باب في أحكام الشروط
في البيع
كتاب البيوع
قسم المعاملات وغيرها
تلخيص صالح بن فوزان بن عبدالله آل فوزان
https://al-bassair.blogspot.com
·
الشروط في
البيع كثيرة الوقوع , وقد يحتاج المتبايعان أو أحدهما إلى شرط أو أكثر , فاقتضى
ذلك البحث في الشروط , وبيان ما يصح ويلزم منها وما لا يصح .
·
والفقهاء
رحمهم الله يعرفون الشرط في البيع بأنه إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما
له فيه منفعة , ولا يعتبر الشرط في البيع عندهم ساري المفعول إلا إذا اشترط في صلب
العقد ; فلا يصح الاشتراط قبل العقد ولا بعده .
·
والشروط
في البيع تنقسم إلى قسمين : صحيحة وفاسدة :
أولا : الشروط الصحيحة : وهي الشروط التي لا تخالف مقتضى العقد وهذا القسم يلزم العمل بمقتضاه ; لقوله صلى الله عليه وسلم : " المسلمون على شروطهم " ولأن الأصل في الشروط الصحة , إلا ما أبطله الشارع ونهى عنه .والقسم الصحيح من الشروط نوعان :
أولا : الشروط الصحيحة : وهي الشروط التي لا تخالف مقتضى العقد وهذا القسم يلزم العمل بمقتضاه ; لقوله صلى الله عليه وسلم : " المسلمون على شروطهم " ولأن الأصل في الشروط الصحة , إلا ما أبطله الشارع ونهى عنه .والقسم الصحيح من الشروط نوعان :
النوع الأول : شرط لمصلحة العقد
بحيث يتقوى به العقد , وتعود مصلحته على المشترط ; كاشتراط التوثيق بالرهن , أو
اشتراط الضامن , وهذا يطمئن البائع , واشتراط تأجيل الثمن أو تأجيل بعضه إلى مدة
معلومة , وهذا يستفيد منه المشتري , فإذا وفي بهذا الشرط , لزم البيع , وكذلك لو
اشترط المشتري صفة في المبيع , مثل كونه من النوع الجيد أو من الصناعة الفلانية أو
الإنتاج الفلاني ; لأن الرغبات تختلف باختلاف ذلك , فإن أتى المبيع على الوصف المشترط
لزم البيع , وإن اختلف عنه ; فللمشتري الفسخ أو الإمساك مع تعويضه عن فقد الشرط ,
بحيث يقوم المبيع مع تقدير وجود الصفة المشترطة , ثم يقوم مع فقدها , ويدفع له
الفرق بين القيمتين إذا طلب .
النوع الثاني من الشروط الصحيحة في
البيع : أن يشترط أحد المتعاقدين على الآخر بذل منفعة مباحة في المبيع ; كأن يشترط
البائع سكنى الدار المبيعة مدة معينة , أو أن يحمل على الدابة أو السيارة المبيعة
إلى موضع معين ; لما روى جابر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم باع جملا واشترط ظهره إلى
المدينة " متفق عليه , فالحديث يدل على جواز بيع الدابة مع استثناء ركوبها إلى
موضع معين , ويقاس عليها غيرها , وكذا لو اشترط المشتري على البائع بذل عمل في
المبيع ; كأن يشتري منه حطبا , ويشترط عليه حمله إلى موضع معلوم , أويشتري منه
ثوبا , ويشترط عليه خياطته .
ثانيا : الشروط الفاسدة : وهذا
القسم أنواع :
النوع الأول
: شرط فاسد يبطل العقد من أصله , ومثاله أن يشترط أحدهما على الآخر عقدا آخر , كأن
يقول : بعتك هذه السلعة بشرط أن تؤجرني دارك , أو يقول : بعتك هذه السلعة بشرط أن
تشركني معك في عملك الفلاني أو في بيتك , أو يقول : بعتك هذه السلعة بكذا بشرط أن
تقرضني مبلغ كذا من الدراهم ; فهذا الشرط فاسد , وهو يبطل العقد من أساسه , لنهي
النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة
وقد فسر الإمام أحمد رحمه الله الحديث بما ذكرنا .
النوع الثاني
من الشروط الفاسدة في البيع : ما يفسد في نفسه , ولا يبطل البيع ; مثل أن يشترط
المشتري على البائع أنه إن خسر في السلعة ردها عليه , أو شرط
البائع على المشتري أن لا يبيع السلعة ونحو ذلك فهذا شرط فاسد ;
لأنه يخالف مقتضى العقد , لأن مقتضى البيع أن يتصرف المشتري في السلعة تصرفا مطلقا
, ولقوله صلى الله عليه وسلم : " من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة
شرط " متفق عليه , والمراد بكتاب الله هنا حكمه ; ليشمل ذلك سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
والبيع لا
يبطل مع بطلان هذا الشرط ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة حينما اشترط
بائعها ولاءها له إن أعتقت أبطل الشرط , ولم يبطل العقد , وقال صلى الله عليه وسلم
: " إنما الولاء لمن أعتق "
* إنه ينبغي
للمسلم الذي يشتغل بالبيع والشراء أن يتعلم أحكام البيع وما يصح
فيه من الشروط وما لا يصح ; حتى يكون على بصيرة في معاملته , ولتنقطع الخصومات والمنازعات
بين المسلمين ; فإن غالبها ينشأ من جهل المتبايعين أو أحدهما بأحكام البيع ,
واشتراطهم شروطا فاسدة .
باب في أحكام الخيار في البيع
* دين الإسلام دين سمح شامل , يراعي المصالح
والظروف , ويرفع الحرج والمشقة عن الأمة , ومن ذلك ما شرعه في البيع من إعطاء
الخيار للعاقد , ليتروى في أمره وينظر في مصلحته من وراء تلك الصفقة ; فيقدم على
ما يؤمل من ورائه الخير , ويحجم ويتراجع عما لا يراه في مصلحته .
* فالخيار في البيع معناه طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الفسخ
* فالخيار في البيع معناه طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الفسخ
وهو ثمانية أقسام : -
أولا : خيار
المجلس أي المكان الذي جرى فيه التبايع ; فلكل من المتبايعين الخيار ما
داما في المجلس , ودليله قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا تبايع الرجلان ; فكل واحد منهما بالخيار , ما لم
يتفرقا وكانا جميعا "قال
العلامة ابن القيم رحمه الله : " في إثبات الشارع خيار المجلس في البيع حكمة
ومصلحة للمتعاقدين , وليحصل تمام الرضى الذي شرطه تعالى بقوله : عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ فإن العقد يقع بغتة من غير ترو ولا نظر في القيمة ; فاقتضت محاسن هذه
الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد حرما يتروى فيه المتبايعان , ويعيدان النظر ,
ويستدرك كل واحد منهما , فلكل من المتبايعين الخيار بموجب هذا الحديث الشريف ; ما
لم يتفرقا بأبدانهما من مكان التبايع , فإن أسقطا الخيار بأن تبايعا على أن لا
خيار لهما أو أسقطه أحدهما سقط , ولزم البيع في حقهما أو حق من أسقطه منهما بمجرد
العقد ; لأن الخيار حق للعاقد , فيسقط بإسقاطه ولقوله صلى الله عليه وسلم : ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر
ويحرم
على أحدهما أن يفارق أخاه بقصد إسقاط الخيار ; لحديث عمرو بن شعيب وفيه : ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله
ثانيا : خيار
الشرط بأن يشترط المتعاقدان الخيار في صلب العقد أو بعد العقد في مدة خيار
المجلس مدة معلومة ; لقوله صلى الله عليه وسلم : المسلمون على شروطهم ولعموم قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
ويصح أن يشترط المتبايعان الخيار
لأحدهما دون الآخر ; لأن الحق لهما , فكيفما تراضيا جاز.
- ثالثا : خيار
الغبن إذا غبن في البيع غبنا يخرج عن العادة ; فيخير المغبون منهما بين
الإمساك والرد ; لقوله صلى الله عليه وسلم : لا ضرر ولا ضرار ولقوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه والمغبون لم تطب نفسه بالغبن , فإن كان الغبن يسيرا قد جرت به العادة
فلا خيار .
وخيار الغبن يثبت في ثلاث صور :
الصورة
الأولى من صور خيار الغبن : تلقي الركبان , والمراد بهم القادمون لجلب سلعهم في
البلد , فإذا تلقاهم , واشترى منهم , وتبين أنه قد غبنهم غبنا فاحشا ; فلهم الخيار
, لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تلقوا الجلب , فمن تلقاه فاشترى منه , فإذا أتى سيده السوق
فهو بالخيار رواه مسلم ; فنهى صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجلب خارج السوق الذي
تباع فيه السلع , وأمر أنه إذا أتى البائع السوق الذي تعرف فيه قيم السلع , وعرف
ذلك فهو بالخيار بين أن يمضي البيع أو يفسخ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أثبت النبي صلى الله عليه وسلم للركبان الخيار إذا تلقوا ; لأن فيه نوع تدليس وغش " . وقال ابن القيم : " نهى عن ذلك ; لما فيه من تغرير البائع , فإنه لا يعرف السعر , فيشتري منه المشتري بدون القيمة , ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا دخل السوق , ولا نزاع في ثبوت الخيار له مع الغبن ; فإن الجالب إذا لم يعرف السعر كان جاهلا بثمن المثل , فيكون المشتري غارّا له , وكذا البائع إذا باعهم شيئا ; فلهم الخيار إذا هبطوا السوق , وعلموا أنهم غبنوا غبنا يخرج عن العادة " انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أثبت النبي صلى الله عليه وسلم للركبان الخيار إذا تلقوا ; لأن فيه نوع تدليس وغش " . وقال ابن القيم : " نهى عن ذلك ; لما فيه من تغرير البائع , فإنه لا يعرف السعر , فيشتري منه المشتري بدون القيمة , ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا دخل السوق , ولا نزاع في ثبوت الخيار له مع الغبن ; فإن الجالب إذا لم يعرف السعر كان جاهلا بثمن المثل , فيكون المشتري غارّا له , وكذا البائع إذا باعهم شيئا ; فلهم الخيار إذا هبطوا السوق , وعلموا أنهم غبنوا غبنا يخرج عن العادة " انتهى .
الصورة
الثانية من صور خيار الغبن : الغبن الذي يكون سببه زيادة الناجش في ثمن السلعة ,
والناجش : هو الذي يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها , وإنما يريد رفع ثمنها على
المشتري , وهذا عمل محرم , قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ولا تناجشوا لما في ذلك من تغرير المشتري وخديعته , فهو في معنى الغش . ومن صور
النجش المحرم أن يقول صاحب السلعة : أعطيت بها كذا وكذا وهو كاذب , أو يقول :
اشتريتها بكذا وهو كاذب . ومن صور النجش المحرم أن يقول صاحب السلعة : لا أبيعها
إلا بكذا أو كذا , لأجل أن يأخذها المشتري بقريب مما قال , كأن يقول في سلعة ثمنها
خمسة : أبيعها بعشرة ; ليأخذها المشتري بقريب من العشرة .
الصورة
الثالثة من صور الغبن الذي يثبت به الخيار : غبن المسترسل .
قال
الإمام ابن القيم : " وفي الحديث : غبن
المسترسل ربا والمسترسل : هو الذي يجهل القيمة ولا يحسن أن يناقص في الثمن , بل
يعتمد على صدق البائع لسلامة سريرته , فإذا غبن غبنا فاحشا ; ثبت له الخيار "
. والغبن محرم ; لما فيه من التغرير للمشتري . ومما يجري في بعض أسواق المسلمين -
وهو محرم - أن بعض الناس حينما يجلب إلى السوق سلعة , يتفق أهل السوق على ترك
مساومتها , ويعمدون واحدا منهم يسومها من صاحبها , فإذا لم يجد من يزيد عليه ,
اضطر لبيعها عليه برخص , ثم اشترك البقية مع المشتري , وهذا غبن وظلم محرم , ويثبت
لصاحب السلعة - إذا علم بذلك - الخيار وسحب سلعته منهم ; فيجب على من يفعل مثل هذا
التغرير أن يتركه ويتوب منه , ويجب على من علم ذلك أن ينكره على من يفعله ويبلغ
المسئولين لردعهم عن ذلك .
- رابعا : خيار
التدليس أي الخيار الذي يثبت بسبب التدليس , والتدليس : هو إظهار السلعة
المعيبة بمظهر السليمة , مأخوذ من الدلسة بمعنى : الظلمة ; كأن البائع بتدليسه صير
المشتري في ظلمة , فلم يتم إبصاره للسلعة , وهو نوعان :
النوع الأول : كتمان عيب السلعة .
والنوع الثاني : أن يزوقها وينمقها بما يزيد به ثمنها .
النوع الأول : كتمان عيب السلعة .
والنوع الثاني : أن يزوقها وينمقها بما يزيد به ثمنها .
والتدليس حرام , وتسوغ به الشريعة
للمشتري الرد , لأنه إنما بذل ماله في المبيع بناء على الصفة التي أظهرها له
البائع , ولو علم أنه على خلافها لما بذل ماله فيها .
ومن أمثلة التدليس الواردة : تصرية الغنم والبقر والإبل , وهي حبس لبنها في ضروعها عند عرضها للبيع , فيظنها المشتري كثيرة اللبن دائما , قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تصروا الإبل والغنم , فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك , وإن شاء ردها وصاعا من تمر
ومن أمثلة التدليس تزويق البيوت المعيبة للتغرير بالمشتري والمستأجر , وتزويق السيارات حتى تظهر بمظهر غير المستعملة للتغرير بالمشتري , وغير ذلك من أنواع التدليس . يجب على المسلم أن يصدق ويبين الحقيقة , قال صلى الله عليه وسلم : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا , فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما , وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصدق في البيع والشراء من أسباب البركة , وأن الكذب من أسباب محق البركة , فالثمن وإن قل مع الصدق يبارك الله فيه , وإن كثر الثمن مع الكذب فهو ممحوق البركة لا خير فيه .
ومن أمثلة التدليس الواردة : تصرية الغنم والبقر والإبل , وهي حبس لبنها في ضروعها عند عرضها للبيع , فيظنها المشتري كثيرة اللبن دائما , قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تصروا الإبل والغنم , فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك , وإن شاء ردها وصاعا من تمر
ومن أمثلة التدليس تزويق البيوت المعيبة للتغرير بالمشتري والمستأجر , وتزويق السيارات حتى تظهر بمظهر غير المستعملة للتغرير بالمشتري , وغير ذلك من أنواع التدليس . يجب على المسلم أن يصدق ويبين الحقيقة , قال صلى الله عليه وسلم : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا , فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما , وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصدق في البيع والشراء من أسباب البركة , وأن الكذب من أسباب محق البركة , فالثمن وإن قل مع الصدق يبارك الله فيه , وإن كثر الثمن مع الكذب فهو ممحوق البركة لا خير فيه .
- خامسا : خيار
العيب أي الخيار الذي يثبت للمشتري بسبب وجود عيب في السلعة لم يخبره به
البائع أو لم يعلم به البائع , لكنه تبين أنه موجود في السلعة قبل البيع , وضابط
العيب الذي يثبت به الخيار هو ما تنقص بسببه قيمة المبيع عادة أو تنقص به عينه ,
وترجع معرفة ذلك إلى التجار المعتبرين , فما عدوه عيبا , ثبت الخيار به , وما لم
يعدوه عيبا ينقص القيمة أو عين المبيع , لم يعتبر , فإذا علم المشتري بالعيب بعد
العقد , فله الخيار بين أن يمضي البيع ويأخذ عوض العيب , وهو مقدار الفرق بين قيمة
المبيع صحيحا وقيمته معيبا , وبين أن يفسخ البيع ويرد السلعة ويسترجع الثمن الذي
دفعه للمشتري .
- سادسا : ما يسمى بخيار التخبير
بالثمن وهو ما إذا باع السلعة بثمنها الذي اشتراها به , فأخبره بمقداره ,
ثم تبين أنه أخبر بخلاف الحقيقة , كأن تبين أن الثمن أكثر أو أقل مما أخبره به ,
أو قال : أشركتك معي في هذه السلعة برأس مالي , أو قال : بعتك هذه السلعة بربح كذا
وكذا على رأس مالي فيها , أو قال : بعتك هذه السلعة بنقص كذا وكذا عما اشتريتها به
; ففي هذه الصور الأربع إذا تبين أن رأس المال خلاف ما أخبره به ; فله الخيار بين
الإمساك والرد , على قول في المذهب , والقول الثاني : أنه في هذه الحالة لا خيار
للمشتري , ويجري الحكم على الثمن الحقيقي , ويسقط عنه الزائد , والله أعلم .
سابعا : خيار
يثبت إذا اختلف المتبايعان في بعض الأمور , كما إذا اختلفا في مقدار الثمن , أو
اختلفا في عين المبيع , أو قدره , أو اختلفا في صفته , ولا بينة لأحدهما , فحينئذ
يتحالفان , فيحلف كل منهما على ما يدعيه , ثم بعد التحالف لكل منهما الفسخ إذا لم
يرض بقول الأخر .
ثامنا : خيار
يثبت للمشتري إذا اشترى شيئا بناء على رؤية سابقة , ثم وجده قد تغيرت صفته , فله
الخيار حينئذ بين إمضاء البيع وفسخه , والله أعلم .
باب في أحكام
التصرف في البيع قبل قبضه والإقالة
* نتناول في هذا الباب إن شاء الله أحكام
التصرف في المبيع قبل قبضه - ما يصح وما لا يصح - مع بيان ما يحصل به قبض المبيع
ويعد قبضا صحيحا , وما لا يعد قبضا صحيحا .
* اعلم أنه لا يصح التصرف
في المبيع قبل قبضه إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا أو مذروعا
باتفاق الأئمة , وكذا إذا كان غير ذلك على الصحيح الراجح من قولي العلماء رحمهم
الله , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من ابتاع طعاما , فلا يبعه حتى يستوفيه متفق عليه , وفي لفظ : حتى يقبضه ولمسلم : حتى يكتاله .
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
" ولا أحسب غيره إلا مثله " , أي غير الطعام , بل ورد ذلك صريحا كما روى
الإمام أحمد : إذا اشتريت شيئا , فلا تبعه حتى تقبضه
وروى
أبو داود : نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التاجر إلى رحالهم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه
ابن القيم رحمهما الله : " علة النهي عن البيع قبل القبض عجز المشتري عن
تسلمه ; لأن البائع قد يسلمه وقد لا يسلمه , لا سيما إذا رأى المشتري قد ربح ,
فإنه يسعى في رد البيع ; إما بجحد أو احتيال على الفسخ , وتأكد ذلك بالنهي عن ربح
ما لم يضمن " انتهى .
فيجب على المسلمين أن يتقيدوا بذلك
, فإذا اشترى المسلم سلعة , لم يقدم على التصرف فيها ببيع أو غيره حتى يقبضها قبضا
تاما , وهذا مما يتساهل فيه كثير من الناس أو يتجاهلونه , فيشترون السلع ثم
يبيعونها وهم لم يقبضوها من البائع أصلا أو قبضوها قبضا ناقصا لا يعد قبضا صحيحا ,
كأن يعد الأكياس أو الطرود أو الصناديق وهي في محل البائع , ثم يذهب ويبيعها على
آخر , وهذا لا يعد قبضا صحيحا , يترتب علية جواز تصرف المشتري فيها .
* فإن قلت : ما هو القبض الصحيح
الذي يسوغ للمشتري التصرف في السلعة ؟ فالجواب أن قبض السلع يختلف باختلاف نوعيتها
, وكل نوع له قبض يناسبه , فإذا كان المبيع مكيلا فقبضه بالكيل , وإن كان موزونا
فقبضه بالوزن , وإن كان معدودا فقبضه بالعد , وإن كان مذروعا فقبضه بالذرع , مع
حيازة هذه الأشياء إلى مكان المشتري , وما كان كالثياب والحيوانات والسيارات فقبضه
بنقله إلى مكان المشتري , وإن كان المبيع مما يتناول باليد كالجواهر والكتب ونحوها
فقبضه يحصل بتناول المشتري له بيده وحيازته , وإن كان المبيع مما لا يمكن نقله من
مكانه ; كالبيوت والأراضي والثمر على رءوس الشجر , فقبضه يحصل بالتخلية , بأن يمكن
منه المشتري , ويخلى بينه وبينه ليتصرف فيه تصرف المالك , وتسليم الدار ونحوها بأن
يفتح له بابها أو يسلمه مفتاحها .
* وقد مر من الأحاديث في النهي عن
التصرف في المبيع قبل قبضه المعتبر شرعا ; لما في ذلك من المصلحة للمشتري والبائع
; من قطع النزاع , والسلامة من الخصومات التي كثيرا ما تنشب بين الناس بسبب
تساهلهم في القبض وعدم تفقد المشتري للسلعة واستيفائها بالوفاء والتمام وانقطاع
عهدة البائع بها , وهذا أمر ينبغي للمسلم التقيد به وتطبيقه في معاملته .
* وكثير من الناس اليوم يتساهلون
في قبض السلع , ويتصرفون فيها قبل القبض الشرعي , فيرتكبون ما نهى عنه الرسول صلى
الله عليه وسلم , فيقعون في الخصومات والمنازعات , أو يصابون بالندامة عندما تنكشف
لهم السلعة على حقيقتها وقد تورطوا فيها ; فلا يستطيعون الخلاص منها إلا بمرافعات
ومدافعات , وهكذا كل من خالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يندم ويقع
في الحرج .
* ومما حث عليه الرسول صلى الله
عليه وسلم ورغب فيه : إقالة أحد المتعاقدين للآخر
بفسخ البيع عندما يندم على العقد أو تزول حاجته بالسلعة أو يعسر بالثمن , قال
النبي صلى الله عليه وسلم : من أقال مسلما أقال الله عثرته يوم القيامة
والإقالة
معناها : رفع العقد , ورجوع كل من المتعاقدين بما كان له من غير زيادة ولا نقص ,
وهي من حق المسلم على أخيه المسلم عندما يحتاج إليها , وهي من حسن المعاملة , ومن
مقتضى الأخوة الإيمانية .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire