماء على الأض. وبه كمل بناء الدين وتم بناؤه على أركانه الخمسة. وهو فرض كفاية كل عام على من لم يجب عليه ولو عينا. وإنما أخروا الحج عن الصلاة والزكاة والصوم لأن الصلاة عماد الدين وتكرر كل يوم خمس مرات. فالحاجة إليها أشد ثم ثنوا بالزكاة لكونها قرينة الصلاة في مواضع كثيرة في الكتاب والسنة. ولشمولها المكلف وغيره.ثم الصوم لتكرره كل سنة. والحج في العمر مرة لكن البخاري قدم الحج على الصوم للتغليظ في تركه. ولعدم سقوطه بالبدل.

قال تعالى: }وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ{ بالكسر الحالة والهيئة. وبالفتح المرة. اي ولله فرض واجب على الناس حج البيت. والمراد منهم المسلم المكلف الحر اتفاقا. فلا يجب على الكافر والمجنون ولا يصح منهما. ولا يجب على الصبي والمملوك ويصح تطوعا. ولا يسقط به الفرض. وعن ابن عباس مرفوعا "أيما صبي حج ثم بلغ فعليه أن يحج حجة أخرى" رواه البيهقي. ونحوه لأبي داود مرسلا. قال الشيخ والمرسل إذا عمل به الصحابي حجة اتفاقا.

قال وهذا مجمع عليه. لأنه من أهل العبادات فيصح ولا يجزئه أنه فعله قبل أن يخاطب به اهـ. ومن سواهم يجب عليه على الفور مع الاستطاعة. وحرف (على) للإيجاب لا سيما إذا ذكر المستحق. واتبع بقوله (ومن كفر) والحج لغة القصد. وشرعا قصد مكة لعمل مخصوص في زمن مخصوص. وقال الشيخ غلب في الاستعمال الشرعي والعرفي على حج بيت الله وإتيانه. فلا يفهم عند الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد. لأنه هو المشروع الموجود كثيرا لقوله }وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ{ وقال الجوهري تعورف استعماله في القصد إلى مكة للنسك. ويقال الحج حشر الخلائق من الأقطار للوقوف بين يدي الخالق.
}مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا{ من بدل من الناس. فتقديره ولله على المستطيع من المكلفين حج البيت. ويأتي ما رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما عن أنس قيل يا رسول الله ما السبيل قال "الزاد والراحلة" ولابن ماجه عن ابن عباس ونحوه. وعن جماعة من الصحابة. وللترمذي عن ابن عمر جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما يوجب الحج؟ قال" الزاد والراحلة" وقال العمل عليه عند أهل العلم.

وقال الشيخ بعد سرد الآثار فيه هذ ه الأحاديث مسندة من طرق ومرسلة وموقوفة. تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة. ولأن الخطاب إنما هو للمستطيع لانتفاء تكليف ما لا يطاق شرعا وعقلاً. وليس شرطًا للصحة. بل متىوصل وفعل أجزأه. بلا نزاع. وإنما هو شرط للوجوب. قال الوزير وغيره أجمعوا على أن الحج يجب على كل مسلم عاقل حر بالغ صحيح مستطيع في العمر مرة واحدة. وأن المرأة في ذلك كالرجل. وأن الشرائط في حقها كالرجل. واشترط الجمهور وجود المحرم. وإذا فقد من هذه الشروط شيء لم يجب.

 (ومن كفر) سمي تاركه كافرًا. فقد دل على كفره. وإذا دل على كفره فقد دل على آكدية ركنيته.بل أكده بعشرة أوجه من التأكيدات كلها تقتضي بفرضيته. وأكده بأعظم الوعيد والتهديد بالكفر. ثم بإخباره باستغنائه عنه فقال }فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ{ وحجهم وعملهم وعن جميع خلقه. فله الغنى الكامل التام من كل وجه عن كل أحد بكل اعتبار.

وأنه تعالى إنما شرع حج البيت ليشهدوا منافع لهم. لا لحاجة به إلى الحجاج. كما يحتاج المخلوق إلى من يقصده ويعظمه. وافتتح هذا الإيجاب بذكر محاسن البيت. وعظم شأنه بما يدعو النفوس إلى قصده. وحجه. فقال }إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا{ وكل ذلك مما يدل على الاعتناء به والتنويه بذكره. والتعظيم لشأنه والرفعة من قدره.

ولو لم يكن إلا إضافته إلى نفسه الكريمة بقوله }وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ{ لكفى بها شرفا وفضلا. وهي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه حبا وشوقًا إلى رؤيته كيف وقد أوجبه وجمهور أهل العلم على الفور بشرطه لأن الأمر يقتضي المأمور به على الفور. قال السدي من وجد ما يحج به ثم لم يحج حتى مات فهو كفر به. وعن علي مرفوعا "من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله  ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا" وذلك أن الله يقول }وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا{ قال الترمذي غريب وفيه مقال.

وصح عن عمر اهـ. قال من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا.وهم أن يبعث إلى الأمصار بضرب الجزية عل كل من كان عنده جدة فلم يحج ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين. ولأحمد "تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" وله أيضا "من أراد الحج فليتعجل" وليست الإرادة هنا على التخيير لانعقاد الإجماع على خلافه.بل كقوله "من أراد الصلاة فليتوضأ" وروي "حجوا قبل أن لا تحجوا" أي اغتنموا فرصة الإمكان والفوز بالحصول على هذا الشعار قبل فواته بحادث موت أو غيره.
ولأنه أحد مباني الإسلام فلم يجز تأخيره إلى غير وقت معين كبقية المباني وأما تأخيره صلى الله عليه و سلم هو وأصحابه بناء على أنه فرض سنة تسع. كما صححه القرطبي وغيره. فيحتمل أنه كان في آخرها. أو لعدم استطاعته. أو حاجة خوف في حقه منعه. وأكثر أصحابه. أو لأن الله كره له الحج مع المشركين عراة. أو لاستدارة الزمان. أو غير ذلك. ومن جملة الأقوال أنه فرض سنة عشر. قاله إمام الحرمين وغيره. فلا تأخير عند أكثر أهل العلم. وجزم به غير واحد من أهل التحقيق.
قال ابن القيم لما نزل عليه فرض الحج بادر. فإن فرضه تأخر إلى سنة تسع أوعشر عام تبوك. وأردف الصديق بعلي ينادي بذلك. وهو قول جمهور المفسرين. والتقدم إليه أفضل إجماعا. ولو حج في آخر عمره ليس عليه إثم بالإجماع. ولو مات ولم يحج مع القدرة أثم إجماعا. وله تأخيره لمصلحة الجهاد. كتأخير الزكاة الواجبة لانتظار قوم أصلح من غيرهم. أو تضرر أهل الزكاة. وتأخير الفائتة للانتقال عن مكان الشيطان، ويقدم النكاح من خاف العنت عند الجمهور. وحكاه المجد إجماعًا. ولحاجة إليه. وإلا قدم الحج إجماعًا.
 (وعن أبي هريرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج) وهذا تقرير وتفسير لقوله (ولله على الناس حج البيت) (فحجوا) أمر إيجاب بلانزاع (فقال رجل) هو الأقربع بن حابس (أكل عام) يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا زجرا له عن السؤال الذي كان السكوت له أولى (فقال) رسول الله صلى الله عليه و سلم (لو قلت نعم) أي يجب عليكم كل عام (لوجبت) أي عليكم كل عام فريضة الحج أو هذه العبادة كل عام. وفي رواية ولو وجبت ما قمتم بها (ولما استطعتم) أي كل عام ذروني ما تركتكم (رواه مسلم) ورواه غيره من طرق.
ولأحمد وغيره عن ابن عباس قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال "أيها الناس كتب عليكم الحج" فقام الأقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال "لو قلتها لوجبت. ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها. الحج مرة فما زاد فهو تطوع" ولابن ماجه عن أنس بسند جيد نحوه وفيه "ولو وجبت لم تقوموا بها. ولو لم تقوموا بها عذبتم" ولأحمد وغيره "الحج مرة وما زاد فهو تطوع".
فدلت هذه الأحاديث على فرضية الحج وهو إجماع. وأنه لا يجب في العمر إلا مرة واحدة إجماعا. حكاه النووي والحافظ والوزير وغيرهم. وقال الخطابي لا خلفًا بين العلماء في أن الحج لا يتكرر وجوبه اهـ. إلا أن ينذره أو العمرة فيجب الوفاء بالنذر بشرطه. وفيها رأفته صلى الله عليه و سلم بأمته وشفقته عليهم.
 (وعن عائشة قلت يا رسول الله على النساء جهاد) إخبار يراد به الاستفهام (قال نعم عليهن جهاد لا قتال فيه) إيضاح للمراد وكأنها قالت ما هو فقال (الحج والعمرة) أطلق عليهما لفظ الجهاد وشبههما به فهما منه. ويأتي "الحج جهاد" وتقدم قوله "اركبيها فإن الحج من سبيل الله" وفيهما من الفضل وجزيل الأجر ما فيهما مما هو معلوم. ولجامع المشقة.
وفيه أن الحج والعمرة تقوم مقام الجهاد في حق النساء. رواه أحمد وابن ماجه و(صححه الحافظ) وللبخاري عنها أنها قالت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال "لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور" واستدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على وجوبهما في العمر مرة واحدة.
 (وللخمسة عن أبي رزين) لقيط بن عامر العامري العقيلي وافد بني المنتفق. روى عنه جماعة (أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة) ولا الظعن (فقال حج عن أبيك) الذي كبر (واعتمر صححه الترمذي) وقال أحمد لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا. ولا أصح منه. وهو المشهور عنه. وعن الشافعي. وجماعة من أهل الحديث مستدلين بهذا الحديث. وبحديث عمر في رواية الدارقطني وفيه "وتحج البيت وتعتمر" واستأنسوا بقوله }وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ{.
وقال بعضهم على الآفاقي. قال أحمد ليس على أهل مكة عمرة. قال تعالى }ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أهلهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ{ ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي وأحمد واختيار الشيخ وغيره أن العمرة سنة. لحديث جابر مرفوعًا سئل عن العمرة أواجبة هي قال لا "وأن تعتمر خير لك" صححه الترمذي قال وهو قول بعض أهل العلم. قالوا ليست العمرة بواجبة. وللدارقطني بسند ضعيف قال "الحج جهاد والعمرة تطوع" ونحوه عن طلحة وابن عباس.
ولأن الأصل عدم وجوبها. والبراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف. ولا دليل يصلح لذلك مع اعتضاد الأصل بالأحاديث القاضية بعدم الوجوب ويؤيده اقتصاره تعالى علىالحج في قوله }وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ{ واقتصار الرسول صلى الله عليه و سلم في قوله: "بني الإسلام على خمس" على الحج. وقوله للذي قال لا أزيد عليهن ولا أنقص "لئن صدق ليدخلن الجنة" وحديث "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" وغيرها.
وما استأنسوا به من قوله تعالى: }وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ{ فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل وهو بالجعرانة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فنزلت }وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ{ والسائل قد أحرم. وإنما سأل كيف يصنع. وقد انعقد الإجماع على وجوب إتمام الحج والعمرة. ولو أفسدهما.
قال ابن القيم وليس في الآية فرضها. وإنما فيها إتمام الحج والعمرة بعد الشروع فيهما. وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء، وأجمع أهل العلم على مشروعيتها كالحج. وأن فعلها في العمر مرة واحدة كالحج. وورد في فضلها أحاديث كثيرة. وفيه جواز الحج عن العاجز.
 (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه و سلم صبيا) وذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم لقي راكبا بالروحاء. محلة قرب المدينة فقال من القوم؟ قالوا المسلمون. فقالوا من أنت؟ فقال "رسول الله" (فقالت ألهذا حج؟ قال نعم) أي يكتب له حج فضلاً من الله ونعمة. وكذا أعمال البر كلها تكتب له. ولا تكتب عليه (ولك أجر) يكتبه الله لمن يأمره ويرشده إليه (رواه مسلم) وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه. وللبخاري عن السائب ابن يزيد قال "حج بي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا ابن سبع" ولأحمد عن جابر "حججنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم معنا النساء والصبيان. فنلبي عن الصبيان ورمينا عنهم" وبعث ابن عباس في الثقل ولم يبلغ.
فيصح من الصبي نفلاً اتفاقًا. إلا أن أبا حنيفة قال لا يتعلق به وجوب الكفارات ولا يجب عليه الحج بالاتفاق لأنه غير مكلف. ولا يجزئ عن حجة الإسلام. قال الترمذي والوزير وغيرهما أجمع أهل العلم على أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا وجد وأدرك. وصح عن ابن عباس "أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى" ولأنه فعله قبل وجوبه فلم يجزئه إذا صار من أهله.
ويعقد الإحرام ولي الصبي. والأم تقوم مقامه لقوله "ولك أجر" فلم يستفصل. ولقول جابر أحرمنا عن الصبيان، ويحرم المميز بإذن وليه. ويفعل ما يعجزه. لقول جابر لبينا عن الصبيان ورمينا عنهم. اي نيابة عنهم رواه أحمد. وطاف أبو بكر بابن الزبير في خرقة رواه الأثرم. وإذا كان له أجر فمن لازمه أن يوقف به المواقف كلها. ويطاف به إن لم يطق المشي. وكذا السعي ونحوه.
وقال الشيخ إن لم يمكنه الطواف ماشيًا فطاف به راكبا أو محمولا أجزأ اتفاقا. وكانت عائشة تجرد الصبيان إذا دنوا من الحرم. وقال عطاء وغيره يفعل به كما يفعل بالكبير. ويشهد المناسك كلها. إلا أنه لا يصلي عنه. ويجتنب في حجه ما يجتنبه الكبير من المحظورات. ويقع لازما كالمكلف. وإن فسد أو دخله نقص وجب جبرانه كالكبير. والوجوب متعلق بالولي.
والرقيق كالصغير يصح منه نفلا إجماعا. وإن عتق فعليه الحج إن استطاع. قال الترمذي وغيره أجمع أهل العلم أن المملوك إذا حج في رقه ثم عتق فعليه الحج إذا وجد. ولا يجزئ عنه ما حج في حال رقه.
 (وعنه) أي ابن عباس (أن امرأة من خثعم) علم علي القبيلة المشهورة باسم جدها. واسمه أفتل بن أنمار وكان ذلك في حجةالوداع بمنى بعد الرمي عند المنحر والفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه و سلم (قالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج) أي لما نزلت (أدركت أبي شيخًا كبيرًا) أي حال كونه شيخا كبيرًا (لا يستطيع أن يستوي على الراحلة).
وفي لفظ لا يثبت على الراحلة يعني لضعفه من الكبر. وإن شددته خشيت عليه. وفي معنى الراحلة ما حدث من المراكب البرية والبحرية والهوائية. ولأحمد والترمذي وصححه من حديث علي جاءته امرأة شابة من خثعم فقالت إن أبي كبير وقد أفند أي هرم وأدركته فريضة الحج ولا يستطيع أداءها. والمعنى
 أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة فيجزء عنه أن أؤديها عنه وهل لها أجر.
ولأحمد والنسائي من حديث عبد الله بن الزبير قال جاء رجل من خثعم. وفيه "أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزئ ذلك عنه" قال نعم. ففي بعض الروايات أنه رجل. والأكثر أنه امرأة وذكر الحافظ طرقه. ثم قال الذي يظهر الذي يظهر من مجموعها أن السائل رجل وكانت ابنته معه فسألت. وكان معلوما عندهم فريضة الحج (قال فحجي عنه متفق عليه) وفي لفظ أفأحج أنا نيابة عنه قال؟ "نعم" وذلك في حجة الوداع. ولفظه للرجل "فأحجج عنه" والمراد أنه وجب عليه الحج وهو بهذه الصفة.
فدل على أنه يجزئ عنه إذا كان مأيوسًا منه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه وكذا ثقل لا يثبت عل الراحلة. وما في معناها إلا بمشقة غير محتملة. ويسمى العاجز عن السعي لزمانة ونحوها المعضوب. من العضب وهو القطع. كأنه قطع من كمال الحركة والتصرف. ومن وجد الاستطاعة وهو معذور أو طرأ عليه العذر وجب عليه باتفاق أهل العلم وعند الجمهور يلزم أن يقيم من يحج عنه ويعتمر عنه فورا عند الشافعي وأحمد وغيرهما.
ويجزئ من حيث وجب. ويقع الحج عن المحجوج عنه. قال الترمذي قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الباب غير حديث والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم. وبه يقول الشافعي وأحمد. وقوله "فدين الله أحق بالقضاء" قال الشيخ فجعل الشارع عمل الغير عنه يقوم مقام فعله فيما عجز عنه. مثل من وجب عليه الحج وهو معضوب أو مات ولم يحج. أو نذر صوما أو غيره ومت قبل فعله فعله عنه وليه. دين الله أحق بالقضاء. أي أحق أن يستوفي من وارث الغريم. لأنه أرحم من العباد. فهذا تشهد له الأصول اهـ.
ولا يصح عن مريض أو مجنون يرجى برؤهما. واتفق القائلون بإجزاءا لحج عن فريضة الغير أنه لا يجزئ إلا عن موت أو عدم قدرة من عجز ونحوه. وإن عوفي بعد فراغ النائب من النسك فكما لو لم يبرأ لأنه أتى بما أمر به فخرج من العهدة وقال الشيخ المعضوب إذا أحج عن نفسه ثم برأ لا يلزمه إعادة الحج من غير خلاف أعلمه. واتفقوا على أنه إن عوفي قبل إحرام النائب عنه لم يجزئه للقدرة على المبدل قبل الشروع. في البدل. كالمتيمم يجد الماء. وكما لو استناب من يرجى زوال علته.
والجمهور على أنه لا يجزئ لو عوفي بعد الإحرام. وقبل فراغ النسك. لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسا منه. قال في المبدع وهو الأظهر عند الشيخ تقي الدين. ويصح عند أبي حنيفة وأحمد وغيرهما أن يستنيب قادر وغيره وفي نفل حج أو بعضه للتوسعة في النفل. وكالصدقة. ولأنها لا تلزم القادر ولا غير القادر بنفسه. فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب.
 (وعن أنس) رضي الله عنه قال (قيل يا رسول الله ما السبيل) أي الذي ذكر الله في الآية (قال الزاد والراحلة رواه الدارقطني) والبيهقي وغيرهما وصححه الحاكم ورجح الحافظ إرساله. وأخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن عمر وغيره وحسنه. وقال الحافظ في إسناده ضعف. وله طرق لا تخلو من مقال إلا أنها جاءت من طرق يقوي بعضها بعضًا فتصلح للاحتجاج بها.
وتقدم قول الشيخ أنه جاء من طرق تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة. وهو قدر زائد على القدرة المعتبرة في جميع العبادات. وهو مطلق المكنة. والمراد هنا كفاية فاضلة عن كفايته وكفاية من يعول حتى يعود. لقوله "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول" وبعد قضاء الواجبات من الديون والكفارات والنذور والحوائج الأصلية. والكفاية المعتبرة وجود زاد وراحلة بكراء أو شراء لذهابه وعودته.
ويعتبر الزاد مع قرب المسافة وبعدها إن احتاج إليه. فإن وجده في المنازل لم يلزمه حمله إن وجده يباع بثمن مثله. والزاد ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وكسوة. وتعتبر الراحلة مع بعد المسافة فقط. ولو قدر على المشي. والمعتبر في حق كل أحد ما يليق بحاله عرفا وعادة. لاختلاف أحوال الناس. فإذا كان ممن يكفيه الرحل والقتب ولا يخشى السقوط اكتفى بذلك. وإلا اعتبر وجود محمل وما أشبهه مما لا يخشى سقوطه عنه. ولا مشقة فيه.
وإن لم يكن ممن يقدر على خدمة نفسه اعتبر من يخدمه. وإن أمكنه من غير ضرر يلحقه أو غيره. مثل من يكتسب بصناعة كالخراز أو مقارنة من ينفق عليه أو يكتري لزاده ولا يسأل الناس استحب له الحج ويكره لمن حرفته المسألة. وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد. وأكثر أهل العلم. وقال مالك ليستا من شرط وجوبه. فإذا قدر راجلاً وله صنعة أومن عادته السؤال فهو مستطيع. وما عليه الجمهور هو مقتضى القواعد الشرعية. ونقل ابن الجوزي الإجماع على أن اكتساب الزاد والراحلة لا يجب. فتقرر أن تحصيل سبب الوجوب لا يجب ولا يصير مستطيعًا ببذل غيره.
قال الشيخ وكل عبادة اعتبر فيها المال فالمعتبر ملكه. ولا القدرة على ملكه. كتحصيله بصنعة أو قبول هبة. أو مسألة أو أخذ من صدقة أو بيت مال اهـ.ـ. فإن قبل المال المبذول وقدر به وجب عليه الحج إجماعا. ويعتبر أمن الطريق. لأن عدم ذلك ضرر. وهو منتف شرعا. ولا يتأتى الحج بدونه. وإن استوى السلامة والهلاك فاختار الشيخ وغيره الكف وإن قتل فقال الشيخ أعان على نفسه فلا يكون شهيدًا وإن غلب الهلاك لم يلزمه إجماعا في البحر. وإن كان غالبه السلامة وجب اتفاقا.
 (وعن ابن عباس) رضي الله عنه (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب يقول لا تسافر المرأة) في كل ما يسمى سفرا (إلا مع ذي محرم متفق عليه) ولمسلم من حديث أبي سعيد "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها" أي فيحل لها السفر معه.
والمحرم هو زوجها أو من تحرم عليه بنسب أو سبب مباح. وفيه فقال رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وليس معها محرم وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال "فانطلق فحج مع امرأتك" وللدارقطني وصححه أبو عوانة من حديث عمرو بن دينار "لا تحج امرأة إلا ومعها ذو محرم" وفي لفظ "مسيرة يوم" وفي لفظ "يومين" وفي لفظ "ثلاث" ولعله لتعدد القضايا.
وقال النووي ليس المراد من التحديد ظاهره. بل كلما يسمى سفرا فالمرأة منهية عنه إلا بمحرم. وإنما التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمعهوده. وقال الشيخ وغيره كلما يسمى سفرا فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم. ولا يجب عليها مع عدمه. فيعتبر لوجوب الحج على المرأة وجود محرم لها زيادة على ما تقدم من الشروط. وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وأحد قولي الشافعي.
وذهب مالك وغيره إلى عدم اشتراطه. قال ابن المنذر تركوا القول بظاهر الحديث. واشترط كل واحد ما لا حجة معه عليه وقال أحمد المحرم من السبيل فمن لم يكن لها محرم لم يلزمها الحج بنفسها ولا بنسائها. فالمحرم في حق المرأة من جملة الاستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن مع النص الصريح باشتراط المحرم في سفر الحج بخصوصه. وإباحة الخروج لها في سفر الحج مع عدم هذا الشرط خلاف السنة.
ونفقة محرمها عليها. فيشترط في وجوبه عليها ملك زاد وراحلة لها ولمحرمها. ولا يلزمه مع بذلها ذلك سفره معها. وإن أيست استنابت. وإن حجت بدونه أثمت بارتكاب النهي وأجزأ اتفاقا وأجمعوا على عدم جواز السفر لها بلا محرم سدا لذريعة ما يحاذر منه الفتنة وغلبات الطباع. واستثني مواضع الضرورة كالخروج من بلد الشرك. وانقطاعها في برية ونحو ذلك. لحديث عائشة في قصة الإفك. وعند الشيخ تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم. وإماء المرأة يسافرون معها ولا يفتقرون إلى محرم. لأنهن لا محرم لهن في العادة الغالبة.
 (وعنه أن امرأة من جهينة) قبيلة مشهورة من قضاعة (قالت يا رسول الله إن أمي) توفيت وقد (نذرت أن تحج) وكان معلوما عندهم في الجاهلية وجوب الوفاء بالنذر (فلم تحج) يعني ما نذرته (حتى ماتت) وظاهره أنها أدركت الإسلام قالت الجهينية (أفأحج عنها)؟ فأقضي ما نذرته (قال نعم حجي عنها) أي تلك الحجة التي نذرتها أمك (أرأيت لو كان على أمك دين) يعني لآدمي (أكنت قاضيته).
فيه دليل على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله. كما أن عليه قضاء ديونه. وقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس ماله. فكذا ما شبه به في القضاء. ويلحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من نذر أو كفارة أو زكاة أو غير ذلك (أقضوا الله) أي حقه اللازم عليكم من نذر وغيره (فالله أحق بالوفاء) وأداء الواجبات (رواه البخاري) وله نحوه وفيه جاء رجل فقال إن أختي نذرت أن تحج.
وللدارقطني عن ابن عباس: أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل فقال إن أبي مات وعليه حجة الإسلام افأحج عنه؟ قال "أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه" قال نعم. قال "فاحجج عن أبيك" وظاهره لا فرق بين الواجب بأصل الشرع أو بإيجابه على نفسه. ولأنه حق استقر عليه فلن يسقط بموته. سواء فرط بالتأخير أو لا.
وفيها دليل على جواز حج الولد وغيره عن الميت حجة الإسلام بعد موته. وإن لم يقع منه وصيته. ولا نذر. ويسقط بحج أجنبي عنه. لا عن حي بلا إذنه.
كدفع زكاة مال غيره بلا إذنه. لا إن جعل ثوابه له. ويحج النائب من حيث وجب الحج على الميت. لأن القضاء يكون بصفة الأداء وإن ضاق ماله حج به عنه من حيث بلغ. لقوله صلى الله عليه و سلم "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وإن مات من وجب عليه في الطريق حج عنه من حيث مات مسافة وقولا وفعلا.
قال الشيخ وغيره ويقع الحج عن المحجوج عنه كأنه فعله بنفسه. سواء كان من جهة المنوب عنه مال أو لم يكن. ويكون الفاعل بمنزلة الوكيل والنائب. لأنه ينوي الإجرام عنه ويلبي عنه. ويكفي نية النسك. ولا تعتبر تسمية المنوب عنه لفظا. وإن جهل اسمه أو نسيه لبى عمن أسلم عنه المال. ليحج به عنه. وإن أحرم عن اثنين وقع عن نفسه اتفاقا. لأنه لا يقع عنهما. وإن نسي عينه بالإحرام بتفريطه أعاد الحج. وإن فرط الوصي غرم.
والنائب أمين فيما يعطاه ليحج منه. ويرد ما فضل إلا أن يؤذن له فيه. وكرهت الإجارة عليه. لأنها بدعة. والأجير إنما يبيع عمله لمن استأجره. والحج من شرطه أن يكون قربة لفاعله. فلا يجوز الاستئجار عليه. لأن الله أوجب على العبد أن يعمل مناسكه لله كلها. وتعبده بذلك. فلو أنه عملها بعوض من الناس لم يجزئه إجماعا. فإذا عجز عن ذلك بنفسه جعل الله عمل غيره قائما مقام عمل نفسه. لما ثبت بالنص. وسادا مسده رحمة منه تعالى ولطفا فلا بد أن يكون مثله ليحصل به مقصوده.
وإذا كان هذا العامل إنما يعمل للدنيا ولأجل العوض الذي أخذه لم يكن حجه عبادة لله وحده. فلا يكون من جنس ما كان على الأول. وإنما تقع النيابة المحضة ممن غرضه نفع أخيه المسلم. لرحم بينهما أو صداقة. كما هو في الأخبار أو غير ذلك. وله قصد في أن يحج بيت الله الحرام ويزور تلك المشاعر العظام. فيكون حجه لله. فيقام مقام حج المستنيب.
واستحب بعضهم أن يحج عن أبويه إن كانا ميتين أو عاجزين. ويقدم أمه لأنها أحق بالبر. ويقدم واجب أيبه لإبراء ذمته. وعن زيد بن أرقم مرفوعا "إذا حج الرجل عن والديه يقبل عنه وعنهما واستبشرت أرواحهما في السماء وكتب عند الله برا" رواه الدارقطني. وله عن جابر نحوه. وتقدم ذكر ما في فعل القرب وإهدائها لقريب ونحوه. وأن فعلها عن نفسه ودعاءه لهم أفضل. وأنه الذي استمر عليه عمل السلف.
 (ولأبي داود عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة) أي نيابة عنه في الحج والعمرة (قال من شبرمة) المنوب عنه (قال أخ لي) أي من النسب أو قريب لي شك من الراوي (قال) يعني النبي صلى الله عليه و سلم للرجل الذي سمعه يلبي عن شبرمة (حججت عن نفسك) وروي يا ابن نبيشة (قال لا) أيلم أحج عن نفسي (قال حج عن نفسك) يعني أولا (ثم حج عن شبرمة) قال الحافظ رواته ثقات. وله شاهد مرسل.
ورواه ابن ماجه وفيه "فاجعل هذه عن نفسك. ثم احجج عن شبرمة" والدارقطني وفيه قال "هذه عنك" اي: استدمه "وحج عن شبرمة" وصححه ابن حبان والبيهقي. وقال ليس في هذا الباب أصح منه. ورجح أحمد والحافظ وقفه. فيقوى المرفوع. لأنه من غير لجاله. وهو عبدة بن سليمان. قال الحافظ ثقة وتابعه غيره. ومال في التلخيص إلى صحته.
وقال الشيخ حكم أحمد في رواية صالح أنه مرفوع. فيكون قد اطلع على ثقة من رفعه. وقال قد رفعه جامعة على أنه وإن كان موقوفا فليس لابن عباس فيه مخالف فدل على أنه لا يصح أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه. فإن أحرم عن غيره فإنه ينعقد إحرامه عن نفسه لأنه صلى الله عليه و سلم أمره أن يجعله عن نفسه بعد أن لبى عن شبرمة.
فدل على أنها لم تنعقد النية عن غيره. وإلا لوجب عليه المضي فيه. وذلك لأن إحرامه عن الغير باطل لأجل النهي والنهي يقتضي الفساد. وبطلان صفة الإحرام لا توجب بطلان أصله. وهذا قول أكثر الأمة: إنه لا يصح أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه مطلقا. مستطيعًا كان أو لا. لأن ترك الاستفصال والتفريق في حكاية الأحوال دال على العموم. ولأن الحج واجب في أول سنة من سني الإمكان. فإذا أمكنه فعله عن نفسه لم يجز أن يفعله عن غيره.
 (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (مرفوعا) أي إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال (العمرة إلى العمرة) اي العمرة حال كون الزمن بعدها ينتهي إلى العمرة (كفارة لما بينهما) يعني من الصغائر إن كانت. ولأحمد من حديث عامر "كفارة لما بينهما من الذنوب والخطايا" قال الشيخ فيه إشارة إلى أن كبار الطاعات تكفر ما بينها. لأنه لم يقل النبي صلى الله عليه و سلم كفارة لصغار ذنوبه بل إطلاقه يتناول الصغائر والكبائر.
وقال من عرف أن الأعمال الظاهرة يعظم قدرها في القلوب من الإيمان وإن كان متفاضلا بلا ريب. وأنه لا يعلم مقاديره إلا الله عرف أن ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حق. ولم يضرب بعضه ببعض.وقد يفعل النوع الواحد بكمال إخلاص وعبودية فيغفر له الكبائر. ورد ذلك في صاحب السجلات مع البطاقة. والبغي التي سقت الكلب فغفر لها اهـ.
وفيه دلالة على استحباب الإكثار من الاعتمار. وقال الوزير وغيره أجمعوا أن فعلها في جميع السنة جائز. فقد ندب صلى الله عليه و سلم عليها. وفعلها أشهر الحج ويكفي كونه أعمر عائشة من التنعيم سوى عمرتها التي كانت أهلت بها. فهو أصل في جوازها في شهر بل أقل. ولا وجه للمنع منها في جميع الأوقات ما لم يكن متلبسا بالحج. كما قاله الشيخ وغيره. فلا تكره يوم النحر ولا يوم عرفة. ما لم يكن متلبسًا بالحج. وحكي اتفاقا.
وفي المبدع تكره الموالاة بينها باتفاق السلف. وهذا الحديث يدل على التفريق بينها وبين الحج في التكرار. وينبه على ذلك إذ لو كانت لا تفعل في السنة إلا مرة لسوى الشارع بينهما. واستحب بعضهم وقوعها في رمضان. لما صح أنه صلى الله عليه و سلم أمر أم معقل لما فاتها الحج معه أن تعتمر في رمضان. وأخبرها أن عمرتها في رمضان تعدل حجة. ولكن كانت عمره صلى الله عليه و سلم كلها في أشهر الحج مخالفة لهدي المشركين. فإنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج.
وقال ابن سيرين ما أحد من أهل العلم يشك أن عمرة في أشهرالحج أفضل من عمرة في غير أشهر الحج. قال ابن القيم وهذا دليل على أن الاعتمار في أشهر الحج أفضل من سائر السنة. بلا شك سوى رمضان لخبر أم معقل. ولكن لم يكن الله ليختار لنبيه صلى الله عليه و سلم إلا أولى الأوقات وأحقها بها. فكانت في أشهر الحج نظير وقوع الحج في أشهره. وهذه الأشهر قد خصها الله بهذه العبادة. وجعلها وقتًا لها. العمرة حج أصغر. فأولى الأزمنة بها أشهر الحج.
وقد يقال إنه يشتغل في رمضان من العبادات ما هو أهم منها فأخرها إلى أشهر الحج. مع ما فيه من الرحمة لأمته. فإنه لو فعله لبادرت إليه. ولم يخرج من مكة ليعتمر كما يفعله أهل مكة. وقال العمرة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه و سلم وفعلها نوعان. لا ثالث لهما عمرة التمتع. وهي التي أذن فيها عند الميقات وندب  إليها في أثناء الطريق. وأوجبها على من لم يسق الهدي عند الصفا والمروة. والثانية العمرة المفردة التي ينشئ لها سفرًا كعمرته صلى الله عليه و سلم. ولم يشرع عمرة مفردة غيرها. وفي كليهما المعتمر داخل إلى مكة.
وأما عمرة الخارج منها إلى أدنى الحل فلم تشرع ولم يقل لأهل مكة اخرجوا إلى أدنى الحل فأكثروا من الاعتمار فإن عمرة في رمضان تعدل حجة. ولا فهم هذا أحد من أصحابه ولا السابقين الأولين. وأما عمرة عائشة فزيادة محضة. وإلا فعمرة قرانها قد أجزأت عنها بنص رسول الله صلى الله عليه و سلم. وكره هو والشيخ وغيرهما الخروج من مكة لعمرة تطوعًا. وقالوا إنه بدعة لم يفعله صلى الله عليه و سلم ولا أصحابه على عهده إلا عائشة تطييبا لنفسها.
وكانت طلبت منه أن يعمرها. وقد أخبرها أن طوافها وسعيها قد أجزأها عن حجها وعمرتها. فأبت عليه إلا أن تعتمر عمرة مفردة. وكانت لا تسأله شيئًا إلا فعله. فلم يخرج لها في عهده غيرها لا في رمضان ولا في غيره اتفاقا. ولم يأمر عائشة بل أذن لها بعد المراجعة ليطيب قلبها. وقالا طوافه وعدم خروجه لها أفضل اتفاقًا.
 (والحج المبرور) أي المقبول الذي لم يخالطه شيء من الإثم قد وفت أحكامه فوقع على الوجه الأكمل. والبر الطاعة وقيل المبرور المتقبل (ليس له جزاء إلا الجنة) أي إلا دخول الجنة وقال الشيخ أي ز ادت قيمته فلم يقاومه شيء من الدنيا. وإلا فمطلق الدخول يكفي فيه الإيمان (متفق عليه) وفي الصحيح "أفضل الجهاد حج مبرور" "من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" أي مشابها لنفسه في أنه يخرج بلا ذنب كما خرج بالولادة. وللترمذي وصححه "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة" "وليس للحج ثواب إلا الجنة" وجاء "وإن الحج يهدم ما كان قبله" "وإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله" بسبعمائة ضعف. وجاء في فضله والحث عليه أحاديث وآثار كثيرة مستفيضة.
وإذا لم يكن فرضًا ولم يعزم فليستشر من يثق به ويستخير الله تعالى فيصلي ركعتين ويدعو في آخرها بما تقدم. قال الشيخ وقبل السلام أفضل. وإذا استقر عزمه فليبادر فعل كل خير ويبدأ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات. ويخرج من المظالم بردها لأربابها. وكذا الودائع والعواري والديون. ويستحل من له عليه ظلامه ومن بينه وبينه معاملة أو مصاحبة ويستمهل من لا يستطيع الخروج من عهدته.
ويكتب وصيته. ويوكل من يقضي ما لم يتمكن من قضائه. ويترك لمن تلزمه نفقته نفقتهم إلى حيث رجوعه. ويرضى والديه ومن يتوجه عليه بره وطاعته. ويحرص أن تكون نفقته حلالا. ويستكثر من الزاد والنفقة. ويكون طيب النفس بما ينفقه ليكون أقرب إلى قبوله. قال الشيخ ومن جرد مع الحاج من الجند المقطعين وجمع له ما يعينه على كلفة الطريق أبيح له أخذه. ولا ينقص أجره. وله أجر الحاج بلا خلاف.
ويجتهد في رفيق صالح. وإن تيسر عالم فليستمسك بغرزه. يكون سببا في بلوغه رشده ويجب تصحيح النية. ويصلي في منزله ركعتين. ثم يقول اللهم هذا ديني وأهلي ومالي ووليد وديعة عندك. الله أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد. اللهم أصبحنا في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى.
ويودع أهله وجيرانه وسائر أحبابه. ويودعونه. ويقول كل منهم استودعك الله الذي لا يضيع ودائعه. أو استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك. زودك الله التقوى. وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيثما كنت. للأخبار. ويدعو له من يودعه. ويطلب منه الدعاء. فيقول لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك. ويقول: آمنت بالله وتوكلت على الله. اللهم إني أعوذ بك أن أضل إلخ. بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وإذا أراد ركوب دابته قال بسم الله. الحمد لله الذي سخر لنا هذا إلخ. ولا يستصحب كلبًا ولا يعلق على دابته جرسًا ولا قلادة من وتر ونحوها. للخبر. ويراعي مصلحة الدابة. وإذا عرس اجتنب الطريق. فإنها طريق للدواب ومأوى لهوام الليل. ويسن مساعدة الرفيق. وإذا كان معه فضل ظهر أو زاد عاد به على من لا ظهر له ولا زاد.
ويستعمل الرفق وحسن الخلق. ويجتنب المخاصمة والمزاحمة. ويصون لسانه من الشتم والغيبة. وجميع الألفاظ القبيحة. وهذه الأمور مجمع عليها. ويستحب أن يكبر إذا صعد الثنايا ونحوها. ويسبح إذا هبط. وإذا أشرف على قرية قال اللهم إني أسألك خيرها إلخ. ويستحب أن يدعو في جميع سفره. فإن دعاءه مستجاب. وإذا جنه الليل قال يا أرض ربي وربك الله الحديث.
وإذا نزل منزلا قال أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق. وإذا فرغ عجل إلى أهله، ويقول في رجوعه آئبون تائبون الحديث. ويخبرهم لئلا يقدم بغتة ويكره أن يطرقهم ليلا بغير عذر. ويبدأ بالمسجد فيصلي ركعتين. ويستحب أن يقال للقادم من الحج قبل الله حجك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire