el bassaire

vendredi 18 novembre 2016

شروط الحديث الصحيح

شروط الحديث الصحيح
 تعريف - العدالة و الضبط و الشاذ ثم العلة.
شرح متن البيقونية
لفضيلة الشيخ/ طارق عوض الله

https://www.facebook.com/%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-339770209494505
https://al-bassair.blogspot.com

إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب71,70].
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى, وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, وبعد:

في اللقاء الماضي تكلمنا عن تعريف الحديث الصحيح, وذكرنا ما يتعلق بأول شرط من شرائطه, ألا وهو: اتصال الإسناد, فأخذنا في شرح معنى الإسناد وتصور هذا المعنى عند علماء الحديث.
واليوم بإذن الله -تبارك وتعالى- نكمل حديثنا عن باقي شرائط الحديث الصحيح, فنقف أولًا عند الاتصال.
قول الناظم -رحمه الله تعالى-
ما معنى كون الإسناد متصلًا؟ نحن ذكرنا أن الإسناد هو الإخبار عن طريق المتن, أو حكاية طريق المتن, فما معنى كون هذا السند متصلًا؟
معنى هذا: أن كل راوٍ من رواة هذا الإسناد إنما روى الحديث عمن تلقى الحديثَ عنه بالفعل. بمعنى: أنا عندما طلبتُ الحديث سمعته من شيخي, وشيخي سمعه من شيخه, وهكذا إلى أن وصل الإسناد إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-, فبالضرورة لكي يكون الإسناد متصلًا؛ لا بد عندما أروي ذلك السن أرويه كما تحملته, فأرويه عن شيخي الذي أخذت عنه ذلك الحديث, وشيخي يرويه عن شيخه الذي أخذ عنه ذلك الحديث, هكذا إلى أن يصل بالحديث إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
إذن: يكون كل راوٍ قد أخبر بحقيقة الإسناد, أخبر بما قد تمَّ بالفعل أنه أخذ الحديث عن شيخه الذي تحمل الحديث عنه, وشيخه قد أخبر أنه أخذه عن الشيخ الفلاني الذي قد تحمل فعلًا الحديث عنه إلى أن وصل الحديث والإسناد إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
فإن الرواي روى الحديث على هذا النحو لأنه أخبرنا بكل من روى الحديث من أوله, من أول الإسناد إلى منتهاه حيث وصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-, فهذا إسناد متصل, فكل راوٍ روى الحديث عمن تحمل عنه الحديث بالفعل.
لكن ليس ذلك يقع دائمًا, أحيانًا يقع في الإسناد ما يسمى عند العلماء بالسقط, ما معنى السقط؟ أي أن لا يذكر بعض الرواة الذين في الإسناد, أنا أخذتُ الحديث عن محمد, ومحمد أخذه عن عليٍّ, فإذا ما رويت الحديث عن محمد عن عليٍّ فالإسناد متصل. لكنني إذا رويته عن عليٍّ مباشرة بعد إسقاطي لمحمدٍ الذي هو الواسطة بيني وبين عليٍّ, هل يكون ذلك الإسناد متصلًا؟ لا, لا يكون متصلًا, لماذا؟ لأن هناك راوٍ من أثناء الإسناد لم يذكر, سقط, سقط ذكره, لم يذكر في الرواية حيث رواها الراوي.
وما دام أن الرواي لم يذكر, إذن هناك انقطاع, وهناك عدم اتصال, هناك سقط في الإسناد, وهذا السقط يضر بالحديث, لأننا عندما نكون بين يدي إسناد وقع فيه سقط راوٍ أو أكثر؛ نحن لا نعرف هذا الراوي أهو من الثقات أم من غير الثقات.
لو ذُكرَ اسمه وذُكرّ في الإسناد لعرفنا أهو من الثقات أم من غير الثقات, وعليه نعرف أهو مقبول الرواية أم ليس مقبول الرواية, لكنه لم يُذكر, فإذا لم يذكر فلا سبيل أمامنا لكي نعرف أهو من الثقات أم من غير الثقات, لأن معرفتنا بكون ثقة أم غير ثقة مبني على معرفتنا بشخصه "ثبت العرش ثم انقش", فإذن نعرف حقيقة هذا الرجل, ولا عين هذا الرجل ولا هذا الشخص؛ فكيف لنا أن نعرف أهو من الثقات أم من غير الثقات؟!!
من هذه الحيثية كان من الضروري جدا لكي يكون الحديث صحيحًا مقبولًا محتجًا به أن يكون إسناده متصلًا, يمعنى أن يكون كل راوٍ من رواة الإسناد الذين رووا الإسناد بالفعل مذكورًا في الإسناد.
هذا معنى كون الإسناد متصلًا, بطبيعة الحال هذا الاتصال أحيانًا يكون عن طريق السماع, بمعنى أن الرواي عندما تلقى الحديث عن شيخه سمع لفظ الشيخ, جلس مجلسًا من مجالس العلم التي تُروى فيها الأحاديث بالأسانيد إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-, الشيخ يملي الأحاديث والطالب يتلقى -كما هو الحال الآن- فالشيخ يتكلم والطلبة يستمعون, فهذا النوع من التلقي هو أعلى مراتب تحمل الحديث, وهو الذي يسمى عندهم بالسماع, سماع لفظ الشيخ, أن يأتي الشيخ فيعقد مجلسًا فيحدث بالحديث, هو الذي يسمع الناس, والناس يسمعون لروايته من فمه, فهذا التلقي هو من أعلى المراتب.
لكن هناك مراتب أخرى في التلقي, فهناك ما يسمى عن العلماء بالعرض أو القراءة, كما نعرف ذلك في تلقي القرآن على المشايخ, فالطالب هو الذي يقرأ على الشيخ, والشيخ يقرُّ تلك القراءة, كذلك كان موجودًا في رواية الحديث هذا النوع من التلقي, أن يجلس الشيخ في مجلس وهناك القرائ الذي يقرأ الحديث من كتاب, سواء هذا الكتاب هو أصل الشيخ أو نسخة أخذت عن أصل الشيخ, فيقرأ تلك النسخة بين يدي الشيخ, والشيخ يقرُّ تلك القراءة أو يصحح ما عَنَّ فيها من أخطاء, ثم بعد أن تنتهي هذه القراءة يُجيز الشيخ لهذا الطالب أن يروي عنه ذلك الكتاب الذي هو مأخوذ عن أصله المعتمد. هذا نوع من أنواع التلقي يسمى بالعرض, ويسمى أيضًا بالقراءة على الشيخ. وهذا عند جمهور المحدثين منزلته كمنزلة السماع, هناك من يفضل هذا النوع على السماع, وهناك من يفضل السماع على القراءة, لكن الذي عليه جمهور أهل العلم -عليهم رحمة الله تعالى جميعًا- هو أن التلقي عن االشيخ سواء عن طريق سماع لفظ الشيخ أو عن طريق القراءة والعرض كلاهما في المرتبة سواء.
هناك ما يسمى بالإجازة, الإجازة ولها صور متعددة, من أعلى صورها: ما يسمى بإجازة معيَّن لمعيَّن, بمعنى أن يأتي الشيخ بكتاب من كتبه التي يرويها, سواء مثلًا كتاب صنفه هو أو كتاب له فيه هو سماع أو قراءة أو إجازة, مثلًا عنده نسخة من صحيح البخاري, من صحيح مسلم, من بعض الكتب المشهورة المعتمدة, فهذا الكتاب يجيز لتلامذته أو لبعض تلامذته أن يرووا عنه ذلك الكتاب, فهو أجاز الكتاب والكتاب شيء معروف معين.
فيقول للطالب: أجزتُ لكل, أو لفلان بن فلان صحيح البخاري, فهو أجاز لمعين -أعني الرواي- فسماه باسمه, أجزتُ فلان بن فلان, عيَّنه, ولم يقل مثلًا: أجزتُ المسلمين, أو أجزتُ أهل الأرض, أو أهل الزمان والعصر؛ وإنما أجاز شخصًا بعينه, يقول له: أجزتُ فلان بن فلان, أو أجزتك الكتاب الفلاني, فيعيِّن أيضًا الكتاب, وهذا من أعلى مراتب الإجازة عند علماء الحديث, أن يجيز راويًا معينًا, أو تلميذًا معينًا بكتاب معين, وهذا أيضًا يفيد الاتصال, بمعنى أن هذا التلميذ إذا ذهب وأخذ يروي ذلك الكتاب عن ذلك الشيخ الذي أجازه بهذا الكتاب؛ فإنه حينئذ يكون إسنادًا متصلًا.
إذن: ليس بالضرورة أن يكون الإسناد متصلًا أن يسمع الروي لفظ الشيخ, وإنما أن يكون تحمل الحديث بطريقة من الطرق التي تُعتمد عند العلماء كوسيلة لتلقي الحديث, وهناك طرق أخرى لكن هذه الطرق هي أشهر ما لدى المحدثين من طرقٍ لتحمل الأحاديث.
حينئذ يكون الإسناد متصلًا, يكون الإسناد متصلًا وقد تحقق فيه الشرط الأول من شرائط قبول الحديث.
عرفنا اتصال الإسناد, وعليه نحن عرفنا كل راوٍ من رواتة هذا الإسناد, أي عرفنا هذا الشخص, هذا المعين, هذا المسمى, لكن يبقى بعد ذلك أن نعرف حاله, لأن هذا الراوي الذي عرفناه قد لا يكون ثقة فلا يُقبل حديثه؛ إنما معرفتنا بشخص تساعدنا على معرفة حاله, وعليه بالضرورة نعرف منزلة حديثه وروايته, فليس الغرض أن نعرف الشخص من حيث هو شخص, ليس هذا هو المقصود في ذاته, إنما نعرف هذا الشخص عن طريق اتصال الإسناد, وأن يسم كل راوٍ في الإسناد لكي نعرف بعد ذلك أهو من الثقات قيُقبل حديثه؟ أم ليس من الثقات فلا يُقبل حديثه, ولهذا كا لا بد من اشتراط شرائط أخرى بعضها يتعلق بالراوي الذي عرفناه, وبعضها الآخر يتعلق بالرواية نفسها.
فما يتعلق بالراوي: هو أن يكون الراوي قد تحقق فيه شرطان أساسيان, هذان الشرطان إذا كا تحققا في الراوي يكون الراوي حينئذٍ مقبول الرواية,

أي أن كل راوٍ من هؤلاء الرواة الذي هم راوة ذلك الإسناد لا بد وأن يكون موصوفًا بوصفين: الوصف الأول: العدالة, عدل.
الوصف الثاني: الضبط.
ذكرنا معنى العدالة ومعنى الضبط في اللقاء الماضي إجمالًا, حيث جاء ذكر العدالة والضبط عرضًا عندما كنا نتكلم عن الراوي الثقة, لكن اليوم نريد أن نقف عن معنى العدالة علميًا, وعن معنى الضبط علميًا عند علماء الحديث -عليهم رحمة الله تعالى-
قلنا: إن العدالة هي الديانة والأمانة, كيف يتحقق ذلك؟ كيف نعرف أن هذا الراوي عنده أمانة, عنده ديانة, لا يكذب, لا يتعمد كذبًا على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولا غيره من الناس؟ حتى يكون حينئذ موصوفًا بالعدالة.
العلماء يقولون: هناك شرائط إذا ما تحققت في الراوي كان عدلًا:
الشرط الأول: أن يكون مسلمًا, لأن الكافر ليس عدلًا, لأنه كفر بالله -عز وجل- فوقع في أكبر الكبائر, ومثل هذا لا يكون عدلًا, فالكافر ليس عدلَا, بمعن: هذا الكافر إذا شهد شهادة أمام قاضٍ من القضاة, أتقبل شهادته؟ فكيف تُقبل روايته؟!! وشأن الروية أعظم من شأن الشهادة, فإن غاية الشهادة هي ردُّ الحقوق إلى أهلها, بخلاف الرواية فإنها ينبني عليها دين الله -عز وجل- فيُعرف من الرواية الحلال والحرام, وما يجوز وما لا يجوز, وما يتعلق بأخبار الجنة وأخبار النار, وأخبار رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-, وغير ذلك من الأمور التي تمسُّ أمر الدين, فكان شأن الرواية أعظم من شأن الشهادة, فإذا لم تُقبل شهادة الكافر فكيف تُقبل روايته؟!! واحد.
2- أن يكون مكلفًا, لا يكون صبيًا لا يميز الأشياء ولا يعقل الأمور؛ وإنما يكون قد بلغ السن التي تجري فيه عليه الأحكام, حينئذ يصح وصفة بكونه عدلًا, فالطفل الصغير الذي لا يميز الأشياء, ولا يعرف الحلال من الحرام, ولا ما يجوز وما لا يجوز, لا يوصف لا بعدالة ولا بغير عدالة, فمثل هذا لا تقبل روايته, لا تقبل لأنه ليس موصوفًا بالعدالة.
طبعًا واحد يسألني, يقول لي: يا شيخ, العلماء تكلموا في كتب علوم الحديث -واحد يكون عنده بعض الاطلاع- فيقول: العلماء اختلفوا متى يصح سماع الصغير, فمنهم مَن جوَّز سماع الصغير مطلقًا, ومنهم مَن قيَّده بسنٍ معينة, ومحمود بن الربيع وهو صحابي من صغار الصحابة عقل مجَّة عن رسول الله مجَّها في وجهه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-, وكان وقتئذ سِنَّهُ خمس سنين, وقيل أربعة, فكيف تقول إن العدل لا بد أن يكون مكلفًا قد جرى عليه التكليف, وقد بلغ السن الذي يحاسب فيه؟!!
نقول: هناك فرق, وهنا يأتي المحكّ, ودائمًا وأبدًا ننبه إخواننا من طلبة العلم إلى فهم كلام العلماء ووضعه في موضعه اللائق به.
فرق بين تحمل الحديث وبين رواية الحديث, فقد يتحمل الحديث من ليس عدلًا, ويجوز ذلك, لكنه لا يقبل منه الحديث إذا رواه وقت أن تحقق بصفة العدالة.
نقول مرة ثانية: العدالة لا تُشترط عند تحمل الحديث, إنما يشترطها العلماء متى؟ عند روايته للحديث, قد يكون الرجل كافرًا يسمع حديثًا في حال كفره, ثم يسلم بعد ذلك فيروي ما قد تحمله وهو كافر, يقبل ذلك منه أم لا؟ يُقبل. لماذا؟ لأنه لما رواه رواه وهو موصوف بالعدالة, أما إذا روى ما تحمله في حال كفره وهو كافر, يعني رواه وهو كافر؛ لا يُقبل.
مثل مَن؟ سيدنا أبو سفيان -رضي الله عنه وأرضاه- أسلم متى؟ عام فتح مكة. صح الكلام؟
ومعلوم أنه دارت له حكاية طويلة في قصة الحديبية, الطويلة التي رواها البخاري ومسلم, البخاري في أوائل الصحيح, وفي مواضع أخرى أيضًا داخل الصحيح, هذه القصة عام الحديبية, أي كانت وقت أن كان كافرًا -أعني أبا سفيان- لأن أبا سفيان أسلم متى؟ عام الفتح, وعام الفتح بعد الحديبية بزمن.
إذن هذه القصة الت حكاها أبو سفيان وقعت حال إيمانه أم حال كفره؟ حال كفره, لكنه بع أن أسام -رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام- حدَّث ابن عباس بهذه الحكاية بطولها, فالعلماء اعتمدوا ذلك واحتجوا به, وأدخلوه في كتبهم في الصحاح, لماذا؟ لأنه إنما حدَّث به بعد ماذا؟ أسلم فصار عدلًا, فالعدالة لا تشترط عند التحمل, إنما تشترط عند الرواية والنقل لما قد تحمله أولًا, ومن هنا نفهم كلام العلماء, كلام العلماء اختلفوا في ماذا؟ متى يصح سماع الصغير, أي تحمل الصغير, هنا اختلفوا في السن الذي يصح فيه التحمل, لكن لم يختلفوا أنه لا يجوز له أن يروي وهو صغير لم يبلغ الحلم, إنما يجوز له ذلك عندما يبلغ فيصير عدلًا.
إذن: الشرط الأول: أن يكون مسلمًا.
الشرط الثاني أن يكون: مكلفًا.
الشرط الثالث: ألا يكون متلبسًا بالفسق, لا يشرب الخمر, لا يزني, لا يفعل أي أمر من الأمور التي تستوجب الفسق.
واضح؟
ومن الفسق أيضًا: الكذب, صح الكلام؟ لكن الذي يكذب في كلام الناس فإن تاب وأناب واستغفر من كذبه وصار بعد ذلك صادقًا؛ يُقبل ما قد رواه بعد صدقه وبعد توبته, إلا مِن عُرفَ عنه تعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- خاصة, لماذا؟ تعظيمًا لشأن حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وتوبيخًا لِمَن تجرأ فكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولو مرة في حياته, توبته بينه وبين ربه -سبحانه وتعالى- لكنه لا يُقبل حديثه أبدًا حتى بعد توبته إذا ما ثبت عنه تعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إجلالًا لحديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وتوبيخًا لهذا الذي تعمَّد وسوَّلت له نفسه في يومٍ من الأيام أن يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي الكذب عليه ليس كالكذب على سائر الناس -صلى الله عليه وآله وسلم-
إذن: الشرط الثالث: لا يكون متلبسًا بالفسق.
الشرط الرابع: لا يكون متلبسًا بخوارم المروءة, ما هي خوارم المروءة؟ خوارم المروءة هي من الصغائر, ليست من الكبائر, ولكنها صغائر تدل على خسَّة نفس صاحبها, نسميها خوارم المروءة, واضح؟ كما عبر عن ذلك بعض أهل العلم, حيث قال في وصف خوارم المروءة بقول: "بصغائر الخسَّة" ما صغائر الخسة؟ نحن نعلم أن السرقة حرام, صح الكلام؟ لكن واحد يسرق لقمة, يسرق "سندوتش", يدخل مطعم فيسرق سندوتش, هل هذا تقطع يده؟ لا تقطع يده, لأنه لم يسرق.., الرسول قطع في ربع دينار فصاعدًا, فالسندوتش لا يقطع فيه يده السارق, لكنه يدل على أنه إنسان خسيس, أمثل هذا يؤتمن على حديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام-؟ لا, لا يؤتمن على حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
هذه هي الخوارم.
أيضًا ذكر العلماء امور كثيرة تدخل تحت خوارم المروءة, منها مثلًا: الأكل في الطرقات, كان السلف -رضي الله عنهم - يعتبرون هذا من خوارم المروءة, طبعًا اليوم الذي يأكل في بيته هو المخروم المروءة! كله "تيك واي", لكن هذا كان السلف -رضي الله عنهم- ما كانوا يعرفون أن الواحد يمشي في الطريق ماسك سندوتش يأكله, هذا شيء يعتبرونه من العيب, من خوارم المروءة, واضح؟
يعني فيه قصة يحكيها الخطيب البغدادي في كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" أن رجلًا جلس بباب المدينة, طبعًا المدن قديمًا كانت لها أسوار وأبواب عملاقة, وكانت تلك الأبواب مثل الميادين العامة الآن, لأن معنى باب في المدينة يعني ناس داخلة وناس خارجة, تصير كميدان التحرير مثلًا, ميدان رمسيس, ميدان العباسية, ميادين عامة, فواحد قاعد على باب المدينة -مثل باب المندب أو شيء- ويأكل, والناس يذهبون ويجيئون أمامه, فقال له رجل: ألا تستحي أن تأكل والناس يمرون من أمامك؟ طبعًا يعني حتى الناس يعتبرون هذا من العيب, ليس فقط العلماء حتى الناس عمومًا, فقال يا أخي: لو أنك جلست في حظيرة بقر أكنت تستحي أن تأكل أمام البقر؟ قال له: لا, قال: تعالَ حتى أُعلِمُكَ أنهم بقر, يريد أن يقول له: ليس هؤلاء من يستحي الواحد أن يأكل أمامهم.
فجلس في مكان عالٍ, وقال: أيها الناس استمعوا, أيها الناس استمعوا, ثم قال -طبعًا وهذا كذب, لكن القصة هكذا: حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "مَن بلغ طرف لسانه أرنبة أنفه دخل الجنة", فإذا بالناس -وهم عوام طبعًا من رعاع الناس- كل واحد يحاول يخرج لسانه ويبلغ به إلى أرنبة أنفه, من يفعل هكذا؟ البقرة. فقال له: ألم أُعْلِمكَ أنهم بقر؟!!
يعني هذه قصة لطيفة تُذكر في هذا السياق, لكن كان بعض السلف..., طبعًا اليوم من خوارم المروءة من يمشي "وكم من شحطٍ أطال الله قامته لا يصلح إلا لجرِّ الحناطير", واحد يمشي طول وعرض, ولابس"شورت" أو "مايوه" في الطريق مثلًا, خوارم مروءة, لن نقول له: حلال أو حرام, لكن هذا يعتبر في عرف الناس شيء مستهجن.
ولذلك يقول الخطيب البغدادي: "إن خوارم المروءة تختلف من زمان إلى زمان, ومن مكان إلى مكان" بحسب أعراف الناس, واضح.
الشرط الخامس: ألا يكون مغفلًا, من هو المغفل؟ المغفل له معنى عام ومعنى خاص.
المعنى العام: هو الذي لا يميز حقيقة الأشياء.
ليس مغفل. بمعنى: تعطيه ربع جنيه جديد, ورقة جديدة, وهو معه عشرة جنيهات قديمة, تقول له: خذ هذه وأعطني هذه؛ يفرح! هو يريد الجديد, ما يعرف قيمة هذه ولا قيمة هذه! هذا مغفل.
وفيه قصة تُحكى عن رجل اسمه سالم العلوي لما سئل عن ابن معين, قال: "ذاك الذي يرى الهلال قبل الناس بيومين", يطلع ليلة سبع وعشرين أو ليلة ست وعشرين ويشاهد الهلال, ويقول: هذا هو الهلال, يتصور أشياء على غير حقيقتها, فهذا معنى عام.
المعنى الخاص الذي يعنيه المحدثون من قولهم: "إن فلانًا مغفل": هو الذي لا يميز حديثه من حديث غيره.
بمعنى: كل راوٍ من الرواة سمع أحاديث ولم يسمع أحاديث, سمع أحاديث وغيره أحاديث لم يسمعها هو, فإذا جاءه رجل وقال له: أنت حدثتنا بالحديث الفلاني -يعني من غير الأحاديث التي هي من أحاديثه- فلا يميز حديثه من حديث غيره, ويقول له: نعم, أنا حدثتك. فكل مَن جاءه يقول له: أنت حدثتني, فيقول له: نعم حدثتك, أو أنت أعلم بما قد حدثتك به. لا يميز حديثه من حديث غيره.
وهذا الذي يسمى عند العلماء بـ"قابل التلقين" كلما لُقِّنَ حديثًا يقبل ذلك التلقين, فهذا مغفل, لا يقبل حديثه أبدًا لأنه لا يميِّز حديثه من حديث غيره, كم قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى: "كل مَن لا يعرف حديث من حديث غيره فلا أروي عنه" هذا هو العدل, هذا هو الرجل العدل.
الشرط الآخر: الضبط, الضابط, مَن هو الضابط؟
نحن قلنا آنفًا في اللقاء الماضي: قد يكون رجل عنده ديانة, عنده أمانة, لكنه ليس عنده حفظ ولا إتقان ولا تثبُّت, وهذه هبة من الله -عز وجل- يمنحها لبعض عباده, فقد يكون الرجل على خلق وعلى دين وعلى تقوى وعلى زهد؛ ولكن لم يُرزق هذه النعمة, نعمة الحفظ, هناك من يحفظ, وهناك مَن لا يحفظ, ولا علاقة بين الحفظ وبين ماذا؟ العدالة, قد يكون الرجل عدلًا ليس ضابطًا, وقد يكون عدلًا وهو ضابط, وقد يكون ضابطًا وليس عدلًا, لا بد لكي يكون مقبول الرواية أن يتحقق فيه الأمران, فليس كل مَن روى الحديث ولا جمع الأحاديث ولا حفظ الأحاديث هو ضابط لها ولا متقن.
ومثل واحد كأبي مريم, كان يُلقب بـ "نوح الجامع", كان يُلقَّب بماذا؟ بـ" نوح الجامع", لماذا؟ قالوا: لأن جمع كل شيء إلا الصدق, يعني كان جمَّاعًا للعلم حافظًا له, لكنه كان كذَّابًا -للأسف- فكانوا يسمونه بالجامع, يلقبونه بذلك, قالوا: لماذا؟ لأنه جمع كل شيء إلا ماذا؟ الصدق؛ فخسر كل شيء. واضح؟
ما هو الضبط؟ الضبط هو الإتقان, هو التثبت, كيف يتحقق ذلك؟
العلماء نظروا إلى الرواة واستقرؤوا أحوال الرواة, فتبيَّن لهم أن هناك مَن يجمع أحاديثه في صدره, يحفظها عن ظهر قلب, وهناك مَن لم يرزق هذه النعمة, ولكنه مع ذلك متقن, كيف؟ قالوا: لأنه جمع أحاديثه في كتبه, وكتبه مراجعة مقابلة منقحة مصححة, فليس كل راوٍ بالضرورة يكون حافظًا لحديثه في صدره, قد يكون حديثه مجموعًا في صدره, وقد يكون حديثه مجموعًا في كتابه, والكتاب مراجع ومنقح ومصحح, واضح؟
وقد يكون حديثه كذلك في كتابه وهو أيضًا حافظٌ لما في كتابه, يكون جمع بين الحُسْنَيين, فالناس مراتب.
فيقول العلماء: الضبط نوعان:
- ضبط صدرٍ         - وضبط كتابٍ
ضبط الصدر: هو أن يحفظ أحاديثه في صدره, ويكون متقنًا لها متثبتًا, ويكن عنده المقدره لاستحضار الحديث وقتما يشاء, فإذا ما رواه يرويه كما تحمله من غير أن يُخطِئ فيه لا يزيد فيه ولا ينقص, لا يقدم فيه ولا يؤخر. هذا ضابط.
النوع الآخر: ضبط الكتاب, وهو: أن يكون حديثه في كتابه من يوم أن تحمله إلى أن رواه, والكتاب مراج مصحح منقح مقابل بأصله, ثم الكتاب محفوظ لديه عنده, لا يعيره لغيره, فربما إذا ما أعاره لغيره غيرُه يفسد في الكتاب, وهو لا يدري بما حدث في الكتاب, لم تكن الكتب وقتئذٍ مطبوعة, يتميز الخط المكتوب باليد عن الخط المكتوب بالطباعة, وإنما كان كله باليد, فربما زاد بعض الناس حديثًا أو شيئًا بين الأسطر فلا يتبين له ولا يميزه, اللهم إلا إذا كان قد أعار الكتاب مَن يثق فيه واطمأنت نفسه وسكن قلبه إلى أن هذا الكتاب لن يتغيَّر, وأن مَن أعاره الكتاب لم يُغيِّر في الكتاب شيئًا؛ فهذا لا يضر.
المهم تطمئن نفسه إلى أن الكتاب رجع إليه كما قد خرج من عنده.
فإذا ما روى من كتابه فحينئذٍ قد تحقق فيه وصف ماذا؟ ضبط الكتاب, فنقول حينئذ: مَن كان ضبطه ضبط صدرٍ له أن يروي من حفظه.
ومن كان ضبطه ضبط كتاب؛ ليس له أن يروي إلا من كتابه, فإن روى من حفظه لا يُقبَل منه.
ومن جمع بين الحسنيين, كتابه مضبوط منقح مصحح, وهو أيضًا حافظ لما في كتابه, فمثل هذا يجوز له أن يروي من كتابه, ويجوز له أن يروي من حفظه, وفي كلا الحالتين هو موصوف بالضبط, لكن الأفضل له أن يُحدِّث من كتابه, لأن الكتاب أتقن وأبعد عن الخطأ والنسيان, فالحفظ مهما كان خوَّان, ولهذا نجد أن العلماء الكبار, الحفاظ الأثبات كانوا في الغالب الأعمّ يرون من كتبهم مع كونهم حافظين لها, بخلاف مَن كان يعتمد على حفظه مع إتقانه وثقته وقعت منه بعض الأخطاء المعروفة عند أهل العلم.
مثل الإمام أحمد بن حنبل, الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- كان موصوفًا بالوصفين, كانت عنده كتبه, وكانت كتبه من أجود الكتب وأصحها ومع ذلك كان حافظًا له, ومن إتقانه وتثبته -رحمه الله ورضي عنه- ما كان يُحدِّث إلا من كتاب, كما يقول عليّ بن المديني -رحمه الله: "أمرني سيدي أحمد بن حنبل ألا أحدِّث إلا من كتاب", غاية في الإتقان وماذا؟ والتثبُّت.
أحمد هذا من إتقان وحفظه لكتبه كان يقول لابنه عبد الله: "يا بني افتح أي كتاب من كاتب واذكر لي السند أذكرُ لك المتن, اذكر لي المتن أذكرُ لك السند", المسألة بسيطة جدًا, ليس فيها مشاكل عنده, طبعا لم يكن عنده كتاب مثل هذا.
لما مات -رحمه الله- أرادوا أن ينقلوا كتبه من مكان لآخر, واضح؟ فوضعوا كتبه على ستة عشر بعير, طبعًا ستة عشر يعني كل بعير يحمل كم كتاب! طبعًا الكتب كانت كلها بخط اليد, طبعًا مثلًا الكتاب, المجلد كان زمان, الذي هو السفر يعني, لو المجلد 1000 صفحة, 500 صفحة, 700 صفحة, لو طُبع اليوم ممكن يكون في 10 مجلدات, المجلد هذا فقط. هكذا كانوا من الحفظ.
الإمام ابن عمرو بن أبي عاصم أراد أن يكتب من حفظه أحاديث -هذا نموذج من الحفظ عندهم- فوجد صاحب دكان كلما أغلق دكانه في الليل ترك مصباحًا على باب الدكان, فعنت له فكرة, أن يأتي كل ليلة بعد أن يغلق صاحب الدكان دكانه, ويأتي بالأوراق فيكتب ما يحفظه في صدره من الأحاديث في الأوراق, فلما فعل هذا مدة فكتب بيده من حفظه ثلاثين ألف حديث فقط, طبعًا الحديث عندهم سند ومتن, كتب من حفظه في أوراقه كم حديث؟ ثلاثين ألف حديث, ثم تذكر بعد ذلك -هذا هو الورع- تذكر بعد ذلك أنه لم يستأذن من صاحب المصباح, فأخذ الأوراق فألقاها في النهر ثم كتبها ثانية.
فهذا نموذج من حفظ هؤلاء الأعلام -رضي الله عنهم ورحمهم الله عز وجل-
طيب.. هنا العدالة والضبط, عندنا إسناد متصل, كل راوٍ من رواة الإسناد عرفناه, عرفنا أنه عدل وأنه ضابط.
واحد يأتي يقول: يا شيخ, عرفنا أن هذا الرجل عدل ضابط, هل نأمن عليه الخطأ؟ أهو معصوم من الغلط؟ أم العصمة دفنت بموت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وليس هناك معصوم بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ؟
نقول له: لا. يخطئ, طيب.. ما أدرانا, هذا الرجل الذي تصفه بالعدالة والضبط أليس من الممكن أن يقع منه الخطأ عن غير قصد ولو مرة في حياته؟ ولو في حديثين, ثلاثة؟
نقول له: نعم, وارد.
طيب.. كيف نميز هذا؟ إذن أنتم يا محدثين ليس عندكم ضوابط كاملة, لا تستطيعوا أن تعطونا أحاديث نطمئن إلى صحتها؟ صح أم لا؟ لأنكم تعتمدون على رواة أنتم تقولون أنهم عدول ضابطون ومعترفون أنهم من الممكن أن تقع لهم أخطاء, فكيف تحتاجون إلى تلك الأخطاء؟
نقول: لا, لم يمر هذا على المحدثين, ولهذا قالوا ماذا؟ ولم يشذ أو يعل. اشترطوا في صحة الحديث شرطين آخرين متعلقان بالرواية لا بالراوي.
الشرطان المتعلقان بالراوي هما: العدالة والضبط.
لكن هناك شرطان آخران لا علاقة لهما بالراوي, إنما تعلقهما بماذا؟ بالرواية نفسها, أن تكون الرواية سالمة من الشذوذ, وأن تكون الرواية سالمة من العلة. أفهمني! ما معنى سالمة من الشذوذ سالمة من العلة؟
نحن قلنا, نحن نعلم أن الراوي بشر من البشر, يصيب كما يصب الناس, ويخطئ كما يخطئ الناس.
كونه عدلًا ضابطًا يجعلنا نطمئن إلى أن أغلب أحاديثه سواء, لكن هل نستطيع أن نجزم بأن كل أحاديث صواب؟ لا, لا نجزم بهذا.
إذن: هناك بعض الأخطاء, كيف نضع أيدينا على تلك الأخطاء ونميزها؟ عن طريق تحقق سلامة الحديث من الشذوذ والعلة.
اشرح لي.
نقول: الشذوذ والعلة هما سببان يعتريان الرواية نفسها, يدل كل منهما على أن هذا الراوي الثقة الذي هو في الأصل يصيب أخطأ في هذا الحديث بعينه.
نقول مرة ثانية: كون الراوي عدلًا ضابطًا يجعلنا نطمئن إلى أن أغلب أحاديثه صحيحة, صواب, صح الكلام؟ لأنه متقن ضابط, لكن قد يُخطئ مرة في حياته.

من شرَِ حَاسِدِهِمْ بعَيْب واحدِ


شَخَصَ الأنامُ إلى كمالك فاستَعِذْ


كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ


وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها


كل إنسان عرضة للخطأ, سيدنا يحيى بن معين -رحمه الله- يقول: "لست أعجب ممن يخطئ, إنما أعجب ممن لا يخطئ", هذا هو الذي يُتعجَّب له, كيف لا يخطئ وهو بشر من البشر؟!!
العلماء يقولون: هذا الرواي الثقة أخطأ في هذا الحيديث, كيف؟ يقولون: شُبِّه له, أخطأ عن غير قصد, توهَّم شيئًا على غير حقيقته.
كيف عرفتم ذلك؟ نظرنا في روايته فعرفنا كونها خطأ, يعني تلك الرواية بعينها, لا كل رواياته.
ما الذي لاحظتموه في الرواية فعرفتم من خلاله أنه خطأ؟
قالوا: نعم, العلماء -عليهم رحمة الله- كل راوٍ من رواة الحديث وضعوا أحاديثه تحت المنظار, درسوها دراسة مستفيضة, بحيث عرفوا ما أصاب فيه وما أخطأ فيه, كيف يعرفون ذلك؟
بأحد أمرين, وهذا أمران كُليَّان يندرج تحت كل منهما فروع كثيرة.
الأمر الأول: الاختلاف, كيف؟ أن يأتي الرواي فيروي حديثًا -هو ثقة نعم على العين والرأس- لكننا وجدنا مَن أوثق منه مَن هم أكثر عددًا منه رووا نفس الحديث فخالفوه سواء في الأسناد أو في ماذا؟ في المتن, فنفهم من تلك المخالفة أن هذا الراوي الذي خالف الأحفظ والأوثق والأتقن والأكثر عددًا أخطأ في هذا الحديث بعينه, واستدللنا بتلك المخالفة على كون ذلك الراوي الثقة أخطأ هاهنا على وجه التحديد.
مثلما يكون رجل نحن نثق فيه, ثم يأتي فيخبرنا بخبر, ثم نفجأ أن هناك مَن هو أوثق أو عدد كثير من الثقات يقولون شيئًا بخلاف ما قال, نقول: انت عندنا ثقة ولكنك توهمت, أخطأت عن غير قصد في هذا الموضع, وجلَّ مَن لا يسهو, أليس كذلك؟
وهنا نجعل هذا الحديث شاذًا أو معلولًا, ولا نقبله ونرده, ولا نحكم له بالصحة مع كوننا نعترف بأنه راوٍ ماذا؟ ثقة, لأن الثقة إذا أخطأ مرتين أو ثلاثة نقول: هو ثقة ويُشتثنى من حديثه ما قد أخطأ فيه, إنما الضعيف هو الذي يُخطئ كثيرًا, ليس من شأن الثقة ألا يُخطئ أبدًا وإلا كان معصومًا, وإنما الثقة قد يخطئ في بعض ماذا؟ الأحايين, واضح؟
السبب الآخر: التفرد الذي لا يُحتمل, يعني أن يتفرد راوٍ بحديث, وهذا الحديث فيه من المعاني ما لا يُحتمل معها أن يتفرد راوٍ بمثلها, وهذا الراوي قد يُقبَل حديثه في غير هذه الأحاديث, أو في حديث ليس فيه هذه المعاني التي لا يُحتمل فيها التفرد, مثل واحد مثلًا ياتي يخبرنا اليوم, مثلًا يقول: هناك زلزال حصل في مصر. هل مثل هذا الخبر يُقبل من واحد؟! هل  يُتصوَّر أن زلزال يقع ولا يطلع عليه إلا رجل واحد؟! أم شأن هذا الخبر أن يطلع ليه عموم الناس؟ أليس كذلك؟
فإذن: هناك أخبار من شأنها أن تنتشر فلا تقبل من الواحد, أما الأخبار التي ليس بالضرورة أن تنتشر؛ فهذه تقبل من الواحد, وهذا كلام طويل يحتاج إلى تفصيل ربما نتناوله بإذن الله -تبارك وتعالى- في لقاءات قادمة.
المهم: هذا الاختلاف أو هذا التفرد الذي لا يُحتمل يسميه العلماء بالشذوذ, ويسمونه أيضًا بماذا؟ بالعلة.
وهناك مَن يُفرِّق بين الشذوذ والعلة, وهناك مَن يجعلهما شيئًا واحدًا, لكن المهم أن الوسيلة التي يُتوصَّل بها إلى خطأ الثقة إما الاختلاف بين الرواة, وإما التفرد الذي لا يُحتمل.
نكتفي بهذا القدر, ومن كان عنده سؤال يقدمه -إن شاء الله تعالى- نسأل الله تعالى أن يعيننا على الإجابة عليه, تفضل..

{جزاك الله عنا كل خير}.
الشيخ:
بارك الله فيك.
{هل من الضروري ونحن نحدِّث العامة أن نذكر راوي الحديث ودرجته, شكرًا}.
نعم -بارك الله فيك- إذا كنت أنا في مجلس عام ينبغي عليّ ألا أذكر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان ثابتًا عنه, صحيحًا كان أو حسنًا, الحسن -إن شاء الله- سنشرحه لاحقًا, والصحي والحسن كلاهما من الحديث الصحيح المقبول, من الحديث المقبول المحتجّ به, فلا بد أن أنتقي وأنا أحدث الناس الأحاديثَ الصحيحة أو الحسنة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-, فإذا كنت أعلم صحة الحديث أو حسنه بطريق من طرق العلم, إما أنني قرأته مثلًا في صحيح البخاري, أو في صحيح مسلم, أو سألت أهل العلم, أو اطلعتُ على تصحيح بعض العلماء المعتمدين, فحينئذ ليس بالضرورة أن أذكر سنده ولا حتى أن أذكر كلام أهل العلم عليه ما دمتُ أنا مطمئن إلى صحة الحديث وأنني رجعت إلى أهل الاختصاص فأخبروني بذلك.
لكن إذا كان الحديث ليس صحيحًا, وإنما من الأحاديث الضعيفة, طبعًا الموضوع لا يجوز روايته بحال من الأحوال, لكن قد يكون الحديث ضعيف, العلماء قالوا أنه ضعيف, فإذا ما ذكرته لغرض من الأغراض التي يحتاجها بعض الوعاظ وبعض المذكرين؛ أذكره بما يفهم منه أنه ليس ثابتًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهنا ماذا؟ (حدثوا الناس بما يعرفون, أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟! ), (ما أنت مُحدِّثٌ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة), فلا ينبغي أن أستعمل المصطلحات العلمية التي قد لا يفهما المستمع, وإنما أبيِّن للنا بطريقة واضحة, أقول: يا جماعة: هذا الحديث فيه ضعف ولكنه ضعف خفيف, والعلماء ضعفوا الحديث لكنه معناه موافق للقرآن, معناه موافق للأحاديث الصحيحة, فنحن نذكره على سبيل الاستشهاد والاستئناس لا على سبيل الاحتجاج والاعتماد.
إذن أبيِّن للناس هذا من باب النصيحة -بارك الله فيك- تفضل يا أخي..

{جزاك الله خيرًا فضيلة الشيخ, إذا كان الصحيح والحسن كلاهما مقبول ويُحتجُّ بهما, فلماذا لا يكونان نوعًا واحدً؟}.
الشيخ:
بارك الله فيك, هذا سؤال جيد, العلماء -عليهم رحمة الله تعالى- تفننوا في معرفة مراتب الأحاديث, فالأحاديث المقبولة مراتب, منها الصحيح ومنها الحسن, منها ما في أعلى مراتب القبول, ومنها ما هو في أدنى مراتب القبول, والكل يشمله اسم "المقبول".
كذلك المردود, هناك الكذب والباطل والموضوع والمنكر وما لا أصل له, وهناك الضعيف -كما أشرنا إلى ذلك في السؤال السابق- واضح؟ العلماء يميزون.., مع أنها كلها يشملها اسم المردود.
لماذا العلم يذكرون مراتب الأحاديث سواء ما كان منها مقبولًا, أو ما كان منها مردودًا؟ لأن هذا -وبخاصة في المقبول- ينفعنا عند الترجيح, إذا ما تعارض حديثان كلاهما من المقبول وحاولنا أن نوفِّق بين الحديثين وأن نجمع بينهما بوجه من أوجه الجمع المعتبرة عند أهل العلم فلم نستطع؛ حينئذ نلجأ إلى ماذا؟ الترجيح, فنرجِّح رواية على رواية, فمعرفتنا بمراتب الروايات وأن بعضها فوق بعض, وأن بعضها أعلى من بعض يعيننا بطبيعة الحال على معرفة الراجح من الرمجوح, أو القوي والأقوى, والصحيح والأصح, كل ذلك يعيننا على الترجيح, وهذا علم كبير اسمه علم مختلف الحديث, سنتناوله ربما في دورات أخرى لأن الإمام البيقوني لم يتعرض لهذا النوع من الحديث.
{شيخنا -حفظكم الله- هل يمكن أن يكون الإسناد صحيح والمتن غير صحيح؟}.
الشيخ:
بارك الله فيك, إذا نظرنا إلى المسألة من الجهة العلمية البحتة فلا يُعقل هذا, لا يمكن أن يكون إسناد صحيح والمتن غير صحيح, لماذا؟ لأن معنى الإسناد صحيح أي أن الرواة عدول ضابطين, والإسناد متصل, والحديث سالم من الشذوذ, سالم من العلة, هذا هو الصحيح, فإذا كان كذلك لا بد أن يكون المتن ماذا؟ صحيحًا, لكن إذا قلنا: إن السند ظاهره الصحة, ما معنى ظاهره الصحة؟ يعني الإسناد ظاهره الاتصال, الرواة عدول ضابطون, هذا من حيث ماذا؟ الظاهر.
لكن قد يكون الراوي غلط عن غير ماذا؟ قصد -كما أشرنا آنفًا- قد يكون الراوي غلط عن غير ماذا؟ قصد, فيكون حديثه حينئذ شاذًا أو معلولًا, فحينئذ يلُفهم أنه قد يكون السن ظاهره الصحة, لكن المتن غير صحيح, لأن هذا الراوي الذي هو عدل ضابط ثقة غلط في هذا المتن تحديدًا, فلم يكن هذا المتن الذي رواه صوابًا, نعم هو لم يخطئ في السند لكن أخطأ في المتن, واستدللنا على خطئه إما بالاختلاف أو بالتفرد الذي ماذا؟ لا يُحتمل.
طبعًا هذه قضية الاختلاف وقضية التفرد أبواب واسعة جدًا, يعني الاختلاف حتى نتكلم فيه يحتاج دورة واحده, وكذلك التفرد, لكن عمومًا حينما نقول: السند ظاهره الصحة غير قولنا: السند الصحيح.
ظاهره الصحة يعني: الرواة عدول ضابطون والسند ظاهره الاتصال, لكن أليس الثقة قد يخطئ عن غير قصد؟ العدل الضابط من الممكن أن يخطئ عن غير قصد, حينئذ يمكن أن يُفهَم أن يكون المتن حينئذ فيه خطأ, ليس صحيحًا.
لكن أن يكون السند أو الحديث تحققت فيه الشروط الخمسة للحديث الصحيح فلا بد أن يصح المتن حينئذٍ,. تفضل يا أخي..

{جزاكم الله عنا خيرًا ونفع الله بكم, أحسن الله إليكم, فضيلة الشيخ: إذا كان الشذوذ والعلة كل منهما يدرك بالتفرد والاختلاف, فلماذا لم يُكتفى في الحديث الصحيح بالسلامة من أحدهما ما داما بمعنًى واحد؟}.

الشيخ:
 هذا كلام جميل, نحن قلنا: إن الشذوذ والعلة كلاهما يدرك بالتفرد الذي لا يحتمل أو بالاختلاف بين الرواة, وقلنا: التفرد أو الاختلاف, التفرد الذي لا يحتمل أو الاختلاف إذا وقعا يسمى شاذًا ويسمى معلولًا, لكنني أشرت إلى أن بعض أهل العلم يُفرق بين الشاذ والمعلول, والبعض الآخر يجعل الشاذ والمعلول معناهما ماذا؟ واحد, ولهذا اشترط ابن الصلاح وغيره من أهل العلم في الحديث الصحيح أن يكون سالمًا من الأمرين معًا, من الشذوذ ومن العلة, لماذا؟ ليكون التعريف للحديث الصحيح شاملًا للحديث الصحيح عند جميع علماء الحديث, لأننا إذا قلنا: الحديث الصحيح هو "ما سلم من الشذوذ" فقط؛ سيأتي مَن يرى التفرقة بين الشاذ والمعلول يقول: هذا التعريف غير جامع, لأن هناك أيضًا سبب لا بد أن يسلم منه الحديث الصحيح, ألا وهو العلة.
ولو قلنا: إن الحديث الصحيح لا بد أن يكون سالمًا من العلة فقط, سيأتي هذا الذي يرى التفرقة بين الشاذ والعلة ويقول: أين السلامة من الشذوذ؟ واضح؟
فلأجل أن يكون الحديث شاملًا لتعريف الحديث عند علماء الحديث قاطبة؛ اشترطنا في الحديث الصحيح أن يكون سالمًا من الأمرين, من الشذوذ والعلة.
ونكتفي بهذا القدر لأن الوقت قد أزف, وإن شاء الله تعالى في اللقاء القادم نتناول الحديث الحسن, نسأل الله تعالى التوفيق والسداد, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك, والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire